
رام الله – بحثت ورشة عمل نظمتها دائرة مناهضة الفصل العنصري (الأبارتهايد) في منظمة التحرير الفلسطينية، اليوم الاثنين، “استحقاق إصدار أوامر الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق مجرمي الحرب الإسرائيلية” في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية والتهجير القسري والتطهير العرقي وتعامل دولة الاحتلال كدولة فوق القانون، وضربها بعرض الحائط كافة القرارات والأعراف الدولية، وذلك ضمن سلسلة من اللقاء والندوات التي تنظمها الدائرة.
وحضر ورشة العمل التي عقدت في مقر منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله، عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وشخصيات ونشطاء من مختلف القطاعات الإعلامية والقانونية والأكاديمية، وعدد من ممثلوا فصائل العمل الوطني.
وافتتحت الورشة بالسلام الوطني الفلسطيني والوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الشعب الفلسطيني، حيث أدارها الدكتور ماهر عامر، المدير العام لدائرة مناهضة الفصل العنصري، الذي نعى في بداية اللقاء، كافة شهداء الثورة الفلسطينية وفي مقدمتهم الشهيد طلال أبو ظريفة، عضو المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية.
وفي بداية اللقاء، تحدث “جان فيرمون” رئيس المبادرة الأوروبية الفلسطينية لمناهضة الابارتهايد، والأمين العام لجمعية الحقوقيين الديمقراطيين العالمية، عن دور المحكمة الجنائية الدولية في معاقبة دولة الاحتلال الاسرائيلي على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني وإفلاتها من العقاب، باعتبارها المنظمة الأكثر تمثيلا في العالم، حيث تضم 124 دولة.
وأضاف “جان فيرمون” أن دولة الاحتلال الاسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، تشن حملة حقيقية من الترهيب والتهديد والافتراء ضد المحكمة الجنائية الدولية والعاملين فيها، وذلك في محاولة لإسكات الحقيقة وتحريف مجريات عمل المحكمة.
ودعا “فيرمون” في حديثه إلى توسيع حملة المساءلة والمحاسبة لدولة الاحتلال على جرائمها من قبل السلطات القضائية الوطنية في كل دول العالم وفق الولاية القضائية الدولية، وذلك بالتوازي مع إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، من خلال الجمع بين الإجراءات في مجالات مختلفة.
وأوضح رئيس المبادرة الأوروبية الفلسطينية لمناهضة الابارتهايد أن دولة الاحتلال الاسرائيلي ارتكبت جرائم حرب في قطاع غزة منذ اليوم الأول، مضيفا انه بدا واضحًا أن العملية برمتها كانت بلا شك مؤامرة لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، مؤكدا على أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية الفلسطينية في توثيق الجرائم وتقديم الأدلة، رغم ما تتعرض له هذا المؤسسات من هجمة من دولة الاحتلال.
وأضاف جان فيرمون: “إنني أعتبر أن إصدار مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو فقط بسبب منع المساعدات الإنسانية، وليس بسبب الهجمات على السكان المدنيين والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وهي بمثابة “ترجمة قضائية” جديدة لسياسة إسرائيل على أقل تقدير”.
بدوره، تحدث السفير عمر عوض الله، مساعد وزير الخارجية للأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، عن الدور الفلسطيني في تعزيز الملفات لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين في المحاكم والمؤسسات الدولية، وأهمية أن تكون هناك حاضنة وطنية لهذا الملف لما له من تبعات كبيرة على فلسطين وشعبها، كما تحدث عن التكامل بين وزارة الخارجية ومؤسسات المجتمع المدني في الشأن.
وأضاف عضو الله أن ملامح الإنجازات في المؤسسات الدولية بدأت تظهر عبر ما تقوم به الحكومة الفاشية الإسرائيلية من إجراءات عقابية بحق الشعب الفلسطيني، ومنها مصادرة الأراضي وقرصنة أموال المقاصة وغيرها من الإجراءات العقابية.
وأضاف مساعد وزير الخارجية للأمم المتحدة أن أولى البلاغات التي قدمت للجنائية الدولية، كانت فور الانضمام للمحكمة عام 2015، وأن ما يرى اليوم هو مراكمة للجهود الفلسطينية في هذا المجال منذ قرابة عشر سنوات لمحاكمة المنظومة العسكرية الاستعمارية الإسرائيلية.
كما أضاف أن المحكمة الجنائية الدولية هي جزء من مسار قانوني دائم تديره دولة فلسطين وكل خطوة ونجاح تحققه فلسطين في المؤسسات الدولية تساهم في تعزيز المسار القانوني، منوها أن لدى وزارة الخارجية لقاءات دائمة مع المدعي العام للجنائية الدولية، لينجز التحقيق الجنائي الذي بدأ فيه، وضمان عدم التلكؤ فيه مقارنة بسرعة التحقيق في الحرب الروسية الأوكرانية.
وأوضح عوض الله أن أولوية فلسطين هي دعم المحكمة والإجابة على كل تساؤلات المحكمة الجنائية الدولية، لإثبات ارتكاب إسرائيل جرائم الحرب وجريمة الإبادة الجماعية، وأن الجنائية الدولية أمام استحقاق لوقف الدم النازف في قطاع غزة، مؤكدا أن المنظومة الإسرائيلية مجرمة ويجب محاكمتها كاملة وليس محاكمة أفراد بعينهم.
إلى ذلك، تحدثت ليما البسطامي، مديرة الدائرة القانونية في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من عمان، عن سبل تسريع سير القضايا القانونية، وصولا لمحاكمة الاحتلال وجيشه والمنظومة الاستعمارية كاملة.
وأضافت: “يجب أن نعترف أننا أمام محكمة منحازة، واثبت عبر التاريخ أنها تخضع للضغوطات السياسية، وتتعامل بمعايير مزدوجة وتمييز مبني على أساس عرقي.
كما أضافت البسطامي انه يجب الخوض في المسارات الأخرى المتاحة، إضافة للجنائية الدولية التي لن تحقق إلا جزء ضئيل من العدالة للشعب الفلسطيني، فهي تتعرض لحملة تهديد من دولة الاحتلال وحلفائها وقد تأثرت بهذا التهديد، وانحيازها كان دائما لصالح دولة الاحتلال عبر تأجيل تنفيذ المطلوب لإدانة الاحتلال، وهي أمام امتحان يتجاوز مسألة تحقيق العدالة للضحايا الفلسطينيين، بل أمام امتحان لإثبات شرعيتها ومصداقيتها، وهي تحتاج فلسطين أكثر من احتياج فلسطين للمحكمة.
من جهته، قال تحسين عليان، الباحث القانوني في مؤسسة الحق، إن ما وصل إليه الفلسطينيين من توقع صدور مذكرات اعتقال لمجرمي حرب إسرائيليين، جاء نتيجة جهود بذلت من جميع الجهات وعلى رأسها وزارة الخارجية الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان الفلسطينية والمؤسسات الدولية.
وأضاف عليان أن العمل بدأ منذ عام 2015 واستمر حتى اليوم، وخلال هذه الفترة الطويلة تم تسليم ما لا يقل عن ثمانية بلاغات للجنائية الدولية، مشيرا أن كل بلاغ ضخم يصل حجمه إلى مئات الصفحات من رصد لجرائم الاحتلال، لتوفير دليل متكامل للمؤسسات الدولية.
وأضاف انه في شهر نيسان الماضي بدأ بالتحقيق بشكل رسمي من خلال تزويد مكتب المدعي العام بالجنائية الدولية بالدلائل التي تدعم ضلوع الاحتلال في جرائم الحرب، مشيرا أن التلكؤ جاء من المدعي العام الحالي، وأن المدعية العامة السابقة كان اللقاء معها أيسر وأسهل.
وعن شكل المذكرات التي يمكن تصدر عن المؤسسات الدولية، قال عليان أن المذكرات قد تصدر بحق مسؤولين إسرائيليين علنيا، وقد تصدر مذكرة اعتقال علنيا بحق نتنياهو بهدف إسقاطه سياسيا وليس اعتقاله.
وتحدث عليان عن سيناريو آخر يتمثل بإصدار مذكرات اعتقال سرية لكي لا يعرف المتهم بصدور مذكرة اعتقال بحقه، لتتعاون مع الدول لتسليم الجناة لأنه ليس لديها آلية لاعتقال الجناة، والسيناريو الثالث أن لا تصدر أي مذكرة بحجة أن صدورها قد يؤذي العدالة ويؤثر سلبا على مسار التفاوض وفق الرؤيا الامريكية.
كما أشار عليان إلى افتتاح بوابة الكترونية من قبل المحكمة لتمكين أي شخص من إرسال أي معلومات تتعلق بأدلة حول وقوع الجرائم ومرتكبيها، منبها لبعض المحاذير لاستخدام هذه البوابة الالكترونية.
وأنهى الباحث في مؤسسة الحق حديثه أن المحكمة الجنائية الدولية لن تكون الوصفة السحرية لمساءلة مرتكبي الجرائم الإسرائيليين، وحتى لو أرادت المساءلة فلن تتمكن على أرض الواقع من مساءلتهم جميعا، لاعتبارات سياسية وعملية.
وأضاف أن تحولات سريعة في العالم قد تسمح في مرحلة معينة بمساءلة بعضهم، وهذا يتطلب الاستمرار برفد المحكمة بالدليل المطلوب عن طريق البلاغات، مؤكدا أن على فلسطين عدم الاستجابة لأية ضغوطات بخصوص المحكمة والمؤسسات الدولية الأحرى.
وفي نهاية ورشة العمل، قدم الحضور عدد من المداخلات والتوصيات التي ركزت على أهمية مسار عمل المحكمة الجنائية الدولية، والإجراءات القانونية لمحاسبة دولة الاحتلال والسيناريوهات المتوقعة لإصدار مذكرات الاعتقال لقادة الاحتلال، ومدى تطبيق محكمة الجنايات الدولية للقانون والعادلة في فلسطين في ظل الضغوطات الخارجية.