قلنا بأن الرد الإيراني له علاقة بالكرامة الوطنية والسيادة والردع وقرار الرد على القصف ” الإسرائيلي” للقنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني في المقدمة منهم قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان الجنرال محمد رضا زاهدي، شكل بالنسبة لطهران تجاوزاً لكل الخطوط الحمر ويعبر عن تحدي لإيران في هيبتها ومصداقيتها والثقة بها من قبل الجماهير الإيرانية اولاً وحلفائها واصدقائها في المنطقة والإقليم …وكذلك فهذا يتصل بعامل الردع وخلق قواعد اشتباك جديدة، لا تسمح بها ايران …ولذلك الرد المتخذ من أعلى مرجع ديني وعسكري ممثلاُ بالإمام الأكبر علي خامنئي…كان ينتظر تحديد المكان والوقت وحجم الرد ….والرد كانت ايران حريصة على ان يكون من داخل الأراضي الإيرانية باتجاه ” اسرائيل”، وليس عبر حلفائها في المنطقة، للتأكيد على ان ايران قوة إقليمية قادرة ان تفرض معادلات في المنطقة، وأن ترد من داخل الأراضي الإيرانية، ولذلك جاء الرد بالقصف لمناطق واسعة في ” اسرائيل” ممتدة من النقب وديمونا وايلات الى الضفة الغربية “المستوطنات المنتشرة عليها” ومناطق الوسط تل ابيب وغوش دان وغيرها من المناطق الأخرى، حيث استخدم في القصف أكثر من 200 مسيرة وصاروخ من طراز كروز وصواريخ مجنحة، يبدو انها التي اصابت القاعدة العسكرية في النقب وأحدثت بها دماراً كبيراً ….عمليات القصف والاستهداف والرد الإيرانية، قالت بشكل واضح اذا كانت ” اسرائيل” تعتقد بأنها “البقرة المقدسة” التي لا تمس والمحمية بأنظمة دفاعية امريكية واوروبية غربية وحزام أمني من قبل دول عربية وظيفية، فهذا لن يمنع ايران من الرد، بل ايران وجهت تحذيرات مباشرة الى امريكا بعدم التدخل وإلا فإن قواعدها في الدول العربية من الخليج حتى سوريا والعراق ستتعرض للقصف …وكذلك حذرت تلك الدول المتواجدة فيها القواعد الأمريكية بالاستهداف اذا ما سمحت لأمريكا باستخدامها في العدوان على طهران ….الرد الإيراني سيكون له تداعيات سياسية ونفسية كبيرة في داخل ” اسرائيل” ،فعلى الجانب النفسي، وفي ظل حالة الاستنفار الكبير التي عاشها المجتمع “الإسرائيلي” ، واستنزاف الأعصاب، وحالة الهلع والخوف والاستنفار، وما رفقها من حالة تخبط وإرباك كبيرين على المستوى القيادي العسكري والأمني والسياسي والحكومي ” الإسرائيلي” ،والتي قالت بأن قوة الردع التي يتحدث عنها نتنياهو وقادة حكومته، لم يجر استعادتها بل تصاب بالمزيد من التأكل، حيث الاستنجاد بأمريكا ودول الغرب الأوروبي من أجل المشاركة في الدفاع عنها ، ناهيك عن فقدان ثقة المجتمع “الإسرائيلي” بقدرات المؤسسة الأمنية والعسكرية بتوفير الأمن والأمان لهذا المجتمع على المستوى الفردي والعام، ولذلك هذا الرد سيحفر عميقاً في وعيهم ونفسياتهم، وسيضعهم امام سؤال كبير، حول جدوى استمرار وجدوهم في هذه الدولة، غير القادرة على حمايتهم ،وهو لم تعد بلد استقرار واستثمار، ولذلك سيبحثون عن ملاذ امن لهم واستقرار خارجها…وبالمقابل هذا الرد الإيراني وبغض النظر عن تأثيراته العسكرية، لكنه سيشكل رافعة كبيرة للحالة المعنوية عند الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لعدوان مستمر ومتواصل على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وكذلك تأكيد على ان هناك وحدة ساحات بالفعل والممارسة وليس على مستوى الشعار والتنظير، وفي التداعيات السياسية هذا الرد سيجبر نتنياهو عن النزول عن الشجرة، وربما اذا ما استمر في عناده وعنجهيته، فإن رحيله وغيابه عن المشهد السياسي لن يكون بعيداً، فهو أراد توسيع الحرب حماية مستقبله الشخصي والسياسي وخلط الأوراق وتوريط امريكا في حرب لا تريدها، والرد الإيراني أيضاً سيعزز من حدة الانقسامات والخلافات “الإسرائيلي” في كافة المستويات عسكرية وامنية وسياسية، وخاصة بان هناك اتهامات وجهتها وسائل الإعلام وقيادات عسكرية وأمنية حالية وسابقة لنتنياهو بأنه جبان ومذعور وخائف واناني ومتعجرف ويقود ” اسرائيل” نحو الهاوية خدمة لمصالحه الخاصة .
ايران في ردها قالت بشكل واضح بأنها قوة اقليمية اولى وكبرى في المنطقة وقادرة ان تفرض شروطها ومعادلاتها، وهي لا تتسامح ضد أي عدوان او مس بقادتها ومنشأتها والعبث بأمنها واستقرارها، داخل الأراضي الإيرانية وخارجها، وستعاقب كل من يستهدفها ويستهدف وجودها في المنطقة والإقليم.
وشاهدنا كيف بدأ ردها بالاستيلاء على سفينة مملوكة لرجل الأعمال “الإسرائيلي” ايال عوفر ،في مضيق هرمز وجرها الى المياه الإقليمية الإيرانية…واستهداف تلك السفينة التي كانت متجهة من الإمارات الى الهند، رسالة واضحة من طهران بأنها ستقطع وتغلق الطريق البري لنقل البضائع الى ” اسرائيل” من الهند فإلى العديد من دول الخليج العربي فميناء حيفا، بعد أن نجحت جماعة “انصار الله ” اليمنية في اغلاق البحر الأحمر أمام السفن التجارية ” الإسرائيلية” أو المرتبطة بها، ووسعت ذلك بعد تشكيل أمريكا لما يعرف ب”حارس الازدهار” ،تحت حجج وذراع حماية أمن وسلامة الملاحة البحرية وضمان خطوط الطاقة، وقيامها بشن غارات عدوانية مشتركة مع بريطانيا على أهداف يمنية، دفعت باليمن باستهداف السفن الأمريكية والبريطانية، وكذلك بوارجها ومدمراتها ،ووسعت هذا الاستهداف ليصل المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح.
الرد الإيراني والذي على ما يبدو بأن واشنطن ستلجم نتنياهو من الرد عليه، حتى لا تتسع رقعة الحرب وتتحول الى حرب اقليمية، ربما يقود الى تفاوض على حافة الهاوية بين ايران وأمريكا، أي فتح أفاق لحلول سياسية شاملة تبدأ بوقف إطلاق النار على الجبهة الفلسطينية مرورا بالجبهة الشمالية وجبهات سوريا والعراق والبحر الأحمر ..وإذا لم تقم أمريكا بلجم نتنياهو ومنع تهوره وحماقته، وفشل الحل السياسي، فالمنطقة ستكون أمام حرب إقليمية شاملة، ولربما اوسع من ذلك في ظل المواقف التي عبرت عنها روسيا وكوريا الشمالية، التي تدرك الخطر على أمنها واستقرارها ومصالحها الإستراتيجية، إذا ما تدخلت أمريكا واوروبا الغربية لتشارك “اسرائيل” في العدوان على ايران، فإنها ستقف عسكرياً الى جانب ايران.
المنطقة مفتوحة على كافة الخيارات وطهران قالت بأن المرحلة الأولى من الرد والتي عنونها المرشد الأعلى الإمام علي خامنئي بالانتقام قد انتهت، وإذا ما ردت ” اسرائيل” ستكون هناك مراحل ثانية وثالثة ورابعة.
راسم عبيدات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس وجهة نظر المسار الإخباري