
غزة –«المسار الاخباري»: واصلت إسرائيل أمس الإثنين تصعيدها الميداني، وشنت غارات عنيفة ودامية على قطاع غزة، طاولت مراكز إيواء نازحين، وأوقعت العديد من الضحايا، بينهم أطفال.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة عن وصول 33 شهيدًا و94 إصابة إلى المستشفيات خلال الـ 24 ساعة الماضية، ما يرفع حصيلة الشهداء والإصابات منذ تجدد العدوان على القطاع يوم 18 آذار / مارس الماضي إلى 2,749 شهيدًا و7,607 إصابة.
وأشارت إلى ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 52,862 شهيدًا و119,648 إصابة منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023، فيما لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
ميدانيًا، كانت أشد المجازر الدامية تلك التي ارتكبتها قوات الاحتلال ضد نازحين في أحد مراكز الإيواء شمالي قطاع غزة، حين استهدفت فجر الإثنين بصواريخ ثقيلة الطابق الثاني في مدرسة فاطمة بنت أسد في منطقة جباليا البلد، التي تؤوي آلاف النازحين.
الغارة الجوية التي استهدفت أحد أركان المدرسة، التي حولتها الحرب إلى مركز إيواء، أدت إلى استشهاد 15 مواطنًا، بينهم خمسة أطفال من عائلتي حمودة وخضر، إلى جانب إصابة العشرات بجراح متفاوتة ما بين خطيرة ومتوسطة.
وضحايا هذه المجزرة هم آباء وأبناؤهم وأبناء عمومتهم من العائلتين. وحسب شهود عيان، فإن الغارة الجوية سحقت أجساد الكثير من الضحايا تحت ركام القصف، وقتلتهم، وخاصة الأطفال، وهم نيام. وفي صبيحة الإثنين، وخلال تفقد المواطنين والنازحين لمكان الدمار.
وقال أحدهم، ويكنى بـ»أبو محمد»، لـ»القدس العربي»: «إن أحدًا من السكان لا يعرف أين يتجه»، وأضاف: «تركنا بيوتنا لما هددونا (يقصد الجيش الإسرائيلي)، وسكنا الإيواء، لكن القصف ورانا ورانا.. وين نسكن ووين نروح؟ الموت في كل مكان». وبدا الرجل، وهو في العقد الرابع، متأثرًا كثيرًا بسقوط الضحايا، وذرف دموع الخوف والحزن، خاصةً وأنه تعرف على عدد من الضحايا خلال المكوث في هذا المكان، بعد إجبارهم من قبل جيش الاحتلال على ترك منازلهم في المناطق القريبة من الحدود الشمالية للقطاع. ويشير إلى أن من قضوا ربما يكونون قد استراحوا من «عذابات الحرب» ومشقة الحياة الصعبة. وقد تحدث عن معاناة سكان غزة في الحصول على الطعام والماء وسط هذه الأهوال، وقال كذلك إن القصف المتواصل والغارات القريبة والمجازر اليومية تجعلهم في حال من الخوف المستمر.
الصحة تحذر من نقص الدواء
وكما جرت العادة، انتظر الأهالي والأقارب حتى بزوغ شمس النهار، وقاموا بعد إلقاء نظرات الوداع، بنقل الجثامين إلى مقبرة البلدة ليواروا الثرى.
ولوحظ أن قوات الاحتلال ركزت مجازرها أخيرًا على مناطق الإيواء في شمال ووسط وجنوب القطاع، ما أدى إلى مسح عائلات كاملة من السجل المدني. وقد سبقت هذه المجزرة بـ 24 ساعة اثنتان طاولتا خيام النازحين جنوبي القطاع.
وكان القصف المدفعي العنيف استمر على مناطق شمال قطاع غزة، وأبلغ مواطنون من جديد عن تعرض أطراف بلدات بيت حانون وبيت لاهيا للقصف، كما استهدف الاحتلال منزلًا بصاروخي استطلاع في منطقة بير النعجة غرب مخيم جباليا.
وفي مدينة غزة، ارتقى شهيدان برصاص طائرة مُسيّرة إسرائيلية من نوع «كواد كوبتر» خلال وجودهما في منطقة محيطة بمدرسة الفرقان بحي الزيتون جنوب شرقي المدينة، فيما قضى شهيدان من عائلة حمدية في قصف إسرائيلي على حي الشجاعية شرقي المدينة، وشهيد آخر جراء قصف قرب سوق الجمعة في الحي.
واستمرت الهجمات العنيفة على عدة مناطق في المدينة، وخصوصا الشرقية منها، التي تخضع لعملية توغل بري على أطراف حيي الشجاعية والتفاح.
وقصفت قوات الاحتلال بالمدفعية أطراف تلك الأحياء، مع إطلاق رصاص ثقيل من الآليات المتوغلة. كما شهدت تلك المناطق نسف الاحتلال مباني جديدة في حي التفاح، وسمع دوي انفجارات عنيفة ناجمة عن غارات جوية ضربت تلك المنطقة.
ولم يسلم كذلك حي الزيتون جنوب شرق المدينة من الهجمات، التي طالت المناطق القريبة من الحدود الشرقية، وأخرى تقع جنوب شرق الحي والقريبة من «محور نتساريم».
الأطفال ضحايا التصعيد
أما في وسط قطاع غزة، فقد استشهدت الطفلة ريماس عبيد، وأصيب آخرون بجراح جراء قصف إسرائيلي استهدف مسجد حماد الحسنات غربي مخيم النصيرات. وقد أدى الاستهداف إلى تدمير المكان وإلحاق أضرار بأماكن قريبة. واستشهد مواطن متأثرًا بجراح أصيب بها قبل أيام، حين استهدفت قوات الاحتلال مدرسة أبو هميسة، التي تؤوي نازحين في مخيم البريج. وأصيب عدد من المواطنين في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا لعائلة حمدان في منطقة «بلوك سي» شمال شرق المخيم، فيما قصفت المدفعية الإسرائيلية أيضًا المناطق الشرقية للنصيرات وبلدة المغراقة القريبة من «محور نتساريم» من الجهة الجنوبية، ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات.
وطاولت الاستهدافات أيضًا عدة مناطق تقع على أطراف مخيمي البريج والمغازي، وسُجل قيام جيش الاحتلال بإطلاق النار على الأطراف الشرقية لمدينة دير البلح.
أما في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، فقد جرى انتشال أربعة شهداء في منطقة قيزان النجار جنوبي المدينة، سقطوا جراء هجوم إسرائيلي، كما جرى انتشال جثمان شهيدة من حي المنارة جنوب المدينة أيضًا.
وعاودت قوات الاحتلال المتوغلة على طول الحدود الشرقية للمدينة واستهدفت العديد من البلدات القريبة، حيث تركز القصف على بلدة عبسان ومناطق أخرى مجاورة لها، رغم وجود عدد من السكان هناك.
استهدفت أيضًا قوات الاحتلال مناطق أخرى تقع جنوب شرق المدينة، على مقربة من «محور موراغ»، ضمن الضغط العسكري الرامي لإفراغ المنطقة من السكان.
في الموازاة، صعّدت قوات الاحتلال من هجماتها الجوية على مدينة رفح، التي تخضع لاحتلال كامل. وسُجل قيام الطيران الحربي بتنفيذ سلسلة غارات مكثفة على المناطق الشمالية في المدينة.
وترافق ذلك مع سماع إطلاق نار من رشاشات ثقيلة على المناطق الغربية، في وقت استمرت فيه العمليات العسكرية في محيط «محور موراغ» ومناطق أخرى وسط رفح.
واخيرًا، جرى تداول لقطات مصورة التقطها جنود الاحتلال خلال الهجمات على المدينة، تظهر قيام آليات عسكرية بهدم مبانٍ جديدة في المدينة، التي يُعتقد أن الاحتلال دمّر غالبية المنازل والمنشآت فيها خلال الهجمات التي استأنفها بعد عودة العدوان يوم 18 آذار / مارس الماضي، خاصة وأنه في الهجوم الأول دمّر ما يقارب من 70% من المدينة.
نقص الدواء
في السياق، تواصلت التحذيرات الفلسطينية من استمرار الحرب والحصار على قطاع غزة. وقالت وزارة الصحة إن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ تعمل بمعدات وأدوات طبية مستهلكة، وإن أصنافًا مهمة غير متوفرة، مشددة على أن هذه الأقسام بـ»حاجة عاجلة» إلى أجهزة الأشعة المتنقلة، وأجهزة التخدير، وأجهزة طبية تساعد الطواقم في التدخلات الطارئة للجرحى.
وأشارت إلى أن جراحات تخصصية كالعظام والأوعية الدموية والعيون والجراحة العامة لا يتوفر لها أرصدة من الآلات الجراحية وصواني العمليات، وقالت كذلك إن أقسام المبيت تعاني من عجز كبير في الأسرة الطبية والأدوات المساعدة، وعدم توفر أماكن مبيت للجرحى والمرضى. وأضافت، وهي تتحدث عن أزمة الدواء: «أرصدة الغازات الطبية مثل ثاني أكسيد الكربون والإثلين والأوكاسيد رصيدها صفر».
وتابعت: «الأقمشة الخاصة بالعمليات وشراشف الأسرة والأكفان رصيدها صفر»، مشيرة إلى أن إجراءات مكافحة العدوى مهددة جراء نقص أدوات النظافة كالكلور المركز وأنزيمات الغسيل والملح الخشن البلوري. وقالت كذلك إن الطواقم الطبية العاملة على مدار الساعة لا يتوفر لها إمدادات وقوائم غذائية. وختمت تحذيرها بالقول: «إن النقص الحاد في الأجهزة الطبية واللوازم العامة يزيد من تعقيد الأزمة المركبة التي تعاني منها المستشفيات، ويعيق عمل الفرق الطبية».
وأطلقت جمعية الهلال الأحمر نداءً عاجلًا للمجتمع الدولي بضرورة توفير الحماية للطواقم الطبية والإغاثية في فلسطين، وقالت إنها فقدت منذ بداية العام 8 مسعفين في رفح، ليرتفع عدد شهدائها منذ بدء العدوان إلى 48، فيما ارتفع عدد شهداء العمل الإنساني والطواقم الطبية في قطاع غزة إلى أكثر من 1400.
وكان جهاز الدفاع المدني قد أطلق مناشدة، جدد فيها التأكيد على معاناته من عجز كبير في توفر الزيوت والإطارات المطاطية والبطاريات الخاصة بمركباته. وطالب المنظمة الدولية للحماية المدنية والمنظمات الإنسانية بـ»التدخل العاجل لإدخال كميات كافية من الزيوت والإطارات والبطاريات إلى قطاع غزة لتمكين إصلاح مركباتنا ومواصلة تدخلها الإنساني».
وقد أثرت الهجمات الحربية التي تشنها دولة الاحتلال والحصار المشدد على عمل طواقم الإنقاذ والإسعاف بشكل كبير، بسبب تدمير الكثير من المركبات، وشح الوقود المتوفر لتشغيلها.
و أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» أن الأزمة الإنسانية في غزة «تفوق الخيال»، لافتة إلى تواصل الغارات الجوية والحصار والجوع.
وقالت في تدوينة على منصة «فيسبوك»: «قُتل وأُصيب عشرات الآلاف»، لافتة إلى أن «العائلات النازحة تواجه بنية تحتية منهارة، وفيضانات من مياه الصرف الصحي، وأسواقًا خالية»، وشددت على ضرورة رفع الحصار لضمان وصول الإمدادات الإنسانية والتجارية الحيوية إلى غزة.