
المسار : “أنا أقدر شومسكي ولا أصدق بأنه يدفعني الى المربع المتوقع، “زهافا غلئون تدافع عن حل الدولتين”، هذا غير لطيف”. هكذا، سواء بالانتقاد الهزلي أو التوبيخ الجدي، بدأت زهافا غلئون مقال ردها (“هآرتس”، 30/1) على مقالي، الذي قلت فيه بأن المهمة الملحة جدا لليسار في هذه الفترة هي نزع الكهانية عن اسرائيل (“هآرتس”، 26/1). هكذا هي ساعدتني على كتابة مقال الرد هذا. لأنني ايضا أقدر غلئون فأنا لا اصدق بأنها تدفعني الى المربع المتوقع، “شومسكي يدافع عن حل الدولتين”.
خلافا لما يظهر من اقوال غلئون أنا لم أتنازل عن فكرة اقامة الدولة الفلسطينية القابلة للبقاء الى جانب دولة اسرائيل. أنا استمر في رؤية في تحقيقها الطريقة الضرورية التي لا يوجد غيرها لاستكمال الحلم السياسي الصهيوني، الذي في اساسه التطبيع الوطني المأمول للشعب اليهودي في اطار دولة قومية، في حدود آمنة ومشروعة. أنا اوضحت ذلك، سواء في المقال المذكور اعلاه أو في المقالات الاخرى.
مع ذلك، ما الفرق بين موقفي وموقف غلئون في هذا الامر؟. غلئون تعتبر حل الدولتين أولا وقبل كل شيء كنوع من مؤشر هوية اخلاقي لمعسكر اليسار، ليس أكثر من ذلك. لذلك، لا يمكن فهم بشكل مختلف اقوالها “مقاومة الاحتلال هي التي منحت اليسار الاسرائيلي صوته المتميز”. في المقابل، أعتقد أن حل الدولتين هو قبل أي شيء آخر هدف سياسي – فكري ملموس ويناسب حلم سياسي بمستوى وطني، والدفع به قدما بحاجة الى تبني مقاربة براغماتية مع علاقة مستمرة مع الواقع السياسي والاجتماعي المتغير. على سبيل المثال، اذا كان الوضع السياسي في اسرائيل يمر بتغيير غير مسبوق، مثل دمج عناصر الكهانية والمسيحانية كقوة رائدة ومعيارية في الحكومة فان أي حديث جدي عن اعادة خطاب حل الدولتين الى مركز الفكر السياسي، ناهيك عن الحديث عن خطوات فعلية لاستئناف العملية السياسية، غير ممكن بدون أن نفرض مرة اخرى الحصار السياسي المطلق على هذه الجهات الكهانية، اضافة الى التطلع الى العودة الى الوضع الذي كان فيه اشراك الكهانية في الحكم غير شرعي. هذا هو المعنى العملي لرؤية نزع الكهانية كمهمة ملحة جدا لليسار الآن. مفهوم أن هذا لا يعني بأن هذه المهمة يجب أن تستبدل حل الدولتين. القصد هو أن هذه المهمة هي أحد الشروط الحيوية لاعداد الفضاء العام لاستيعاب هذا الحلم من جديد.
اضافة الى ذلك يمكن التفكير في خطوات كبيرة واكثر مبدئية لتحويل حل الدولتين من موضوع هوية لمعسكر الى مشروع سياسي مستقبلي قابل للتطبيق. مثلا، يمكن محاولة تجنيد الموارد المالية لمعسكر اليسار ليس لاقامة المزيد من منظمات حقوق الانسان، بل لبناء حركة مدنية وطنية جديدة وكبيرة، ترفع راية الصهيونية الليبرالية وتعمل على صب مضمون ملموس وعملي في هذا المفهوم.
هذه الحركة ستؤكد بشكل خاصة على تعليم الجيل الشاب، مع استخدام أدوات ومنصات اعلامية حديثة مختلفة، وادخال مضامين وطنية ليبرالية الى منظومة التعليم، التي تتحدى بلا ملل الهيمنة، القومية المتطرفة والدينية. هذه هي الخطوات العملية الاساسية التي يجب على معسكر اليسار القيام بها من اجل أن يصبح شيء له قيمة على الصعيد العام الوطني. أولا، اعادة التسييس، التي تعني العمل على التعاون الذي يجتاز المعسكرات، مع المركز واليمين المعتدل من اجل نزع شرعية الكهانية. والمعنى على المدى البعيد هو صراع صعب ومتعب ضد توجه الضم والترانسفير لترامب وبيبي، وضد عنف المستوطنين وضد التمسك غير القانوني بالمناطق المحتلة. ثانيا، اعادة صياغة الرسالة السياسية لليسار بلغة ومفاهيم وطنية شاملة، بهدف واضح وعلني لقيادة الدولة اليهودية في المستقبل. كل ذلك في ظل خطاب صهيوني ليبرالي وأمني – قومي جديد ومتجدد، يوضح العلامات والامثلة لماذا يستمر حكم اسرائيل للفلسطينيين والاستيطان وراء الخط الاخضر، والتخلي عن عناصر الديمقراطية الليبرالية لصالح الهيمنة منفلتة العقال للاغلبية اليهودية في الدولة، هذه العناصر مدمرة وهي مناقضة لروح الصهيونية كحركة تحرر وطني ولمفهوم الامن الوطني ولجوهر روح اليهودية.
ساحة المعركة الحيوية هذه – ساحة الخطاب الصهيوني الوطني اليهودي – يجب الاعتراف بأن اليسار السياسي غادرها بدون حرب لصالح اليمين القومي المتطرف والوسط العقيم، الذي هويته السياسية غير واضحة. يجب على اليسار السياسي الانقضاض على هذه الساحة بكل القوة، وإلا فان فكرة حل الدولتين سيواصل استخدامها معسكر سياسي خجول كزينة لموضوع الهوية من اجل التفاخر به، ليس أكثر من ذلك.