الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 15/8/2024

بايدن وخامنئي يمكنهما اجبار نتنياهو على اتخاذ قرار، ربما هذا خير له

بقلم: الوف بن

بنيامين نتنياهو يقترب من الوضع الذي يكرهه، اتخاذ قرار. في هذه المرة يجب عليه الاختيار بين انهاء الحرب و”صفقة المخطوفين”، كما تسمى في اسرائيل، وبين استمرار المناورات السياسية والدبلوماسية لكسب الوقت الى حين حدوث شيء في صالحه، كما فعل منذ 7 تشرين الاول، وفي الواقع منذ توليه الحكم.

المرحلة الحالية للحرب بدأت عندما اخذت اسرائيل المبادرة وقامت بتنفيذ عدة اغتيالات لشخصيات رفيعة في حماس وحزب الله، في غزة وفي بيروت وفي طهران. من غير الواضح اذا كان نتنياهو وقادة الجيش وجهاز الاستخبارات اعتقدوا بأن عمليات التصفية ستحسم المعركة، أو أنهم أملوا فقط بتحقيق انجازات عملياتية ترفع معنويات الجمهور خائب الأمل في اسرائيل ومعنويات الجيش المتعب. المعنويات في اسرائيل ارتفعت وبحق لبضعة ايام، ولكن بعد ذلك تبين بأن العدو لم يستسلم، بل حتى أنه يهدد برد شديد. الفرحة بـ “عمليات جيمس بوند” حلت محلها القشعريرة والخوف المتزايد من وابل الصواريخ المتوقع من ايران ولبنان واليمين وحلقات “دائرة النار” التي تحاصر اسرائيل.

لجنة التحقيق في اخفاقات الحرب، اذا تم تشكيلها في أي يوم، يجب عليها فحص كيف لم تلاحظ اسرائيل الانعطافة في سياسة ايران، وقرار الحاكم علي خامنئي الرد مباشرة على الاستفزازات المتكررة لـ “الكيان الصهيوني”، بدلا من التجاهل أو الاختباء وراء الحلفاء والمنظمات التي توجد في الجبهة. الرسالة لم يتم استيعابها هنا حتى بعد وابل الصواريخ والمسيرات التي اطلقتها ايران في شهر نيسان ردا على اغتيال ضابط حرس الثورة في دمشق. في حينه تبين أن الاستخبارات الاسرائيلية مع كل الانجازات التكتيكية المثيرة للانطباع، لا توجد لديها أي فكرة عما يدور في ذهن وساحة “المرشد الاعلى” في طهران. تقدير الاستخبارات كان وما زال “الامر سيكون على ما يرام”.

خامنئي لم يكن الوحيد الذي جعل خطأ اسرائيل فرصة. ايضا الرئيس الامريكي جو بايدن، الذي يريد انهاء الحرب في قطاع غزة وتخليص حملة نائبته كمالا هاريس من غضب من يؤيدون الفلسطينيين، لاحظ وجود فرصة غير مسبوقة للي ذراع نتنياهو. الادارة الامريكية تقود في الاسابيع الاخيرة عملية مزدوجة، استخدام الضغط على خامنئي وحسن نصر الله من اجل عدم الاسراع في مهاجمة اسرائيل، واعطاء الفرصة لوقف اطلاق النار في غزة، الامر الذي سيجعلهم كمخلصين للفلسطينيين، وفي نفس الوقت ارسال قوات كبيرة الى المنطقة والموافقة على صفقة سلاح ضخمة مع الجيش الاسرائيلي، التي سيتدحرج تنفيذها الى الادارة الامريكية القادمة.

بايدن في الواقع يقول لنتنياهو: انقذ حيفا وتل ابيب من الدمار وستحصل في المقابل على عدد من المخطوفين ورزمة مساعدات لترميم الجيش الاسرائيلي، وفي المقابل ستقوم بالانسحاب من قطاع غزة واطلاق سراح كبار السجناء الفلسطينيين والسماح للسنوار بالقول إنه انتصر. في الداخل يسمع نتنياهو ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش اللذان يهددان باسقاط الحكومة، وفي المقابل، يسمع وزير الدفاع يوآف غالنت الذي فقد الأمل بالنصر، وقادة الجيش والاستخبارات، الذين على الاقل حسب التسريبات، يؤيدون الصفقة، أي أنهم يأملون وقف اطلاق النار. هم يعرفون أنه رغم تهديدهم بـ “ضرب كل مكان”، إلا أن اسرائيل لن تحقق “النصر المطلق” على ايران وحزب الله. وفي أي مواجهة معهم هي ستحتاج الى حماية امريكا الملاصقة ومساعدة الدول السنية. من يدافع عنك يمكنه ايضا أن يحصل على المقابل.

نتنياهو كان يفضل مماطلة الجميع الى حين تراجع رد ايران، وأن يواصل اللعبة التي فيها الجميع يكونون متعلقين به وهو يتلاعب بهم، فرّق تسد. لأنه اذا وافق على وقف اطلاق النار فان ميزان الرعب في الداخل بين اليمين المتطرف وقادة الجيش، الذي ابقى الجميع على كراسيهم رغم مسؤوليتهم المشتركة، يمكن أن ينتهي بمرة واحدة، رغم أنه في هذه الاثناء لا يوجد أي مرشح حقيقي لاستبدال نتنياهو، شخص يطرح سياسة مختلفة أو هيئة اركان عامة بديلة.

لكن حتى اذا تساوق مع بايدن وخامنئي من اجل التوصل الى الصفقة، وقام بتحدي بن غفير وسموتريتش بانسحابهما وفقدان قوتها في الشرطة وفي المالية، فان نتنياهو يمكن أن يكسب. لأن وقف النار الآن سيحافظ على هدفه الاسمى على شكل حماس “حية ولكن ضعيفة”، أي أنها قوية بما فيه الكفاية من اجل افشال أي تسوية أو أي مفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية حول تقسيم البلاد، وغارقة في اعادة اعمار الدمار في غزة بحيث لا يمكنها شن هجوم آخر، على الاقل طالما أن نتنياهو موجود في الحكم. هذا السيناريو ينطوي ايضا على اغراء لرئيس الحكومة.

——————————————–

 هآرتس 15/8/2024

توجد طريقة واحدة لانقاذ اسرائيل من بنيامين نتنياهو

بقلم: اوري مسغاف

بنيامين نتنياهو قرر في اعماقه تدمير الهيكل الثالث. هذا هو معنى “النصر المطلق”. منذ اللحظة التي تم فيها تقديم لائحة اتهام ضده بعنوان “دولة اسرائيل ضد بنيامين نتنياهو وآخرين”، قرر قلب الامر، بنيامين نتنياهو ضد دولة اسرائيل.

في مجال الاهداف لا يوجد أي فرق بينه وبين يحيى السنوار، الذي اطلق سراحه من السجن وقام بتسليحه من قمة الرأس حتى أخمص القدم، ووفر له الحقائب التي توجد فيها عشرات ملايين الدولارات. ايضا ليس علي خامنئي أو حرس الثورة الايراني أو حسن نصر الله، الذي كان أول من لاحظ (حتى قبل نتنياهو) خيوط العنكبوت. نتنياهو سيتم تذكره مع انبياء الكذب مثل شبتاي تسفي، ومع مخربين ومدمرين مثل بار كوزيفا، ومع اعداء شعب اسرائيل الآخرين على مر الاجيال.

هناك طريقة واحدة ووحيدة لوقفه. سنذكر ما يوجد على الاجندة: حرب خالدة في الجنوب وفي الشمال، بدون ترميم المناطق الحدودية وعودة السكان الى بيوتهم. دخول ايران الى الحرب. جهود ايتمار بن غفير، مبعوث نتنياهو، لاشعال الضفة الغربية أيضا. ازمة اقتصادية كبيرة ومتواصلة. هرب الادمغة والقوى الديمقراطية – الليبرالية الى الخارج. المقاطعة والعزلة. وبالطبع، اهمال المخطوفين التام، الاحياء من بينهم والاموات.

نتنياهو قرر ذلك منذ زمن، حتى في تشرين الثاني عندما رفض استكمال النبضة السادسة في الصفقة الاولى، ومن ناحيته ايضا الاخيرة. هو عرف أن اعادة المخطوفين ستؤدي الى انتهاء حكمه، ليس فقط في اعقاب تضعضع حكومته، بل ايضا في اوساط الجمهور بعد أن يتبين كم هم قلائل جدا المخطوفين الذين عادوا من غزة، وما الذي مروا به هناك. حاييم بيري كان على حق عندما تجادل مع الجارة في الاسر عيدنا موشيه وقال لها: “هذا سيستغرق سنتين”. “لماذا أنت متشائم جدا. توجد لنا دولة” ردت عليه. بيري الحكيم قال: “يوجد لنا بيبي ونحن يساريون”. بعد ذلك قتل في الأسر.

التمييز الذي قام به بيري ضروري من اجل فهم وضعنا. توجد دولة ويوجد بيبي ويوجد تصادم بينهما. عندما اتهم نتنياهو في هذا الاسبوع وزير الدفاع غالنت بـ “ارسال رسائل غير اسرائيلية” كان يمكننا الاختناق من الضحك المرير. غالنت، الصقر الامني الذي يؤيد بشجاعة وقف القتال واعادة المخطوفين وتسوية سياسية في الجنوب وفي الشمال، هو مؤيد واضح لاسرائيل. هكذا ايضا الرئيس الامريكي وادارته وكل الانظمة في الغرب.

الجميع يقفون في الطابور لمساعدتنا، لكنهم لن ينقذونا من كماشة نتنياهو. هذا فقط يتعلق بنا. البكاء والنحيب لن يساعدا هنا. اليأس لا يعتبر خطة عمل. في الأصل يوجد للنضال على الرأي العام قيود وسقف زجاجي في الفترات الظلامية. صحيح أن الظروف صعبة الآن اكثر من أي وقت مضى، الرئيس اسحق هرتسوغ انتخب بفضل نتنياهو ويوجد عميقا في جيبه، بني غانتس وجدعون ساعر قاما بتدمير المعارضة وهما ليسا البديل. الشرطة تم احتلالها. المحكمة العليا ترتدع مرة تلو الاخرى من نتنياهو في لحظة الحقيقة. القضاة في المحكمة المركزية مصابين بالشلل من الخوف.

عدد من حراس العتبة خانوا الوظيفة، بدءا من افيحاي مندلبليت وشاي نيتسان (عدم التحقيق في دور نتنياهو الجنائي في قضية الغواصات، والتراجع الدائم لملفات الآلاف). آخرون تم تعيينهم مسبقا من اجل ذلك: مراقب الدولة متنياهو انغلمان، مأمور الخدمة المدنية دانييل هيرشكوفيتس، المحاسب العام في وزارة المالية يهلي روتنبرغ.

لكن يوجد عندنا مستشارة قانونية دهشة، ووزير دفاع ورئيس اركان ونائبه، ورئيس شباك ورئيس موساد، وقائد لسلاح الجو، ورئيس “أمان”، الذين هم وطنيون اسرائيليون تماما. محظور عليهم الاستقالة، بالعكس، يجب عليهم الخروج الآن علنا ضد نتنياهو وأن يرفضوا مواصلة تنفيذ تعليماته، وأن يطالبوا باعتباره عديم الاهلية والمطالبة باستقالته. في اسرائيل لا يوجد حكم لشخص واحد، اذا اصيب بالجنون أو تشوش عقل رئيس الحكومة يجب ازاحته من المنصب. الدولة أكثر اهمية بكثير.

——————————————–

معاريف 15/8/2024

مصلحة مشتركة

بقلم: آنا برسكي

طاقم المفاوضات الاسرائيلي بتركيبة كاملة، بما فيها رئيس الموساد، رئيس الشباك واللواء نيتسان الون، سيسافر اليوم الى الدوحة فيما أن أيا من عموم المشاركين في القمة لا يمكنه أن يراهن على فرص نجاح الحدث.

الامريكيون يفعلون ما هم جيدون فيه جدا: يمارسون ضغطا هائلا على كل واحد من الأطراف في كل طريقة ممكنة. يصدرون دعوة للوصول الى توافقات، يعملون من خلف الكواليس ومسؤولون عن التسريبات عندما يفترض بكل شيء أن يخدم الهدف المركزي. اختراق نحو عقد صفقة.

في إسرائيل يفترضون بان الإدارة الامريكية هي التي تقف من خلف المنشورات التي تقول ان الإيرانيين معنيين جدا بنجاح المفاوضات التي هم مستعدون حتى للجم نزعة الثأر الوطني وتأجيل هجومهم على إسرائيل في حالة خرجت الصفقة بالفعل الى حيز التنفيذ.

اليوم، بخلاف الماضي، في طهران بالفعل معنيون بالصفقة. حتى قبل بضعة اشهر عمل النظام الإيراني بالذات على منعها عندما كانت نقطة الانطلاق هي أن صفقة مخطوفين ووقف الحرب في غزة ستشق الطريق الى التسوية الإقليمية الأكبر والأكثر تهديدا على وحدة المحور الشيعي الذي تطوره ايران في الشرق الأوسط. اما اليوم فلم تعد علاقة عملية وفورية بين الصفقة والنظام الإقليمي.

توجد أمريكا عميقا في السباق الى البيت الأبيض والجمهوريون اوضحوا منذ الان بانهم لن يعطوا الديمقراطيين جائزة في شكل تسوية إقليمية في الشرق الأوسط. اما الديمقراطيون من جهتهم فقد اهملوا هذه المسألة حتى الانتخابات على الأقل. وعليه فان ايران لم تعد ترى المخاطر الكامنة في اتفاق وقف القتال في قطاع غزة – بل فضائل وارباح صافية فقط.

صعب جدا توقع المستقبل في حالة الصفقة. لكن بالتأكيد يمكن تشخيص مصلحة الطرفين. من ناحية رئيس الوزراء نتنياهو فان صفقة كهذه لا تمنع إسرائيل من إمكانية العودة الى القتال، هي انجاز هائل من عدة نواحي.

حاولوا ان تتصوروا تحرير نحو 30 مخطوفا احياء لتتلقوا جوابا على مسألة الشرعية الجماهيرية للصفقة. في إسرائيل يعولون على تعهد الرئيس بايدن لاعطاء إسرائيل ضمانة في أن يتمكن الجيش من العودة الى القتال اذا ما تفجرت المفاوضات بعد المرحلة الأولى من الصفقة أو وصلت الى طريق مسدود.

من الجهة الأخرى، فان الصفقة ستبقي على حماس في غزة وعلى يحيى السنوار على قيد الحياة. حتى لو اتضحت الصفقة كجزئية ومؤقتة وتفجرت بعد ستة أسابيع من وقف النار، فليس لحماس وسيدها في ايران أسباب وجيهة كافية للتخلي عن شهر ونصف من الهدوء تتيح لهم تعزيز قوتهم وإعادة تنظيم أنفسهم.

كي يتمكن كل طرف من الأطراف من التعايش مع الصفقة التي اغلب الظن ستتفجر بعد المرحلة الأولى، فان صيغة الاتفاق يجب أن تكون غامضة قدر الإمكان، قابلة للتفسيرات وتسمح لكل طرف بحرية العمل.

اذا كان هذا ما سيحصل، ومرة أخرى – ليس مؤكدا حقا انه سيحصل، فسيتلقى نتنياهو كل الشرعية التي في العالم لان يتساءل امام شركائه الصقريين بن غفير وسموتريتش عما تغير منذ الصفقة الأولى؟ في حينه أيضا لم يجرِ الحديث عن انهاء الحرب بل العكس.

عمليا، الامر الممكن والايجابي الوحيد الذي يمكن ان يخرج عن القمة في الدوحة هو الوصول الى صفقة هدنة مع العلم بان القتال سيستمر.

——————————————–

 إسرائيل اليوم 15/8/2024

إطلاق السفن الحربية، حاملة الطائرات، الغواصات والقاذفات هو شارة تحذير لإيران

بقلم: افي اشكنازي

حاليا، ليس واضحا من يقف من خلف هجمة السايبر التي شلت عموم المنظومة البنكية في ايران. فقد وجهت الهجمة الى حواسيب البنك المركزي وأدت الى إيقاع الأذى في منظومات حواسيب معظم البنوك التجارية في ايران. مثل هذه القدرة على الحاق الأذى توجد بشكل عام لدى الدول وليس لدى مجموعات القراصنة الالكترونيين.

في ختام ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن سيذكر ضمن أمور أخرى بفضل قوله Don’t، الذي وجه للايرانيين وأعضاء محورهم فور هجمة 7 أكتوبر. في الأيام الأخيرة، عاد الامريكيون والائتلاف الأوروبي ليدعون الإيرانيين للتوقف وعدم الهجوم. اطلاق السفن الحربية، حاملة الطائرات، الغواصات والقاذفات الى المنطقة هو مثابة شارة تحذير.

امس، اغلب الظن، ارتفع التحذير درجة عندما أشار احد ما لإيران بانه توجد اكثر من طريقة واحدة لشكل دولة ما.

في الحدود الشمالية، يحاول قائد المنطقة الشمالية اللواء اوري غولدن تنفيذ اعمال شقلبات في واقع خيالي. مباديء الحرب هي: التمسك بالمهمة في ضوء الهدف، استنفاد القوة، المبادرة والهجومية، المناورة، تركيز الجهد، التواصل والاستمرارية، العمق والاحتياط، الحماية، روح القتال وختاما البساطة. اكثر من عشرة اشهر والجيش يدير حربا حيال حزب الله بينما هو منذ زمن بعيد لم يعد بحجم منظمة إرهاب بل يعمل مع قدرات جيش بحجم دولة كبيرة.

لكن الحرب التي يتصدى لها الجيش في الشمال هي من نوع آخر، يضع كل مباديء الحرب لديه امام تحدي كبير. فقد حدد المستوى السياسي للجيش حدودا في الحرب وربط للقادة أيديهم من خلفهم. اما الان فالجيش مطالب بان ينفذ حرب استنزاف يكون فيها ملزما من جهة الا يوسع عمق الضربة للطرف الاخر في أراضينا وبالمقابل- ان يمتنع عن العمل بشكل يؤدي بالطرفين الى مواجهة جبهوية شاملة بقوة عالية. كيف يمكن عمل ذلك؟ سؤال صعب. مشكوك ان يكون هناك جنرال في العالم شهد هذه الحرب مثلما يشهدها اللواء غوردن.

في الأيام الأخيرة يحاول حزب الله تحدي الجيش الإسرائيلي في الشمال. فهو يطلق النار بحجوم كبيرة، الى مسافات ابعد، ولكن بشكل مقنون. بالتوازي، في قيادة المنطقة الشمالية يخلقون خطا قتاليا غير مهاود حيال حزب الله، يسمى “منطقة التدمير”. كل دخول الى المجال يؤدي الى ضربة من الجو او البر. عدد قتلى حزب الله تجاوز منذ زمن بعيد خط الـ 500 ويقترب نحو الـ 600، والذي هذا هو تقريبا عدد قتلاه في حرب لبنان الثانية. بالتوازي حزب الله يفقد غير قليل من الذخائر العسكرية – قيادات، وسائل اطلاق للصواريخ، استحكامات ومخازن ذخيرة. الأخير كان هذا الأسبوع في كفر كلا، تفجير المخزن كان المسرحية الصوتية الضوئية الأكثر ابهارا في جنوب لبنان منذ بداية الصيف.

اللواء غوردن وجنوده ينتظرون كالجميع إمكانية أن يسعى حزب الله للثأر على تصفية فؤاد شكر، رئيس اركان المنظمة. في الجيش يستعدون لجملة واسعة من السيناريوهات للدفاع، لكنهم حددوا منذ الان أهدافا للهجوم وخصصوا قوات للمناورة في ارض العدو، بالضبط مثلما في بعض من مباديء الحرب: المبادرة، الهجومية، العمق.

مشكلة الجيش الإسرائيلي وقيادة المنطقة الشمالية هي أن المستوى السياسي في إسرائيل لا يتبنى مباديء الحرب الأخرى: البساطة، التمسك بالهدف، الروح القتالية.

في الهجمة على ايران عمل من يقف خلفها وفقا لمباديء ميدان المعركة. السؤال الان هو كيف ستؤثر الهجمة على البنوك في طهران على وضع الجاري مدين في جبهة القتال في حدودنا الشمالية.

——————————————–

إسرائيل اليوم 15/8/2024

وفد رفيع المستوى يسافر الى الدوحة مع تفويض من نتنياهو

بقلم: يوآف ليمور

القمة التي ستنعقد اليوم في الدوحة، قطر، ليست محطة أخيرة في الطريق الى صفقة بل بداية رحلة طويلة، مليئة بالعوائق، في نهايتها يمكن أن تعطي بضع حبات كرز. المركزية منها هي إعادة عشرات المخطوفين الاحياء، ولكن الى جانبها أيضا وقف نار طويل يسمح لإسرائيل بتنفيذ إعادة تقويم في كل الجبهات كي تتمكن من الاستعداد لمواصلة المعركة.

ان الميل لرؤية الصفقة نوعا من الاستسلام مغلوط لعدة اعتبارات. الأول أخلاقي: فقد ترك المخطوفون لمصيرهم في 7 أكتوبر، وإسرائيل ملزمة باعادتهم. هذا هو النصر المطلق الوحيد واذا لم تفعل إسرائيل هذا فانها تخرق العقد الأكثر أساسية بين المواطن وبلاده، وتبث رسالة لمواطنيها وجنودها بان من شأنهم أن يُتركوا لمصيرهم في المستقبل.

الاعتبار الثاني عملي: ليس لإسرائيل طريق افضل من صفقة لان تعيد الى الديار كتلة من المخطوفين. عشرة اشهرتجربة علمتنا أن في حملات التحرير البطولية يعاد قلة من المخطوفين، والصفقة يمكنها أن تعيد عددا اكبر من المخطوفين. والاسوأ من ذلك، الانتظار للمعلومات الاستخبارية التي تتيح فرصة عملياتية يمتد الى زمن في اثنائه يقتل مخطوفون.

كما أن حماس على أي حال تستخلص الدروس من كل عملية كهذه وتشدد الحراسة حول المخطوفين كي تصعب تحريرهم.

الاعتبار الثالث هو عملياتي. كل محافل الامن تقرر بحزم بان الصفقة لن تقيد عمل إسرائيل في المستقبل. حماس سحقت في غزة وتشهد على ذلك السهولة التي يجتاح فيها الجيش كل نقطة في القطاع ويعمل فيها. ما كان يستغرق في الماضي أسابيع، يستغرق اليوم أيام، وما كان يتطلب الوية ينفذ الان من سرايا. وقف النار وان كان يسمح لحماس بمهلة ما لاعادة التنظيم، لكن في نهايتها يمكن للجيش الإسرائيلي ان يعود ليقاتل.

الاعتبار الرابع والأخير هو إقليمي: وقف النار في الجنوب يؤدي الى وقف نار في الشمال أيضا (كما سبق واعلن حسن نصرالله). وباحتمالية عالية في الجبهات الأخرى أيضا. الجيش الإسرائيلي يمكنه أن ينعش القوات ويرمم الأسلحة والذخيرة ويستعد لما سيأتي. لهذه الدولة ستكون فرصة ممتازة في إعادة تأهيل المواطنين الذين تضرروا في الشمال وفي الجنوب وربما أيضا لتعيد معظم السكان الى ديارهم وتنعش الاقتصاد والصورة الدولية المحطمة لإسرائيل.

الاتفاق المقترح لا تعدمه المخاطر. محق من يرى فيه حبل نجاة ما لحماس، واساسا لزعيمها يحيى السنوار. لكن هذا حبل نجاة قصير ومؤقت جدا: السنوار سيصفى عندما تتاح الفرصة لعمل ذلك. وحتى عندما يصفى، فان حماس لن تجتث وستواصل الوجود كحركة شعبية واسعة لا بد ستنمي قيادة جديدة – سياسية وعسكرية. المعركة ضدها ستستغرق سنوات وستتطلب مقدرات كثيرة، لكن من اللحظة التي يخرج فيها المخطوفون من المعادلة ستكون إسرائيل اكثر حرة في العمل.

خلاف في القيادة

حجار العثرة الأساس في الاتفاق هي استمرار وجود الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا ومحور نتساريم، وهوية السجناء الفلسطينيين الذين سيتحررون ومقصد تحريرهم. موضوع فيلادلفيا وفر أمس اطلالة على الخلاف في القيادة الإسرائيلية. بينما يصر رئيس الوزراء نتنياهو على بقاء الجيش في المحور، قال رئيس الأركان في اثناء زيارة في رفح ان الجيش سيعرف كيف يعمل فيه حتى من خارجه. هذا ليس جدالا لغويا، وحدوده سيحسمها بقدر كبير مستقبل الصفقة.

هكذا أيضا في النقاش حول البقاء في محور نتساريم. فالمطلب الذي يطرحه نتنياهو – الا يكون الجيش في المحور لكن يجرى فحص للعائدين من جنوب القطاع الى شماله – هو مطلب مركب الى حد التعذر على التنفيذ، وسيتطلب وقتا طويلا للاستعداد من شأنه ان يكلف حياة مخطوفين. إسرائيل يمكنها ان تكون مرنة في هذا أيضا، مع علمها انه سيتاح لها استئناف القتال في ختام 42 يوما خصصت للمرحلة الأولى (وعلى فرض الا تكون مرحلة ثانية).

معقول ان يكون موضوع هوية السجناء الذين سيتحررون ومقصد لتحررهم سيثيران غير قليل من الخلافات، لكن نسبيا سيكون ممكنا حلها بسهولة. فالجمهور الإسرائيلي لا بد سيبتلع حقيقة ان إعادة المخطوفين ستستوجب تحرير سجناء ثقيلين، والتحدي الأساس الذي ينتظر نتنياهو سيكون في حكومته –واساسا في جناحها اليميني، بينما بالمقابل يحظى بتأييد جارف من الأحزاب الحريدية.

قمة اليوم تسمح بالاطلال أيضا على انعدام الثقة في القيادة الإسرائيلية، حيث يرفق نتنياهو مرة أخرى بطاقم المفاوضات مستشاره السياسي اوفير بالك مثابة مشرف حلال من جهته. فقد اعرب نتنياهو في الأسابيع الأخيرة غير مرة عن عدم رضاه من الطاقم، واذا ما فشلت القمة الحالية، يجدر به أن يفكر بايداع المفاوضات في ايدي أناس تكون له فيهم ثقة أكبر.

موضوع آخر هو محاولة ايران عزو القضية الفلسطينية لنفسها وربما أيضا “انقاذ” غزة. فامتناعها حتى الان عن الرد على تصفية إسماعيل هنية يرتبط باستعداد عملياتي مرتب لكن أيضا برغبتها في أن تصبح السيد الرسمي لحماس. على إسرائيل أن تتأكد من أن ليس للايرانيينموطيء قدم في القمة او في نتائجها، حتى لو كلف الامر مواجهة عسكرية محتملة معها ومع حزب الله – الذي هو الاخر لم يرد بعد على تصفية قائده العسكري، فؤاد شكر، ويمكن ان ينتظر الى أن تتضح نتائج القمة في الدوحة كي يقرر توقيت ومدى الرد.

——————————————–

يديعوت احرونوت 15/8/2024

حماس تريد تدهورا إقليميا يشغل الجيش الإسرائيلي، معنية بالذات بافشال القمة

بقلم: افي يسخاروف

قمة الدوحة اذا ما خرجت الى حيز التنفيذ، من غير المتوقع، اغلب الظن، ان تؤدي الى اختراق ذي مغزى. أولا، صحيح حتى كتابة هذه السطور، لا يوجد على الاطلاق يقين في أن يشارك في القمة مندوبو حماس. امس نشرت مرة أخرى تقارير عن ان كبار رجالات المنظمة قرروا الا يصلوا الى القوة وعمليا يصبح الحدث لقاء بحضور طرف واحد فقط. لكن حتى لو خرج الحديث الى حيز التنفيذ بوجود مندوبي المنظمة، فان احتمالات نجاحه متدنية جدا.

ان الاحتمال لنتيجة حقيقية متدن، اذا كانت ستكون أصلا، بالذات بسبب “الإنذار الإيراني” المزعوم. أي البيانات التي صدرت عن طهران بان ايران ستهاجم إسرائيل في حالة فشل المفاوضات في الدوحة في الوصول الى نتائج، توجه القمة في واقع الامر الى الفشل. حماس، التي تريد تدهورا إقليميا يشغل الجيش الإسرائيلي، معنية بالذات بافشال القمة كي تنجح في ما لم تنجح فيه منذ بداية الحرب: جر المنطقة كلها الى حرب شاملة. فقد كانت هذه قمة الاحلام بالنسبة ليحيى السنوار في 7 أكتوبر، وقد بقيت كذلك منذئذ في ضوء فشله في خلق حرب إقليمية.

الى هذا ينبغي ان تضاف المصاعب من الجهة الإسرائيلية، او للدقة من جهة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي رغم نفي مكتبه، أضاف غير قليل من الشروط والعوائق في المفاوضات لتحرير المخطوفين، تجعل الفرص المتدنية أصلا للقمة، متدنية اكثر فأكثر. وهكذا، اذا لم تسجل مفاجآت في اللحظة الأخيرة، فبعد بضعة أيام –وربما اكثر بقليل او اقل بقليل – مرة أخرى سنكون على عتبة معركة إقليمية محتملة مع تهديدات إيرانية لا تنتهي لمهاجمة إسرائيل من عدة جبهات.

لكن هنا ربما المكان لتهدئة الخواطر قليلا. فليس لحزب الله وبالتأكيد ليس لإيران مصلحة للوصول الى حرب إقليمية شاملة، بسبب تصفية إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس سابقا، في طهران. ولا حتى بسبب تصفية فؤاد شكر من قادة حزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت. بخلاف يحيى السنوار الذي لم يتردد في التضحية بقطاع غزة في اطار تطلعه لان يكون صلاح الدين، لم يسارع زعماء ايران للتضحية باقتصاد دولتهم لاجل الثأر لموت هنية.

لإيران ولحزب الله يوجد ما يخسروه وبتعابير كثيرة سيفضلون الحرب “على نار هادئة” كما تجري الان في الحدود الشمالية، على إمكانية هجوم إسرائيلي وامريكي ضد مواقع واهداف إيرانية استراتيجية. صناعة النفط الإيرانية كفيلة بان تتضرر في حالة حرب واسعة لكن الأهم من ذلك – المشروع النووي الإيراني كفيل بان يجد نفسه في بؤرة الهجمات المضادة الإسرائيلية والأمريكية، ومرة أخرى، في حالة حرب شاملة.

كما أن لحزب الله ونصرالله ما يخسراه. فيكاد يكون غنيا عن البيان الموقف النقدي جدا لمعظم اللبنانيين ضد حزب الله وضد النية لفتح حرب مع إسرائيل. لن لبنان والجمهور اللبناني لا يوجدون في راس سلم أولويات حزب الله. فالحزب مشغول البال اكثر بمعرفة ان إسرائيل، بخلاف الحرب في 2006، اثبتت في الأشهر الأخيرة بان لديها معلومات فائقة في كل ما يتعلق بحزب الله. تصفية فؤاد شكر هي الدليل الأفضل على ذلك. والمعنى هو اذا ما قرر حزب الله بالفعل فتح حرب واسعة حيال إسرائيل فانه سيدفع على ذلك ثمنا باهظا على نحو خاص ونصرالله أيضا يفهم هذا. من هنا فانه اذا عمل هؤلاء اللاعبون وفقا لمنظومة اعتبارات منطقة، فان احتمالات التصعيد الواسع متدنية.

لكن هنا يجب أن نتذكر امرين هامين: 1. لا يقين في ان هؤلاء هم لاعبون يعملون وفق قواعد اللعب المعروفة لنا. 2. حتى لو كان رد ايران وحزب الله محدودا، فان تفويت الاعتراض على صاروخ او مقذوفة صاروخية يطلقونها نحو إسرائيل، من شأنه أن يتسبب باصابات كثيرة في أوساط المواطنين، وعندما ستكون إسرائيل ملزمة برد من جانبها.

——————————————–

هآرتس 15/8/2024

الادارة الامريكية تربط بين الصفقة وبين تأخير هجوم ايران وحزب الله على اسرائيل

بقلم: عاموس هرئيلِ

قبل الافتتاح المتوقع للقمة في الدوحة اليوم، تواصل الولايات المتحدة زيادة الضغط على الطرفين في محاولة للدفع قدما رغم ذلك بالمفاوضات حول صفقة التبادل. الادارة الامريكية تربط الآن مباشرة بين الصفقة والتوصل الى وقف لاطلاق النار مع حماس في قطاع غزة وبين تأخير هجوم الثأر الذي تهدد به ايران وحزب الله اسرائيل.

​في هذه الاثناء هذا يبدو كمحاولة لربط قناتين احتمالية نجاحهما كل واحدة على حدة ضئيلة أصلا. المفاوضات حول الصفقة عالقة، بدرجة كبيرة بسبب طلبات جديدة طرحها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو (الذي يواصل الادعاء بأنه لم يقم بتحديث طلباته).في حين أن ايران كما يبدو مستعدة لفحص المزيد من الانتظار بالنسبة لردها العسكري فانه يبدو أن حزب الله يبث الاستعجال والتصميم على العمل.

​في ضبابية الحرب قرر وزير الخارجية الامريك، انطوني بلينكن، تأخير رحلته في الشرق الاوسط. عاموس هوخشتاين، مبعوث الرئيس الامريكي جو بايدن، يجري زيارات مكوكية بين بيروت والقدس. أمس، بعد لقاء مع رئيس البرلمان في لبنان، أمين بري، رئيس حركة أمل ورجل الاتصال بين الامريكيين وحزب الله، قال هوخشتاين “لا يوجد وقت لتبديده ولا توجد مبررات لتأخير آخر” من اجل التوصل الى وقف لاطلاق النار في غزة، الذي سيوقف ايضا العنف على الحدود مع لبنان.

​في اسرائيل التقى نتنياهو مع رؤساء طاقم المفاوضات قبل سفره الى قطر. الخلافات في الرأي بينهم معروفة. فجميع رؤساء جهاز الامن، بما في ذلك وزير الدفاع يوآفغالنت، يعتقدون أنه يمكن التوصل الآن الى اتفاق، وأن التنازلات التي تم الاتفاق عليها قبل شهرين، هي ثمن مناسب لدفعه مقابل امكانية البدء أخيرا في حل قضية المخطوفين التي تؤلم المجتمع الاسرائيلي. في القيادة العليا الامنية يوجد خوف متزايد على حياة بعض المخطوفين.

​اذا فشلت المفاوضات في هذه المرة ايضا فان الامريكيين سيقفون امام معضلة وهي كيف سيتصرفون، حيث احتمالية عقد الصفقة في القريب ضئيلة، وفي المقابل الادارة الامريكية تستعد لمؤتمر الحزب الديمقراطي في الاسبوع القادم. في جهاز الامن يعتقدون أن الادارة الامريكية ستحاول طرح املاء جديد، خطة وساطة تطلب من الطرفين الموافقة عليها بدون مساومة اخرى. في مثل هذه الحالة نتنياهو يمكنه أن يرفض، وبايدن يمكنه أن يلقي، للمرة الاول، بشكل علني المسؤولية عن فشل المفاوضات على رئيس الحكومة نتنياهو. ومن اجل زيادة الضغط فان الامريكيين يمكنهم العمل مباشرة ضد الجناح اليميني المتطرف في الحكومة، وزير الامن الوطني ايتماربن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذان احزابهما تقود معارضة الصفقة.

​البيت الابيض هاجم في الاسبوع الماضي الوزيرين، الاول بسبب وضع العقبات امام المفاوضات، والثاني بسبب ظهوره الاستفزازي في الحرم في 9 آب العبري. يجب عدم استبعاد امكانية أن يقرر الامريكيون الذهاب الى مسار التصفية المباشرة وفرض عقوبات شخصية عليهما، اللذان لا يتوقفان عن توفير المبررات للامريكيين لفعل ذلك، بالاقوال والافعال. ضعف نتنياهو امام بن غفير ظهر في قضية زيارة الحرم. مكتب رئيس الحكومة أصدر بيان جاء فيه بأن وزير الامن الوطني غير موخل باتخاذ قرار حول تغيير الوضع الراهن في الحرم. بن غفير ببساطة استخف بذلك وتصرف وكأنه لم يحدث أي شيء. كانت هناك اوقات رؤساء الحكومة قاموا فيها باقالة وزراء على امور أقل من ذلك، لكن نتياهو يخشى من شركائه.

​الادارة الامريكية يوجد لها حساب طويل مع نتنياهو نفسه ايضا. الاعتبارات بشأن تصعيد المواجهة معه يمكن أن تتغير الآن في الوقت الذي يستعد فيه بايدن للمغادرة، ونائبته كمالا هاريس تستعد للتنافس امام دونالد ترامب على الرئاسة في تشرين الثاني القادم. هاريس، اكثر من بايدن، تظهر علنا عدم الراحة من استمرار الحرب والقتل في القطاع، وهي تخشى من تآكل دعمها من المعسكر التقدمي في حزبها. هل الاثنان وصلا الى مرحلة الاشمئزاز من نتنياهو الى درجة التخلي العلني عنه؟ هذا هو الخط الذي لم يقوما باجتيازه حتى الآن والذي سيكون من الصعب اجتيازه في الوقت الذي تكون فيه اسرائيل مهددة بالصواريخ والمسيرات من ايران ومن لبنان ومن العراق ومن اليمن.

تلميحات لحزب الله

​اثناء زيارة غالنت لقيادة المنطقة الشمالية أول أمس زل لسانه وقال اقوال مختلفة قليلا. وزير الدفاع التقط الصور في قاعدة للاستخبارات وهدد الأعداء كالعادة. فقد قال “من هذا المكان تمت تصفية رئيس اركان حزب الله فؤاد شكر”.

​فقط قبل اسبوع كتب ابراهيم الامين، الصحفي المقرب جدا من رئيس حزب الله، حسن نصر الله، بأن عملية حزب الله المضادة ستشمل “المس بمركز بارز في الجسم الذي قرر التصفية وشارك في تنفيذها”. الامين هو محرر صحيفة “الاخبار” اللبنانية. اقوال غالنت ظهرت كتحد لحزب الله. “أنتم مدعوون لفحص قدرتنا هنا”.

​ربما كانت هنا ايضا محاولة لتحديد خطوط المعركة. وزير الدفاع غالنت تحدث من داخل هدف عسكري معزول نسبيا في منطقة الشمال. والسيناريو الذي يقلق القيادة العليا، السياسية والامنية، هو أن حزب الله سيختار هدفا طموح أكثر مثل موقع عسكري أو استراتيجي داخل منطقة مأهولة، ربما في مركز البلاد. استعدادات الذروة في سلاح الجو ومنظومة الدفاع الجوي وجهاز الاستخبارات وقيادة المنطقة الشمالية ستستمر ايضا في نهاية الاسبوع. الافتراض هو أنه في نهاية المطاف حزب الله، ويحتمل ايضا ايران، سيقرر العمل رغم جهود التهدئة وتهديدات الولايات المتحدة. واذا كانت الاهداف التي سيتم اختيارها طموحة فان اسرائيل يمكن أن ترد بقوة كبيرة على ذلك، والمنطقة ستقترب من شفا الحرب.

——————————————–

هآرتس 15/8/2024

اسرائيل تمسك بالمفتاح لتحرير المخطوفين وايران ستحسم اذا كانت ستكون حرب اقليمية

بقلم: تسفي برئيل

لقاء القمة الذي سيتم عقده اليوم في الدوحة يشبه “سيارة الانقاذ” التي يتعلق بها ليس فقط انقاذ المخطوفين، بل ايضا مصير كل الشرق الاوسط. اذا تم التوصل في القمة الى انعطافة قبل وقف اطلاق النار في القطاع فان ذلك سيعيد فتيل القنبلة الموجهة من قبل ايران وحزب الله ،وربما ايضا وكلاء آخرين لايران، الى مكانه، ووقف المواجهة الطويلة على الحدود في الشمال، والبدء في حملة تحرير المخطوفين وعودة عشرات آلاف المخلين من الشمال الى بيوتهم. ولكن هذا اللقاء يعتمد على معادلة فيها على الاقل ثلاثة مجاهيل، كل مجهول فيها مبني مثل المترويوشكا الروسية، عائق داخل عائق، لغم داخل لغم، الى حين أن لايبقى أي هامش للتفاؤل.

​من غير الواضح ما هو مدى المرونة الذي اعطاه نتنياهو للوفد الاسرائيلي، هل حماس ستكون راضية من ذلك؛ هل ايران وحزب الله سيوافقان على تبني وقف اطلاق النار مع حماس كذريعة للتنازل عن تصفية الحساب؛ ماذا يتوقع أن يحدث اذا كانت الاجابة على كل هذه الاسئلة سلبية. سؤال آخر يتعلق بمشاركة وفد حماس في المفاوضات. في بداية الاسبوع حماس اعلنت بأنها لن تشارك، وبعد ذلك نشرت بيان قالت فيه بأنها تنوي المشاركة، وأمس قال أحد اعضاء حماس بأنها لا تنوي المشاركة في المحادثات، الى أن نسمع بأن الطرف الاسرائيلي ينوي الموافقة على طلباتنا. حماس تطلب من اسرائيل طرح خطة عمل لتنفيذ وقف اطلاق النار حسب الخطة التي تم الاتفاق عليها في 2 تموز الماضي.

​اذا تم التوصل الى الاتفاق فان اللقاء يتوقع في افضل الحالات أن ينتهي ببيان نوايا ملزم، وتحديد جدول زمني لمواصلة المفاوضات وتنفيذ خطة العمل. ازاء الجمود الطويل في المحادثات، الذي جبى خلال ذلك ثمنا باهظا بحياة المخطوفين، جنود ومدنيين، فان هذا غير قليل. هذا الناتج يمكن أن يعتبر انجاز كبير للدبلوماسية الامريكية التي دمجت استعراض غير مسبوق للقوة العسكرية الى جانب مكبس الضغوط السياسية. مع ذلك، من غير المؤكد أن يكون هذا كافيا من اجل استكمال كل العملية، بالاحرى في فترة زمنية قصيرة، وهو العامل الحاسم لجميع الاطراف ولا سيما بالنسبة للمخطوفين.

​رغم أن لقاء القمة يستهدف تمهيد الطريق لاعادة المخطوفين فانه في المركز سيقف التهديد باندلاع حرب اقليمية، الذي جاء في اعقاب اغتيال فؤاد شكر واسماعيل هنية. ايران تمسك بيدها رزمة من الاوراق، التي منذ الثورة الاسلامية لم تكن في حوزتها. بمساعدة اسرائيل نجحت في ترجمة المواجهة المحلية، وهي المواجهة التي تجلس فيها على كرسي المشاهد لاشهر كثيرة وتقوم بتفعيل وكلاءها، الى ذخر استراتيجي.

​هكذا فان ايران غير مطلوب منها حتى التهديد بالنووي، بل فقط بحرب تقليدية. ونتيجة لذلك فان اسرائيل تمسك بمفتاح تحرير المخطوفين، أكثر من حماس كما يبدو. ليس الولايات المتحدة أو اسرائيل، بل ايران هي التي ستحسم اذا كانت الحرب في القطاع ستشعل كل المنطقة.

​يبدو أن سوق الشائعات والرهانات في الشرق الاوسط وصلت الى الذروة في الاسبوع الماضي. المقامرة الاكثر اثارة بشكل طبيعي، تتركز حول سؤال هل ايران ستقوم بمهاجمة اسرائيل، متى وبأي نطاق. الاسهام الاكثر اثارة لهذه السوق هبط في موقع صحيفة “الجريدة” الكويتية، الذي قدم أمس معلومات طازجة. الصحيفة التي يملكها الصحفي ورجل الاعمال محمد الصقر نشرت بأنه في يوم الاحد الذي اجتمع فيه في طهران ممثلون عن حرس الثورة ووكلاء ايران، من بينهم الحوثيين والمليشيات الشيعية في العراق وحزب الله، حرس الثورة طلب منهم العمل بضبط للنفس، عمليا، تأجيل الرد. تقرير الصحيفة يستند الى مصدر رفيع في “قوة القدس” في حرس الثورة.

​حسب قوله فانه في اللقاء تطور نقاش شديد شمل تبادل الاهانات بين ممثلي حرس الثورة و”الفروع” التي طلبت العمل “على الفور وبنطاق واسع ولفترة طويلة وبشكل يجعل الاسرائيليين ينزلون الى الملاجيء لفترة طويلة كي يشعرون ببعض ما يشعر به سكان قطاع غزة”. ممثل حماس في اللقاء، الذي لم يتم ذكر اسمه، طلب أن تضع ايران على لوح الاهداف رأس رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، كرد على اغتيال اسماعيل هنية. وقد قال ايضا، حسب التقرير، بأن “تصفية شخصيات اسرائيلية بمستوى أدنى مثل ضباط كبار أو علماء لن تؤثر على نتنياهو الذي سيواصل اشغال منصبه”. حسب التقرير هذه الاقوال وصلت الى درجة المواجهة التي اوضح فيها ممثل حرس الثورة للضيوف بأن “القرار هو بيد ايران وليس بأيديهم”.

بعض المشاركين في اللقاء قرروا المغادرة بذريعة أنهم جاءوا الى ايران لتنسيق عملية الرد وليس تأجيلها. الآن يخشون في ايران من أن هذه التنظيمات ستقرر بشكل مستقل، بدون تنسيق عملياتها مع طهران. مثلا، في الاسبوع الماضي هاجمت المليشيات الشيعية في العراق القاعدة الامريكية في عين الاسد التي توجد في العراق. تقرير الصحيفة الكويتية هو “استثنائي”، لأنه حتى الآن لم ينشر في أي وسيلة للاعلام عن عقد لقاء كهذا، خلافا للقاءات مشابهة تم عقدها، واحد منها في شهر ايار، بعد جنازة رئيس ايران السابق ابراهيم رئيسي، ولقاء آخر عقد في شهر آذار.

​في تقرير آخر نشر في نفس الموقع في يوم الاحد كتب أنه بين واشنطن وطهران تجري محادثات مباشرة وليس فقط من خلال الوسطاء. وكتب في التقرير ايضا بأن ايرانوافقت على “خط ساخن” مباشر مع واشنطن. وحسب هذا التقرير فقد طلبت الولايات المتحدة من ايران تأجيل ردها ضد اسرائيل لاسبوعين أو بضعة اسابيع من اجل عدم المس بفرصة المفاوضات بين اسرائيل وحماس. ورغم أنه لا يوجد أي تأكيد على هذا الطلب، فان وفد ايران في الامم المتحدة اعلن بأنه لا توجد أي صلة بين وقف اطلاق النار في غزة وبين حق ايران في الرد على اغتيال اسماعيل هنية، وهي تأمل بأن لا يضر هذا الرد بفرصة المفاوضات.

​في تقارير اخرى تمت الاشارة الى أن ايران مترددة ليس فقط حول مسألة موعد الهجوم المناسب، بل ايضا حول اختيار الاهداف الاسرائيلية التي سيتم ضربها. هل يجب العمل ضد تل ابيب والتجمعات السكانية، وفقا لتعليمات الزعيم الروحي علي خامنئي، حسب التقارير؛ أو ضد اهداف نوعية مثل قادة كبار وشخصيات عامة وسفارات. حسب الايرانيين الذين اجريت معهم المقابلات، من بينهم شخصيات رفيعة في حرس الثورة الايراني واعضاء في البرلمان وجهات في مجلس الامن القومي الايراني، ايران لا تريد أن تقف مرة اخرى في وضع فيه ينتهي هجوم كبير بالصواريخ والمسيرات على اسرائيل بفشل ذريع كما حدث في شهر نيسان. في المقابل، عملية “جراحية” لاهداف أو شخصيات تحتاج الى اعداد طويل وجمع معلومات، الامر الذي سيؤجل تنفيذ العملية، وهكذا يمكن أن يبدد تأثير “الانتقام الفوري”.

​تقدير هذه الاعتبارات تم شمل فيه التأثير المحتمل لوقف اطلاق النار، اذا تم التوصل اليه. للوهلة الاولى “التنازل” عن معاقبة اسرائيل من اجل وقف الحرب في غزة، يبدو عملية رابحة بالنسبة لايران. هكذا، هي لن تخاطر بوضع قواتها في امتحان فعلي في مواجهة عسكرية؛ وستوفر على نفسها رد مضاد لاسرائيل وامريكا، الذي يمكن أن يضر باقتصادها، وربما بمشروعها النووي، وسيمنع هجوم شامل على لبنان، وهكذا تحافظ على ذخرها الاستراتيجي الاقليمي. وما لا يقل عن كل ذلك أهمية هو أن ايران ستحظى بفرصة تشبيهها بالدولة العظمى، التي رغم أنها في الجانب المحق إلا أنها وافقت على منع حرب اقليمية، وكل ذلك بدون أن تتنازل عن مكانتها كتهديد محتمل. ولكن الاعتبارات المنطقية لا تحل قضية الكرامة. الفتيل الذي اشعلته اسرائيل عندما قامت باغتيال هنية، الآن لا يوجد من يستطيع تقدير ثقله

——————————————–

إسرائيل نحو الهلاك.. حرب غزة عززت التناقضات في المجتمع الإسرائيلي وتدفعه نحو مستقبل قاتم

نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا لكل من إيلان زيد بارون أستاذ السياسة الدولية والنظرية السياسية بجامعة درهام البريطانية وإيلاي زيد سولتزمان، الأستاذ المشارك بالدراسات الإسرائيلية بجامعة ميريلاند الأمريكية، تحدثا فيه عن مستقبل قاتم ينتظر إسرائيل بعد نهاية الحرب في غزة.

وفي مقالهما الذي عنوناه بـ”هلاك إسرائيل” قال الكاتبان إن إعلان إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 أكد بالأساس على دولة ملتزمة بالقيم الإنسانية والقانون الدولي. وقد أكد إعلان الدولة على أنها “ستتأكد من المساواة الكاملة في الحقوق السياسية والاجتماعية لكل مواطنيها بغض النظر عن الدين، العرق أو الجنس” وأنها “ستكون وفية لميثاق الأمم المتحدة”. ومنذ البداية لم تتحقق رؤية مؤسسي إسرائيل هذه، فقد عاش الفلسطينيون في إسرائيل وعلى مدى عقدين تحت الأحكام العرفية، ولم تكن إسرائيل قادرة على حل التناقض بين المبدأ العالمي لإعلان الدولة والحاجة الضيقة لإنشاء إسرائيل كدولة يهودية ولحماية اليهود فقط. وقد برز هذا التناقض مرة بعد الأخرى وخلق الاضطرابات السياسية التي شكلت السياسة والمجتمع في إسرائيل بدون حل التناقض هذا. لكن الحرب الحالية في غزة والإصلاحات القضائية التي سبقتها جعلت من الصعوبة الاستمرار بهذه الطريقة ودفعت إسرائيل نحو نقطة الانهيار. وتسير الدولة على مسار غير ليبرالي عنيف ومدمر.

وتابع الكاتبان أنه إذا لم تغير إسرائيل المسار، فالمثل الإنسانية التي قام عليها إعلانها ستختفي حيث تمضي نحو مستقبل قاتم، واحد تهيمن عليه القيم غير الليبرالية وتحدد طبيعة الدولة والمجتمع. وتمضي إسرائيل على طريق التحول لدولة ديكتاتورية، ليس فقط في معاملتها للفلسطينيين ولكن لمواطنيها. وربما خسرت ما تبقى لها من أصدقاء وتحولت إلى دولة منبوذة. ولو أصبحت معزولة عن العالم فإنها ستنشغل في الاضطرابات الداخلية والتصدعات التي تفكك البلد. وهذا الوضع الخطير الذي يواجه إسرائيل يجعل من الأحداث المستقبلية غير مستبعدة على الإطلاق ولكنها ليست محتومة أيضا. ولا تزال إسرائيل قادرة على سحب نفسها من الحافة، فثمن عدم عمل هذا سيكون باهظا ولا يمكن تحمله.

ويقول الكاتبان إن هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر جاء في وقت كانت تعاني فيه إسرائيل من عدم استقرار سياسي. فالنظام الانتخابي القائم على التمثيل النسبي، سمح على مدى العقود الماضية بدخول أحزاب هامشية ومتطرفة إلى الكنيست.

وشهدت إسرائيل منذ عام 1996، 11 حكومة مختلفة، أي بمعدل حكومة جديد كل عامين ونصف، ستة منها برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو. وفي الفترة ما بين 2019- 2022 نظمت خمس جولات انتخابية، لعبت فيها الأحزاب الصغيرة دورا في تشكيل الحكومات والإطاحة بها وحصلت على تأثير غير متناسب مع حجمها. وجلب نتنياهو بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أحزابا متطرفة إلى الحكومة وجعلها في مركز القرار السياسي مع أنها ظلت تحوم حول الهامش.

وفي عام 2023 قام نتنياهو وحلفاؤه في اليمين باقتراح إصلاحات قضائية تحد من رقابة المحكمة العليا على الحكومة. فقد كان نتنياهو يأمل من حماية هذه الإصلاحات له ووقف المحاكم التي تلاحقه، أما الأثوذكسيون المتشددون، فقد كانوا يأملون من هذه الإصلاحات، منع تجنيد طلاب المدارس الدينية بالجيش. وفي الوقت نفسه كانت الصهيونية القومية تأمل بأن تحد هذه الإصلاحات من سلطة المحكمة العليا لمنع توسع الاستيطان في الضفة الغربية.

وأدت المقترحات لاحتجاجات واسعة كشفت عن الانقسام داخل إسرائيل بين من يريدونها دولة ديمقراطية بقضاء مستقل ومن يريدون حكومة تعمل ما تريد. وهددت الاحتجاجات في معظم المدن بتوقف النشاط وهدد جنود الاحتياط بعدم الخدمة وألمح المستثمرون بأنهم سيسحبون استثماراتهم. إلا أن قراءة أولى للقانون مررت في تموز/يوليو، وتحاول حكومة الائتلاف الحالية تبني بعض المقترحات فيها رغم استمرار الحرب في غزة.

وكشفت الاحتجاجات بشأن الإصلاحات القضائية عن مظاهر قلق داخل إسرائيل حل طبيعة الديمقراطية فيها، ولكنها لم تطرح أسئلة حول مسؤولية إسرائيل عن الفلسطينيين الذي يعيشون تحت الاحتلال. وبالتأكيد فالكثير من الإسرائيليين يفرقون ما بين معاملة الفلسطينيين والعمل من خلال الديمقراطية. ولطالما تسامح الإسرائيليون، إن لم يوافقوا، مع عنف المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين.

وفي خرق واضح للقانون الدولي، تخضع إسرائيل الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية لما يشبه الأحكام العرفية. وأشرفت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية مما عرقل فرص إنشاء دولة فلسطينية في المستقبل.

وكشفت الحرب في غزة التي قتل فيها حسب التقديرات المتواضعة 40,000 فلسطيني عن بلد غير قادر على ما يبدو أو غير مستعد للالتزام بالقيم الملهمة في إعلان التأسيس. وذكر الكاتبان بما حذر منه الكثير من التقدميين في إسرائيل من الأثر المفسد للاحتلال العسكري وأن تحول دولة إلى قوة محتلة يترك أثره الفاسد على المجتمع. وقد لاحظ الباحث السياسي والفيلسوف الإسرائيلي يشياهو ليبوفيتز “الفخر الوطني والحماسة” فيما بعد حرب الأيام الستة عام 1967 ورأى في الوقت نفسه ما سيحدث من تحول قاتم. وكتب عام 1968 أن الدولة التي تحتفل “ستخرجنا من القومية الصاعدة إلى القومية الميسانية المفرطة” ، وتكهن ليبوفيتز من أن يكون هذا الفخر القومي العاطفي هو ما سيجلب الدمار على إسرائيل، وسيقود إلى “الوحشية” و”نهاية الصهيونية”. وباتت النهاية الآن أقرب مما يريد الكثير من الإسرائيليين الإعتراف به.

وحذر الكاتبان من إمكانية تحول إسرائيل التي تمشي نحو مسار غير ليبرالي إلى قومية دينية عرقية، تحت سيطرة القضاء اليهودي ومجلس تشريعي ومتطرفين دينيين، أي نسخة يهودية عن إيران.

ويشير الكاتبان إلى أن التغيرات الديمغرافية والاجتماعية- السياسية، بما في ذلك الزيادة المطردة للسكان الأرثوذكس والتحول نحو اليمين من الشبان الإسرائيلي اليهودي وكذا انخفاض عدد اليهود الإسرائيليين الذين يعتبرون أنفسهم علمانيين، إلى ظهور جهة سياسية أكثر تدينا تربط استمرار إسرائيل بصراع بين اليهودية والإسلام بدون أي مساحة للتوفيق بينهما.

ومن بين الساسة القوميين المتدينين المتشددين، الذين يؤمنون بدولة يلعب فيها الدين دورا مهما، وزير المالية، بستلئيل سموتريتش ووزير الأمن الوطني، إيتمار بن غفير وآفي ماعوز، وكلهم لاعبون مهمون في حكومة نتنياهو. وهم يمثلون جزءا صغيرا ولكنه مؤثر في الحركة الصهيونية الدينية المعروفة باسم هاردال.

ويؤمن أتباع هذه الحركة بأن الرب منح كل فلسطين لليهود ويرفضون القيم الغربية مثل حركة المثليين. وأفراد من هذه الحركة ممثلون في الحكومة والكنيست والمدارس الدينية “يشيفا” والمدارس التحضيرية للجيش ميشينوت، وتكشف الاستطلاعات أن اليمين الإسرائيلي سيظل مؤثرا وعلى المستقبل المنظور.

ولكن الكثير من الإسرائيليين غير المتدينين عادة أصبحوا وبعد هجمات حماس أكثر ميلا للدولة القومية الإثنية المتطرفة. وقد أثبتت الهجمات لهذا التيار أنه لا تصالح أو سلام مع الفلسطينيين ومؤيديهم. وينظرون إلى إسرائيل بأنها في حالة حرب دائمة، دولة حسب عبارة المؤرخ ديفيد أوشانا “اسبرطة تلبس القلنسوة” أو يارمولك. وربما توسع الإجماع بين اليهود الإسرائيلي وكشف عن إسرائيل غير ليبرالية، تقود فيها الحرب في غزة إلى تآكل كامل للأعراف الديمقراطية والمؤسسات التي عمل نتنياهو وحلفاؤه على إضعافها. وقد منحت الحرب الحكومة فرصة لتقييد الحريات المدنية، فقد مررت لجنة الأمن في الكنيست قرارا قبل فترة منح الشرطة للتفتيش بدون أمر، كما زادت حالات العنف المدعوم من الدولة للفلسطينيين. وبات يطلق على دعاة السلام بالخونة.

ويتابع الكاتبان القول إنه لو سيطر اليمين المتطرف على الدولة فستتحول إلى دولة ديكتاتورية تقيد فيها الحريات المدنية. ويتم استبدال التعليم عن الديمقراطية بتعليم غير ليبرالي. وستتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة، وقد أصبحت منذ الحرب معزلة، وملاحقة بقضايا اتهامات بالإبادة ومذكرات اعتقال قادة لها، سواء في محكمة الجنايات الدولية أو العدل الدولية، بشكل وجه ضربة قوية لموقفها الدولي. وستهمش إسرائيل على المسرح الدولي بسبب الرأي العام السلبي والقضايا القضائية، وحتى لو استمر دعم الحلفاء لها. وستظل إسرائيل غير الليبرالية تحظى بدعم دول، مثل الولايات المتحدة، لكن علاقاتها التجارية مع الدول الأخرى ستتأثر وستتوقف دول السبع الكبار التنسيق معها في الأمور الأمنية، كما ولن تشتري دول الأسلحة الإسرائيلية. وبالمحصلة فستصبح إسرائيل تابعة كليا للولايات المتحدة، مما يعرضها لخطر التقلبات في المشهد السياسي الأمريكي، وفي وقت بات فيه الكثير من الأمريكيين يطرحون أسئلة حول الدعم الأمريكي لها. وتعاني إسرائيل من مشكلة تتعلق بالعقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع الذي بات في مهب الريح. ولو كان الأمر بيد نتنياهو وحلفائه لتحولت الديمقراطية الإسرائيلية إلى مجرد هيكل أجوف وإجرائي ولا مكان فيه للتقاليد الديمقراطية عن الرقابة والإشراف على عمل المؤسسات الحكومية. كل هذا سيدفع إلى هجرة العقول التي لن ترى أي مكان لها في هذا البلد.

ومن المخاطر الناجمة عن تحول إسرائيل غير الليبرالي هو زيادة الصدع في داخل المجتمع وفقدان الدولة السيطرة على صلاحية استخدام القوة. ويمثل حادث هجوم المتطرفين على قاعدة سديه تيمان صورة عن تآكل سلطة الدولة، حيث حاول متطرفون تحرير جنود اعتقلوا بتهم انتهاك سجناء فلسطينيين. ومن مظاهر التصدع في المجتمع الإسرائيلي الانقسام في الأجهزة الأمنية وظهور ميليشيات المستوطنين، الذين ياخذون القانون بأيديهم ويروعون الفلسطينيين، وتراجع دور الجيش الذي بات يعطي المستوطنين معلومات عن قوافل المساعدات إلى غزة.

وربما انهار حكم القانون في إسرائيل، لكنها ستحافظ على اقتصاد نشط وربما حمت الملكية الخاصة وكان لديها مستشفيات ومدارس وجامعات واستمرت بالزعم أنها “أمة الشركات الناشئة” والتكنولوجيا الجديدة، لكن بدون حكم القانون متناسب مع الديمقراطية الجوفاء التي يفضلها المتطرفون. وبالمحصلة فسينهار النظام بدون أن تكون هناك أي قيادة موحدة لديها شرعية استخدام القوة.

ويعتقد الكاتبان أن ما سبق ليس مجرد رواية خيال علمي، بل حقيقة وهو أثر تركته حرب غزة على إسرائيل. فقد عززت الانقسام السياسي، وبخاصة بين الجماعات المتطرفة التي تريد استخدام القوة بدون التفات للقانون الدولي وجماعات أخرى تدعم مدخلا تصالحيا مع الفلسطينيين. كما وعمقت الحرب من الإنقسام بين العلمانيين واليهود المتدينين، ومن أهم الموضوعات القائمة الآن داخل إسرائيل تلك التي تتعلق بخدمة المتدينين بالجيش.

ولا ريب أن هذه التحولات ستترك أثرها على السلطة المركزية التي لن تكون قادرة على ممارسة دورها ومسؤوليتها التقليدية، بما في ذلك توفير الأمن والمحاسبة والحفاظ على النظام القضائي.

وفي ظل وجود جماعات أمن متنافسة وتساهل في الرقابة البرلمانية، ستفقد إسرائيل قوة الردع الشاملة وتقوض أي نظام متماسك للحكم في داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وربما أصبحت إسرائيل كيانا مبلقنا (البلقان) حيث تقوم الأجنحة الدينية والجماعات القومية المتطرفة ببناء مناطق نفوذ فعلي لها، في المستوطنات مثلا. وربما شهدت تمردا من المتطرفين الدينيين الذي قد يدخل إسرائيل في حرب أهلية بين اليمين الديني وما تبقى من أجهزة للدولة.

ويرى الكاتبان أن ثقل الأحداث والقوى السياسية البارزة تدفع إسرائيل نحو هذه الاتجاهات الخطيرة. فقد أصبحت إسرائيل بلدا لن يتعرف عليه من قام بتأسيسه. كل هذا لا يعني أنها بحاجة للسير نحو الانهيار، فعليها أن تعيد الاستقرار السياسي وتعزز الأسس الدستورية وحكم القانون وتتوصل لحل دائم مع الفلسطينيين وترسخ نفسها أفضل داخل المنطقة.

——————————————–

 أريئيل كهانا – نتنياهو يمثل مصالح إسرائيل – صفقة صواريخ السنوار

كل عاقل يدرك أنه إذا لم يكن جنودنا في فيلادلفيا فإن حماس وأنفاقها ستعود إلى الحياة في لحظة.

إن عيون العالم أجمع، حرفياً، تتجه إلى اللقاء الذي سيعقد اليوم في قطر. وكأن هناك احتمال أن يخرج منها اتفاق على عودة المختطفين ووقف إطلاق النار. حسنا، لا يوجد.

ومع ذلك، فإن الضغوط الدولية تُمارس بشكل أساسي على إسرائيل. لا يتأثر السنوار بما يحدث خارج زنزاناته. وهذا الضغط هو الذي يقف وراء المنشورات المتكررة وغير الدقيقة وكأن نتنياهو يخلق صعوبات في الطريق إلى الصفقة. وهذا هو السبب وراء المؤتمر الصحافي الاستثنائي الذي عقده أمس سفراء الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا. وهذا أيضاً هو تفسير التصريحات المتكررة لزعماء الغرب حول ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

وهذا أيضاً ما ألمح إليه رئيس الأركان في فيلادلفيا أمس بقوله: إذا قرر المستوى السياسي أن نبقى في فيلادلفيا، فسنعرف كيف نبقى هناك ونبقى أقوياء. (إذا) قرر أن نقوم بالمراقبة والغارة عندما يكون لدينا مؤشر، فسنعرف كيف نفعل ذلك

ويحسب لهاليفي أنه يمكن القول إن زيارته إلى نقطة مهمة للغاية، وأن هذه المرة، على عكس ما حدث في العام الماضي. ففي الماضي، حافظ على الحياد النسبي ولم يتخذ موقفاً علنياً مؤيداً للصفقة.

وفي وجه كل الضغوط يقف شخص واحد ويمثل مصالح إسرائيل بشكل صحيح. بنيامين نتنياهو. إن التوضيح الذي قدمه مسؤول سياسي الليلة الماضية، والذي بموجبه “يتمسك رئيس الوزراء بثبات بمبدأ بقاء الجيش الإسرائيلي فعليًا في محور فيلادلفيا”، يظهر أن نتنياهو تعلم الدرس من هجوم حماس ويدرك أنه لا يوجد البديل الحقيقي للجنود الإسرائيليين على الأرض، وتحت الأرض.

كل من له عقل سليم يدرك أنه في غياب جنودنا فإن حماس وأنفاقها ستعود إلى الحياة في لحظة. هذا ما يقوله عدد لا يحصى من الجنود والقادة الذين يخدمون في القطاع في كل مكان. نحن لا نرى كيف لا يزال قادة قوات الأمن يتعاملون بهدوء مع الانسحاب من المنطقة التي تعتبر حيوية للغاية لبقائنا. ألم يدركوا بعد ما حدث هنا في السنوات التي سبقت الحرب؟ ألا يعلمون أن أطناناً من الذخيرة جاهزة في سيناء للحظة التي لن يحرس فيها الجيش الإسرائيلي “معبر التهريب”؟

وبعيداً عن هذا الموقف الصحيح، فقد قام نتنياهو بتوسيع هامش مناورة الممثلين الإسرائيليين في الدوحة قليلاً. لقد حدث ذلك بعد يوم طويل من ثلاث مناقشات مع العديد والعديد من الأطراف. فلا يمكن القول بأنه لا يريد صفقة، أو لا سمح الله بعودة المختطفين. وفي النهاية يوازن بين ضرورة إعادة إخواننا وأخواتنا والحاجة إلى ضمان الأمن. ولكي نكون صادقين، يعتقد الكثيرون أنه حتى ما وافق عليه نتنياهو يتجاوز الحدود.

كل هذا يعني أنه ليس بسبب نتنياهو لم ولن يتم التوصل إلى اتفاق. من يلعب لعبة ثنائية كل شيء أو لا شيء هنا هو يحيى السنوار. وطالما لم تتم الاستجابة لمطالبه – تمامًا مثل هتلر في عصره – فإن هذا المختل لا يهتم بأن تشتعل النيران في غزة بأكملها وكل سكان غزة. هذا وهذا فقط هو ما أدى إلى اندلاع الحرب. وهذا فقط هو ما يمنع التوصل إلى اتفاق. ومن غير المفهوم كيف أن الكثير من الناس، بعد سنوات عديدة، ما زالوا لا يفهمون هذا الأمر الواضح.

——————————————–

عيران مالكا – المفاوضات مع حماس – ماذا سيحدث، إن حدث ذلك؟

كل من يتابعني منذ فترة يعرف أنني لست ممن يتنبأون ولا أعتمد على مصادر غامضة أو على خيالات متنوعة، وما سأكتبه هنا هو استثناء بالنسبة لي:

الولايات المتحدة، مصر، وقطر تدفع بكل قوتها منذ يوم 7/10/2023 للتوصل إلى تهدئة بين إسرائيل وحماس.

الأسرى الإسرائيليون، ولا الغزاويون، وبالتأكيد ليس أمن دولة إسرائيل هو ما يهمهم – كل منهم يتصرف بناءً على مصالح سياسية ودبلوماسية ضيقة تراها أمامها

في إسرائيل، يتبنى البعض، خصوصًا في وسائل الإعلام ولكن للأسف أيضًا في الأجهزة الأمنية، الفكرة بأن “المفاوضات تعتمد فقط على إسرائيل وموافقتها”.

لذا دعوني أذكركم بما أؤمن به دائمًا:

في المفاوضات مع غزة، الشخص الوحيد الذي يقرر منذ اللحظة الأولى هو يحيى السنوار ولا أحد غيره.

يحيى السنوار لديه أجندة “داعشية” لذبح جميع اليهود ثم جميع الكفار.

يحيى السنوار كقائد لمنظمة يعيش على الفوضى، والدماء، والقتل، وإلا فلا يوجد أي مبرر لوجوده ووجود منظمته – في هذه الحالة سيصبح مجرد سياسي مثل باقي السياسيين في العالم. السنوار وحماس يمكن مقارنتهما بالسلطة الفلسطينية التي وضعت إسرائيل ثقتها فيها – تذكير:

منذ توقيع الاتفاق الأول السري (20 أغسطس 1993) قبل 31 عامًا، حدد ياسر عرفات ومن بعده بوضوح أن التوقيع على الاتفاق مشابه لمعركة “خيبر” المعروفة في الإسلام – حيث وقع النبي محمد اتفاقية “سلام” مع اليهود في خيبر وفي غمرة الليل جاء مع مقاتليه وذبح معظم سكان المدينة.

منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، تدعم السلطة الفلسطينية “الشرعية” الإرهاب وتدير أذرعًا من المقاتلين بنفسها – وهنا نواصل إغماض أعيننا بتوجه غربي معيب.

والآن، توقعاتي وآمل حقًا أن أكون مخطئًا:

إذا لم تستسلم إسرائيل بشكل كامل ورسمي، فلن يتقدم يحيى السنوار خطوة واحدة نحو اتفاق.

كل من يربط بين “الساحات” يخطئ الحقيقة – كل منهم هناك يعمل بدوافعه الخاصة والوحيد الذي يربطهم هو الرغبة في تدمير إسرائيل (نعم، حتى أولئك الذين يدعمونهم هنا، وإذا كان الأمر بيد الشيعة، فهم يرغبون أيضًا في تدمير العرب السنة في إسرائيل).

ليس لدي بصيص من التفاؤل أو الإيمان بأن النمر الحمساوي سيستيقظ ذات صباح ويغير جلده، وينطبق نفس الأمر على حزب الله أو إيران.

في حال وافقت حماس على بعض الشروط الإسرائيلية، فلن يُعتبر ذلك بالنسبة لهم اتفاق وقف إطلاق النار بل “هدنة” هي في الواقع استراحة للمقاتلين من منظور غربي، وفي المرة القادمة التي نلتقي فيها ستكون هناك “وحدة ساحات” مدمرة لم نختبرها من قبل.

إلى جميع أصدقائي في القنوات المختلفة، ومن خدموا في الأمن ويفسرون الأخبار باستمرار، وبالطبع كل بقية المحللين في الاستوديوهات الذين يدعون أن هذه “فرصة أخيرة”:

ليس لديكم أدنى فكرة عن العدو الذي نواجهه، ومن المؤسف أن هذا هو الحال.

لقد تبنيتم نهجًا غربيًا يشمل “مناظر ثلجية” بينما تعيشون في صحراء حارقة.

جميع التوقعات التي تخرج منكم تشبه تنبؤات العرافين وقراءات القهوة، ومعظمها يفتقر إلى أي أساس استخباراتي أو واقعي.

قلبي مع عائلات الأسرى والمفقودين، وخاصة أولئك الذين لا يزال أحباؤهم محتجزين في غزة لأكثر من عقد.

أتمنى من كل قلبي أن نحرر أسرانا ونعيد قتيلينا للدفن في إسرائيل في أقرب وقت ممكن!!!

——————————————–

الصفقة تتعزز احتمالاتها وتتعزز المخاوف من نتنياهو

أمير مخول، مركز تقدم للسياسات

تقدير موقف:

  • أقصى درجات التوتر هو الحالة المثلى لدى نتنياهو
  • التوترات داخل الائتلاف الحاكم بين الحرديم والصهيونية الدينية هي بيئة مريحة لنتنياهو
  • تقارب لبيد ودرعي بعد قطيعة عشر سنوات، هو مؤشر لاحتمالية شبكة امان لحكومة نتنياهو تدفعه نحو الصفقة

الحدث السياسي الاسرائيلي الأكثر لفتا للانظار عشية انطلاق الوفد الامني نحو الدوحة، هو التقارب المفاجيء بين لبيد رئيس المعارضة، وارييه درعي رئيس حزب شاس الديني الحريدي، وذلك بعد قطيعة دامت عشر سنوات. يأتي التقارب بين الاثنين بكل ما يمثلانه، في اعقاب ردة الفعب الغاضبة على اقتحام الوزيرين بن غفير ووارسرلوف للمسجد الاقصى 13/8 واعلان بن غفير هدفه بأنهاء “الوضع القائم” في الحرم القدسي الشريف وبأحقية اليهود في اقامة المرسيم الدينية فيه. كان الصوت الاكثر وضوحا في مناهضة اقتحام بن غفير هو صوت المتدينين الحرديم (شاس ويهود التوراة)، والتوجه الى المرجعيات الدينية للبتّ فيما اذا كان بالامكان مواصلة العضوية في الائتلاف الحاكم الذي يشارك فيه بن غفير.

لبيد ودرعي من الداعمين للصفقة ويسعيان اليها بمثابرة. وقد تزامن لقاؤهما مع اتصالات مكثفة مع كل منهما من قبل مسؤولين كبار في الادارة الامريكية لحث كل منهما في ضمان ابرام نتنياهو للصفقة سعيا لمنع التدهور نحو حرب اقليمية وحصريا على الجبهة الشمالية بين اسرائيل وحزب الله، ذات الابعاد الدولية.

العلاقات بين حزبي الحرديم وبين المعسكر الرسمي برئاسة غانتس هي علاقات وثيقة ومبنية على ثقة متبادلة، في حين  كان التوتر مع رئيس المعارضة يحول دون التنسيق بين شاس والمعارضة. من شأن التقارب بين لبيد ودرعي ان يفتح الباب امام المنحى المتسع بين الحريديم في عدم الالتزام مستقبلا بحكومة برئاسة الليكود او نتنياهو، بل وفقا للاستطلاعات لن تتمكن المعارضة الحالية من كسب اغلبية في الكنيست في الانتخابات القادمة من دون انتقال الحرديم الى دعم المعارضة الحالية، اذ يحتاج اي ائتلاف الى 61 نائبا صهيونيا فما فوق.

الحوار بين لبيد ودرعي هو ابعد من مسألة إفشال الائتلاف في تمرير مقترحات قانون تراجع عنها بعد ان فقد الاغلبية في التصويت ولاول مرة منذ الحرب. انه بداية تعاون مدعوم امريكيا وبقوة، ويبدو ان ادارة بايدن عادت لتراهن على حزب يش عتيد (لبيد) بعد التراجع الكبير في شعبية المعسكر الرسمي (غانتس).

لكن الاهم من ذلك آنياً بالنسبة لبايدن وادارته هو ضمان ابرام الصفقة ومن خلالها تبريد معظم الجبهات المستعرة. ولم يكن من قبيل الصدفة ان تهاجم ادارة بايدن الوزير سموتريتش وتصريحاته بشأن تجويع الغزيين، ومن ثم ادانة حادة لاقتحام بن غفير للمسجد الاقصى. يضاف اليه التسريبات بامكانية فرض اجراءات عقابية على وزيري الصهيونية الدينية والقوة اليهودية.

في المقابل فإن الصراع بين تياري الصهيونية الدينية والمتدينين الحرديم دفع الى حالة توتر داخل حزب الليكود وتتسع حلقة الاصوات الداعية الى التخلص من الشراكة مع بن غفير وسموتريتش، في حال كانت بدائل. درعي الذي استقال من كابنيت الحرب ومن المطبخ الامني المصغر بعد استقالة غانتس وايزنكوت، معني بحكومة وحدة قومية مع المعارضة، والتقارب مع لبيد، فيه مؤشرات لمسعى من هذا القبيل بأن يلتزم لبيد بتوفير شبكة امان برلمانية لنتنياهو في حال ابرام الصفقة على ان يقوم الاخير بدفع بن غفير وسموتريتش الى خارج الائتلاف وتجريدهما من القوة  الهائلة التي يتمتعان بها واحد في وزارة المالية ووزارة الامن والاخر في وزارة الامن القومي، وهو ما شأنه ان يكون مغريا لنتنياهو لان شعبيته ستتسع ويضمن استدامة حكمه سنة او سنتين للامام.

بدورها، يبدو ان ادارة بايدن توصلت الى قناعة حكومة وحدة قومية من دون بن غفير وسموتريتش، هي البديل الوحيد الممكن للحكومة الحالية والتي من الممكن ان تتماشى مع الاولويات الامريكية بصدد غزة وبصدد المنطقة. ثم ان هذه الصيغة من شأنها ان تناسب طموحات نتنياهو، وهو المستفيد من التوتر داخل الائتلاف بين الحرديم والصهيونية الدينية والتي تقلل من وزن كل من سموتريتش وبن غفير.

أمنيا، ووفقا للصلاحيات الموسعة نسبيا والتي منحها نتنياهو لاعضاء الوفد الامني لمفاوضات الصفقة برئاسة رئيس الموساد، فقد أكد اعضاء الوفد بأنه بإمكانهم احراز تقدم.

كما ان تصريحات قائد الاركان الاخيرة 14/8 من منطقة محور فيلادلفيا تشير الى تقارب وجهات النظر وتكامل الادوار بين المستويين السياسي والامني، بعد ان اكد ان الجيش يوفر للحكومة المرونة في اتخاذ اي قرار ترتئيه ليقوم الجيش بتطبيقه ميدانيا، سواء اكان انسحابا من المحور ام انسحابا جزئيا ام العودة للسيطرة متى اقتضى الامر، وفي معظم الحالات القدرة على منع تشغيل اية انفاق بين سيناء وغزة وفقا له. هذه الصيغة من الجيش هي التفافية ايضا على الصراع الشخصي بين رئيس الوزراء ووزير الامن.

اسرائيل تحظى بأحدث ترسانة امريكية وبغطاء حربي الاضخم في التاريخ من القوات الامريكية، الا انها تخسر استراتيجيا. او كما تشير سيما شاين الباحثة حاليا في معهد درسات الامن القومي ورئيسة شعبة الابحاث في الموساد سابقا، بأن الانطباع من الاسناد الحربي الامريكي والغربي لاسرائيل هو رسالة بأن اسرائيل غير قادرة ذاتيا على المواجهة، بل “لم تنتصر حتى على حماس” ولهذه دلالات استراتيجية توجه ايران مستقبلا بأخذ هذا المعطى في معادلات الردع. كما ويدعم موقفها ألوف بن محرر هارتس الذي يشير الى اخفاق اسرائيل الاستراتيجي في عدم تتبع المتغيرات في السياسة الايرانية وقرار الاخيرة بالرد مباشرة على الاستفزازات الاسرائيلية في شهر نيسان/ابريل ودونما اللجوء الى حلفائها في المنطقة او عدم الرد. كما ويربط ألوف بن بين قرار الولايات المتحدة تزويد اسرائيل بترسانة عظمى من احداث ما تملك وبمقدار 20 بليون دولار، وفي المقابل فإن رسالة بايدن الى نتنياهو وفقا للكاتب تقول “أنقذ حيفا وتل ابيب من الخراب، وتتلقى بالمقابل عددا من المخطوفين ورزمة مساعدات لاعادة ترميم الجيش، وفي المقابل عليك الانسحاب من غزة واطلاق سراح قيادات الاسرى الفلسطينيين وتتيح للسنوار ان يقول بانه انتصر”.

وفقا لهذه التقديرات فإن نتنياهو يستفيد سياسيا من أقصى درجات التوتر والقلق على الجبهة الشمالية واقليميا، لكن على ان لا تنزلق الى حرب شاملة يتحفظ بشأنها عسكريا واستراتيجيا واقتصاديا واجتماعيا ثم انها لن تحظى بإجماع اسرائيلي لكونها ما كانت ستحصل لو أبرمت الصفقة من قبل. كما ان التواجد العسكري الامريكي غير المسبوق لـ”حماية اسرائيل”، مصحوب بضغوطات مكثفة للغاية على حكومة نتنياهو من اجل ابرام الصفقة، ومع دخول المتغير اللبناني والايراني بعد عمليتي الاغتيال في الضاحية وطهران اصبحت الصفقة فعليا التي تريدها ادارة بايدن اوسع من حدود تبادل الاسرى ووقف اطلاق النار وكل المنصوص عليه في الاطار، بل باتت مقايضة كبرى استراتيجية اي عدم الرد من حزب الله وايران او تخفيف حدة الرد، مقابل التزام اسرائيل بالصفقة، وهو ما اشار اليه غداة عمليتي الاغتيال استاذ القانون رائف زريق بأن “اضطرار اسرائيل الى ابرام الصفقة بسبب هذه المتغيرات هو انجاز استراتيجي قد يفوق مفعول الرد العسكري بحد ذاته”. يضيف ” وفي حال عوّق نتنياهو الصفقة ستكون احتمالية حرب شاملة على الجبهة الشمالية واردة اكثر من اي وقت مضى وحتى لو لا زالت مستبعدة.

للخلاصة:

  • امكانية انجاز الصفقة كبيرة وفي حال لم يتم تعويقها من قبل نتنياهو فمن المتوقع ان تخرج الى حيز التنفيذ قريبا.
  • المتغيرات في الساحة السياسية الحزبية الاسرائيلية جدية، ويبدو انها الارضية لحسم القرار لصالح الصفقة.
  • دخول المتغير الاقليمي بقوة واحتمالية الرد من حزب الله ومن ايران، واحتمالية التراجع سواء كليا او عن حدته في حال ابرام صفقة، يجعل احتمالية الصفقة اكبر.
  • كما في السياسة وحصريا في اسرائيل وفي ظل حكومة نتنياهو فلا شيء يمكن اعتباره مفروغا منه ما لم ينجز على ارض الواقع

——————————————–

إسرائيل اليوم 15/8/2024

إسرائيل ستعاني عبئاً اقتصادياً بعد انتهاء الحرب

بقلم: عيلي راتيج

على مدار سنوات طويلة، اعتُبر الاعتماد الغزّي الكامل على التزود بالماء والكهرباء والوقود من إسرائيل تفوقاً إستراتيجياً. قبل اندلاع الحرب، كان نصف كمية الكهرباء التي تزود إسرائيل غزة بها غير مدفوع، وأُنتج النصف الآخر بفضل الوقود الإسرائيلي. هذا الوضع كان يمنح المستوى السياسي إمكانية معاقبة “حماس”، واستعماله كأداة ضغط في الجولات القتالية. اتضح أن هذا الافتراض خاطئ منذ الشهر الأول للحرب.

اكتشفت إسرائيل سريعاً أن قدرتها على استعمال الكهرباء والوقود كسلاح محدودة الفاعلية كثيراً، لسببين: الأول، هو أن سكان غزة اعتادوا العيش من دون كهرباء، وطوروا حلولاً بديلة، ذاتياً. خلال الأعوام العشرة الأخيرة، تم تركيب أكثر من 9000 منشأة لتوليد الطاقة الشمسية على سطوح المنازل والمصانع، للتزود بالكهرباء خلال اليوم. وفي المقابل، ربطت “حماس” شبكة الأنفاق بمولدات تحت أرضية من أجل الإضاءة والتهوية، وجمعت كمية من السولار تكفيها شهوراً طويلة مستقبلاً، لذلك لم تتضرر جرّاء قرار الانفصال.

السبب الثاني هو أن الانفصال منع غزة، عملياً، من القدرة على إنتاج المياه الصالحة للشرب. فالمياه الجوفية ملوثة، ولذلك، يجب استعمال أدوات التعقيم وتحلية المياه التي تحتاج إلى كثير من الكهرباء. موقع تحلية المياه الموجود في دير البلح وحده يحتاج إلى ما يعادل 3200 لتر من السولار كل ساعة عمل، لكي يفعّل المولدات من أجل أن تعمل بكامل قدرتها.

الأزمة الإنسانية أدّت إلى ضغوط دولية غير مسبوقة دفعت إسرائيل، في نهاية المطاف، إلى إعادة تزويد القطاع بالسولار، بعد نحو شهر ونصف الشهر فقط على بدء الحرب، على الرغم من الإدراك أن “حماس” يمكن أن “تسرق” كمية من السولار لسدّ حاجة المولدات في الأنفاق. وبهدف تقليص قدرة “حماس” على “سرقة” السولار الذي يتم إدخاله إلى غزة، بقدر الإمكان، بدأت إسرائيل في تموز بربط آلات تحلية المياه مباشرةً بشبكة الكهرباء الإسرائيلية من دون مقابل، هذه الخطوة أدّت إلى انتقادات جماهيرية كثيرة.

لذلك، فإن إحدى الخلاصات المهمة من الحرب هي أنه من الأفضل لإسرائيل الدفع باتجاه إيجاد سوق طاقة مستقلة أكثر في القطاع، كجزء من عملية إعادة الإعمار، لكي تستغني عن تزويد سكان القطاع بحاجاتهم الأساسية لعشرات الأعوام مستقبلاً. هذه المشاريع متعلقة، طبعاً، بهوية الحكم في القطاع خلال السنوات المقبلة، وأيضاً بهوية المتبرعين الذين سيموّلون هذه المشاريع والبنى التحتية، وكذلك استعداد إسرائيل لمنحهم التصاريح اللازمة.

في المرحلة الأولى، تستطيع إسرائيل السماح بإنشاء مولدات شمسية ومواقع تجميع الطاقة في غزة لإنتاج الكهرباء، من دون أن يكون لها علاقة بالشبكة الموجودة التي دُمرت خلال الحرب. تستطيع إسرائيل أيضاً المطالبة بأن يكون بعض المشاريع بمشاركة شركات إسرائيلية، كشرط للمناقصة والتمويل الأجنبي.

في المرحلة الثانية، يجب على إسرائيل العمل على ربط شركة الكهرباء الغزية بالدول المجاورة لغزة، عبر 4 كوابل ضغط، ومستقبلاً، يمكن ربطها بالأردن والسعودية.

في المرحلة الثالثة، يمكن تطوير حقل “مارين غزة” في مقابل شواطئ غزة، ويتضمن كمية من الغاز الطبيعي التي يمكن أن تسدّ حاجات غزة 10 أعوام، مستقبلاً. صادقت حكومة إسرائيل الحالية على تطوير الحقل في تموز 2023. بالإضافة إلى أن هذه الخطوة تتطلب إنشاء محطة توليد طاقة جديدة في القطاع، يمكن أن تستعمل الغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة، وصادقت الحكومة على ذلك أيضاً قبل الحرب.

وسواء شاءت إسرائيل أم أبت، ستتم إعادة إعمار غزة في نهاية المطاف، وستكون البنى التحتية للطاقة والمياه أول ما يُبنى. يمكن أن تتجاهل إسرائيل ذلك، لكنها ستترك الساحة، حينها، لقوى أُخرى ستقرر كيف سيبدو القطاع مستقبلاً، وإلى متى ستظل حاجات ملايين السكان تُقلق إسرائيل. سيكون من الجيد أن تكون إسرائيل هي المبادِرة إلى وضع خطة طويلة المدى لترميم البنى بصورة تخدم مصالحها.

——————————————–

 إسرائيل اليوم 15/8/2024

كسر “نظرية التسوية” إزاء “حزب الله”

بقلم: يهودا بالنغا

في سنة 1932، أُجري آخر إحصاء رسمي للسكان في لبنان. وهناك في بلد الأرز خوف من أن يُظهر إحصاء جديد حدوث تغيُّر كبير في الميزان الديموغرافي بين المسلمين والمسيحيين، ووجود أكثرية شيعية. تحت غطاء الأكثرية الديموغرافية ستطالب كل طائفة بالحصول على القوة السياسية. لكن بنظرة سريعة إلى الساحة السياسية في لبنان خلال العقدين الأخيرين، يظهر رجحان كفة الشيعة، خصوصاً “حزب الله”.

لا يوجد إسرائيلي لم يسمع بمربع الضاحية، الضاحية الشيعية الشهيرة في جنوب بيروت. لكن الأغلبية الشيعية في لبنان تتمركز في الجنوب اللبناني المحاذي للحدود مع إسرائيل، وحتى صيدا شمالاً. والشيعة في هذه المناطق معروفون بتأييدهم الكبير لـ”حزب الله”. والتقديرات بشأن عدد الشيعة في لبنان متفاوتة، لكن يمكن التقدير بأنهم يشكلون ما بين 25% و30% من عدد السكان في لبنان، أي 1.5 مليون نسمة من مجموع 5.4 مليون نسمة.

كل نقاش بشأن انسحاب “حزب الله” إلى ما وراء الليطاني باتفاق هو نقاش عقيم وسخيف. إذا كان “موظفون في الأونروا”، “وفي المستشفيات، مثل مستشفى الشفاء” في غزة، شاركوا في “مذبحة” 7 تشرين الأول، وإذا كان هناك “مدنيون” في غزة يحتجزون مخطوفين في منازلهم، فماذا نقول عن السكان الشيعة المتعصبين والمؤيدين لـ”حزب الله” في الجنوب اللبناني؟

هذه الأرقام مهمة لأنه عندما نسمع أصواتاً في إسرائيل تطالب بالتوصل إلى حل مع لبنان، وإلى خطوة سياسية، يقوم “حزب الله”، في إطارها، بسحب قواته إلى ما وراء الليطاني، يُطرح السؤال: أين يذهب هؤلاء السكان الشيعة؟ وأيّ آلية رقابة تفرض هذه التسوية؟ وما الصلاحيات التي ستكون لديها؟

هناك فعلاً قوة مراقبة، هي قوة اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة المؤقتة في الجنوب اللبناني، والمكلفة المحافظة على السلم في المنطقة الواقعة ما بين نهر الليطاني وبين الحدود مع إسرائيل. أُنشئت هذه القوة بعد عملية الليطاني الإسرائيلية في سنة 1978، تطبيقاً لقرارَي مجلس الأمن 425 و426، وسرعان ما تبين أن هذه القوة هي مجرد زينة لأنه ليس لديها قدرة كبيرة على العمل. وطوال أعوام، كان في إمكان التنظيمات الفلسطينية، وبعدها “حزب الله” الشيعي – اللبناني، العمل في الجنوب اللبناني ضد إسرائيل، وزيادة قوتها العسكرية والتمدد في المنطقة، من دون أن تقدر اليونيفيل على وقفها.

لم يتغير الوضع مع “حزب الله”، بعد حرب لبنان الثانية (2006) وقرار مجلس الأمن الرقم 1701. لقد كان من المفترض بقوة اليونيفيل المحسّنة مساعدة الحكومة اللبنانية على “السيطرة على أراضيها”، وضمان عدم استخدام المنطقة “في عمليات هجومية”، والدفاع عن السكان المدنيين. لكن هذا لم يمنع “حزب الله” من تخزين 160 ألف صاروخ وقذيفة، وإخفاء جزء منها في القرى والبلدات القريبة من الحدود، وإقامة مواقع على بُعد أمتار قليلة من المواقع الإسرائيلية، ونصب خيمة في الأراضي الإسرائيلية، وحفر 6 أنفاق هجومية (أحدها محفور تحت مدرسة في قرية كفر كلا) اجتازت الحدود من لبنان إلى إسرائيل، وكان من المفترض أن تساعد الحزب في إطار خطته بشأن احتلال الجليل.

كل هذه القوة أقيمت وسط السكان المدنيين، وبتأييد منهم. أكثر من ذلك، لا يعمل “حزب الله” على الصعيدين السياسي والعسكري فقط، بل ينشط أيضاً من خلال جمعيات ومنظمات، مثل “جمعية جهاد البناء” التي أُنشئت في سنة 1988، بمساعدة إيرانية، كما يشغل “حزب الله” منظومة واسعة من المؤسسات التعليمية والاجتماعية والصحية والاتصالات والبنوك والبناء والصناعة والتجارة. وهذا يعني أن الحزب متجذّر بصورة عميقة وسط السكان اللبنانيين عموماً، فكم بالأحرى في الجنوب اللبناني، حيث أقام “دولة في داخل الدولة”. من هنا، إن كل نقاش عن انسحاب “حزب الله” إلى ما وراء الليطاني باتفاق، هو نقاش عقيم وسخيف.

إن أيّ تسوية سياسية مع الحكومة اللبنانية (بصمت من جانب “حزب الله”) شبيهة بالقرار 1701، حتى لو كانت بضمانات دولية، هي فقط تؤجل النهاية المحتومة. سيواصل “حزب الله” تعزيز قوته، ويستخلص الدروس، ويحسّن أساليب عملياته، وسيحاول إيجاد الرد على إخفاقاته في الحرب الحالية في الجولة المقبلة. لذا، يتعين على إسرائيل التفكير في مسار جديد، وكسر نظرية التسوية إزاء “حزب الله”.

——————————————–

تايمز أوف إسرائيل 15/8/2024

رأي محكمة العدل الدولية بشأن المستوطنات لائحة اتهام خطيرة ضد القضاء الإسرائيلي

بقلم: يوفال يوعاز

إن الرأي الاستشاري، الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي، بشأن شرعية الاحتلال والمستوطنات، والذي صدر يوم الجمعة الماضي، يشكل، من بين أمور أخرى، إدانة قاسية لنظام القضاء الإسرائيلي.

نظام إنفاذ القانون والمشورة القانونية للسلطة التنفيذية منذ العام 1967 والمحكمة العليا كل هؤلاء فشلوا في وضع مرآة حقيقية وصريحة أمام حكومات إسرائيل بشأن مدى خطورة انتهاك قواعد القانون الدولي، وهو انتهاك ازداد قوة مع استمرار الاحتلال وتعمقه.

إن الهيجان المتزايد للميليشيات المسلحة اليهودية في الضفة الغربية – من المستحيل تجنب تسميتها بخلايا إرهابية – ضد السكان الفلسطينيين لا تحظى بأي رد من الشرطة والنيابة العامة والمحاكم الإسرائيلية.

عندما يتعلق الأمر بالإرهاب الذي يمارسه اليهود ضد الفلسطينيين، فإن عدم كفاءة جهاز إنفاذ القانون يتجلى بكل بؤسه. تشير محكمة العدل الدولية في الواقع إلى أن هذا ليس مجرد خلل بل خاصية. إن تجنب تطبيق القانون هو أمر متعمد.

إن “الرد الصهيوني المناسب” من جانب إسرائيل على مختلف الحوادث الأمنية، والذي يتمثل في إنشاء بؤرة استيطانية غير قانونية أو منح تراخيص بناء لعدة مئات أو آلاف الوحدات السكنية الإضافية في تلال معينة، والتي تعتبر “توسيعات” للمستوطنات القائمة، هو عمل مشكوك في شرعيته حتى على مستوى القانون الإسرائيلي الداخلي، وبالتأكيد على مستوى القانون الدولي، كما فصّل قضاة محكمة العدل الدولية بإسهاب.

وفوق كل شيء فإن محكمة العدل العليا، التي ساعدت الحكومات الإسرائيلية على مدى أجيال، بالتعاون مع وزارة العدل، في وضع نسخة إسرائيلية للقانون الدولي، حتى فُقد الاتصال البصري بين القانون، كما يُنظر إليه في العالم، وبين الادعاءات الإسرائيلية بشأن انطباق قوانين الاحتلال وقانون حقوق الإنسان.

لجزء من الوقت، كانت المحكمة بمثابة ما يشبه البالغ المسؤول، إلى أن أزالت هذا الدور عنها إلى حد كبير في السنوات الأخيرة.

إن رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري، الذي يغطي نحو 80 صفحة، يحدد في أغلبية كبيرة للقضاة قرارات قضائية مفهومة ضمنا إلى حد كبير.

نعم، إن الاحتلال الإسرائيلي لـ”المناطق” مخالف لأحكام القانون الدولي، إذ لا يمكن اعتبار حيازة الأراضي لمدة 57 عاما مؤقتة، خاصة في ظل سلسلة الخطوات التي اتخذتها وتتخذها إسرائيل لجعل الوضع مستداما. نعم، القانون الدولي يلزم إسرائيل بالانسحاب من “المناطق” في أسرع وقت ممكن، كما أن ضم القدس الشرقية بعد فترة وجيزة من حرب “الأيام الستة”، وإرساء الضم في قانون أساس، لا يغير وضع الشطر الشرقي من المدينة كأرض محتلة من حيث القانون الدولي.

لم تشارك إسرائيل في المناقشات التي أجرتها المحكمة حول المسائل التي أحالتها إليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بغرض تقديم رأي استشاري، واكتفت بتقديم وثيقة قصيرة من خمس صفحات، ركزت على التأكيد على افتقار المحكمة إلى سلطة إصدار رأي حول هذه القضية، والتحريف الناجم عن حقيقة أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة نفسه يرتكز على افتراضات كاذبة وأحادية الجانب ويتجاهل “الإرهاب” الفلسطيني ضد الإسرائيليين.

بعد إصدار رأي المحكمة، أعلنت وزارة الخارجية أن إسرائيل ترفض ما ورد فيه، وادعت أن المحكمة تخلط بين السياسة والقانون.

من المفترض أن يصل رد قانوني مفصل على رأي المحكمة من وزارة العدل. من كانت أسرع من الوزارة هي بروفيسور تاليا آينهورن، المقربة من حكومة نتنياهو، التي سارعت إلى إصدار وثيقة وُصفت بأنها “رأي” تحلل رأي المحكمة.

وثيقة آينهورن هي مثال توضيحي للنسخة الإسرائيلية الفريدة من قواعد القانون الدولي، التي لا تتوافق مع أي نهج متبع في عالم القواعد والمواثيق.

ترى البروفيسور آينهورن أن محكمة العدل الدولية تجاهلت “الحق الطبيعي والتاريخي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل”، وأن المحكمة تدعو عمليا إلى “التطهير العرقي لمئات آلاف اليهود من القدس وبقية أرض إسرائيل التاريخية”.

علاوة على ذلك، تزعم آينهورن أيضا أن لإسرائيل الحق في الاستيطان في الضفة الغربية وفي قطاع غزة أيضا، ويستند هذا، من بين أمور أخرى، إلى التقرير الذي صاغته لجنة القاضي أدموند ليفي في العام 2012، بعد تقاعده من المحكمة العليا – وثيقة أخرى تشكل مثالا لنقاط التطرف التفسيرية التي وصلت إليها إسرائيل.

قد يكون قضاة محكمة العدل الدولية تنفسوا الصعداء عندما أبلغهم البروفيسور أهارون باراك قبل شهرين بقراره التنحي عن منصبه كقاض خاص نيابة عن إسرائيل، في إطار الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل استنادا إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. باراك، رئيس المحكمة العليا سابقا، هو شخصية تحظى باحترام ومكانة في الأوساط القانونية في العالم.

القضاة ذاتهم الذين جلسوا إلى جانبه في دعوى جنوب أفريقيا كتبوا في الوقت نفسه رأيا بشأن شرعية الاحتلال، حظيت فيها المحكمة العليا الإسرائيلية بإشارة هامشية، تكاد تكون مستخفة.

وفيما يتعلق بمصادرة الأراضي الفلسطينية الخاصة، تشير المحكمة إلى قرار المحكمة العليا الصادر في أسار 2022 بشأن إخلاء السكان الفلسطينيين من قرية مسافر يطا، وكذلك حكم المحكمة العليا الصادر في العام 1979 بشأن مشروعية هدم منازل منفذي الهجمات، بناء على أنظمة الدفاع الانتدابية من العام 1945.

لا تمنح محكمة العدل الدولية هذه الأحكام ولو تحليلا أو إشارة متعمقة، وتكتفي بالقول إنه على الرغم من أن القواعد التي صدرت على أساسها الأحكام مثيرة للجدل فإن ما لا خلاف عليه هو الطبيعة التمييزية للسياسة التي تتبناها إسرائيل، والتي تؤدي إلى تطبيق نظام قانوني منفصل على السكان الفلسطينيين. في العالم السياسي – الدبلوماسي، وليس فقط في العالم القانوني، هناك كلمة تصف ذلك.

——————————————–

 هآرتس 15/8/2024

إسرائيل تروّج أكاذيب لم يعد أحد يصدقها

بقلم: ديفيد ريتشي

أستاذ في العلوم السياسية

أقرّت محكمة العدل الدولية في لاهاي، الشهر الماضي، أنّ الاحتلال الإسرائيلي يشكل انتهاكاً للقانون الدولي. ورداً على ذلك القرار، أعلن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أنّ “الشعب اليهودي ليس مُحتلاً في أرضه”، وأنّه “ليس في مقدور أي قرار افترائيّ في لاهاي تشويه هذه الحقيقة التاريخية”.

يشكل هذا الرد استمراراً وتكراراً لـ”كذبة كبرى”، كذبة فظّة جداً، لكن المستمعين لها يصدّقونها. نحن نستنكر، بالطبع، تلك الأكاذيب الكبيرة التي يرويها كذابون عصريون من أمثال ترامب وغيره، والذي شجّع مؤيديه على اقتحام مبنى الكونغرس الأميركي في العام 2021، بزعم أنّ الفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية قد “سُرق” منه.

كثيرون من بيننا هنا في إسرائيل يروون لأنفسهم ولنا أكاذيب كبيرة ينشرونها بين الآخرين، ثم يسمعونها وهي تُروى من قبَل كذّابين رفيعين، مثل نتنياهو الذي هو، من هذه الناحية، ليس مفكّراً يسعى إلى إنشاء مجموعة خطيرة من المؤمنين التابعين له، إنما هو أشبه بانتهازي تسلّقي ينضم إلى أغلبية قائمة تؤمن بالكذبة الكبيرة نفسها، والكذبة الكبيرة هذه هي: نحن لسنا احتلالاً. نحن لسنا مُحتلّين.

صحيح أنّ وصف ما نرويه لأنفسنا بأنّه “كذبة كبيرة” هو طريقة غير مهذّبة لوصف حقيقة أننا لا نود التحدث عمّا نرتكبه بحق للفلسطينيين،  لكن ربما كان الأجدر بنا أن نبدأ باستخدام هذه التسمية لكي نزعزع أنفسنا بطريقة تجعلنا أولاً نرى الأمر الذي نختار تجاهله والتهرب من مواجهته، وثانياً، نتعامل مع الانعكاسات الهائلة لهذا التجاهل على السياسات القومية التي تعتمدها إسرائيل، وربما على مصيرها هي أيضاً.

نحن نقرّ هذه الكذبة ونكرّسها من خلال ترديدها وتكرارها مراراً وتكراراً على غرار ما فعل نتنياهو في ردّه على قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي مثلاً أو من خلال تجاهل الاحتلال ومحاولة إخفائه من السجال الجماهيري العام، وكأنّ ما لا نتحدث عنه يصبح غير قائم وغير موجود.

في العام 2022 أرسى مستوطنون على شاكلة سموتريتش وبن غفير وغيرهما هذه الكذبة الكبرى في الخطوط التأسيسية العريضة للحكومة الجديدة، من خلال جزمهم بأنّ “الشعب اليهودي هو صاحب الحق الحصري وغير القابل للاستئناف في كل مناطق أرض إسرائيل”، وهو ما يعني أنّ “المناطق” هي مُلك لنا بأمرٍ إلهي، فليس ثمة احتلال ولا استيطان ولا أبارتهايد ولا اضطهاد، ولا حتى جرائم حرب.

منذ 7 تشرين الأول أصبح الانعكاس الأساس لكذبتنا الكبيرة هذه هو الادعاء بأننا نخوض “حرباً وجودية” ضد حركة “حماس”، حرب استقلال ثانية ضد أعداء لدودين حاولوا القضاء علينا في ذاك السبت المُرعِب، وسيحاولون ذلك مرة أخرى إنْ لم نُبِدْهم تماماً.

في هذه الحرب ما بين إسرائيل من جهة، والعالم كله من جهة أخرى، نحن نفترض أنّ الطلاب الجامعيين المناصرين للفلسطينيين هم، في أغلبيتهم الساحقة، أغبياء وسُذّج، بل معادون للسامية. نحن لا نستوعب أنّ كثيرين جداً من هؤلاء يفهمون كذبتنا الكبيرة ويفهمون، أيضاً، أننا نهاجم ونقصف ليس من أجل أن نبقى موجودين كدولة يهودية، بل من أجل أن نواصل الاحتلال.

التبرير الأكبر الذي نقدمه نحن لهذا الأمر هو ما نسمّيه “الصراع”، ذلك أنه إنْ لم يكن هنالك احتلال، بل “صراع” فقط، فمعنى ذلك أنّه بإمكاننا عزو نتائج الاحتلال، التي تبدو مسيئة وظالمة، إلى هذا “الصراع” الذي نشعر في إطاره بأننا مُهدَّدون بشكل دائم ومن دون توقف من جانب فلسطينيين معتدين. وعليه، نحن مُجبَرون بالتالي على اتخاذ الإجراءات والخطوات اللازمة، ليس للمحافظة على الاحتلال، بل على “القانون والنظام” في “المناطق”.

أي نوع من الصراع لدينا مع هؤلاء الناس؟ ما الذي يبرر حقيقة أننا، بعد مضي 55 سنة على الحرب، لا نزال نحتل أراضيهم بالقوة إلى درجة أنه ينبغي لهم، لأنهم “تصارعوا معنا”، الموافقة على التفاوض معنا ومنحنا جزءاً، على الأقل، من أراضيهم؟

نحن نخوض حرباً هي، في واقع الأمر، “أعمال بوليسية”، كتلك التي استخدمها البريطانيون لقمع التمردات إبان فترة الانتداب البريطاني، وهو ما يفسر، إلى حدّ ما على الأقل، أسباب رفض حكومتنا، حتى الآن، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ولو مقابل إعادة الأسرى، كلّهم أو بعضهم.

حتى عندما يقترح بايدن علينا خارطة الدولتين التي يمكننا بوساطتها الخروج من هذا “الصراع”، يتعمد نتنياهو وغالانت وليبرمان وساعر وغانتس وبن غفير وسموتريتش بالتأكيد الحديث عن استمرار القتال البري والغارات الجوية إلى أن تفقد “حماس” قدرتها على مضايقتنا أو، بكلمات أخرى، حتى تكبر “قوة الردع” لدينا إلى درجة لا تبقى فيها لدى “حماس” أو أي مجموعة أخرى من “المعتدين” الفلسطينيين أي قدرة على تحدّي الاحتلال مرة أخرى.

من وجهة نظر هؤلاء، ووجهة نظر إسرائيليين كثيرين يصدّقون هذه الكذبة ويرددونها، هذا هو ما سبّب أحداث السابع من تشرين الأول؛ ليس وجود الاحتلال فحسب، بل أيضاً الفشل في إنتاج المزيد من الردع القادر على إبقاء “حماس” في مكانها، وهذا، كما يقول الكذابون الكبار، هو ما يمكننا إصلاحه الآن.

——————انتهت النشرة——————