غزة.. شتاء بلا كهرباء يضاعف معاناة المواطنين ويقيّد أرزاقهم

المسار : منذ شنّ الاحتلال حرب الإبادة على غزة، وجد سكان القطاع المحاصر أنفسهم أمام واقعٍ كهربائي شبه معدوم، بعدما انهارت منظومة الطاقة بالكامل.

فمع توقف محطة التوليد الوحيدة عن العمل بقرار إسرائيلي في بداية الحرب بالسابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وقطع خطوط الكهرباء القادمة من داخل الأراضي المحتلة، حُرم القطاع من أي مصدر منتظم للكهرباء.

وأمام هذا الانقطاع الشامل، لم يبقَ أمام الأهالي والمؤسسات سوى الاعتماد على أنظمة الطاقة الشمسية، المنزلية والتجارية، كمصدر بديل لتوفير الحد الأدنى من الكهرباء، رغم محدودية قدرتها وعدم استقرار إنتاجها، خاصة في فصل الشتاء.

وتفاقمت الأزمة أكثر مع تشديد الاحتلال قيوده على إدخال الوقود إلى القطاع، ما أدى إلى تعطّل المولدات الكهربائية التي كانت تشكّل خيارًا احتياطيًا في بعض المنازل والمنشآت.

ومع الارتفاع الحاد في أسعار الوقود داخل غزة، أصبح تشغيل هذه المولدات رفاهية لا يقدر عليها معظم السكان، لتتحول الكهرباء إلى مورد نادر تتحكم به الشمس وتقلبات الطقس.

برد الشتاء والغيوم.. شلل الحياة اليومية

مع بداية الشتاء وغياب الشمس نتيجة السماء الملبدة بالغيوم، تتضاعف معاناة سكان غزة بشكل كبير؛ فالنهار لا يوقف الضوء فقط، بل يعيق أعمال الناس اليومية، ويحدّ من إنتاجيتهم، ويؤثر على مصادر رزقهم الضعيفة التي تعتمد على الطاقة الشمسية.

ويصبح كل يوم غائم اختبارًا جديدًا للصمود، حيث يتوقف إنتاج الكهرباء ويُصاب العمل الحر والأنشطة التجارية بشلل شبه كامل.

فمن بين الخيام المؤقتة في أحد أحياء غرب مدينة غزة، تخرج الشابة سلمى نصر (29 عامًا) حاملة حاسوبها المحمول داخل حقيبة بلاستيكية تحميه من المطر.

لم ينجُ من منزلها المدمّر سوى هذا الجهاز، الذي أصبح وسيلتها الوحيدة للاستمرار في عملها كمحررة محتوى عبر الإنترنت.

تقول سلمى: “في الأيام الماطرة، أضطر للسير مسافات طويلة للوصول إلى مساحة عمل تعتمد على الطاقة الشمسية، لكن ضعف الإضاءة وقصر النهار يجعل إنجاز المهام شبه مستحيل، وغالبًا أعتذر لعملائي عن التأخير”.

وتضيف بصوت يختلط فيه الإرهاق بالقلق: “أحيانًا أضطر لتأجيل تسليم الأعمال أو الاعتذار عن فرص عمل جديدة، ليس لقلة الخبرة أو الرغبة، بل لأن الكهرباء لا تُنتج مع الغيوم. أشعر أن الغيمة هنا لا تحجب الشمس فقط، بل تحجب الاستقرار أيضًا”.

وتوضح سلمى أن العمل الحر، الذي كان نافذتها الوحيدة للاستقلال المادي، بات اليوم مرتبطًا بتقلبات الطقس، ما يزيد من الضغط النفسي في محاولة مستمرة للحفاظ على مصدر رزق هش.

الطاقة الشمسية.. حلٌّ هش

ومع تدمير الاحتلال الإسرائيلي للبنية التحتية، يحتاج قطاع غزة إلى أكثر من 600 ميغاوات لتغطية الحد الأدنى من احتياجاته من الكهرباء، في وقت لا يتوفر فيه أي مصدر تقليدي للطاقة.

وبات آلاف العاملين عن بُعد يعتمدون بشكل كامل على ألواح الطاقة الشمسية، التي تفقد فاعليتها في الأيام الغائمة، ما يهدد مصادر دخلهم المحدودة.

المصمم الجرافيكي علاء رجب (34 عامًا) يشير إلى أن العمل في مساحات تعتمد على الطاقة الشمسية لم يعد خيارًا مريحًا.

ويقول رجب : “كنت أدفع ما يعادل 80 دولارًا شهريًا، أما اليوم فأُطالب بـ 160 دولارًا، ومع ذلك لا أحصل إلا على نصف ساعات العمل بسبب ضعف الشحن”.

أكشاك الشحن.. رزق معلّق بالغيوم

في أحد الشوارع المدمّرة وسط مدينة غزة، يقف أنس زيدية أمام كشك صغير لشحن الهواتف المحمولة. يرفع رأسه نحو السماء الملبدة بالغيوم قائلًا: “اليوم الماطر يعني يومًا بلا دخل. الناس تحتاج الشحن، لكن الألواح لا تُنتج ما يكفي”.

وتنتشر أكشاك الشحن في الأحياء السكنية، حيث يعتمد السكان على هواتفهم المحمولة كمصدر شبه وحيد للإنارة والتواصل مع العالم الخارجي.

تحمل طفلة في الثامنة من عمرها هاتف والدتها الذي فرغت شحنته، وتنتظر دورها أمام كشك الشحن. يخبرها صاحبه أن الشحن لن يتجاوز 40%. تنسحب بصمت، وكأنها اعتادت على هذا الرد في ظل المنخفضات.

تحديات تقنية في الشتاء

وعلى سطح بناية متضررة، يعمل مهندس الطاقة الشمسية مؤمن السويسي (26 عامًا) على تثبيت ألواح جديدة، قائلًا لمراسلتنا: “الأمطار والرطوبة تُضعف الفولت، والبطاريات لا تُشحن بالكامل. نحاول تقليل الخسائر باستخدام عوازل ومانعات صواعق، لكن الإمكانيات محدودة”.

ويؤكد السويسي، أن إنتاج الألواح ينخفض إلى أقل من 50% في الأيام الغائمة، ما ينعكس مباشرة على حياة الناس وأعمالهم اليومية.

ويضيف أنّ “الطلب على الطاقة الشمسية يزداد يومًا بعد يوم، لكن الظروف الأمنية، ونقص المعدات، وارتفاع الأسعار تعيق تطوير المنظومات بالشكل المطلوب”.

ويوضح أن كثيرًا من الأنظمة المركّبة حاليًا تعمل بأقل من كفاءتها بسبب الأضرار التي لحقت بها خلال القصف.

وحذر من أن استمرار الاعتماد على الطاقة الشمسية دون دعم حقيقي وصيانة دورية قد يؤدي إلى انهيار هذا البديل الحيوي في أي شتاء قاسٍ.

Share This Article