رحلة الموت البطيء.. صراع الحياة والموت أمام مواقد النيران في غزة

الموت البطيء أمام موقد النار”.. هكذا يبدو حال سكان محافظتي غزة وشمال القطاع، الذين أجبرتهم الظروف القاسية على استخدام الحطب وإشعال النار للطهي، بعدما مُنع عنهم غاز الطهي منذ ثمانية أشهر. في هذا المشهد المؤلم، تتجسد معاناة يومية وشاقة تحت نيران الحصار والحرمان، حيث تتحول أبسط احتياجات الحياة إلى كفاح مستمر من أجل البقاء.

في كل صباح، يبدأ الأهالي يومهم برحلة شاقة لجمع الحطب من المناطق المحيطة، في مشهد يعيدنا إلى عصور مضت. يسير الأطفال والكبار على حد سواء مسافات طويلة، حاملين أغصان الأشجار وأكياس الحطب على أكتافهم، في محاولة لتأمين وسيلة للطهي.

رائحة الدخان التي تغمر الأحياء والأزقة، وتلك الأيدي المتشققة من جراء جمع الحطب وإشعاله، تروي قصصًا من الصمود والتحدي في وجه واقع لا يرحم. هذا الدخان الذي يلف المنازل والخيم ويحجب الرؤية، يعكس الظلام الذي يخيم على حياة هؤلاء السكان الذين يعيشون في ظروف أقل ما يمكن وصفها بأنها مأساوية.

هذا هو حال أهالي غزة وشمال القطاع، الذين يواجهون ظروفًا لا تطاق، متحدين الظلم بحياة ملؤها الصبر والقوة. ورغم كل ما يعانونه، يبقى الأمل مشتعلًا في قلوبهم، بأن يأتي يوم ينتهي فيه هذا الحصار الظالم وتعود الحياة إلى طبيعتها، حيث لا يكون الموت البطيء أمام مواقد النار جزءاً من يومياتهم

عن

“نموت ألف موتة”..

“الجديد في هذه الكارثة” كما تعبّر النازحة في إحدى مدارس الإيواء، خديجة جمعة (44 عامًا) “هو استخدامهم للبلاستيك وبقايا القماش والإسفنج بعد نفاد الحطب.”

وتضيف “جمعة” بنبرةٍ من الحسرة ولهجتها البسيطة، “هذا شيء قاتل.. إحنا بنموت في اليوم ألف موتة وماحدا متحرك من هالعالم”.

وتواجه خديجة جمعة، مع أولادها وأحفادها، مشاكل مستمرة في التنفس والصدر بسبب الدخان المنبعث من النيران. هذا الدخان السام يعمل على تفاقم مشاكل الصحة لديهم، مما يضعهم في مواجهة دائمة مع التحديات الصحية. ومع ذلك، فإنهم يواصلون الصمود والتحمل، مؤمنين بأن الأمل ما زال حيًّا وأنهم قادرون على تحمل أعباء الظروف القاسية التي يعيشونها، في سبيل الحفاظ على حياتهم وحياة أحبائهم.

وتتابع “جمعة” وهي تجلس أمام موقد النيران، وتقول: “صدورنا تسكرت من دخان النيران.. أمراض الربو والرشح والزكام لا تفارقنا.” مُضيفةً: “الأطفال لا يستطيعون التنفس بشكل جيد، وسعالهم يبدو وكأنه يستنزف حياتهم”.

من

أمّا الشاب عوني ضهير، فحالته لا تختلف كثيرًا عن حالة خديجة. يبدأ صباحه كل يوم في جمع الحطب، ويقول: “إذا لم نقم بجمع الحطب والبلاستيك وأي شيء آخر قابل للاشتعال، فلن نتمكن من إشعال النار”.

ويضيف “ضهير” في قوله تعرضت لعدة حوادث وإصابات أثناء البحث عن الحطب، ولكن أخطرها كانت التعرض لإطلاق نار من جيش الاحتلال أثناء البحث في المناطق القريبة من الحدود”.

وأفادت بيانات سابقة صادرة عن الدفاع المدني بأن استخدام بدائل لغاز الطهي مثل الحطب، قد تسبب في عدة حرائق داخل المنازل، بالإضافة إلى تسجيل مئات الإصابات بأمراض الجهاز التنفسي.

بدوره، أكد المكتب الإعلامي الحكومي أن استمرار منع غاز الطهي ينذر بتفاقم الأزمة الإنسانية والصحية، حيث أوضح في بيان سابق “أن مئات الأشخاص أصيبوا بأمراض الجهاز التنفسي نتيجة استخدام مواد بلاستيكية وكيماوية في إشعال النيران، والتي تنبعث منها الغازات السامة”.

ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تمنع إسرائيل إدخال غاز الطهي والوقود بمختلف أنواعه إلى مدينة غزة وشمال القطاع، ضمن قيود على إدخال المساعدات الإنسانية تنتهك القوانين الدولية.