المسار :تحت شعار “نساء فلسطين… مقاومات وصامدات نحو التحرير والعدالة والمساواة”، نظّم الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وبالتعاون مع منتدى مناهضة العنف ضد المرأة وقطاع المرأة في شبكة المنظمات الأهلية واللجنة الوطنية لدعم الأسرى، وقفة جماهيرية حاشدة صباح اليوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 على دوار الشهداء في نابلس، وذلك بالتزامن مع انطلاق فعاليات الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد النساء، وللتأكيد على مركزية قضية الأسيرات الفلسطينيات وما يتعرضن له من انتهاكات داخل سجون الاحتلال.
وشهدت الوقفة مشاركة واسعة من المؤسسات النسوية والأهلية والفصائل الوطنية، كما حضر ممثلون عن القوى الشعبية والفعاليات المجتمعية، في مشهد عكس وحدة الموقف الوطني والنسوي، وربط بين النضال ضد الاحتلال والنضال ضد العنف الموجّه للنساء. وكذلك ازدانت الساحة بالأعلام الفلسطينية وصور الأسيرات والأسرى والشعارات المطالبة بالعدالة والحرية، إضافة إلى لافتات كُتب عليها: “أوقفوا العنف الاستعماري ضد النساء”، “حرية للأسيرات”، “نساء فلسطين صامدات رغم القيد”.
وفي هذا الإطار ألقى عطوفة محافظ نابلس غسان دغلس كلمة مركزية أكد فيها أن المرأة الفلسطينية هي كل المجتمع، لأنها حاملة الوعي والصمود وشريكة أساسية في النضال الوطني وفي حماية النسيج الاجتماعي، مشددًا على أن النساء يتعرضن لانتهاكات قاسية وممنهجة من قبل الاحتلال، سواء داخل السجون أو على الحواجز أو خلال الاقتحامات اليومية للمدن والمخيمات. كما دعا دغلس المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه ما تتعرض له النساء الفلسطينيات من عنف سياسي واستعماري، مؤكدًا أن حماية المرأة هي جزء أصيل من حماية المجتمع وصون إرادته في مواجهة الاحتلال، وبذلك شكّلت كلمته محورًا رئيسيًا في الفعالية ورسالة دعم واضحة لقضية الأسيرات.
كما ألقت أمينة أصلان، المديرة التنفيذية لمركز الدراسات وعضو منتدى مناهضة العنف ضد المرأة، كلمة مؤثرة أكدت خلالها أن العنف الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية هو عنف مركّب ناتج عن الاحتلال، وأنه يتجاوز مرحلته الاجتماعية ليصبح عنفًا سياسيًا واستعماريًا يستهدف النساء المقاومات. وأشارت إلى أن الاحتلال يمارس شتى أشكال الانتهاكات بحق النساء داخل المعتقلات، من الإهمال الطبي إلى العزل والتعذيب والتحقيق القاسي، مؤكدة أن “نساء فلسطين لا يطالبن فقط بالحماية، بل بالحرية والكرامة وإنهاء الاحتلال”. وفي السياق ذاته انتقدت أصلان الصمت الدولي حيال جرائم الاحتلال، مؤكدة أن “الصمت شراكة غير مباشرة في العنف الواقع على الأسيرات”.
ومن جهة أخرى تناول عدد من المتحدثات معاناة الأسيرات داخل المعتقلات، كما عُرضت شهادات لذوي الأسيرات تحدّثت عن الحرمان من الزيارات وغياب الرعاية الصحية وتعرّضهن للتنكيل والإهانة. وأضافت إحدى الأمهات: “ابنتي تقضي شهورًا بلا زيارة… ولا نعرف حالتها الصحية”، فيما روت أسيرة محررة تفاصيل التفتيش المهين قائلة: “كانوا يحاولون كسر إرادتنا، لكننا كنا نخرج أقوى”.
وفي كلمة أخرى، تحدث مظفر ذوقان، عضو اللجنة الوطنية لدعم الأسرى، مؤكدًا أن الاحتلال يسابق الزمن لإقرار قانون إعدام الأسرى في “القراءة الثانية” في الكنيست، وأن هذا التشريع يمثل تصعيدًا خطيرًا يستهدف الروح الوطنية والقضية الفلسطينية. وأشاد بصمود الأسرى داخل السجون، وحذّر من محاولات الاحتلال “شرعنة القتل تحت غطاء قانوني”، محمّلًا المجتمع الدولي مسؤولية مواجهة هذا التوجه العنصري. ووصف ذوقان الوضع في السجون بأنه “كارثي”، مشيرًا إلى الاقتحامات الليلية، وقطع الكهرباء، وحرمان الأسرى من الطعام والزيارات، وعمليات الضرب والإهانة اليومية، معتبرًا أن الاحتلال يستخدم السجن كأداة قمع وإخضاع وليس كإجراء قانوني.
وتأتي هذه الفعالية في ظل ظروف أمنية صعبة تعيشها مدينة نابلس، التي تتعرض لاجتياحات ليلية متكررة ونصب حواجز فجائية وعمليات حصار ومداهمات تشكل ضغطًا يوميًا على السكان، ورغم ذلك نجحت الوقفة في توحيد الحشود النسوية والوطنية، كما برز حضور لافت للشابات والقيادات النسوية الشابة اللواتي أكدن أن “المرأة جزء أصيل من المقاومة الشعبية والوطنية”. وإلى جانب ذلك ركزت الشعارات على الربط بين النضال الوطني والنضال النسوي، فامتزجت الهتافات بين “حرية للأسيرات” و“لا لعنف الاحتلال”، في تعبير واضح عن وحدة النضال.
وفي سياق متصل شددت المنظمات النسوية على ضرورة تدويل قضية الأسيرات وإدراجها ضمن ملفات الجرائم الدولية أمام المحاكم المختصة، كما طالبن بفتح تحقيق دولي في الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في السجون والمعتقلات، فضلًا عن الدعوة إلى تفعيل آليات الحماية الدولية وإلزام الاحتلال بمواثيق حقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة. كذلك أكدت المؤسسات أن العنف ضد المرأة الفلسطينية لا يمكن فصله عن الاحتلال، لأنه “عنف سياسي ممنهج يستهدف كسر إرادة الشعب بأكمله”.
كما طالبت الفصائل والمؤسسات المشاركة بضرورة تعزيز تمثيل النساء في مواقع القرار الفلسطيني، إلى جانب مواجهة العنف المجتمعي بصورة موازية لمواجهة العنف الاستعماري، في رسالة تؤكد أن حماية النساء مسؤولية وطنية وجماعية. وفي الوقت ذاته شدد المتحدثون على ضرورة حماية الصحفيات والعاملات في الميدان اللواتي يتعرضن لانتهاكات مضاعفة من الاحتلال خلال التغطيات الميدانية.
وفي ختام الوقفة، ردد المشاركون هتافات تؤكد الاستمرار في دعم قضية الأسيرات والأسرى، كما أعلن المنظمون أن هذه الفعالية تأتي كجزء من سلسلة فعاليات متواصلة خلال الأيام الـ16 من حملة مناهضة العنف ضد النساء، وذلك حتى تتحول المطالب إلى خطوات عملية، والصوت إلى فعل، والنضال إلى حماية وحرية.

