المسار : كانت إسرائيل تحاول دائمًا أن تسوّق نفسها بأنها دولة ديمقراطية – ليبرالية – متنورة، لكن هذا الوصف يجافي الحقيقة. فإسرائيل، منذ تأسيسها، لم تكن بهذه الصفات. لقد فرضت حكمًا عسكريًا على المجتمع العربي لمدة عشرين عامًا على الأقل. وسياساتها العنصرية ضد مواطنيها العرب مستمرة حتى اليوم. والادعاء أن إسرائيل دولة ديمقراطية – ليبرالية – متنورة بالنسبة لليهود فقط، هو ادعاء كاذب أيضًا.
فإسرائيل منذ تأسيسها تعاملت وتتعامل حتى اليوم بشكل عنصري مع مواطنيها اليهود الذين هاجروا إليها بعد قيامها، في نهاية أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، من الدول العربية والذين يُعرفون بتسمية اليهود الشرقيين. وتعاملت وتتعامل حتى اليوم بعنصرية مع اليهود الإثيوبيين الذين استُجلبوا في الثمانينيات، وكذلك مع المهاجرين الذين استُجلبوا، في بداية التسعينيات، من دول الاتحاد السوفييتي بعد انهياره.
هذه الأمور ليست سرية وإنما معروفة منذ فترة طويلة. فالمؤسسة الحاخامية الإسرائيلية تشكك حتى اليوم في يهودية المهاجرين الإثيوبيين، وتشكك بشكل خاص في هوية المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق. لكن الجديد في هذا الموضوع أن إسرائيل لم تعد تحاول إخفاء العنصرية ضد هذه الفئات، في ظل ولاية الحكومة الفاشية – الدينية الحالية التي اضطر بنيامين نتنياهو إلى تشكيلها، قبل ثلاث سنوات، بسبب رفض الأحزاب “العلمانية” المشاركة في حكومة برئاسته، إثر محاكمته بتهم فساد التصقت به.
مطلع الشهر الماضي، قدّمت وزارة الأديان والمحاكم الدينية مشروع قانون حكومي يمنح صلاحيات واسعة للمحاكم الدينية من أجل فحص ما إذا كانت يهودية شخص حقيقية أم لا، وأن يكون قرار المحكمة الدينية ملزمًا لجميع السلطات في الدولة. وسيجعل هذا القانون بعد سنّه أي شخص في إسرائيل، وخاصة بين المهاجرين الروس، معرضًا للتحقيق حول صحة يهوديته. وفي حال تقرر أن شخصًا ليس يهوديًا، سيُطالب أقرباؤه أيضًا بأن يختاروا بين ما إذا كانوا يريدون الخضوع لإجراءات إثبات يهوديتهم أو أن يُسجلوا كممنوعين من الزواج في المحاكم الدينية اليهودية.
، “ستشجع على تنفيذ عمليات خطف في المستقبل”. ويدعي هذا القانون أن عقوبة الإعدام ستردع تنفيذ عمليات مسلحة وأسر إسرائيليين، لكن خبراء قانون وأطباء إسرائيليين يؤكدون أن عقوبة الإعدام وتنفيذها، سيصعد مثل هذه العمليات ضد إسرائيليين، وسيرفع مستوى العنف وجرائم القتل في إسرائيل نفسها، بالاستناد إلى تجارب دول طبقت هذه العقوبة، ويحذرون من تزايد الانتقادات الدولية لإسرائيل.
في ظل هذا المستوى من العنصرية والفاشية للحكومة الإسرائيلية ومحاولة رئيسها التهرب من محاكمته، ليس مستغربًا سعي نتنياهو إلى استمرار الحرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وربما توسيعها إلى دول أخرى.
إسرائيل تسعى لحرب أهلية في لبنان
ذريعة إسرائيل لاستمرار حروبها هي نزع سلاح حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة وحزب الله في لبنان. ولا شك في أن إسرائيل تعلم أن هذه الفصائل ترفض بالمطلق إلقاء سلاحها، لأنها تعتبر سلاحها شرط وجودها. لكن يبدو أن إسرائيل تستخدم هذا المطلب من أجل تحقيق هدف آخر لا تذكره، وهو الدفع نحو صراعات داخلية بين الفلسطينيين وفي لبنان، وتأمل بحروب أهلية.
في ظل النزعات العدوانية الإسرائيلية، تدعي الحكومة الإسرائيلية أنها “محبطة” من أن الحكومة اللبنانية لا تفعل ما فيه الكفاية من أجل نزع سلاح حزب الله، وتهدد الحكومة اللبنانية بأنه “لن ننتظر إلى الأبد”، لكن إسرائيل تريد الحصول على موافقة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على استئناف الحرب ضد لبنان، التي سيبحثها نتنياهو خلال لقائه مع ترامب في نهاية الشهر الجاري، حسبما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أمس، الخميس.
إسرائيل ترفض بشكل قاطع الانسحاب من أعلى قمة لجبل الشيخ في سورية، لكنها تتخوف من أن يفرض ترامب عليها انسحابًا من كافة الأراضي السورية التي احتلتها بعد سقوط نظام بشار الأسد، قبل سنة.
وتصف الحكومة الإسرائيلية المبعوث الأميركي إلى سورية ولبنان والسفير في أنقرة، توم باراك، بأنه “جهة معادية”، حسب الصحيفة، وأنه يدفع مصالح الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، “ولا يفوت فرصة إلا ويسمم أذن ترامب ضد إسرائيل”، وأنه يدفع ترامب إلى الموافقة على تزويد تركيا بطائرات إف-35 الذي تعارضه إسرائيل بشدة. وسيحاول نتنياهو خلال لقائه مع ترامب منع هذه الصفقة.
لم توقف إسرائيل حربها على غزة، منذ بدء سريان وقف إطلاق النار المزعوم قبل شهرين، وتشير المعطيات الرسمية إلى أنه استشهد خلال الشهرين الماضيين 383 فلسطينيًا وأصيب أكثر من ألف آخرين. وتم انتشال جثامين 627 شهيدًا من تحت الأنقاض.
وخلافًا لمزاعم إسرائيلية وأميركية، فإن إسرائيل تواصل سياسة تجويع الغزيين. وأفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أمس، بأن إسرائيل سمحت بدخول 14,534 شاحنة مساعدات إلى القطاع، بدلًا من 37,200 شاحنة كان يُفترض دخولها في الشهرين الأخيرين، وكانت محملة بالسلع منخفضة القيمة الغذائية، ومنعت إسرائيل دخول عشرات الأصناف الحيوية الضرورية لسكان القطاع.
العدوان الإسرائيلي متواصل فيما يضرب المنخفض الجوي الحالي قطاع غزة ويشكل خطرًا كبيرًا على سكانه. وأعلن الدفاع المدني في غزة، أمس، أنه تلقى أكثر من 2500 نداء استغاثة نتيجة المنخفض الجوي، وتسبّب بأضرار كبيرة بخيام النازحين، وأكد أن “القطاع يواجه تحديات قاهرة، حيث تضطر العائلات للنزوح من منطقة إلى أخرى بحثًا عن مأوى آمن”، وحذر الدفاع من أن المنخفض الجوي قد يؤدي إلى جرف المباني الآيلة للسقوط، ما يشكل خطرًا حقيقيًا على حياة السكان.
الضفة الغربية: بؤر استيطانية بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي
بدأت إسرائيل، هذا الأسبوع، ببناء جدار على طول الحدود الأردنية، التي يفصل قسم كبير منها بين الأردن والضفة الغربية. وقال وزير الأمن، يسرائيل كاتس، إن بناء الجدار سيعزز الاستيطان في الضفة “من أجل ترسيخ سيطرتنا في المنطقة وتعزيز الاستيطان كعنصر إستراتيجي في أمننا القومي”.
يأتي بناء هذا الجدار وتوسيع الاستيطان في ظل المخطط الإسرائيلي لضم الضفة. وقال ضابط برتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي لقناة “كان”، هذا الأسبوع، إن البؤر الاستيطانية العشوائية على شكل مزارع، تُقام بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي منذ تولي الجنرال أفي بلوط منصب قائد القيادة الوسطى للجيش، وأنه منذ تموز/يوليو عام 2024، “نحن لا نعلم فقط أن المستوطنين سيقيمون بؤرًا استيطانية وإنما نشارك في إقامتها، وقبل ذلك كانت تُقام البؤر الاستيطانية بدون علم مسبق للجيش، أي أنها كانت تُقام في الليل ونضطر إلى الموافقة عليها كحقيقة ناجزة”.
وأضاف الضابط أن بلوط أصدر أمرًا عسكريًا يقضي “بإقامة بؤرة استيطانية بالتنسيق” مع الجيش، وتخطيط لحجم قوات الجيش لحراسة البؤرة الاستيطانية وعدد الكرافانات التي ستُدخل إليها. وأشار إلى أنه يوجد في كل بؤرة استيطانية أربعة إلى خمسة جنود، وأن هناك أكثر من 100 بؤرة استيطانية كهذه، “أي أكثر من 500 جندي، وهؤلاء قوة بحجم كتيبة كاملة مهمتها حراسة البؤر الاستيطانية فقط”.
ونقلت قناة “كان” عن تحذير لضباط إسرائيليين كبار، في آذار/مارس الماضي، أنه “منذ بداية عام 2024 وحتى اليوم تم توثيق أكثر من 200 خرق لأعمال بناء في المستوطنات، بينها 36 مزرعة استيطانية وعدة عشرات بؤر استيطانية. والأمر المثير للقلق أكثر هو أن معظم المزارع الجديدة أُقيمت بعلم ومصادقة جهات مختلفة في الجيش”.
ونقلت القناة عن وزير المالية الإسرائيلي والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، قوله إن “هذه المزارع الاستيطانية ليست قانونية، ونحن نعمل كي تكون قانونية”، ثم تراجع عن أقواله قائلًا إنه “لست مقتنعًا أنها ليست قانونية”.

