المسار الاخباري: أجبرت ظروف الحصار الخانق والطويل على غزة، سكان القطاع على الاستفادة من أقل الفرص المتوفرة، لسد حاجاتهم وابتكار حلول غير تقليدية لمعاناتهم الإنسانية المتراكمة.
ولأن الحاجة دائماً هي أم الاختراع، ابتكرت المهندسة الغزية إيناس الغول جهازين يعتمدان على الطاقة الشمسية، واحد لتوفير المياه النقية، والآخر لإعداد الطعام.
ويعاني قطاع غزة بشكل كبير من أزمة في المياه النقية والوقود، بعد إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر ومنع دخول البضائع، وبينها أدوات الصيانة والسولار اللازم لتشغيل محطات التحلية، وغاز البوتاجاز الضروري لإعداد الطعام.
مقطر المياه
عملت المهندسة الفلسطينية على تحويل مواد أولية مثل الخشب والزجاج والجلد إلى مقطر شمسي، يستخدم الطاقة الشمسية لتقطير المياه، وإنتاج ماء نقي من مياه ملوثة أو مالحة، من خلال الاعتماد على أشعة الشمس وتحويلها إلى طاقة لتسخين المياه، ومن ثم تبخيرها وتكثيف البخار، ليعود الماء إلى حالة سائلة مُفلترة بعد ذوبان الأملاح.
قالت إيناس خلال حديثها لـ«القدس العربي» أن درجة الملوحة في المياه المستخرجة عن طريق المقطر الشمسي (صفر)، لدرجة أنها «كانت تضيف نصف لتر من المياه المالحة لكل ألف لتر من المياه الناتجة عن التقطير».
وأوضحت أن الجهاز، قيد التجربة، لكنها تأكدت من فاعليته عندما اختبرته فوق سطح منزلها في منطقة قيزان النجار بالإضافة إلى أعلى بيت آخر في حي المنارة، جنوب مدينة خان يونس.
في خدمة الأيتام
وأشارت إلى أنها صنعت نموذجاً مكبراً من «المقطر الشمسي» عبارة عن دوائر متصلة وليس وحدات متقطعة، لخدمة 5 آلاف شخص في مركز لإيواء الأيتام.
وعقبت: «استفادوا منه كثيراً، وشكروا في درجة نقاوة المياه، وقالوا إنه حلو جدًا مثل المياه المعبأة في الأسواق».
ولفتت أنها اختبرت مياه الشرب التي تنتجها محطات التحلية في قطاع غزة، وكذلك التي توزعها سيارات البلدية على النازحين، فوجدت أنها «معكرة تحتوي على نسبة عالية من الأملاح تصل إلى 75%، بالإضافة إلى الطحالب والطين، وهذا ما رأته بعينها».
وبينت أن تلوث المياه في قطاع غزة ناجم عن تعمد الاحتلال تدمير البنية التحتية للمياه في كل مناطق القطاع بما فيها منطقتها -قيزان النجار جنوب مدينة خان يونس.
وأشارت إلى أن النازحين يصطفون في طوابير طويلة للحصول على مياه ليست نقية، وهو ما دفعها لصنع «المقطر الشمسي».
الطباخ الشمسي
وابتكرت إيناس أيضاً جهازاً سمته «الطباخ الشمسي»، يعتمد على الطاقة الشمسية في إعداد جميع أصناف الطعام، باستثناء الخبز فقط، كمساهمة منها في حل أزمة نقص أنابيب البوتاجاز، وأيضًا الحفاظ على البيئة.
وقالت المهندسة الفلسطينية إنها اعتمدت في صنع الطباخ الشمسي على مواد معاد تدويرها مثل الخشب المستخدم في نقل البضائع «مشاطيح» مكعبات خشبية وزجاج المرايا المُكسرة.
وأوضحت أن فكرة الجهاز تقوم على تسليط أشعة الشمس على صينية زجاجية كبيرة، فتتولد طاقة تُسهم في تسوية الطعام، مشيرة إلى أن المرونة أهم ما يميز -الطباخ الشمسي-، إذ يمكن تكبيره وتصغيره، تبعًا لعدد المستخدمين.
وألمحت إلى أن المدة المستغرقة في تجهيز الطعام باستخدام الطباخ الشمسي هي ذاتها الخاصة بالتسوية على البوتاجاز.
وأضافت أن الجهاز يعمل أيضًا على تجفيف الأطعمة كالبندورة والعجوة والمفتول الفلسطيني، بالإضافة إلى «مهمته الأساسية في سلق وتحمير المأكولات».
وأكدت أن الطباخ الشمسي قادها للاستغناء عن غاز الطهي بشكل شبه كلي، ما يسهم في حل أزمة شُح وارتفاع أسعار أنابيب البوتاجاز، وأردفت: «لم أقم بتعبئة جرة الغاز عندي منذ 8 أشهر، أستخدمها فقط في إعداد القهوة والخبز».
وبينت أن أنابيب البوتاجاز شحيحة جدًا في قطاع غزة، بسبب الحصار، فيما وصل سعر تعبئة الأنبوبة الواحدة إلى 100 دولار، مشيرة في الوقت ذاته إلى عدم جودة غاز الطهي داخلها وسرعة نفاده «الأنبوبة عندي بتخلص بعد أسبوع، كأنهم يعبئونها بالهواء وليس الغاز».
وأشارت إلى أن الطباخ الشمسي يسهم في الحفاظ على البيئة، كونه يعتمد على الطاقة الشمسية فقط في عمله، موضحة أن النازحين لجأوا في ظل حرب السابع من أكتوبر إلى حرق الحطب والأخشاب وأكياس النايلون في أفران بلدية، وهي «كلها ملوثات للبيئة وتصيب بالأمراض الرئوية والتنفسية».
وعقّبت: «أنا واحدة من النازحين أصبت بمرض الربو، لاستخدامي الحطب قبل اختراعي للطباخ الشمسي، لذا أنا من خلال هذا الجهاز أخدم نفسي وبيئتي وأهالي قطاع غزة».