فن وثقافةفلسطيني 48

ندوة إشهار كتاب “مصيدة التعدّديّة” للبروفيسور ميخائيل كريّني في حيفا بمقرّ جمعيّة الثقافة

يكشف الكتاب، على امتداد صفحاته الـ356، عن مُركّبات وحيثيات سؤال الدين والدولة وعلاقته بالأقليات الدينيّة في سياق دولة إسرائيل، وكيفية قيام هذه الأخيرة بتحويل التعدّديّة التي تُلبّي وتمنح إجابةً لسؤال الإنصاف والعدل للأقليات في طبيعة الدولة الحديثة.

عقدَت جمعيّة الثّقافة العربيّة، في مقرّها الواقع في مدينة حيفا، بالشراكة مع “المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار”، ندوة إشهار كتاب “مصيدة التعدديّة: الدين والدولة وسط العرب الفلسطينيّين في إسرائيل” للباحث والبروفيسور في الجامعة العبريّة في القدس، ميخائيل كريّني.

وجاءت الندوة التي عُقدت، الخميس الماضي، بعد أن كان الكتاب قد صدر مُؤخّرًا عن مركز مدار، مُترجمًا إلى العربيّة من جانب ياسين السّيّد.

ويكشف الكتاب، على امتداد صفحاته الـ356، عن مُركّبات وحيثيات سؤال الدين والدولة وعلاقته بالأقليات الدينيّة في سياق دولة إسرائيل، وكيفية قيام هذه الأخيرة بتحويل التعدّديّة التي تُلبّي وتمنح إجابةً لسؤال الإنصاف والعدل للأقليات في طبيعة الدولة الحديثة، إلى أداة بيد الدولة الإسرائيليّة تهدف بها إلى تكريس وشرعنة عزل الفلسطينيّين–المتنوّعين دينيًّا – الباقين في وطنهم، والمفروضة عليهم المواطنة وتناقضاتها في الحالة الإسرائيليّة كدولة إثنيّة وديموقراطيّة، وفقًا لما تُعرّف نفسها به.

ويعمد المؤلف من خلال فصول الكتاب الستة إلى مُحاكمة طبيعة العلاقة القائمة بين دولة إسرائيل والجماعات المُختلفة فيها من منظور التعدّديّة الثقافيّة، وإلى كشف تبعات حصر النظام الإسرائيليّ لأسئلة الدين وما ينجم عنها من أسئلة المُؤسّسات البيروقراطيّة كالمحاكم الشرعيّة والكنسيّة، وقوانين الأحوال الشخصيّة وما يترتب على ذلك من زواج وطلاق وتبني وغيرها، في كونه حكرًا على الإثنيّة اليهودية، مُستثنيًّا الأقليات الدينيّة الأخرى، وكيف يمارس سياسة التدّخل ورفع اليد بما يتلاءم مع مصالحه وخدمة الدعايّة الموجّهة داخليًّا وعالميًّا.

ووُصف الكتاب بأنه تقديم لمصفوفة قانونيّة تعرّي الواقع الإسرائيلي وحقيقة اعتباره شاذًا وفقًا إلى قيم دستوريّة قانونيّة مُرتكّزة على قيم الحريّة والعدالة، وعلى ضوء ذلك، فإن الكتاب محاججة جذريّة لمحاولة إسرائيل إظهار نفسها كدولة ليبراليّة متعدّدة الثقافات وفي الحقيقة هي خلاف ذلك تمامًا في جوهرها.

وجاءت الندوة، التي حضرها جمهور ضاقت به قاعة جمعية الثقافة العربيّة، كحدثٍ احتفائيّ بترجمة الكتاب وتوفيره إلى القارئ العربيّ بعد خمس سنوات من صدوره باللغة الإنجليزيّة. وقد استضاف فيها رئيس الهيئّة الإداريّة لجمعيّة الثقافة، الكاتب أنطوان شلحت، الباحث البروفيسور ميخائيل كريّني، مؤلف الكتاب، وأيضًا المحاميّة بانة شغري، المختصّة في حقوق الإنسان والقانونين الإسرائيليّ والدوليّ.

وافتتحت الندوة مُركّزة المشاريع في جمعيّة الثقافة، الإعلامية مريم فرح، والتي عبّرت عن ضرورة هذا الكتاب وأهمية المُلتقيات الثقافيّة التي تُسائل الدولة، ومآلات سياساتها تجاه الفلسطينيّين.

وتمحورت الندوة حول عدد من المحاور المختلفة، ابتداءً من استعراض عام للكتاب قدّمه شُلحت محاولًا فيه تسليط الضوء على قضايا الدين والدولة في حالة الفلسطينيّين في الدّاخل، ومتسائلًا حول الفجوات التي خلّفها الوضع القضائيّ للأقليات الدينيّة في إسرائيل، وما ترتب على ذلك على قوانين الأحوال الشخصيّة. واستهل كريّني حديثه بشرح مقتضب للمشهد القضائي الدينيّ في البلاد، ومن ثم تطرّق إلى طبيعة تعريف النظام الإسرائيليّ لنفسه، وحصره سؤال الدين والدولة في الإثنيّة اليهوديّة، وإقصاء الأقليات من أسئلة التعريف الذاتي والجماعيّ خلافًا لدول أخرى من العالم، مما يُبيّن طبيعة النظام الإسرائيليّ كنظام قائم على الإقصاء والمحوّ الثقافيّ، ومستغلًا ديناميات التدّخل ورفع اليد لخدمة قبوله الدّاخليّ والخارجيّ.

وعرّج كريني في المحوّر الثاني من الحديث بعد الأسئلة التي طرحها شلحت على سبب توصيف الواقع الذي يشرّحه بأنه مصيدة، وما هي حدودها وأثرها على الأفراد، وعلى مسألة الليبراليّة الفرديّة كنقطة انطلاقها، وتعريفاتها المتنوّعة، والفجوات الّتي شكّلها النظام القضائي العالميّ حول ذلك، والنظام الإسرائيليّ بشكل خاص. وبيّن المتحدّث ذلك من خلال اقتباس تعريفات الحريات – وعلى وجه التحديد ما يتعلق بالحرية الدينيّة – على أنها تحمل في جوهرها فجوة وانتقائيّة وتلبيسها تفسيرات تخدم المصلحة الإسرائيليّة، وفي طليعة ذلك استغلال وجود الأقليات وفي الوقت ذاته رفض منحها حرية الاختيار بين الديني والعلماني.

في المحور الثالث من الحديث، ركّزت طالبة الدكتوراه في القانون والمختّصة بقوانين الأحوال الشخصيّة، المحامية بانة شغري، على تأثير وتأثر هذا الواقع القضائي بمشهدين متوازيّين في الحيّز الإسرائيليّ والفلسطينيّ العام، وهما الحقل الأكاديميّ داخل إسرائيل، والحقل السياسيّ العربيّ الفلسطينيّ داخل إسرائيل. وأوضحت شغري خلال مداخلتها السمات الأساسيّة للدولة الإثنيّة والتي تظلم الأفراد والجماعات، ووصفت غياب هذا النقاش وحتى التطرق له من أجل المصلحة بأنه نتاج نفاق أكاديميّ ومأسّسة لنظام يثبت الفوقيّة والوضع القائم بوصف الفلسطينيّين خارج الحيز العام وليس ضمن سلم أولويات النقاش العامّ.

كما قدّمت نقدًا داخليًّا إلى عمل الأحزاب والحركات السياسيّة في جميع قضايا وقوانين الأحوال الشخصيّة وآثار إقصائها من أجنداتها السياسيّة.

وفي نهاية الندوة فُتح المجال أمام الجمهور، لتقديم مجموعة من المداخلات ولطرح الأسئلة.

وأوصى بعض الحضور بضرورة توسيع وتطوير البحث القائم، ونقل هذه المعرفة الأكاديميّة إلى معرفة سياساتيّة تُقدّم للأحزاب السياسيّة لوضعها على الأجندات الحزبيّة، كما أوصوا بضرورة تجسيد هذا التقدّم المعرفيّ في هذا الحقل على شكل إصلاحات في أنظمة القضاء الدينيّة التابعة للفلسطينيّين داخل إسرائيل