
الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 16/2/2025
يصعب على الدول العربية بلورة خطة مشتركة بدلا من ترحيل ترامب
بقلم: تسفي برئيل
المتحدث بلسان حماس، عبد اللطيف القانوع، قال أمس بأن تنفيذ النبضة الحالية التي تم فيها اطلاق سراح يئير هورن وساغي ديكل حن وساشا تروبنوف، تحقق بعد أن “حصلت حماس على ضمانات بأن اسرائيل ستتمسك ببنود الاتفاق”، واضاف أن حماس تنتظر “بدء الاحتلال في تطبيق البروتوكول الانساني استنادا الى تعهد دول الوساطة بضمان ذلك. لكن هذه الضمانات تم اعطاءها قبل التوقيع على الاتفاق، وهي التي ضمنت تطبيقه حتى قبل حدوث الدراما الاخيرة التي اعلنت فيها حماس عن تأجيل العملية، وبعد ذلك تراجعت. القانوع تطرق بالاساس الى بنود البروتوكول الذي ارفق باتفاق وقف اطلاق النار، الذي بحسبه في المرحلة الاولى في الصفقة يجب على اسرائيل السماح بادخال 200 ألف خيمة و60 ألف بيت متنقل ومعدات ثقيلة لاخلاء الانقاض، اضافة الى الوقود والمياه. اضافة الى ذلك في المرحلة الحالية كان يجب أن تبدأ عملية الاعمار الاولية لشبكة الكهرباء والمياه والاتصالات والصحة، التي ستكون بالتنسبق مع قطر ومصر وباشراف الامم المتحدة.
التقدير هو أن اسرائيل سمحت حتى الآن بادخال حوالي 20 – 30 ألف خيمة فقط، ولم يتم ادخال أي بيت متنقل أو معدات هندسية. جزء كبير من هذه المعدات ينتظر الآن قرب الحدود مع غزة، الآن بقي الانتظار ورؤية هل ومتى ستدخل الى القطاع. حسب تقارير لمنظمات اغاثة فان هذه الخيام ستخدم 580 ألف شخص الذين عادوا من جنوب القطاع الى الشمال منذ 19 كانون الثاني (بينهم 56 ألف شخص عادوا من الشمال الى جنوب القطاع في اعقاب الدمار الذي شاهدوه. هل القانوع يتطرق الى ضمانات ووعود جديدة، وكيف ستقف أمام تهديد الترانسفير لترامب؟.
وضع كمية كبيرة جدا من المباني المتنقلة والخيام والبدء في اعمال اعادة الاعمار، اضافة الى أن المساعدات الانسانية التي تشمل الغذاء والدواء، التي دخلت في السابق ويتوقع أن تدخل الى القطاع في الاسابيع القريبة القادمة، ستمكن السكان الذين عادوا الى شمال القطاع من البقاء فيه. يبدو أنها ايضا ستشكل سور وقائي أمام اعادة طردهم، وافشال خطة الترانسفير لترامب.
امام هذا السيناريو من الافضل التذكر بأن اسرائيل في السابق وافقت على هذه الشروط التي تعتبر جزء لا يتجزأ من اتفاق وقف اطلاق النار. امام الادعاء الذي يقول بأن تركز السكان في شمال القطاع فان جهاز الامن في اسرائيل اوضح بأن “اعادة تركز السكان في شمال القطاع لا يمكن أن تمنع “اعادة الطرد” بما يشبه نقل السكان الذي نفذته اسرائيل عدة مرات، سواء من الشمال الى الجنوب أو داخل مناطق الجنوب، بما في ذلك المناطق التي تم الاعلان عنها كمناطق آمنة للسكان.
هذه الاحتمالية لا تغيب عن اعين حماس. ومثلما أن اسرائيل، حسب ادعاءها، لم تقم بالالتزام حتى الآن بتنفيذ تعهداتها، فان من شأنها أن تخرقها ايضا بعد تسلم التعهدات الجديدة التي لم يتم تفصيلها. في هذه المرحلة من غير المعروف اذا كانت الولايات المتحدة مشاركة في هذه التعهدات بعد أن اوضح ترامب بأنه سيؤيد أي عملية تقررها اسرائيل. بناء على ذلك يبدو أن حماس تعطي اهمية كبيرة ليس فقط لاعادة تركز السكان في شمال القطاع، الذي يمكن أن يتضح أنه مؤقت، بل لديناميكية أن هذه العملية يمكن أن تنشأ، وعامل الزمن الذي سيمنح دولة الوساطة والدول العربية الاخرى التوصل الى تفاهمات حول خطة لادارة غزة، التي يحلق فوق رأسها تهديد الترانسفير لترامب.
لكن “الخطة العربية” أو “المسودة المصرية” مثلما تم تعريفها من قبل الملك عبد الله، تصعب بلورتها. مباديء هذه الخطة، كما نشرت في السابق في الصحيفة، تستند الى اقامة ادارة فلسطينية خاضعة للسلطة الفلسطينية، بدون مشاركة حماس أو الفصائل الفلسطينية الاخرى. هذه الادارة ستكون مسؤولة عن تنفيذ وتنسيق نشاطات اعادة الاعمار الاساسية، وتشغيل منظومات البنى التحتية الحيوية وتشغيل معبر رفح في الطرف الفلسطيني.
النتيجة في هذه الاثناء هي أنه رغم الموقف العربي الموحد المعارض للترانسفير إلا أنه لا توجد خطة عمل قابلة للتنفيذ تكون مقبولة على اسرائيل والولايات المتحدة. هذا العائق سيحاول التغلب عليه وزراء خارجية الدول الخمسة الرائدة – السعودية، دولة الامارات، قطر، مصر والاردن – الذين يتوقع أن يجتمعوا في يوم الخميس القادم في السعودية والاعداد للقمة العربية التي يتوقع عقدها في 27 شباط القادم، قبل يومين من موعد انتهاء المرحلة الاولى. في هذه العملية اعد للسعودية دور رئيسي من شأنه أن يؤثر على قرارات ترامب، وربما حتى ازالة تهديد الترانسفير.
السعودية التي وعدت باستثمار = حوالي 600 مليار دولار في الولايات المتحدة في فترة ولاية ترامب، وتمتلك ورقة التطبيع مع اسرائيل، تم اختيارها من قبل ترامب، ليس بالصدفة، لتكون الدولة التي تستضيف لقاء القمة بينه وبين الرئيس الروسي فلادمير بوتين من اجل مناقشة انهاء الحرب في اوكرانيا. في هذا الاسبوع يتوقع أن تصل مستويات عمل امريكية وروسية الى الرياض من اجل البدء في الاستعداد تمهيدا للقمة التي لم يتم تحديد موعدها حتى الآن.
السعودية يمكن أن يكون لها ايضا دور مهم في الخطوات التي تخطط لها ادارة ترامب امام ايران، بالاساس اذا قررت الدفع قدما بالمفاوضات من اجل صياغة اتفاق نووي جديد. كل ذلك يعطي السعودية اداة تأثير قوية يمكن أن تعطيها وزن موازي ضد خطط عمل اسرائيل في غزة.
——————————————-
هآرتس 16/2/2025
يمكن تحويل حل الدولتين من موضوع الهوية الى مشروع سياسي قابل للتحقق
بقلم: ديمتري شومسكي
“أنا أقدر شومسكي ولا أصدق بأنه يدفعني الى المربع المتوقع، “زهافا غلئون تدافع عن حل الدولتين”، هذا غير لطيف”. هكذا، سواء بالانتقاد الهزلي أو التوبيخ الجدي، بدأت زهافا غلئون مقال ردها (“هآرتس”، 30/1) على مقالي، الذي قلت فيه بأن المهمة الملحة جدا لليسار في هذه الفترة هي نزع الكهانية عن اسرائيل (“هآرتس”، 26/1). هكذا هي ساعدتني على كتابة مقال الرد هذا. لأنني ايضا أقدر غلئون فأنا لا اصدق بأنها تدفعني الى المربع المتوقع، “شومسكي يدافع عن حل الدولتين”.
خلافا لما يظهر من اقوال غلئون أنا لم أتنازل عن فكرة اقامة الدولة الفلسطينية القابلة للبقاء الى جانب دولة اسرائيل. أنا استمر في رؤية في تحقيقها الطريقة الضرورية التي لا يوجد غيرها لاستكمال الحلم السياسي الصهيوني، الذي في اساسه التطبيع الوطني المأمول للشعب اليهودي في اطار دولة قومية، في حدود آمنة ومشروعة. أنا اوضحت ذلك، سواء في المقال المذكور اعلاه أو في المقالات الاخرى.
مع ذلك، ما الفرق بين موقفي وموقف غلئون في هذا الامر؟. غلئون تعتبر حل الدولتين أولا وقبل كل شيء كنوع من مؤشر هوية اخلاقي لمعسكر اليسار، ليس أكثر من ذلك. لذلك، لا يمكن فهم بشكل مختلف اقوالها “مقاومة الاحتلال هي التي منحت اليسار الاسرائيلي صوته المتميز”. في المقابل، أعتقد أن حل الدولتين هو قبل أي شيء آخر هدف سياسي – فكري ملموس ويناسب حلم سياسي بمستوى وطني، والدفع به قدما بحاجة الى تبني مقاربة براغماتية مع علاقة مستمرة مع الواقع السياسي والاجتماعي المتغير. على سبيل المثال، اذا كان الوضع السياسي في اسرائيل يمر بتغيير غير مسبوق، مثل دمج عناصر الكهانية والمسيحانية كقوة رائدة ومعيارية في الحكومة فان أي حديث جدي عن اعادة خطاب حل الدولتين الى مركز الفكر السياسي، ناهيك عن الحديث عن خطوات فعلية لاستئناف العملية السياسية، غير ممكن بدون أن نفرض مرة اخرى الحصار السياسي المطلق على هذه الجهات الكهانية، اضافة الى التطلع الى العودة الى الوضع الذي كان فيه اشراك الكهانية في الحكم غير شرعي. هذا هو المعنى العملي لرؤية نزع الكهانية كمهمة ملحة جدا لليسار الآن. مفهوم أن هذا لا يعني بأن هذه المهمة يجب أن تستبدل حل الدولتين. القصد هو أن هذه المهمة هي أحد الشروط الحيوية لاعداد الفضاء العام لاستيعاب هذا الحلم من جديد.
اضافة الى ذلك يمكن التفكير في خطوات كبيرة واكثر مبدئية لتحويل حل الدولتين من موضوع هوية لمعسكر الى مشروع سياسي مستقبلي قابل للتطبيق. مثلا، يمكن محاولة تجنيد الموارد المالية لمعسكر اليسار ليس لاقامة المزيد من منظمات حقوق الانسان، بل لبناء حركة مدنية وطنية جديدة وكبيرة، ترفع راية الصهيونية الليبرالية وتعمل على صب مضمون ملموس وعملي في هذا المفهوم.
هذه الحركة ستؤكد بشكل خاصة على تعليم الجيل الشاب، مع استخدام أدوات ومنصات اعلامية حديثة مختلفة، وادخال مضامين وطنية ليبرالية الى منظومة التعليم، التي تتحدى بلا ملل الهيمنة، القومية المتطرفة والدينية. هذه هي الخطوات العملية الاساسية التي يجب على معسكر اليسار القيام بها من اجل أن يصبح شيء له قيمة على الصعيد العام الوطني. أولا، اعادة التسييس، التي تعني العمل على التعاون الذي يجتاز المعسكرات، مع المركز واليمين المعتدل من اجل نزع شرعية الكهانية. والمعنى على المدى البعيد هو صراع صعب ومتعب ضد توجه الضم والترانسفير لترامب وبيبي، وضد عنف المستوطنين وضد التمسك غير القانوني بالمناطق المحتلة. ثانيا، اعادة صياغة الرسالة السياسية لليسار بلغة ومفاهيم وطنية شاملة، بهدف واضح وعلني لقيادة الدولة اليهودية في المستقبل. كل ذلك في ظل خطاب صهيوني ليبرالي وأمني – قومي جديد ومتجدد، يوضح العلامات والامثلة لماذا يستمر حكم اسرائيل للفلسطينيين والاستيطان وراء الخط الاخضر، والتخلي عن عناصر الديمقراطية الليبرالية لصالح الهيمنة منفلتة العقال للاغلبية اليهودية في الدولة، هذه العناصر مدمرة وهي مناقضة لروح الصهيونية كحركة تحرر وطني ولمفهوم الامن الوطني ولجوهر روح اليهودية.
ساحة المعركة الحيوية هذه – ساحة الخطاب الصهيوني الوطني اليهودي – يجب الاعتراف بأن اليسار السياسي غادرها بدون حرب لصالح اليمين القومي المتطرف والوسط العقيم، الذي هويته السياسية غير واضحة. يجب على اليسار السياسي الانقضاض على هذه الساحة بكل القوة، وإلا فان فكرة حل الدولتين سيواصل استخدامها معسكر سياسي خجول كزينة لموضوع الهوية من اجل التفاخر به، ليس أكثر من ذلك.
——————————————-
هآرتس 16/2/2025
اسرائيل هي دولة عنصرية وعديمة الرحمة، فما هو مبرر وجودها؟
بقلم: ميخائيل سفارد
دولة اسرائيل آخذة في فقدان مبرر وجودها. في النظرة الديمقراطية والانسانية فان دولة اسرائيل ليست قيمة، الدولة هي أداة لتطبيق حقوق مواطنيها ورعاياها الذين يعيشون فيها. مثل المنظمة التعاونية، لا يوجد للدولة أي شيء لنفسها. كل ما هو لها هو لاعضائها، وكل قوتها تنبع منهم.
الدولة هي تنظيم سياسي يستهدف خدمة الناس، واذا لم تفعل ذلك، وبالتأكيد اذا زادت سوء وضعهم، فان مبرر وجودها ينعدم. توجد دول النظام فيها يعمل على تقويض هذا الهدف، دول تخدم الطبقة الحاكمة التي تقوم باستغلال من لا ينتمي اليها، ولا تهتم برفاهية رعاياها. هذه دول سيئة، مجرمة، مثل البنك الذي يسرق أموال زبائنه. لا يوجد أي مبرر لوجودها. أي مغازلة مع تصور مختلف للدولة، كقيمة بحد ذاتها وكيان هو هدف وليس وسيلة، هي مثل الرقص مع الفاشية الذي في البداية ربما يظهر ساذج، لكن نهايته هي اعتقال منتقدي النظام في معسكرات اعتقال.
إن مهمة الدولة التي تتفاخر بأنها ديمقراطية هي خلق بيئة قانونية، سياسية، أمنية، ثقافية واقتصادية تمكن مواطنيها ومن يعيشون فيها من تحقيق مؤهلاتهم وكتابة قصة حياتهم بشكل حر وبأكبر قدر من الاستقلالية ومحاولة الحصول على السعادة. هذه البيئة لا يمكن تحققها إلا على اساس ترسيخ الحرية والكرامة لجميع الناس والمساواة فيما بينهم.
لذلك، حقوق الانسان والديمقراطية مندمجة. فلا توجد ديمقراطية حقيقية بدون بنية نظامية في اساسها حماية الحقوق الاساسية لكل انسان هي من مسؤولية الدولة. ولا توجد أي حقوق للانسان بدون أن تكون البنية النظامية قائمة على قيم الديمقراطية، التي فيها مشرع منتخب وفصل بين السلطات وسيادة القانون على الحكام. هذا يعني ما يعلمونه لاولادنا من الصف الاول، لكن هذا ليس ما يحدث حولنا، وليس ما يعلمونه لاولادنا في المدارس.
المشروع الاسرائيلي تبجح باقامة ديمقراطية ليبرالية، لكن الآن هو بعيد عن هذا النموذج، وفي كل يوم يمر هو يبتعد أكثر في الاتجاه المعاكس. السمات السامية لجوهر الدولة مثلما تمت صياغتها في الثورة الفرنسية والثورة الامريكية من خلال دروس الحرب العالمية الثانية وتأسيس الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان، تم استبدالها بقيم ظلامية للكراهية والعنصرية واسكات الانتقاد وتركيز السلطة في يد الحكام. وأي تقييم صادق للوضع في اسرائيل الآن سيعجز عن ايجاد مبرر لوجود الدولة. تعالوا نلقي نظرة على بعض سمات دولتنا.
دولة اسرائيل 2025 تتم قيادتها على يد حكومة تهمل مواطنيها. هذا قالوه ألف مرة من قبل، لكن أنا أقوله حسب طريقتي: توجد لنا حكومة لم تمنع اختطاف مواطنين من الأسرة. وبعد سنة واربعة اشهر اصبح من الواضح أنهم جائعين ومتعبين ويتعرضون لتنكيل لا يمكن تخيله، فان الحكومة تعمل على افشال الصفقة لاطلاق سراحهم.
يمكن أن تكون هناك اسباب موضوعية لمعارضة صفقة بشروط معينة، لكن تفجير الصفقة الذي يحدث أمام ناظرينا لا ينبع من القلق على أمن اسرائيل، بل هو يستهدف خدمة احلام مسيحانية وكولونيالية لليمين الاصولي، وترسيخ بقاء رئيس الحكومة السياسي. كان يجب عليهم القول لنا بشكل صريح بأنه لا توجد أي نية للطرد والتوطين، لكنهم يقولون العكس. لذلك، طالما أن الامر يتعلق بحكومة اسرائيل فان المخطوفين الاحياء سيحكم عليهم بالموت من اجل تحقيق احلام سموتريتش، كي يكون نبوخذ نصر لسكان غزة، ونفيهم واقامة المستوطنات في القطاع.
المخطوفون سيواصلون المعاناة بسبب الجوع والتعذيب في الانفاق المظلمة من اجل أن يتمكن نتنياهو من مواصلة السكن في المقر الرسمي في شارع بلفور. يكفي هذا التخلي الذي لا يمكن تخيله من اجل التشكيك في المبرر الاساسي لوجود الدولة وهو حماية المواطنين والتكافل الاجتماعي الذي يضمن لكل مواطن الاهتمام به، وبالتأكيد في حالة التعرض للضرر على يد الاعداء.
النظام في اسرائيل 2025 يكم افواه الانتقاد. عندما حدثني والديّ عن حياتهما في بولندا الشيوعية، التي فيها قام النظام بالغاء العروض على أي منصة وحظر كتب ووضع في السجن من وجهوا الانتقاد اليه، شكرت حظي الجيد لأنني ولدت في دولة لا يحدث فيها كل ذلك. ها هو الآن هذا الامر يحدث. هذا حدث دائما للفلسطينيين، وراء الخط الاخضر وفي داخله. الآن هذا يحدث للجميع وبشكل كبير جدا.
ادارة مدرسة بتسور هداسا قامت بالغاء محاضرة للاديبة شاهم سميث، لأنها انتقدت بشدة القتال في غزة؛ الكنيست تدفع قدما بقانون سيحظر الاستخدام القانوني لمصطلح “الضفة الغربية” والزامنا بالقول “يهودا والسامرة”؛ في هذا الاسبوع الشرطة قامت باقتحام محل لبيع الكتب في شرقي القدس وقامت باعتقال اصحابه لأن الكتب الموجودة فيه غير صهيونية. هذا فقط في الفترة الاخيرة. المتظاهرون من اجل الديمقراطية ومن اجل المخطوفين ويعارضون الحرب يتم اعتقالهم كل يوم من قبل نفس الشرطة ونفس النيابة العامة التي تتجاهل كليا التحريض على جرائم الحرب وتنفيذ جرائم ضد الانسانية وحتى الابادة الجماعية، التي اصبحت مصطلحات سائدة في اسرائيل.
النظام في اسرائيل يكره خُمس مواطنيه. فهو يميز ضدهم ويطبق سياسة واساليب تستهدف ابعادهم عن مراكز القوة. كل سم مكعب من الهواء في اسرائيل يصرخ في أذنهم أنهم لا ينتمون لهذا المكان، وأنهم يوجدون هنا بشكل مشروط. بدءا بنزع الشرعية عن ممثليهم السياسيين ومرورا باللامبالاة بالضربات القاتلة في بلداتهم وانتهاء بقانون القومية. من كل انماط الهوية التي يمكن للانسان في اسرائيل أن يتمتع بها فان المؤشر الافضل على الطفل الذي يولد هناك سيكبر ويصبح مواطن مؤثر في أي مجال تختارونه له، ثقافي، اجتماعي وسياسي بالطبع، هو الانتماء الوطني. اليهود – نعم. العرب – ليس حقا.
دولتنا هي دولة عنصرية، تؤيد التطهير العرقي، تأكل من ينتقدونها وتكره غير اليهود في اوساط مواطنيها، وهي غير رحيمة مع أبنائها الذين تم اختطافهم بدون ذنب، هي بنك يسرق زبائنه، وبعد ذلك التحريض ضدهم. أي مبرر يوجد لوجودها؟.
——————————————
هآرتس 16/2/2025
انذار ترامب انتهى، لكن مصلحة نتنياهو لا تزال محل شك الانتقال الى المرحلة الثانية
بقلم: عاموس هرئيلِ
تحرير المخطوفين الثلاثة، ساشا تروبنوف، ساغي ديكل حن ويئير هورن، من كيبوتس نير عوز، استكمل أمس الدفعة السادسة في المرحلة الاولى في صفقة المخطوفين. الخوف الذي رافق تقدم الصفقة منذ بداية الاسبوع تلاشى، لكن تنفيذ النبضات القادمة – تحرير ستة مخطوفين أحياء واعادة ثمانية جثامين لمخطوفين في الاسابيع الثلاثة القادمة – ما زال مشكوك فيه. وحتى لو تم استكمالها كما هو مخطط له فانه يتوقع بعد ذلك وجود عائق اكبر – الانتقال الى المرحلة الثانية.
الاسبوع الماضي بدأ بتهديد حماس تأجيل النبضة السادسة. والرئيس الامريكي ترامب رد على ذلك بنوع من التوصية لاسرائيل، وضع انذار نهائي والمطالبة بتحرير جميع المخطوفين حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا في يوم السبت. ترامب لم يكلف نفسه عناء التوضيح اذا كان يقصد توقيت واشنطن أو توقيت القدس. ولكن في نهاية الاسبوع الماضي تبدد النقاش من تلقاء نفسه. في يوم الجمعة تبين أنه لا يوجد للحكومة الاسرائيلية، رغم تصريحاتها الشديدة، أي مصلحة في تفاقم الازمة. ومنذ اللحظة التي تراجعت فيها حماس واعلنت بأنه سيتم اطلاق سراح المخطوفين الثلاثة توقفت اسرائيل عن التهديد. مكتب رئيس الحكومة، الذي يعاني مؤخرا من التصريحات المتدنية، تمكن من احراج نفسه. فقد اعلن أول أمس بأن قائمة المحررين الثلاثة مقبولة على اسرائيل، بعد ذلك تذكر التصحيح، أن القائمة تم تسلمها من قبل اسرائيل.
ترامب لا يحب، بشكل صريح، فكرة النبضات الصغيرة والكثيرة، وأقل من ذلك هو يحب حقيقة أن الصفقة تتقدم حسب الخطة التي تمت بلورتها في عهد سلفه جو بايدن. توجد لنتنياهو اعتبارات اخرى. فهو يخشى من الانتقال الى المرحلة الثانية لأن ذلك سيدفع قدما بانهاء الحرب وتعريض بقاء حكومته للخطر وربما ايضا التشدد في طلب تشكيل لجنة تحقيق رسمية لفحص الاخفاقات في الحرب.
حتى بدون انهاء الحرب فان مكتب نتنياهو تورط في الفضيحة القطرية. فالشكوك تزداد بأنه على الاقل ثلاثة من مستشاريه استفادوا بصورة موازية من العمل في صالح دولة الوساطة – صحيح أنها دولة غير معادية، لكنها غارقة منذ سنوات في تمويل سلطة حماس وساعدت ايضا في تعزيزها عسكريا. أمس في ذروة نقاش أمني هاتفي اعلن الشباك ردا على توجهات المراسلين بأنه قرر فتح ملف تحقيق في القضية، التي كانت بدايتها كشف تقرير مراسل “هآرتس” بار بيلغ. نتنياهو في الحقيقة معني بالتخلص من رئيس الجهاز رونين بار، لكن يبدو أن الاخير لا يخشى من رد الصاع صاعين.
خطوات نتنياهو تشمل حتى الآن الدمج بين التملق لترامب وزرع عقبات في طريق الصفقة والتهديد بالدخول البري مجددا الى القطاع. حسب وعود رئيس الحكومة فان هذه الخطوة ستجعل حماس تركع، وبحق، وستضمن نهاية مختلفة للحرب. عمليا، من المؤكد اكثر أن هذا الامر سيدفع قدما بموت مخطوفين آخرين (والكثير من الجنود). وأن حماس ستنجح في الاحتفاظ بسيطرتها على اجزاء في القطاع، حتى لو على شاكلة حركة عصابات ضعيفة نسبيا. مؤخرا على خلفية تهديدات اسرائيل باستئناف الحرب في غزة فان الجيش الاسرائيلي دعا بشكل مستعجل الى الخدمة بضعة آلاف من جنود الاحتياط. ولكن في نهاية الاسبوع ارسلوا الى بيوتهم وانتظار القرار حول الخطوة القادمة. نتنياهو لم يعد يسعى حتى الى التظاهر وتسويق بادرات حسن نية من التماهي الفارغ مع المخطوفين العائدين، الذين من ناحيتهم اهتموا بشكر كل من ساعد في اطلاق سراحهم، باستثناء رئيس الحكومة.
العميد احتياط اورن سيتر، نائب رئيس مركز الاسرى والمفقودين في الجيش الاسرائيلي، اهتم أمس بدحض، في مقابلة مع “اخبار 12” ادعاء أن الحكومة أو الكابنت تفاجأوا من الحالة الصحية الصعبة للمخطوفين الذين تم اطلاق سراحهم في النبضة السابقة. المستوى السياسي، كما اوضح سيتر، يعرف منذ فترة كل ما يحدث في الاسر، التنكيل والتعذيب والتجويع.
نصر مطلق في السجن
لقد مرت تسعة اشهر منذ وعد نتنياهو بزيارة نير عوز، الكيبوتس المدمر لمن تم تحريرهم أمس، الذي ربع سكانه تم قتلهم أو اختطافهم في 7 اكتوبر. هذا الوعد لم ينفذ حتى الآن. رئيس الحكومة غارق في تقديم بادرات حسن نية لـ “قاعدته” السياسية، التي استهدفت عبثا بث القوة امام حماس. أمس اهتمت مصلحة السجون في نشر صورة مهينة لسجناء فلسطينيين محررين في اطار الصفقة وهم راكعين وظهورهم للكاميرا. على القمصان التي طلب منهم ارتداءهم ظهرت كتابة باللغة العربية الركيكة: “لن ننسى ولن نغفر”. هنا مكان آخر فيه حلم يحيى السنوار، رئيس حماس الذي قتل، بدأ يتحقق. الفجوة بين الطرفين آخذة في التقلص.
منذ سنة واربعة اشهر يشتكون هنا من الدعاية الاسرائيلية التي تجد صعوبة في التوصل الى نتائج مقنعة في الساحة الدولية. اسرائيل كان يمكنها أمس التركيز على المشاهد المؤثرة للمواطنين الثلاثة الذين تم لم شملهم مع عائلاتهم بعد المذبحة التي تم ارتكابها في تجمعهم. وبدلا من ذلك نشرت الدولة الصورة الغبية من السجن وكأن هذا الامر سيكسبها نقاط بطريقة معينة. يمكن الادعاء أن هذه ما زالت روح الوزير السابق بن غفير، التي تحلق فوق السجانين وقادتهم. ويمكن ايضا الشك في أن هذا التوجيه جاء اكثر من اعلى واستهدف اضافة والدفع قدما بالادعاء السخيف حول النصر المطلق.
الى جانب انتظار القرارات في غزة، سواء مواصلة الاتفاق أو استئناف القتال أو تمديد المرحلة الاولى للاتفاق الحالي، وصلت اسرائيل الى نقطة رئيسية في لبنان. في يوم الثلاثاء ستنتهي فترة تمديد اتفاق وقف اطلاق النار المؤقت، والجيش الاسرائيلي يمكن أن يقوم باخلاء آخر القوات من جنوب لبنان. في الايام الاخيرة القوات انسحبت الى عدد من المواقع الرئيسية شمال الحدود، لكنها اخلت المواقع العسكرية التي توجد في القرى المتروكة. اسرائيل تحاول الآن بواسطة الادارة الامريكية الحصول على تمديد آخر حتى نهاية الشهر الحالي. في لبنان نفسها يسود عدم الهدوء ازاء جهود الحكومة الجديدة لوقف تحويل الاموال النقدية من ايران لحزب الله في رحلات طيران مدنية الى مطار بيروت. في هذه الاثناء الساحتان توجدان في حالة انتظار متوترة. لأنه لا يوجد أي يقين بأن تنتهي بالضرورة باشتعال جديد. ولكن في الساحتين، لا سيما في قطاع غزة، توجد اخطار للتصعيد. من غير الواضح اذا كان ذلك سيحدث لاسباب صحيحة أو أنه سيؤدي الى النتائج المرغوبة من ناحية اسرائيل.
——————————————-
معاريف 16/2/2025
خطة عمل لاحتلال قطاع غزة والقضاء على حماس
بقلم: ميشكا بن دافيد
في الحياة الإسرائيلية العامة تقرر “وصايا” جديدة، تساوي في قوتها الأخلاقية والقيمية قوة الوصايا العشرة. اكثرها وضوحا هي تحرير المخطوفين. في اثناء الحرب الحالية نشأ وتبلور اجماع يضم معظم أجزاء الامة على أنه يجب تحرير المخطوفين. صور ثلاثة المخطوفين الذين عادوا الأسبوع الماضي ربطت في ذاكرة الناجين من الاسر بالناجين من مخيمات الإبادة، ومطلب تحرير المخطوفين المتبقين أصبح مطلبا قوميا. حقيقة ان وضع محرري أمس كان أفضل بقليل لا تغير شيئا، وينبغي التطلع لتحريرهم جميعهم وفقا لانذار ترامب في بداية المرحلة القادمة.
من حق رئيس الوزراء أن يقول ان هدف الحرب – إبادة القوة العسكرية والسلطوية لحماس – لم يتحقق حتى الان، وان معظم المخطوفين الاحياء اعيدوا، وبالتالي فانه يستأنف الحرب حتى بثمن حياة المخطوفين المتبقين في الاسر. هذا قرار شرعي، تماما مثل قرار إعادة احتلال القطاع، والذي في اثنائه سيقتل على نحو شبه مؤكد عشرات عديدة من الجنود، شرعي. لكن في هذه الحالة سيصطدم القرار بالحديث عن إعادة المخطوفين وبالاجماع الذي تبلور في الشعب في هذا الشأن.
للتخلي عن المخطوفين المتبقين في الاسر وكذا لعدم القضاء على حماس توجد تداعيات مستقبلية قليلة الوزن. التخلي عن المخطوفين سيخلق وضعا يتضرر فيه بشدة بل ويسحق التراص الاجتماعي الذي بدأ يبنى من جديد بعد 7 أكتوبر، وستنشأ عدم ثقة بين المقاتلين وبين الدولة. لابقاء حماس كقوة عسكرية وكجسم حاكم في غزة توجد تداعيات هدامة من ناحية الفكرة التأسيسية العربية والرغبة في القتال ضد إسرائيل: حتى بعد الدمار والقتل العظيمين اللذين احدثناهما في غزة، 7 أكتوبر في الوعي العربي هو نصر تاريخي. صحيح ان الغزيين يعانون اليوم بشدة كنتيجة للحرب، لكن إبقاء حماس كصاحبة السيادة سيقلص في الذاكرة العربية الضربات التي تلقيناها وسيشجع جيراننا على تجربة قوتهم بتجديد وتطوير 7 أكتوبر (لا فاصلا من 750 مترا في غزة ولا جيش لبنان قرب حدود الشمال سيمنعان ذلك.
بيان اليوم عن استئناف القتال يحسم مصير المخطوفين المتبقين في غزة. حتى لو نجحنا في إبادة حماس وهذا لا يزال بعلامة استفهام، سندفع الثمن بشرخ داخلي وبكسر الفكرة التأسيسية القومية.
يوجد طريق وحيد للتسوية بين الأهداف المتضاربة: على حكومة إسرائيل أن تعلن ان في نهاية المرحلة الثانية ومقابل إعادة كل المخطوفين سيخرج الجيش الإسرائيلي من القطاع، الحرب ستنتهي وكبار المخربين سيتحررون، كما اتفق. بسبب وضع المخطوفين يجب المطالبة بتنفيذ المرحلة الثانية بالسرعة الممكنة، وفي دفعة واحدة الامر الذي يتطابق ومطلب ترامب.
فور ذلك يقدم الى المحاكمة مخربو النخبة الذين توجد ضدهم ادلة لا لبس فيها على ارتكاب جرائم قتل واغتصاب ويحكم عليهم بالاعدام الذي ينفذ فورا. النتيجة المؤكدة ستكون إطلاق الصواريخ من غزة، الذي سيبرر احتلال القطاع. بدون المخطوفين في الانفاق فان مدينة غزة والمخيمات الوسطى ستسوى بالأرض. حماس ستهزم، والمخربون المحررون سيصفون.
يوجد طريق لمنع الاختطافات التالية والثمن العالي الذي يدفع لقاء تحرير مخطوفينا. القانون الإسرائيلي يسمح بفرض عقوبة الإعدام على المخربين. النيابة العامة العسكرية (والمدنية، حين يأتي هذا اليها) تمتنع عن المطالبة بذلك. هكذا تكون السخافة التي تجعل مخربينا مسؤولين عن موت إسرائيليين كثيرين يجلسون في السجن بعدد كبير من المؤبدات وينتظرون تحريرهم في صفقة مخطوفين، والمخربون الذين يوجدون في الخارج وينفذون هذه الاختطافات. كل هذا يمكن أن يتغير في اللحظة التي يعدم فيها مخرب قاتل، وبالتأكيد اذا ما قتل اكثر من إسرائيلي واحد. مشكوك ان تخطف حماس إسرائيليين مقابل سجناء من مستوى منخفض. في الماضي اوصيت بفرض عقوبة الإعدام لكن مع تأخير تنفيذها وتنفيذها اذا ما اختطف إسرائيليون. الامر سيشكل سوطا يدفع المخربين للامتناع عن الاختطافات.
——————————————-
إسرائيل اليوم 16/2/2025
السعودية هامة لكن غزة أهم
بقلم: ايال زيسر
أعلن الرئيس ترامب حتى قبل دخوله البيت الأبيض بان مهمته المركزية في الشرق الأوسط هي تحقيق اتفاق سلام بين إسرائيل والسعودية، اتفاق يوسع بل ويكمل “اتفاقات إبراهيم” التي نجح في تحقيقها في أواخر ولايته السابقة.
في نظر ترامب يدور الحديث عن “صفقة القرن” محسنة، التي حاول أن يدفع بها قدما بلا نجاح في العقد السابق وفي اطارها أمل في أن يحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وفي واقع الامر لا يدور الحديث عن “صفقة القرن” بل عن “صفقة التريليون”، إذ أن ترامب يأمل في أن يؤدي اتفاق إسرائيلي – سعودي الى استثمارات ومشتريات سعودية بحجم تريليون دولار في الولايات المتحدة، واساسا في مجال صناعة السلاح والطاقة.
لا شك انه بالنسبة لإسرائيل سيشكل اتفاق السلام مع السعودية إنجازا ذا أهمية، يعزز جدا مكانتها الإقليمية والدولية. اتفاق كهذا كفيل أيضا بان يكون مثابة مسمار آخر في نعش الطلب الفلسطيني، الذي يلقى تأييدا دوليا واسعا، إقامة دولة مستقلة في الضفة وفي غزة.
إدارة بايدن هي الأخرى سعت لتحقيق اتفاق بيت إسرائيل والسعودية. وحسب مصادر أمريكية أوشكت الدولتان في صيف 2023 أن تكونا على شفا اختراق في الاتصالات بينهما. غير أنه جاءت عندها هجمة الإرهاب الاجرامية لحماس في 7 أكتوبر التي امر بها يحيى السنوار، ضمن امور أخرى بسبب رغبته في منع اتفاق سلام كهذا، خشية أن يضر بحماس وبمحور الشر الإيراني الذي يقف خلفه.
غير أن هجمة الإرهاب من حماس وكل ما جاء في اعقابها هو دليل ليس فقط على الأهمية الكبيرة لاتفاق إسرائيلي – سعودي وللفضائل الكبرى الكامنة فيه لإسرائيل بل أيضا على قيوده ومواضع ضعفه. فالتقدم في الطريق الى اتفاق وحتى قبل ذلك – اتفاقات إبراهيم التي وقعت في أيلول 2020، لم تمنع هجمة حماس اتساع القتال الى كل ارجاء الشرق الأوسط (ابتداء من لبنان وسوريا، عبر العراق واليمن وانتهاء بايران نفسها). في لحظة الحقيقة أصبحت اتفاقات إبراهيم وكأنها لا تساوي اكثر بكثير مما تساويه الورقة التي كتبت ووقعت عليها.
صحيح ان الاتفاقات نجت من الحرب وفي هذا ما يشهد على عمق مصلحة الدول العربية في الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل وتقدمها لكنها جلبت منفعة قليلة لإسرائيل في حرب الوجود التي فرضت عليها. في هذه الحرب تغلبت اعلى اعدائها ليس بسبب اتفاقات إبراهيم بل بسبب قوتها العسكرية وبطولة مقاتليها مثلما أيضا بالاسناد الذي تلقته من الولايات المتحدة.
كل هذا ينبغي أن يعلمنا بانه مع كل الأهمية التي ينبغي أن تنسب لاتفاقات إبراهيم او للاتفاق الذي على الطريق مع السعوديين – في الشرق الأوسط لا يوجد اختصارات طريق. فلا يمكن التجاوز او التكنيس تحت البساط بمشاكل أساسية وجودية، مثل مسألة مستقبل الضفة وغزة، التهديد الذي يمثله علينا حزب الله في لبنان وبالطبع التهديد الإيراني. هذه المشاكل لن تختفي او تحل من تلقاء ذاتها سواء وقعت او لم يوقع اتفاق مع السعودية. الطريقة التي سنتصدى بها هي التي ستقرر مستقبلنا، ليس اقل وربما اكثر من الدفع قدما بعلاقاتنا مع جيراننا العرب.
على إسرائيل ان تستغل الفرصة التي يفتحها امامها ترامب للدفع قدما بسلام مع السعودية لكن ليس بكل ثمن. وبالتأكيد ليس بثمن اختصارات طريق، أي تسويات لا تتضمن حلا جذريا حقيقيا لمشاكلنا الأساس، تسويات وتفاهمات تنهي القتال لكن لا تنهي بالضرورة الحرب ضد حماس في غزة، ضد حزب الله في لبنان وضد ايران.
كما أنه محظور ان نستسلم للوهم وكأننا نقف امام شرق اوسط جديد، عديم التحديات والتهديدات. شرق أوسط كهذا لم يشرق، رغم الآمال والوعود، لا بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو، لا بعد أن وقعت اتفاقات إبراهيم – ولن يشرق أيضا بعد أن يوقع اتفاق مع السعودية.
على إسرائيل أن تتحرك إذن في محورين موازيين وتعارض كل صلة او تعلق بينهما: من جهة التقدم لاتفاق سلام مع السعودية ومن جهة أخرى معالجة جذرية لمشاكلنا الوجودية الأساس بجبهات الصراع على طول حدودنا وحيال ايران.
——————————————
هآرتس 16/2/2025
معظم الاسرى المحررين لم تكن لهم صلة في غلاف غزة، إلا أن اسرائيل تعتبرهم من النخبة
بقلم: جدعون ليفي
احيانا الصورة تكون مثل ألف كلمة: مئات الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين تم اطلاق سراحهم أمس شوهدوا وهم يركعون على ركبهم في السجن ويرتدون قمصان بيضاء عليها نجمة داود زرقاء ومكتوب عليها “لن ننسى ولن نغفر”. هكذا حولتهم اسرائيل رغم ارادتهم الى اعلانات تمشي على الاقدام في الصهيونية بنسختها الدنيئة جدا. في الاسبوع الماضي تم وضع سوار على أيديهم كتبت عليها رسالة مشابهة، “الشعب الخالد لا ينسى، سنطارد الاعداء ونصل اليهم”. رئيس مصلحة السجون كوبي يعقوبي اتضح أنه اقل نجاحا في مجال الفكر. لا يوجد مثل هذه الصور السخيفة من اجل أن تعكس الاهانة العميقة التي يمكن أن تتدهور اليها دعاية دولة حديثة. مصلحة السجون ارادت تقليد حماس؛ حماس كانت اكثر نجاحا منها، على الاقل في الحرب النفسية: مشهد المخطوفين أمس كان افضل من مشهد من يرتدون القمصان البيضاء – الزرقاء.
مع ذلك، لا يمكن تجاهل الرسالة التي اختارت اسرائيل وضعها على اجساد المحررين: “لن ننسى، لن نغفر، سنطاردكم”. ورسالة حماس كانت “الزمن ينفد”. حتى لو أن هذه كانت دعاية رخيصة فانه لا يمكن تجاهل رسائلها، هل أخلاقي استخدام المخطوفين كوسيلة دعاية؟. اذا كان الامر هكذا فانه غير اخلاقي بالنسبة لنا ايضا. دعايتهم تتحدث عن انهاء الحرب، ودعايتنا تتحدث عن المطاردة والحرب الخالدة. مع الخلود نحن لا ننسى ولا نغفر. العالم، واسرائيل ايضا، نسيت للنازية الالمانية، وفيتنام نسيت للولايات المتحدة، والجزائر نسيت لفرنسا والهنود نسوا لبريطانيا – فقط الشعب الخالد لن ينسى. كم هذا مضحك. واذا اضطر ذات يوم أي أحد الى أن لا ينسى ولا يغفر – فهؤلاء هم الفلسطينيون بعد مرور مئة سنة على التنكيل، بما في ذلك الاسرى الذين تم اطلاق سراحهم امس. هم لن ينسوا في أي ظروف تم اعتقالهم. وكثيرون منهم لن يغفروا اعتقالهم العبثي بدون محاكمة. الانفعال مرة اخرى وصل عنان السماء في اسرائيل أمس وبحق. ثلاثة اشخاص آخرين نجوا من جهنم. نير دبوري اوضح بأن تحرير المخطوفين هو الدليل على “مناعة شعب اسرائيل”، ولم يشرح. ولأُذن مشاهدي القناة 12 لم تعد حاجة الى الشرح. يكفي أن المفكر دبوري قال كم نحن طيبين. ولكن في الوقت الذي شخصت فيه كل العيون نحو ريعيم وبعد ذلك نحو مستشفى ايخيلوف، تم تحرير من السجن 369 سجين فلسطيني، هؤلاء ايضا هم بشر بالضبط مثل ساغي ويئير وساشا.
كاميرات العالم وجهت اليهم بدرجة اقل؛ كاميرات اسرائيل تجاهلتهم تقريبا بشكل كامل؛ جميعهم “قتلة”؛ لم تنتظرهم مروحية من اجل نقلهم الى المستشفى. بعضهم تم طردهم أمس من بلادهم. قلائل منهم ايديهم ملطخة بالدماء، الآخرون كانوا معتقلين سياسيين ممن يعارضون النظام. معظمهم كانوا من سكان غزة الذين وجدوا انفسهم في جهنم. مشكوك فيه اذا كان مئات الغزيين الذين تم اطلاق سراحهم أمس قد رفعوا ايديهم على جنود الجيش الاسرائيلي أو سكان بلدات الغلاف. بعضهم تم اختطافهم من خانيونس بالضبط مثلما تم اختطاف الاسرائيليون من نير عوز. ولكن بالنسبة لاسرائيل جميعهم من النخبة.
هؤلاء ايضا انتظرتهم أمس عائلاتهم بانفعال، بدرجة لا تقل عن عائلات ديكل حن وتروبونوف وهورن. ايضا هذه العائلات تحب أبناءها. الكثير منها لم تعرف عن مصير اعزائها منذ اندلاع الحرب بالضبط مثل عائلاتنا. ولكن عائلاتنا، مثل كل شعب اسرائيل، كان مسموح لها الفرح أمس كما تشاء بتغطية قنوات الدعاية الاسرائيلية التي تحول أي احتفال انساني الى احتفال تلقين مثلما في كوريا الشمالية – في حين تم حظر على الفلسطينيين حتى الفرح. في شرقي القدس وفي الضفة الغربية مرة اخرى منعوا بالقوة كل مظاهر الفرح. هم مجبرون على أن “لا يفرحوا”. الديكتاتورية لدينا اجرامية الى درجة أن تسمح لنفسها بالسيطرة حتى على احاسيسهم.
اذا كان يمكن الحكم على الامور حسب معاملة الاسرى والمخطوفين – المعيار المعقول جدا – فانه تصعب معرفة أي مجتمع من المجتمعين اكثر انسانية. هل اسرائيل حريصة اكثر على ميثاق جنيف؟ هي لم يعد بامكانها ادعاء ذلك. وهذا الانطباع القاسي لم يعد بالامكان اصلاحه، حتى ليس بالقمصان التي توجد عليها نجمة داود باللون الازرق.
——————————————
يديعوت احرونوت 16/2/2025
هكذا تعمل الحكومة على احباط المرحلة الثانية في الصفقة
بقلم: رونين بيرغمان
هنا في ميونخ، مؤتمر الامن السنوي، في عالم يجن جنونه من لحظة الى أخرى، حين يلقي نائب الرئيس الأمريكي خطابا فظا وتهجميا بهدف الدفاع عن أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا ويعزز الرئيس الذي قال ان أوكرانيا هي المذنبة في أن روسيا اجتاحتها واستوعبت مئات الاف المدنيين والجنود من أبناء شعبها – في هذا المؤتمر، في هذا العالم يحاول وفد ست عائلات مخطوفين من إسرائيل القتال على فُتات انتباه لا تزال توجه للموضوع، بعد سنة ونصف من الحرب، هذه طبيعة عالم حتى في أزمنة اقل جنونا، يشيح عينيه عن الانباء التالية.
هنا في ميونخ عرض أمس روبي حن، والد الجندي ايتي حن، الذي قاتل دفاعا عن حدود إسرائيل وسكان غلاف غزة واختطفته حماس السؤال ذاته على كل الجهات ذات الصلة – على وزير الخارجية جدعون ساعر، على وزير قطري كبير، على وزيرة العدل الامريكية ورئيسة الاستخبارات القومية الامريكية: هل برأيهم الدفعات التالية للتحرير ستكون أسهل أم أصعب؟ الاجماع هو بالطبع هو أن هذا يصبح اكثر صعوبة. وعندها يطرح روبي حن تساؤله وبالتالي لماذا لا ندخل أخيرا الى صفقة الكل مقابل الكل.
على حد قول روبي لم يكن لاحد جواب حقا. الامريكيون يحاولون العمل بقوة على تحرير الأمريكيين أولا (مثل ايتي حن)، لكن مصادر استخبارية إسرائيلية تشكك في دافع حماس لعمل معروف مع ترامب الذي يتوعد كل مرة من جديد بقطع رؤوسهم.
بشكل علني سُئل وزير الخارجية ساعر هل وكيف يمكن تحقيق كل اهداف الحرب التي طرحتموها معا؟
أجاب ساعر فقال: “التطرف هو ما قاد الى هذه الحرب. وهزيمة الجانب المتطرف بقيادة ايران وحده هو الذي سيؤدي الى استقرار المنطقة”. وما علاقة هذا بالمخطوفين؟ ومن سينقذهم؟
***
“بخلاف ادعاء النائب ادلشتاين إسرائيل لا تجري حاليا مفاوضات على المرحلة الثانية من الصفقة”، هكذا بكلماته، اعترف يوم الخميس الماضي عومر دوستري، الناطق بلسان رئيس الوزراء، بان إسرائيل تخرق الاتفاق مع حماس.
“كلما اعتقدنا أنه لا يمكن النزول الى مكان أسفل، لا مع الأكاذيب ولا مع القلب التام لسلم الأولويات – بداية السياسة وبعد ذلك حياة المخطوفين، يتبين لك أنك أخطأت وانه يوجد اسفل بكثير يمكن أن يعمله هؤلاء الأشخاص لتحقيق اهداف سياسية على حساب حياتهم”، هكذا يقول مصدر امني كبير مطلع جدا علىى موضوع صفقة المخطوفين.
من المهم الانتباه الى صيغة المتحدث. لإسرائيل لا توجد أي مشكلة باتهام حماس بخرق الاتفاق. لكن دوستري لا يدعي هذا على الاطلاق. فهو ببساطة يحرص على ان ينفي، “وهذه المرة”، على حد قول المصدر الأمني، “فانه حتى يقول الحقيقة” عن مجرد وجود المفاوضات.
وهو يقول انه “حتى لو كانت كل الأطراف معنية بالاتفاق فلا يوجد أي احتمال بان ينجحوا في غضون أسبوع. وعن طرف واحد على الأقل يمكنني أن اشهد بانه النقيض التام لان يكون مفعما بالدوافع لتحقيق ذلك”. صفقة المخطوفين هامة لانه يوجد خطر بان تتفجر المرحلة الأولى ولا يعود كل المخطوفين حتى حسب الاتفاق الحالي. لكن أهميتها استراتيجية أيضا كون إتمام المرحلة الثانية ستكون بداية اتفاق أوسع عن اليوم التالي لحدود غزة – إسرائيل وفي الشرق الأوسط. ودون أن يتفق عليه فان شيئا لن يتقدم الى الامام.
ولعله يمكن النظر الى الموضوع من الجهة الأخرى أيضا. فعدم إتمام الاتفاق لن يؤدي فقط الى المراوحة في المكان، في ظل المخاطرة بحياة المخطوفين بل الى تراجع أخير لتدهور متجدد نحو قتال لا يحمد عقباه. اما في مكتب نتنياهو فيهتمون بالسياسة. ويقول المصدر ان “نتنياهو ورجاله في شرك. فهم ينفون ان تكون تجري مفاوضات كهذه، لكنهم لا يتهمون حماس لان الاستنتاج عن ذلك هو وكأن إسرائيل معنية بهذه المفاوضات”. ويقول المصدر عمليا ان أحد البراهين على أن نتنياهو يحاول احباط الصفقة هو أقواله واقوال رجاله ووزرائه ان إسرائيل تعتزم العودة الى القتال او تشترط التوقيع على المرحلة الثانية باستسلام حماس بلا شروط، تسليم سلاحها وتجريد القطاع – وهو الشرط الذي بالطبع لن توافق عليه حماس. ويحذر هذا المصدر الأمني فيقول انه “بالكلمات العالية، بالتهديدات الحادة وبخرق الاتفاق تتقدم إسرائيل نحو تفجيره وخطر العودة الى القتال يرتفع بناء على ذلك”.
ويضرب المصدر خمسة امثلة على الأكاذيب والاحابيل بان إسرائيل ليس لها أي نية للتوقيع على المرحلة الثانية او حتى السعي في هذا الاتجاه:
الأول: “اغراق الاعلام بان إسرائيل تعتزم مواصلة الصيغة ذاتها التي في المرحلة الأولى – تحرير بضعة مخطوفين كل أسبوع مقابل عدد من السجناء الفلسطينيين. لكن يوجد لهذا الحدث جانب آخر – وقف نار دائم مع ضمانات وانسحاب إسرائيلي من مناطق تسيطر فيها. يحتمل أن يتواصل وقف النار لكن الاحتمال ان توافق حماس بمواصلة هذه التبادلات الأسبوعية الى ما بعد المرحلة الأولى يشبه الاحتمال في أن يترك سكان غزة القطاع طواعية”.
الثاني: المحادثات في قطر. “الوفد الذي سافر الى الدوحة وكأنه لتحرير المفاوضات. حقيقة أن نتنياهو بعث الى هناك لأول مرة غال هيرش هي دليل على أن الوفد سافر فقط كي يقال للولايات المتحدة أنه سافر”.
ويؤكد مصدر من الدول الوسيطة ذلك: “يبدو أنه لم يكن لهم أي تفويض من نتنياهو للحديث. فقد فهم الجميع بان هذا كلام فاضي. فلا يمكن التقدم في المفاوضات اذا كان احد الطرفين غير معني”.
الثالث: يقول المتحدث ان “حماس لم تُكسر حتى بعد سنة ونصف من الحرب. فهل ستكسر الان فجأة حين ندعي ان وضع المخطوفين صعب واننا نطالبها بهم. فكيف لم نطرح هذا الابتكار من قبل فنطالب باستسلام حماس؟”.
الرابع: في الأسبوع الأخير ادعت حماس بسلسلة خروقات إسرائيلية بشأن المساعدات الإنسانية ولا سيما الكرفانات والخيام الى شمال القطاع. في إسرائيل نفوا وهددوا بالعودة الى القتال. في نهاية الامر على حد قول المصدر، فان الضغط لم يمارس على حماس بل على إسرائيل أساسا لتحرير عنق الزجاجة التي اعاقت التوريد فتدبر الامر.
الخامس: الإحساس بان الولايات المتحدة سترتب كل شيء بهذا الشكل أو ذاك. “لولا ترامب ما كانت هذه الصفقة لتخرج الى حيز التنفيذ. لكن اعمالها منذئذ تلحق ضررا خطيرا بالصفقة التي ايدتها جدا”، يقول المصدر ويشرح بان “الولايات المتحدة وقعت على الصفقة حيث ورد انها ضامنة لتنفيذها واساسا بالتفاوض على المرحلة الثانية حتى نجاحها. وفجأة يأتي ترامب ليدعي ان الاتفاق الذي فرضه نتنياهو على المفاوضات ليس جيدا وانه يعطي حماس يوم سبت آخر ظهرا لتحرير الجميع والا فسيفتح الجحيم عليها. إسرائيل بالطبع جرت على الفور، وها هو يأتي ظهر السبت فتحرر حماس الثلاثة إياهم التي كان يفترض أن تحررهم حس الاتفاق. وماذا حصل؟ لا شيء.
لكن الأساس، هكذا حسب المصدر، هو أن حكومة نتنياهو تفعل كل شيء كي لا توقع المرحلة الثانية. وإدارة ترامب قررت هي أيضا خرق الاتفاق الذي وقعت هي نفسها عليه.
——————————————
يديعوت أحرونوت 16/2/2025
“لن ننسى ولن نغفر”.. محاولة للتغلب على إهانة 7 أكتوبر: صبيانية وخطيرة وباعثة للشفقة
بقلم: عيناب شيف
كان من أبرز جملة الثمار الفجة التي نبتت في الخطاب الإسرائيلي “المعركة على الوعي”، ليس لأنه لا أهمية لمفاهيم كالوعي والرواية وما شابه، بل لأن الانشغال المهووس به جعلته أداة في الأيادي الأقل كفاءة لذلك. والنتيجة أنه بدلاً من الانتصار فيها، باتت “المعركة على الوعي” لا تنتج إلا ترهات فارغة (في أفضل الأحوال)، بل وتلحق ضرراً حقيقياً (في أسوأ الأحوال ولشدة الأسف القائم فيها).
قمصان الوداع التي طبعتها مصلحة السجون للمخربين، وعليها نجمة داود وشعار “لن ننسى ولن نغفر” بالعربية هي مثل كلاسيكي. “نريد أن نثبت رواية الوعي”، قال مصدر في مصلحة السجون، وهو جهاز يفترض أن تكون خبراته ومسؤولياته هي إدارة السجون وليس الحرب النفسية على المستوى الوطني. لكن مأمور السجون قرر أنه مسؤول أيضاً عن إطلاق الرسائل في الفترة الأكثر حساسية، التي قد تكون حيال منظمة إرهاب إجرامية ووحشية، ولا يزال لديها مخطوفون في الأسر، ومن يدري أي إهانة تنتظرهم؛ لأن الفريق سجون كوبي يعقوبي، واثق أنه عبقري تسويقي. من جهة أخرى، نتفهم: لا يضيره شخصياً أن يخرج “رجل” أمام الجمهور الغاضب في الوقت الذي هو نفسه مشبوه جنائياً.
“نريد أن نثبت رواية الوعي”، قال مصدر في مصلحة السجون، وهو جهاز يفترض أن تكون خبراته ومسؤولياته هي إدارة السجون وليس الحرب النفسية على المستوى الوطني
غير أنه فضلاً عن الموضوع الصغير المتعلق بالتداعيات الحقيقية لأفعال رمزية بهذا القدر من الصبيانية، فإن الإهانة للذكاء تصرخ إلى السماء. حاولت مصلحة السجون أن تشرح بأن القمصان تشكل “رسالة دولة، نحذر المخربين بموجبها انطلاقاً من القوة بخلاف ما كان في المحرقة”. لا حاجة للمرء أن يكون متديناً كي يتوجه إلى الرب ويستجديه لمساعدة من نجح في الربط بين تحرير مخربين في اتفاق سياسي، وإظهار “قوة”، وبالطبع ذكر المحرقة. من حظنا أنه لم يزج الفالنتاين أيضاً.
بافتراض غير مسنود بأن الجمهور في أرجاء العالم لن يزيغ بصره تماماً عن المشهد إن لم نقل سيسأل نفسه لماذا تشعر إسرائيل بواجب خلق توازن بين المعاملة الصادمة من منظمة إرهاب لمواطنين اختطفوا من بيوتهم وبين مخربين حبسوا في دولة قانون وحظوا بشروط متبعة في دولة قانون، واضح أن هدف الفعل آنف الذكر هو الجمهور في إسرائيل. وهناك، كما تفكر مصلحة السجون، سيشعرون بفخر وراحة أكبر قليلاً من المعرفة بأن قتلة سافلين وإن كانوا سيخرجون من السجن عقب قصور لا يصدق، لكنهم على الأقل فعلوا هذا وهم يرتدون قمصاناً مكتوباً عليها شيء ما بالعربية. أي قول يبدو مصداقاً وناجعاً كمنشورات مصلحة السجون السخيفة، حيث المصلحة الهامة والخطيرة هذه أيضاً، التي تنطوي على احتكاك يومي مع أسوأ بني البشر تبدو كمخيم صيفي غير ضار.
ما تحقق حقاً في هذه الخطوة هو تعزيز الميل المقلق الذي تتطلع إليه إسرائيل الرسمية لأن “تتحدث بالعربية” حسب “قوانين الحارة”، وتعبر عن هذا بسلسلة من الأقوال والأفعال: بعضها قد يخرج إسرائيل من أسرة الشعوب، وأخرى تبقي طعماً مريراً من محاولة عقيمة بل ومشفقة للتغلب على إهانة 7 أكتوبر. أما النتيجة فكفيلة بأن تكون خسارة مزدوجة: في “المعركة على الوعي” وكذا في المعركة الأهم بكثير – على ما يفترض بدولة إسرائيل أن تمثله.
——————————————
هآرتس 16/2/2025
لأول مرة في تاريخ إسرائيل.. “رؤساء المافيا” يبعثون رعاعهم لتنصيب رئيس “العليا”
بقلم: أسرة التحرير
لا شيء يقف أمام إرادة نتنياهو وعصابته لإتمام الانقلاب النظامي وإلحاق كل سلطات الدولة ومؤسساتها بهم. في الوقت الذي يوزع الجمهور اهتمامه بين الحرب والمخطوفين في غزة وهو ملتصق بشاشة التلفزيون يحبس أنفاسه لمشاهدة كل مخطوف يخرج من بطن القطاع ويتفجر سعادة مع عودته إلى البلاد، يتركز اهتمام الحكومة على ساحة أخرى تماماً. حرب السلطات التي بدأتها السلطة التنفيذية وهدفها احتلال السلطة القضائية والسيطرة عليها.
الخميس، أدى القاضي إسحق عميت اليمين القانونية رئيساً للمحكمة العليا، وهو رئيس السلطة القضائية. وأجري الاحتفال في مقر رئيس الدولة في القدس، وشارك فيه كبار رجالات جهاز القضاء في الماضي والحاضر. لعار دولة إسرائيل وبما يتلاءم وحكومة يترأسها متهم جنائياً –يتغيب عن الاحتفال لأول مرة في تاريخ الدولة رئيسا السلطة التنفيذية والتشريعية: نتنياهو ورئيس الكنيست أمير أوحنا. وحتى مهندس الانقلاب وزير العدل يريف لفين، قاطع الاحتفال. من مثّل زعران الحكم في هذا الحدث هم رعاع يميني، وفيهم النائبة ليمور سون هار ميلخ، التي أرسلت للتظاهر ضد التعيين أمام مقر الرئيس، في مظاهرة بادر إليها “إن شئتم”.
الخميس، أدى القاضي إسحق عميت اليمين القانونية رئيساً للمحكمة العليا، وهو رئيس السلطة القضائية
ترسيم عميت إنجاز للمكافحين في سبيل صورة الديمقراطية. لفين وعصبته حلوا كل لجام في محاولتهم لإحباط تعيين عميت. لم يوفروا الوسائل بما فيها حملة تشهير بادر إليها لفين. لم يهمهم أن عملت المحكمة طوال سنة وأربعة أشهر بلا رئيس دائم، لأول مرة في تاريخها.
مقاطعة الاحتفال استمرار مباشر للإعلان المافي من جانب لفين بأنه لا يعترف بانتخاب عميت رئيساً للعليا. بعد أن خسر المعركة وفشل في محاولاته إحباط التعيين، لم يتبقَ له غير التهديد والمقاطعة. انتخب عميت رئيساً للعليا حسب القانون. ليس لنتنياهو ولفين وليوحنا أي صلاحيات بألا يعترفوا بالتعيين. مقاطعة الاحتفال عمل عدواني من السلطتين التنفيذية والتشريعية ضد السلطة القضائية وضد رئيسها، لذا تمس بالديمقراطية أيضاً. كما أنها تبث للجمهور بأن إطاعة القانون ليست واجباً بل خيار.
“الاستقلالية القضائية ليست ترفاً أو امتيازاً محفوظاً للقضاة، بل حق أساسي للمواطنين ضروري لغرض الدفاع عن حريتهم وعن حقوقهم الأساسية”، قال القاضي المتقاعد فوغلمان في خطابه. مقاطعة عميت يجب أن تكون تفكيراً مهماً: الصراع من أجل استقلالية جهاز القضاء بعيد عن النهاية.
—————–انتهت النشرة—————–