الصحافة العبرية .. الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس  7/9/2025 

المشكلة هي انه لا توجد قوة مهمة تسمي الولد باسمه.. حرب ابادة

بقلم: ايريس ليعال 

الجملة تفطر القلب، الجملة التي قالها حاجي، والد نتان انغريست، المخطوف في غزة، في مظاهرة يوم الاربعاء، تلخص الوضع السائد في اسرائيل بعد مرور 600 يوم على الحرب. انغريست توسل لرئيس الدولة كي يعرض على بنيامين نتنياهو العفو مقابل اطلاق سراح ابنه. لانه يدرك من الذي وبحق يحتجزه في الاسر. عاموس هرئيل كتب حول الامر بانهم في المستوى المهني على قناعة بان نتنياهو قد فقد كل المشاعر تجاه المخطوفين وابناء عائلاتهم (“هآرتس”، 5/9). من هنا يمكن الفهم بانه فقد ايضا كل المشاعر تجاه موت الجنود في الحرب التي يرفض انهاءها.

هذا بالضبط هو نوع العنف الذي يستخدمه الزعماء الشموليون، بصيغة القرن العشرين، على ابناء شعبهم. نتنياهو يتظاهر بانه يعمل على تغيير الوضع الجيوسياسي لاسرائيل من اجل تعزيز امنها، مثلما يريد تغيير طابع المجتمع الاسرائيلي، واجراء عملية جراحية دقيقة لها بمشرط يخترق كل مجالات الحياة: التعليم، الثقافة ومكانة الدين في البلاد. هكذا ايضا يجب فهم قرار تعيين دافيد زيني، الذي كان في السابق مسيحاني جدا في نظره، في منصب رئيس الشباك. زيني هو جزء مهم في خطته لتغيير جذر مؤسسات الدولة وتدمير كل التقاليد الاجتماعية، بالضبط مثلما يفعل صديقه ترامب في الولايات المتحدة.

نتنياهو ليس شخص مسيحاني أو كهاني، وهو لا يتفق مع بتسلئيل سموتريتش، أو اوريت ستروك ودافيد زيني، في موقفه، هو ديكتاتور. هو الذي وقف من وراء الانقلاب النظامي وهو الذي يقف وراء خطة فرض الحكم العسكري في غزة، حتى لو كان متردد حتى الآن. بهذا المعنى هو لا يشارك نفس هذا المرض الشخصي مع ديكتاتوريين آخرين. عملية تحوله الى واحد منهم تحدث امام انظارنا، لكنه متردد. هو يجد صعوبة في التخلي عن صورته الذاتية والتكيف مع الشخص الذي اصبحه. هو ما زال يخاف ان يكون خارق للقانون ويتم تقديمه للمحاكمة الدولية. ولكن في كل يوم هو يقوم بخطوة اخرى في هذا الاتجاه. ومن اعطاه القوة شبه المطلقة وساعده في ذلك هي القوى المعتدلة، الرسمية والليبرالية، بدءا بوزراء الحكومة والقيادة الامنية العليا وجنود الاحتياط، الذين تظاهروا قبل لحظة ضده، وبالاساس بني غانتس، غادي ايزنكوت واسحق هرتسوغ وعدد من السياسيين، جميعهم تحولوا بدون معرفة الى شركاء في الجريمة. هذه بالطبع ليست الحالة الاولى في التاريخ التي فيها نظام يؤسس في زمن الحرب “جماعة جريمة”، كما سمى ذلك المؤرخ آدم راز، ويوسعها كي تشمل معظم الشعب: “جرائم الحرب، تدمير منظومات تدعم الحياة، قتل 20 ألف طفل. كل من شارك في ذلك أو امتنع عن الابلاغ، من قام بالقاء القنابل من الجو أو اطلق قذيفة نحو كاميرا أو قام بتصفية طاقم طبي، هو شريك في جماعة الجريمة، ولا يوجد امامه أي خيار عدا عن مواصلة القتال.

قبل اسبوع سالت هنا كيف ما زال لديه جنود لهذه الحرب، التي لا احد يؤمن بها. هكذا كان الجواب: لا توجد قوة لها شأن تسمي هذه الحرب باسمها الحقيقي: حرب ابادة. في افضل الحالات يتحدثون عن “ثمن وقف الحرب”، ويصممون على ان اسرائيل يمكنها العودة لتصفية ما بقي من غزة بعد اعادة المخطوفين. لكن الدائرة مغلقة: في الوقت الذي فيه يهدم الجيش الابراج في غزة، وممثلو الجيش قالوا لعائلات المخطوفين ان العملية تعرض حياة ابناءهم للخطر. اذا قامت حماس بقتلهم فان نتنياهو سيزيد وتيرة تدمير السكان في غزة، والجنود الذين سينفذون المهمة سيصدقون ان هذا هو انتقام جدير لاخوتهم، الذين قبل سنتين تجندوا لانقاذهم. هذه هي طبيعة الشرك الاجرامي الذي دفنه نتنياهو لكل المجتمع: يجب المحاربة حتى النهاية المريرة التي هي النصر الكبير، الذي لن يأتي في أي يوم، أو الى حين يصبح مصيره مثل مصير الديكتاتوريين الآخرين.

——————————————

هآرتس 7/9/2025  

الحرب التي تشنها اسرائيل لها تكلفة اقتصادية كبيرة

بقلم: يوسف زعيرا 

عودة بشارات تساءل كيف تصمد اسرائيل في الحرب المتواصلة بدون ان تدفع ثمن اقتصادي حقيقي (“هآرتس”، 1/9). تفسير بشارات هو ان اسرائيل تحصل على الاموال من الغرب، لانها تعمل مثل قاعدة قوة عسكرية في الشرق الاوسط، التي هي حيوية لمصالح الامبراطورية الامريكية. عودة اقتبس الاقوال الامريكية، ان اسرائيل حاملة الطائرات الاكبر للولايات المتحدة. هذا ادعاء متشائم، ينبع منه انه لا يمكن انهاء النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين وانهاء الحرب والاحتلال.

بشارات هو كاتب موهوب، لكنه يخطيء في تحليله الاقتصادي للنزاع. أولا، توجد للحرب التي تشنها اسرائيل منذ سنتين تكلفة مهمة. ومثل كل اندفاع للنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، فان هذه الحرب ادت الى الركود. هكذا كان الامر في الانتفاضة الاولى في 1987، وفي الاعوام 1997 – 1999 بعد قتل رابين، وفي الاعوام 2001 – 2004 في فترة الانتفاضة الثانية. 

في هذه المرة الحرب اوجدت ركود اكثر شدة. بعد تشرين الاول 2023 انخفض الناتج المحلي الاجمالي 3 في المئة عن المنحى بعيد المدى. الناتج التجاري انخفض 8 في المئة. الاستثمارات انخفضت 20 في المئة تحت المنحى. في الواقع زيادة نسبة البطالة هي صغيرة نسبيا بسبب تجنيد الاحتياط الواسع، لكن هذا ما زال ركود حقيقي.

ثانيا، تكلفة النزاع بين اسرائيل والفلسطينية الاقتصادية مرتفعة، ليس فقط في زمن الاندلاعات العنيفة، بل ايضا في الاوقات العادية. في كتابي “اقتصاد اسرائيل”، قمت بحساب تكلفة النزاع في الاوقات العادية لـ “ادارة النزاع”، وهي مرتفعة جدا. هاكم تكلفتان لا تظهران للعيان، وهي مرتفعة جدا. لانه لو كانت تسوية سياسية للنزاع لكان الانتاج والدخل في اسرائيل اعلى. التكلفة الاولى هي انخفاض رأس المال البشري، حيث ان الخدمة النظامية في الجيش تجعل من يخدمون يدخلون بشكل متاخر الى مسار التعليم والعمل. اذا توصلت اسرائيل الى تسوية سياسية فهي تستطيع تقصير مدة الخدمة النظامية، الامر الذي يمكن من زيادة الناتج والدخل 4 في المئة من الانتاج.

التكلفة الثانية تنبع من المخاطرة التي تنطوي على النزاع، التي تؤدي الى ان كمية رأس المال المادي في اسرائيل متدنية نسبيا. اذا توصلنا الى تسوية سياسية وتمكنا من تقليص المخاطرة الى مستوى امريكا فسنستطيع زيادة الانتاج 26 في المئة. التسوية السياسية كان يمكن ان تزيد متوسط الدخل للاسرائيليين 30 في المئة.

بشارات قام بوصف الامهات الاسرائيليات (اللواتي يرافقن الابناء الى مكاتب التجنيد، بالقيام بالعمل القذر للغرب)، لكن الامهات يعرفن ان هذه الحرب يترتب عليها فقدان الحياة، ليس فقط حياة الفلسطينيين، بل حياة ابناءهن ايضا. وقد اثبتن في السابق بانه اذا لم يقتنعن بضرورة الحرب فانه يمكنهن التسبب بانهائها. هذا غير سهل، ولكنه حدث شيء كهذا. أي ان الخدمة التي تقدمها حاملة الطائرات، اسرائيل، للولايات المتحدة، تكلفنا ليس فقط اقتصاديا، بل ايضا تكلفنا الارواح.

بالمناسبة، الثمن الذي تدفعه الولايات المتحدة لحاملة طائراتها بواسطة المساعدات الامنية غير مرتفعة جدا، وفي الاوقات العادية هي اقل من 1 في المئة من الناتج المحلي في اسرائيل. ولان تكلفة الامن في اسرائيل اعلى 3 في المئة واكثر من الناتج المحلي مقارنة مع دول اخرى فان المساعدات الامريكية بعيدة عن تغطية حتى هذا الفرق.

الاعتبارات الاقتصادية ليست هي التي تجعل اسرائيل تواصل النزاع مع الفلسطينيين، بل الاعتبارات الجيوسياسية والايديولوجية من اجل السيطرة على الاراضي باستخدام القوة. هذه الاعتبارات يمكن احيانا ان تكون مناسبة لمصالح الغرب، لكن يمكن ايضا أن تعمل ضدها. ان الغضب بسبب دعم زعماء الدول العربية، مثل مصر والسعودية، يمكن ان يشعل انتفاض شعوبهم ضدهم. الامر الذي سيضعفهم، الذين هم حلفاء الغرب. 

هذا الخطر يمكن ان يجعل الغرب يكتشف ان حاملة طائراته هي ثمينة جدا، وانه ربما من الجدير تقليص قليل من مساحتها. في الوقت الحالي تشن اسرائيل حرب ضروس ضد الفلسطينيين في غزة وتهدد وجودهم المادي، الصحي والمجتمعي. هذه الحرب تعزل اسرائيل في العالم، وللمرة الاولى تعزلها في الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة. الدول الغربية هي دول ديمقراطية، وستضطر آجلا أم عاجلا الاستجابة لمشاعر شعوبها. عندها ستقف اسرائيل امام قربة معطوبة أو على الاقل مثقوبة.

من اجل فهم ذلك نذكر بان مقولة حاملة الطائرات الامريكية، لم يتم قولها فقط على لسان روبرت كنيدي الصغير، التي تتم السخرية منها قليلا. في السابق قال ذلك جو بايدن ايضا، عندما كان سناتور، والكسندر هيغ عندما كان وزير الخارجية وغيرهم. الآن لم يعد يوجد زعماء امريكيون جديون يتحدثون بهذه الطريقة، ربما لانهم يشعرون بالتغيير الذي حدث في الرأي العام الامريكي، وبدأوا يتساوقون معه.

——————————————

هآرتس 7/9/2025

اسرائيل توشك على الانتقال من واقع الضم غير الرسمي الى دولة ابرتهايد بشكل صريح

بقلم: زيف شيتهل 

نية ضم الضفة الغربية وفرض السيادة الاسرائيلية عليها ظهرت في خطوط الحكومة الاساسية وفي الاتفاق الائتلافي مع الصهيونية الدينية. منذ تشكيل الحكومة الحالية، لا سيما في ظل الحرب في غزة، هي تعمل بشكل حثيث على تنفيذ هذا الوعد. في المقدمة يوجد بالطبع بتسلئيل سموتريتش، الذي انجازه الاكبر هو تشكيل وزارة حكومية جديدة – وزارة الضم – في وزارة الدفاع.

سموتريتش ليس وحده. فمؤخرا الكنيست صادقت باغلبية 71 عضو، مقابل 13 ضد، على اعلان فرض السيادة. الحديث يدور عن خطوة رمزية ليس لها اهمية على الارض. ولكن رئيس الحكومة والوزراء والكثير من اعضاء الكنيست يعملون طوال الوقت على ترسيخ سيطرة اسرائيل في الضفة وتوسيع مشروع الاستيطان فيها بصورة لا يمكن التراجع عنها. ذريعة تسريع خطة فرض السيادة هي عملية الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العمومية للامم المتحدة في الشهر الحالي. في وزارة الضم التابعة لسموتريتش توجد “ادارة الاستيطان” التي اقامها، وعلى راسها يقف يهودا الياهو، الذي اعلن في السابق عن الاستعداد لفرض السيادة خلال 24 ساعة من لحظة اتخاذ القرار. في جلسة لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست التي عقدت في حزيران الماضي، ابلغ عن وجود خطة وبنية تحتية مهنية لفرض السيادة، بما في ذلك اعمال لعدة جهات، تشمل فحص بدائل جغرافية ورسم خرائط واجراء مسح ميداني واعداد مشاريع الاوامر كي يوقع عليها الوزراء. واضاف أن الاعداد لتطبيق السيادة يجري بالتعاون مع كل الوزارات في الحكومة. 

نتنياهو كالعادة يحافظ على الضبابية ولا يعبر عن دعمه العلني لهذه العملية. ولكنه في السابق دعا الى نقاشات في منتديات صغيرة وفي الكابنت. الحكومة التي يترأسها مستعدة لعدة سيناريوهات محتملة، بدءا بالسيناريو الذي عرضه سموتريتش في هذا الاسبوع، الذي يشمل 82 في المئة من اراضي الضفة الغربية – مناطق ب وج. وحتى سيناريو متواضع اكثر وهو فرض السيادة على غور الاردن. بين السيناريوهين يوجد ايضا عدد لا يحصى من احتمالية فرض سيادة جزئية في مناطق مختلفة.

نحن، الجمهور الاسرائيلي، نغرق في الظلام بخصوص المستقبل الذي تخططه لنا الحكومة، وهكذا ايضا الفلسطينيون الذين ستتاثر حياتهم من هذه الخطوة بشكل مباشر.

في الاسبوع الماضي اغلقت امام الحركة مناطق كاملة في الضفة بدون أي سبب واضح. الامر يثير في الفلسطينيين التخوفات من ان الامر لا يتعلق بخطوة قبل فرض السيادة القريب. هذا يحدث الى جانب الثورة الهيكلية والبيروقراطية للحكومة بشكل اصبحت فيه اسرائيل تسيطر على الضفة، والى جانب التغييرات الدراماتيكية التي قامت بها على الارض مثل توسيع مشروع الاستيطان والمصادقة على بؤر استيطانية غير قانونية وشق شبكة شوارع واقامة عدد لا يحصى من بؤر المزارع العنيفة التي ادت الى الطرد القسري والعنيف لعشرات التجمعات الفلسطينية.

ان فرض السيادة الاسرائيلية على الضفة هو ارتفاع درجة عن واقع الضم غير الرسمي الذي يحدث الآن، الذي يعني اضافة اجزاء محتلة من الاراضي مع سكانها الفلسطينيين الى ارض اسرائيل السيادية. بكلمات بسيطة، هذه العملية ستجعل دولة اسرائيل دولة ابرتهايد بشكل صريح، تعيش فيها مجموعتان سكانيتان: مواطنون مع حقوق كاملة، ورعايا ليست لهم حقوق سياسية أو أي حقوق اخرى. الاحتمالية الاخرى التي تم عرضها بدون مواربة في خطة سموتريتش تتحدث عن “اكبر قدر من الارض مع اقل قدر من العرب”. أي عملية تطهير عرقي، ترحيل الفلسطينيين من المناطق التي ستضمها اسرائيل الى كانتونات في مناطق المدن الفلسطينية الرئيسية – حظائر مكتظة، منفصلة عن بعضها جغرافيا وسياسيا.

سموتريتش يعتبر من قبل معظم الجمهور شخص مسيحاني خيالي ومتطرف. ولكنه ليس فقط خيالي بل هو ينفذ ايضا. فقد اثبت مرة تلو الاخرى في السنتين الاخيرتين بانه يجب أخذه على محمل الجد. على خلفية خارطة الكانتونات التي عرضها كان يرفرف شمعدان دولة اسرائيل واسم وزارة الدفاع، كدليل على مكانته المركزية في الحكومة ومكانة كل المنظومة التي تعمل معه، بما في ذلك وزير الدفاع يسرائيل كاتس. 

في المنطقة التي تناقشها خطة السيادة لسموتريتش ووزارة الدفاع يعيش الآن اكثر من 2 مليون فلسطيني. سموتريتش يخطط لاجتثاثهم بالاكراه من بيوتهم التي توجد في مئات القرى والبلدات وحشرهم في مناطق مغلقة، صغيرة ومكتظة. هذه الكانتونات ستكون منفصلة عن بعضها البعض بحيث لا يمكن حتى ادارة روتين حياة معقول، علاقات تجارية أو علاقات عائلية مثلا. هم سيفرضون على ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة واقع فظيع، فقر وضائقة وانفصال، بدون حقوق سياسية أو أفق سياسي أو أفق شخصي.

حتى لو كانت هذه الخطة تظهر في هذه الاثناء بعيدة المدى ومتطرفة، فقد اصبحنا نعرف الاسلوب – خطة الحد الاعلى الطموحة ربما لن تتحقق بالكامل، لكنها تضع نقطة الانطلاق في مكان آخر. هذه هي الخطة الوحيدة الملموسة التي تم عرضها على الجمهور، وهي ستشكل من الآن فصاعدا نقطة الانطلاق فيما يتعلق بحجم فرض السيادة.

——————————————-

يديعوت احرونوت 7/9/2025

فقط هكذا يمكن احتلال غزة

بقلم: آري شافيت 

لا شك في ذلك. يجب حسم المعركة مع حماس. محظور أن تحكم منظمة الإرهاب البربرية قطاع غزة وتهدد غلاف غزة. وكما انتهت المانيا النازية من العالم على حماستان ان تنتهي من العالم. لكن بعد أن ضربت بشدة في السنتين الأخيرتين لم تعد حماس تشدد تهديدا وجوديا فوريا. الخطر الكامن فيها اصغر بلا قياس من المخاطر التي تنطوي عليها ايران، فقدان التحالف مع الولايات المتحدة، الانشقاق الداخلي والتدمير الذاتي في إسرائيل. اذا كان يوجد استراتيجيون في القدس – فيفترض بهم ان يفهموا بان التحدي الإيراني، التحدي الأمريكي والتحدي الإسرائيلي الداخلي هي التي يفترض بها أن تقف الان على رأس سلم الأولويات الوطنية. نصر في غزة يؤدي الى فشل في طهران، انهيار في واشنطن او اشتعال في القدس. لن يكون نصرا مطلقا بل نصر اشبه بالهزيمة. 

هكذا بحيث أنهم اذا كانوا مع ذلك يريدون احتلال مدينة غزة وتحريك مليون من السكان امام كاميرات التلفزيون لعالم معادٍ – عليهم أن يتأكدوا بان الحرب المتجددة تستوفي بثلاثة شروط ضرورية. 

شرط ضروري أول: المخطوفون. يقين بان المخطوفين العشرين الاحياء لن يقتلوا. اذا كان ثمن انجاز بري في ميدان فلسطين سيكون جثث إخواننا الاسرى – فان الصدمة النفسية لن يكون ممكنا احتواؤها. قيادة وطنية تضحي بالمخطوفين بعيون مفتوحة ستكون مكروهة، معزولة ومنبوذة. الشعب الذي سينظر كئيبا الى مشهد الرعب لن ينسى، لن يغفر – ولن يشفى.

شرط ضروري ثانٍ: شرعية داخلية. الجيش الإسرائيلي هو جيش الشعب. استئناف القتال سيؤدي الى سقوط العشرات وربما المئات من الأبناء المحبوبين. كما أنه سينطوي على تجنيد واستخدام لعشرات الاف جنود الاحتياط. اذا لم يكن للمقاتلين ذاك الايمان بعدالة الطريق الذي كان لهم بعد 7 أكتوبر، فان قسما منهم لن يمتثلوا، قسما لن يؤدوا مهامهم وقسما سيفقدون الامل. هم سيملون دولة تطالبهم دولة قيادتها غير الجديرة بان يضحوا بأنفسهم في حرب عديمة الغاية الواضحة. هكذا بحيث ان من يسعى لاحتلال غزة يجب أولا ان يوحد إسرائيل، يقنع اسرائيل ويبعث الالهام في إسرائيل. بدون مجتمع مرصوص الصفوف من خلف حرب موضع خلاف، سيحرم الجيش الإسرائيلي من الجبهة الداخلية القيمية والنفسية اللازمة لاجل النصر والحسم. 

شرط ضروري ثالث: شرعية دولية. ما أتاح الانتصارات اللامعة في حرب الانبعاث، في حرب الأيام الستة وفي الانتفاضة الثانية كانت اعمال سياسية جريئة أدت الى انه قبل المعركة احتلت إسرائيل القمة الأخلاقية. في السنتين الأخيرتين – وفي العقد الاخير لم تقم إسرائيل باي عمل سياسي من هذا النوع، والعطف العالمي الذي منحها لها اعتداء 7 أكتوبر فقدته منذ زمن بعيد. كنتيجة لذلك نحن نعيش ازمة سياسية غير مسبوقة. صحيح: يوجد لنا ترامب. لكن ترامب هو زعيم غير مصداق وغير مستقر لن يقف في وجه الضغط عندما ستغرق صور الفظاعة من غزة شاشات التلفزيون. وترامب هو شخص واحد. عندما يكون ثلثا الأمريكيين وتقريبا كل دول العالم يقفون ضدنا، فانه سيبقينا على قمة الشجرة التي رفعنا اليها. هكذا بحيث ان من يسعى الى احتلال غزة ملزم قبل كل شيء بان يتلقى التزاما مكتوبا ومعلنا من الرئيس الأمريكي بانه سيقف الى جانبنا حتى اذا تعقدت الحملة العسكرية. بالتوازي، على إسرائيل أن تعرض افقا سياسيا يقنع قسما على الأقل من العالم بان الحرب تستهدف إحلال السلام. والا فان نتيجة الحرب في غزة قد تكون نصرا عسكريا قصير الأوان يجلب في اعقابه هزيمة سياسية كارثية.

سموتريتش وستروك محقان: من حق الحكومة أن تخرج الى حرب حتى لو كان المستوى العسكري يعارضها. لكن في الحياة، في السياسة وفي التاريخ لا يكفي ان تكون محقا – يجب أن تكون حكيما. خروج الى حرب اختيار بلا شرعية دولة ووطنية وفي ظل المخاطرة بحياة المخطوفين سيكون فعلا سخيفا. فهو سيحرم إسرائيل من النصر الحيوي على شر حماس. 

——————————————

هآرتس 7/9/2025  

يجب معارضة هذا العمل الفظيع، والتذكر أيضا بانه يوجد للناس دائما اكثر من دور

بقلم: حجاي العاد

قبل اسبوع ونصف توجه المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي ببيان لسكان شمال القطاع جاء فيه: “اخلاء مدينة غزة هو امر لا مناص منه – وكأن الامر يتعلق بأمر الهي أو قدر محتومط.

لا يجب أن يكون المرء بروفيسور في التاريخ في احدى الجامعات التي دمرناها في غزة، من اجل ان تدوي كلمات اعلان الطرد في الوعي وأن تحدث الندب وتثير الذكريات والاشتياق والغضب. حيث ان هذه ليست المرة الاولى التي يطرد فيها اليهود الفلسطينيين. الذاكرة التاريخية ليست فقط تاريخ، بل هي حاضر متواصل، وكلما تمكنت العيون من النظر الى الامام فان هذا ايضا يشكل المستقبل. 

يوجد فلسطينيون، ويهود ايضا، لا يستطيعون سماع المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي في هذه الايام أو التفكير بدافيد بن غوريون في تلك الايام، قبل حوالي 77 سنة، وهو يكتب في مذكراته في خريف 1948: “لقد بقي لعرب ارض اسرائيل فقط دور واحد وهو الهرب”.

يبدو كأنه منذ بداية الصهيونية هذا كل ما نقدر على تخيله، اختفاءهم. حيث لكوننا شعب بدون ارض جئنا الى ارض التي هي بالتحديد لم تكن فارغة. اذا بقي لنا نحن يهود ارض اسرائيل فقط دور واحد وهو جعلهم يهربون. كل الذكريات، الثقافة، الانسانية، الشعر والأدب، كليات التاريخ ومشاهد طفولتهم، تتم تسويتها واختزالها بشكل مطلق: لا يوجد لها أي معنى. وقد بقي لها فقط دور واحد، وهذا يبقي لنا ايضا دور واحد، حيث انه اذا كان هذا ما نفعله الآن، فأي معنى يوجد للثقافة والادب ومشاهد طفولتنا؟.

في النظام العسكري المحدث يسمى هذا “من الارضية الى السقف”. مستقبل فارغ ومسطح. هنا في البداية كان هناك منزل. وكان هناك شيء له حجم. ولكن حتى سقف المنزل لم يبق له الا وظيفة واحدة. 

في نهاية المطاف هذا ما قاله رئيس الاركان هرتسي هليفي لزوجته في صباح 7 اكتوبر: “غزة ستدمر”. هذا الامر ينطبق على حوالي 70 في المئة من بيوت القطاع، ايضا “بعد قليل مدينة غزة “ستكون مثل بيت حانون”، كما وعد وزير الدفاع. بيت حانون الآن اصبحت مثل رفح، التي اصبحت مثل مئات قراهم بعد 1948. القرى التي كانت ذات مرة محاطة بالحقول والآن هي محاطة بالمستوطنات، وتم اقتلاع آلاف اشجارهم.

فقط دور واحد يوجد لنا: الصهيونية – 77 سنة من “النشاطات التشكيلية” (شكرا لقائد المنطقة الوسطى. ليس فقط تشكيل الفضاء، بل ايضا تشكيل الوعي، وعيهم ووعينا.

لكن الفلسطينيين يعارضون الدور الوحيد الذي خصصناه لهم. وحتى عندما ينامون نومهم الفلسطيني في بيتهم الفلسطيني، ويفلحون بالفلاحة العربية ارضهم الفلسطينية، هم يعارضون. الفلسطينيون لا يمكنهم اقامة هنا كلية تاريخ واحدة بدون ان يكون ذلك مقاومة. مجرد وجودهم هنا هو مقاومة.

لذلك، بالنسبة لنا فان أي بيت فلسطيني هو موقع عسكري (يجب تدميره)، وكل شجرة فلسطينية هي مخبأ لكمين (يجب اقتلاعها)، وكل فلسطيني هو مخرب (يجب قتله). ليس بسبب انه من البيت يمكن “مراقبة قواتنا”، بل هو مشهد ارضية لم تلتق بالسقف، مشهد للحياة. الشجرة هي كمين، ليس لانهم سيختبئون وراءها لرشق الحجارة، بل لانه توجد لها جذور. الفلسطيني هو مخرب خطير لانه ما زال لم ينفذ دوره الوحيد: الهرب.

ان مقاومة هذه الاعمال الفظيعة لم تعد ممكنة تقريبا، والموجودة هي ضعيفة ومهزومة. ولكن حتى الان يوجد لها دور، من خلال محاولة عدم اعطاء الوعي للتشكل في القالب العنيف للحياة هنا. مقاومة الاعمال الفظيعة تعني البكاء على موتانا والتألم والمعاناة. كيف يمكن عدم التألم والمعاناة؟، لكن ايضا ان نشاهد جامعة مدمرة (نحن دمرناها)، وأن نشم رائحة مكتبة محترقة (نحن قمنا باحراقها)، وأن ندرك بانه نوجد هناك جثة طفل صغير معجونة بين الارض والسقف (نحن قتلناه).

هناك عدد كبير من الجثث الصغيرة والكبيرة. جثث اشخاص كان لهم اكثر من دور. ربما هذا هو المعنى، مقاومة هذا العمل الفظيع. تذكر وعدم نسيان أن بني البشر دائما – دائما – يوجد لهم اكثر من دور.

——————————————

إسرائيل اليوم 7/9/2025  

خمس سنوات على اتفاقات إبراهيم. ماذا تغير؟

بقلم: ايال زيسر 

هذا الشهر ستحل ذكرى خمس سنوات على التوقيع على اتفاقات إبراهيم، اتفاقات سلام وتطبيع بين إسرائيل وبين اتحاد الامارات والبحرين، والتي انضم اليها السودان والمغرب أيضا. 

اليوم، في نظرة الى الوراء، لا شك أن هذه نقطة انعطافة تاريخية دلت على تغيير جذري في موقف العالم العربي من إسرائيل ويخيل أنه أيضا تغيير في وجه الشرق الأوسط لدرجة الادعاء باننا امام “شرق أوسط جديد” يختلف عن ذاك الذي رأيناه حتى ذلك الحين. 

من روج لفكرة “الشرق الأوسط الجديد” في اعقاب التوقيع على اتفاقات إبراهيم لم يكن غير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي وقع عليها في البيت الأبيض في أيلول 2020. غير أن نتنياهو بالذات كان في ماضيه، في التسعينيات، وقف بحدة ضد رؤيا “الشرق الأوسط الجديد” من مدرسة شمعون بيرس الذي كان في حينه وزير الخارجية في حكومة اسحق رابين. 

ادعى بيرس بان التوقيع على اتفاق أوسلو ولد “شرق أوسط جديد” من السلام والامن، وعلى هذا رد نتنياهو: “عن أي شرق أوسط جديد يتحدث بيرس؟ هذا ليس شرق أوسط جديد بل شرق أوسط قديم وسيء إياه من موجات الإرهاب والباصات المتفجرة”. 

ومع ذلك، لا يمكن ان نتنكر لحقيقة أن التوقيع على اتفاقات إبراهيم حطم السقف الزجاجي في علاقات إسرائيل مع العرب إذ حتى ذلك الحين كانت الفرضية السائدة هي أنه لن تتجرأ أي دولة عربية على تطوير علاقاتها مع إسرائيل دون ان يوجد حل للقضية الفلسطينية. وها هي دولة عربية واحدة اثر أخرى تبدي استعدادا بل وحماسة للتوقيع على اتفاقات سلام مع إسرائيل وبذلك تدير الظهر للفلسطينيين الذين اصبحوا بالنسبة لها عائقا ومصدر ازعاج.

لا شك أيضا في أن اتفاقات إبراهيم عبرت عن اعتراف عربي بأهمية العلاقات مع إسرائيل، التي أصبحت قوة عظمى إقليمية ذات قوة اقتصادية وامنية بوسعها أن تساعد العرب على الدفع قدما باقتصادهم وحماية انفسهم من ايران. هذا بخلاف الماضي حين طالبت الدول العربية بالسلام مع إسرائيل فقط كي تحصل منها على المناطق التي سيطرت عليها او كي تصل من خلالها الى قلب وجيب الولايات المتحدة. 

في أيلول 2022 بدا مستقبل المنطقة ومستقبل العلاقات الإسرائيلية العربية إذن مضمونا، وأمل الجميع في أن تنضم الى اتفاقات إبراهيم دول أخرى وعلى رأسها السعودية، الدولة الهامة في العالم العربي في عصرنا. 

يحتمل أن يكون تخوف يحيى السنوار من تحقيق اتفاق سلام بين إسرائيل والسعودية، الكفيل بان يدفن نهائيا القضية الفلسطينية، هو الذي دفعه للخروج الى هجمة 7 أكتوبر. لقد أمل السنوار في أن تحدث الهجمة التي فتحها هزة أرضية إقليمية تؤدي الى انهيار إسرائيل.

لكن عمليا أدت هجمة السنوار التي انضم اليها أيضا حسن نصرالله الى تصفيتهما الاثنين، والاهم – إسرائيل وجهت ضربة قاسية بل وفتاكة لحماس وحزب الله. ايران هي الأخرى تعرضت لضربة جسيمة، فقدت معاقلها على شواطيء البحر المتوسط وتبينت كدولة ضعيفة وهشة، يصعب عليها الدفاع عن نفسها من إسرائيل. 

وهكذا كلما ابتعدنا عن 7 أكتوبر 2023 يتبين أن الشرق الأوسط بقي كما هو – ربما ليس “شرق أوسط جديد”، لكن شرق اوسط يختلف عن ذاك الذي عرفناه في الماضي. يختلف في أن معظم الدول العربية لا تزال معنية بإقامة علاقات مع إسرائيل، في رؤيتها لها كسند متين حيال الظل المهدد لإيران وكذا لتركيا، وحيال تهديد الراديكالية الإسلامية. الدول العربية ليست مستعدة أيضا لان تواصل السماح للتطرف الفلسطيني باملاء مصيرها والغرق في صراع بلا نهاية مع إسرائيل. 

لقد علمنا التوقيع على اتفاقات إبراهيم بان الكثير متعلق بما تفعله إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة وليس بالضرورة بما يفعله العرب. هذا هو الوضع اليوم أيضا، في الشرق الأوسط القديم – الجديد الذي يطرح مخاطر لكن يفتح أيضا بابا امام الفرصة التي على إسرائيل أن تستغلها. 

كل شيء إذن متعلق بنا وبالسؤال هل نعود ونأخذ المبادرة وندفع قدما بالعلاقات الإسرائيلية – العربية ومعا نصمم وجه الشرق الأوسط.

——————————————

هآرتس 7/9/2025  

نتنياهو فتح جبهة جديدة تجاه مصر، التي ترى في تلميحاته مثابة اعلان حرب

بقلم: تسفي برئيل 

“اخوتنا في مصر، أنا اتوجه اليكم نظرا لموقفكم السياسي والاجتماعي في الأمة العربية وفي العالم، ونظرا لاننا نعرف انكم تشعرون بالألم الذي يعانيه اخوتكم في غزة. يا سكان مصر وزعماؤها، هل ستسمحون بموت اخوتكم جوعا على حدودكم؟”، هذا ما قاله خليل الحية، رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة في نهاية شهر تموز الماضي. وعندما قال ذلك تم تفسير هذه الاقوال في مصر كتهمة مباشرة موجهة بالاساس للنظام المصري لانه لا يعمل على رفع الجوع عن سكان غزة. 

الرد المصري كان فوري وشديد. المتحدثون الرسميون باسم مصر اتهموا الحية وحماس بالنفاق ونكران الجميل بشان المساعدة التي قدمتها مصر للفلسطينيين. وهم حتى قالوا ان هدف هذه التصريحات هو اثارة الفوضى في مصر التي ستؤدي الى اسقاط النظام. محللون كبار في مصر قالوا في حينه بان هذه الاقوال تنبع من الضغط الذي تتعرض له حماس بسبب الضربة الشديدة التي تعرضت لها من قبل اسرائيل، وأنها تحاول استغلال الوضع الاقتصادي الصعب في مصر لتحريض الجمهور على الاحتجاج ضد النظام. بعد اسبوعين، بعد محادثات مصالحة حثيثة، تم استدعاء وفد من حماس برئاسة الحية الى القاهرة لاستئناف المفاوضات حول خطة تحرير المخطوفين، لكن الضغينة بقيت على حالها.

يبدو ان اقوال الحية مست القلب الرحيم لبنيامين نتنياهو. ففي مقابلة مع قناة التلغرام “أبو علي اكسبرس” في يوم الخميس الماضي قال انه ينوي فحص فتح معبر رفح من الطرف الغزي، الذي يوجد تحت سيطرة اسرائيل، من اجل السماح لسكان غزة بالخروج الى مصر. اذا كانت تنقص اسرائيل جبهات فقد اختار نتنياهو الآن تاسيس جبهة جديدة، بالتحديد مع الدولة التي سيمر على اتفاقات اطار السلام معها، اتفاقات كامب ديفيد التي سيصادف في هذا الشهر مرور 47 سنة على توقيعها.

مصر، التي منذ بداية الحرب دخلت الى حالة استعداد قرب الحدود مع قطاع غزة، لم يكن يتعين عليها تقديم دليل على ان اسرائيل لم تتنازل عن حلم استئصال سكان غزة وارسالهم الى شبه جزيرة سيناء. هي تعرف ان هذه الفكرة الغبية التي زرعها الرئيس ترامب (وتراجع عنها الآن) تنبض بقوة في قلب اسرائيل. وزارة الخارجية في مصر اوضحت على الفور بان خطوة اسرائيلية كهذه هي “خط احمر وخرق فظ للقانون الدولي الذي يصل الى درجة التطهير العرقي”. كما اكدت وزارة الخارجية المصرية في اعلانها على أن “مصر لن تكون في أي يوم شريكة في هذا القمع الذي يهدف الى تصفية القضية الفلسطينية، ولن تصبح بوابة الهجرة. 

نتنياهو الذي لم ينجح في التغلب على نزوته اضاف القليل من الزيت الساخن على النار، عندما صاغ لائحة اتهام موجهة ضد وزارة الخارجية المصرية (بدون ذكر اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي بصراحة). حسب اقوال رئيس الحكومة فان وزارة الخارجية “تفضل ان تحبس في غزة السكان الذين يريدون الخروج من منطقة الحرب خلافا لارادتهم”. واذا كان هذا غير كاف، فانه في الاسبوع الماضي نشرت صحيفة “اسرائيل اليوم” من قبل “مصدر سياسي” بان “رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الطاقة ايلي كوهين سيفحصان اتفاق الغاز بين شركاء لفيتان ومصر، على خلفية التقارير بشان ان مصر تخرق اتفاق السلام مع اسرائيل”. 

الحديث يدور عن اتفاق تم التوقيع عليه في الشهر الماضي بين الشركاء في حقل لفيتان، ريتشو ونيومنت انرجي (التي تسيطر عليها مجموعة ديلك)، وشركة بلو اوشن انرجي، التي تشتري الغاز لصالح مصر. حسب هذا الاتفاق مصر ستشتري من اسرائيل 130 مليار متر متر مكعب من الغاز بمبلغ 35 مليار دولار حتى العام 2024. ومن اجل تنفيذ هذا الاتفاق ستبني الشركات الاسرائيلية ومصر انبوب ضخ آخر بتكلفة مشتركة تقدر بـ 400 مليون دولار، واقامة الانبوب ستنتهي في 2028.

مشكوك فيه ان يقوم نتنياهو وبحق بتعويق المصادقة على صفقة الغاز الاكبر، التي يتوقع أن تكون لها مكاسب كبيرة لاسرائيل، والاكثر اهمية هو وضع اسس اقتصادية قوية للعلاقات السياسية الباردة بين الدولتين. لكن يصعب الآن معرفة ما الذي دفعه لان يلوح بالتحديد بهذا الاتفاق المهم من اجل تهديد مصر. المبرر الذي تمسك به، ان مصر تخرق اتفاق كامب ديفيد عندما تقوم بحشد قوات مدرعات وقوات برية في شبه جزيرة سيناء، هو مبرر ضعيف جدا.

في العام 2014 سمحت اسرائيل لمصر بزيادة حجم قواتها في سيناء، حتى في المناطق التي كان يجب ان تكون منزوعة السلاح أو تتواجد فيها قوات قليلة حسب اتفاق كامب ديفيد. في 2015 اقيم جهاز تنسيق عسكري بين اسرائيل ومصر، الذي في اطاره تم تنسيق “خروقات متفق عليها”، تسمح بدخول القوات المصرية الى شبه جزيرة سيناء. في اطار هذا التنسيق سمحت اسرائيل لمصر باستخدام سلاح الجو في هذه المنطقة، وحسب تقارير في وسائل اعلام عربية (التي نفتها مصر) فان سلاح الجو الاسرائيلي ساعد في هذه المعركة. في شباط الماضي نشرت تقارير تقول بان الجيش المصري يقوم بتدريبات ومناورات، ظهرت فيها عشرات الدبابات والجنود وهم ينفذون مناورات دخول وخروج من الانفاق.

لكن الجيش الاسرائيلي الذي يتابع عن كثب سلوك الجيش المصري، اوضح بانه لم يحدث أي تغيير في انتشار القوات المصرية، بالتحديد عندما توصف مصر في اسرائيل كتهديد محتمل، فان القاهرة تقرر التوقيع على اتفاق بعيد المدى مع اسرائيل بمبلغ ضخم. صحيح ان أي اتفاقات سياسية أو اقتصادية ليست اشياء محفورة في الصخر، مثلما ايضا اسرائيل اثبتت ذلك. ولكن اتفاق الغاز يستند الى قرار استراتيجي لمصر لتوثيق العلاقات الاقتصادية مع اسرائيل رغم الدمار والقتل الذي تقوم به اسرائيل في غزة، ورغم انتقاد الجمهور في مصر وعلى خلفية ذكرى اتفاق بيع الغاز الذي وقع عليه الرئيس السابق حسني مبارك مع اسرائيل، وكان ذريعة لثورة الربيع العربي التي ادت في نهاية المطاف الى عزله في 2011.

مصر تنسق لتهدئة الانتقاد العام ضد اتفاق الغاز، هي تصفه بـ “توسيع للاتفاق الذي وقع في 2019 وليس كعملية استراتيجية جديدة”. هي ايضا تقول بانه في حالة نزاع سياسي مع اسرائيل يوجد لها بدائل، وفعليا هي وقعت مع قطر ودول اخرى على اتفاقات للتنقيب عن الغاز واستخراجه. ايضا مصر وقعت مع تركيا على اتفاق هو الاول من نوعه، الذي بحسبه ترسي تركيا قرب الشواطيء المصرية سفن لتجميع الغاز السائل، الذي سينقل الى مصر لاستخدامه في ذروة موسم الاستهلاك. الا ان هذه الحلول اغلى بكثير من شراء الغاز الاسرائيلي مباشرة من حقول الانتاج.

الاتفاق الجديد ينبع من ضرورة اقتصادية ملحة، التي وجدت بسبب نضوب مصادر الغاز في مصر، ومن انخفاض 40 في المئة في حجم استخراج الغاز من الحقل المصري “زوهر”، ومن النقص المزمن لتزويد الطاقة الذي ينبع ايضا من ازدياد عدد السكان، الذين اصبح عددهم تقريبا 110 مليون نسمة. مصر، التي في 2019 نجحت في توفير احتياجاتها من الغاز والتصدير لدول اخرى، اصبحت مستوردة منذ ثلاث سنوات على التوالي، لتطبيق برنامج ترشيد شديد في الطاقة. 

في شهر نيسان الماضي استانفت الحكومة التعليمات التي تجبر على تقليص في ساعات تشغيل الاضواء والمكيفات في الوزارات الحكومية. انارة الشوارع تم اطفاءها بالتدريج، ومصانع انتاج اضطرت الى تقليص 10 في المئة على الاقل كمية الطاقة التي تستخدمها، وهذه التعليمات ادت الى اقالة عمال وتقليص حجم الانتاج. في حزيران شددت الحكومة التعليمات للمحافظين واجبرتهم على الاشراف بشكل مشدد على تنفيذ التعليمات التي تتضمن اطفاء الاضواء بشكل مبكر في المحلات التجارية والسوبرماركتات.

في نفس الوقت مصر، التي يوجد لديها منشأتان لاسالة الغاز، تواصل تصدير الغاز الى دول اوروبا وتركيا، ايضا على حساب كمية الغاز التي تحتاجها لتغطية احتياجاتها الداخلية. في 2022، سنة الذروة لتصدير الغاز، دخل الى خزينة الدولة حوالي 8.5 مليار دولار. منشآت اسالة الغاز في مصر تخدم بشكل غير مباشر ايضا اسرائيل، التي الغاز الذي تبيعه لمصر والذي ستبيعه لها يأتي عبر مصر الى اهداف في اوروبا.

لكن سيكون من الخطأ عرض مصر كدولة تعتمد على اسرائيل، والعزو لاتفاق الغاز قوة السوط السياسي ونرى فيه سلاح استراتيجي يمكنه فرض على القاهرة طموحات الترانسفير الاسرائيلية واجبارها على استيعاب سكان غزة على اراضيها. مصر ترى في خطة “الهجرة الطوعية” الاسرائيلية تهديد لامنها القومي. مصر ترى في تلميحات نتنياهو الاخيرة، امكانية فتح معبر رفح، شيء قريب من اعلان الحرب. يبدو ان نتنياهو الذي اوضح بانه لا يعتبر قطر دولة معادية قد قرر تبني جبهة جديدة، بالتحديد مع الدولة التي اثبتت لسنين التزامها باتفاق السلام. وهي نفس الدولة التي مهدت الطريق لاتفاق السلام مع الاردن واتفاقات ابراهيم.

——————————————

معاريف 7/9/2025

انعدام مسؤولية كاتس وعمى نتنياهو

بقلم: افي اشكنازي

بدأ الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة بالعمليات النهائية قبل الدخول الى غزة. هذا، الى جانب تشديد الطوق على القطاع. يدور الحديث عن خطوات تكتيكية تستهدف تنفيذ مناورة برية مع حد أدنى من الإصابات بين المقاتلين وبين المخطوفين، الذين يحتجز بعضهم في غزة. 

ان الخطوة التي أوضحت جدية نوايا إسرائيل تمت يوم الجمعة في ساعات الظهر، فقد اعلن الجيش الإسرائيلي بان في نيته تقويض احدى ناطحات السحاب في مدينة غزة، وشرح الناطق العسكري العميد ايفي دوفرين قائلا: “في المبنى توجد بنى تحتية لمنظمة الإرهاب حماس التي استخدمت للدفع قدما والتنفيذ لمخططات إرهاب ضد قوات الجيش الإسرائيلي في المجال. تحت المبنى أقيمت بنية تحتية تحت أرضية، منها ينطلق مخربو حماس لعمليات إرهاب ضد قوات الجيش الإسرائيلي في المجال. البنية التحتية تستخدم لتنفيذ كمائن ضد قوات الجيش الإسرائيلي ومسارات هروب للمخربين. قبل الهجوم اتخذت خطوات لتقليص احتمال الإصابة للمدنيين، بما في ذلك تحذير السكان، استخدام ذخيرة دقيقة، مراقبة من الجو ومعلومات استخبارية أخرى”. 

بيان دوفرين يعرض إسرائيل والجيش الإسرائيلي ليس كأزعر الحارة، ليس كشعب يبحث عن ثأر او لا سمح الله متعطش للدماء كما تحاول حماس والشعب الفلسطيني عرض إسرائيل في العالم. 

رغم هذا، فبعد دقائق قليلة من الهجوم ونشر بيان الناطق، نشر البيان التالي لوزير الدفاع إسرائيل كاتس: “الان نزعت الاقفال عن بوابات الجحيم في غزة. بيان اخلاء اول سلم لمبنى إرهاب متعدد الطوابق في مدينة غزة قبل الهجوم. عندما يفتح الباب فانه لن يغلق وعمليات الجيش الإسرائيلي ستتصاعد – الى أن يقبل قتلة ومغتصبو حماس شروط إسرائيل لانهاء الحرب وعلى رأسها تحرير كل المخطوفين ونزع سلاحهم – والا سيبادون”. 

بيان كاتس لم يوجه لحماس ولا للاسرة الدولية. كاتس وجهه لاعضاء مركز الليكود للقاعدة اليمينية التي بعد لحظة ستستقبل السبت المقدس. اقوال كاتس تسببت وتتسبب بضرر لا مرد له لجنود الجيش والدولة كلها. 

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي اعتاد على أن يشبه نفسه بونستون تشرتشل، رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية يبدو أنه لا يفهم بان بعض الوزراء في حكومته، وعلى رأسهم كاتس يتصرفون كآخر الزعران ولملافظهم – ستضطر إسرائيل لان تدفع اثمانا باهظة. في نبذها من دول في العالم، في ملاحقة مقاتلي الجيش، في المطالبة بوقف الحرب قبل تحقيق كل الأهداف والاهم – في تعريض المخطوفين للخطر.

فور الهجوم بثت في قنوات الاخبار في أوروبا الانباء عنه. اثر المبنى المنهار كان مبهرا بصفته سبقا تلفزيونيا لكن بعده فورا ظهرت صور أمهات يحملن رضعا جرحى وقوافل من اللاجئين الذين يفرون للنجاة بحياتهم، كانت أيضا صورة واحدة أخرى – دبابة للجيش الإسرائيلي في داخل غزة المدمرة، وفورها صورة كاتس واقتباس دقيق لاقواله. 

ثمة في الليكود من يعتقدون ان نتنياهو هو نوع من “الحيوان الجريح”، والذي فقد تلك الشرارة التي اتاحت له الانتصار في الانتخابات في الماضي. حرب الخلافة كما يبدو بدأت، وقول كاتس إياه هو جزء منها. يعقل نتنياهو اذا ما كم افواه كاتس ورفاقه ولا سيما في الشبكات الاجتماعية.

——————————————

يديعوت احرونوت 7/9/2025  

ضم عملي

بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين

حديث أدرته قبل بضع سنوات مع مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية وفر نظرة الى مستقبل بشع يتحقق كل يوم وفي مركزه إمكانية أن يتطور واقع دولة واحدة بين النهر والبحر. فقد شرح هذا المسؤول بانه رغم أن معظم الإسرائيليين يتطلعون الى حفظ الهوية اليهودية للدولة تتشكل عمليا دينامية تتجاوز الإرادة والتخطيط: يوجد انصهار عميق بين إسرائيل والضفة؛ السلطة تضعف وعلى ما يبدو ستذوي، حتى بدون انهيار صاخب؛ وكل هذا سيؤدي الى دمج الضفة بإسرائيل، دون أن يعطى للفلسطينيين حق مواطنة، الامر الذي سيثير ضغطا دوليا داخليا يلازم بذلك. “ومن هنا”، يشرح، “فان الدمج بين السكان والديمقراطية سيفعل فعله”. 

وبالفعل، ضم الضفة يتحقق حتى دون اعلان رسمي. في الخلفية توجد تهديدات متعاظمة من وزير المالية بالقضاء على السلطة كجزء من خطته “للتغيير (من تحت الرادار) لـ DNA ليهودا والسامرة” والوصول الى “نقطة لا عودة لا تسمح للفصل بين الشعبين”، اللذين العداء بينهما يضرب أرقاما قياسية في الحرب. في الأسبوع الماضي عرضت خطة عمل مفصلة لتحقيق الرؤيا، تتطابق وخطة الحسم التي نشرها سموتريتش في 2017: ضم 82 في المئة من يهودا والسامرة (بما في ذلك قلقيليا وبيت لحم) وخلق جيوب على نمط “البانتوستانات” دول مرعية مصطنعة أقيمت للسود في جنوب افريقيا في عهد الابرتهايد. 

للضم ستكون تداعيات صادمة على إسرائيل، واساسا في العلاقات الخارجية، والخطة لاتخاذ خطوة كهذه ردا على التسونامي المؤكد المقترب لاعتراف دولي واسع بدولة فلسطينية يشبه صب البنزين على جمر مشتعل. بداية، الضم سيشدد الضغط الدولي وعزلة إسرائيل، بشكل يشعر به كل مواطن في الدولة، واساسا نظرا للعقوبات في المجال الاقتصادي. ثانيا، ستتضرر على ما يبدو العلاقات المهزوزة على أي حال مع العالم العربي. التهديد الأكبر يتعلق بالعلاقة مع مصر، التي تخشى “مؤامرة” لدحر الغزيين الى أراضيها – بما في ذلك في ظل الخطاب الغريب في الاعلام الإسرائيلي مؤخرا عن “التهديد المتزايد” المحدق من القاهرة، والذي يتطابق مع تقارير طرحت في سياقات قطر غيت. في الخلفية توضح اتحاد الامارات بان الضم سيهدد اتفاقات إبراهيم (انجاز استراتيجي يتباهى به نتنياهو)، والأردن متحفز قبيل ضم محتمل للغور – خطوة ستضعضع اكثر فأكثر العلاقة مع المملكة.

الضم سيطرح أيضا تحديا حادا في الداخل، وذلك في الوقت الذي تعيش فيه إسرائيل شرخا داخليا وتستعد لحرب عديمة الاجماع في القطاع. مثلما في احتلال غزة، فان ضم يهودا والسامرة أيضا سيجبي اثمانا استراتيجية دراماتيكية بما في ذلك احتدام التهديدات الأمنية في هذه المنطقة، كلفة معالجة السكان الفلسطينيين الذين سيضمون وكذا احتدام الاحتكاكات العنيفة التي ينفذا مستوطنون متطرفون – الميل الذي يبدو واضحا منذ الان. 

فضلا عن ذلك فان خطاب الضم يؤكد التساؤل حول الفرق المبدئي بين الليكود والصهيونية الدينية، وهما جهتان تريان في السلطة الفلسطينية عدوا. وهكذا، رغم كون الصهيونية الدينية اقلية حسب الاستطلاعات ولا يتوقع لها أن تجتاز نسبة الحسم في الانتخابات، فانها تفرض رؤياها الفكرية على عموم الدولة بشكل يغير طابعها لسنوات عديدة – بدون استفتاء شعبي وبدون مراعاة تداعيات هذه الخطوة على العلاقة مع العالم. 

ومثلما في غزة، حين لا تكون استراتيجية واعية، فان الفراغ يمتليء بالخيالات. في يهودا والسامرة يجد الامر تعبيره في احياء فكرة قديمة وفاشلة لاقامة “امارات”، تترافق وفكرة قطع منطقة الخليل عن السلطة وذلك بعد أن “اكتشف” بضعة شيوخ ادعوا بانهم مستعدون لان يقيموا في المكان “امارة” والانضمام الى اتفاقات إبراهيم. مروجو الرؤيا يهتمون اقل بحقيقة أن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين يرون في تلك الشخصيات عملاء على نمط “روابط القرى”، وبمناسبة ذلك يروجون لمغامرة مشابهة في غزة من خلال تطوير ميليشيات مشكوك في أمرها (أساسا من عشيرة أبو شباب)، التي تعرف كـ “استراتيجي مستقبلي”.

في العقدة الحالية، يبدو مرة أخرى ان الوحيد الذي بوسعه ان يقطع الدوامة الاستراتيجية التي علقت فيها إسرائيل هو ترامب. هو الذي دفع لسحب خطة الضم في 2020 مقابل اتفاقات إبراهيم، هو الذي اجبر على توقيع اتفاق النار السابق وهو الذي يسمح الان بمواصلة حرب يعارضها معظم العالم والجمهور في إسرائيل. لكن حتى الان لا توجد مؤشرات للضغط على إسرائيل – في سياق غزة او يهودا والسامرة. 

أحد أسس المفهوم الذي انهار في 7 أكتوبر كان انه يمكن الدفع قدما بالتطبيع مع العالم العربي حتى بدون الاهتمام بالفلسطينيين (الذين اتعبوا العالم منذ الان)، وانه لا توجد ضرورة لاتخاذ قرارات حاسمة في القضية الفلسطينية بل “إدارة النزاع” واستقراره بواسطة ضمادة “السلام الاقتصادي”. بعد نحو سنتين من ذلك تواصل إسرائيل التصرف في ضوء تلك السياسة إياها، ضمن أمور أخرى لان هوية أصحاب القرار لم تتغير ولم ينفذ أي تحقيق ثاقب في قصورات الماضي، فما بالك حساب النفس والجهد لاصلاح الأخطاء. العكس هو الصحيح – يعيدون تكرارها ومفاقمتها. في مثل هذا الوضع على الجمهور أن يطالب بما لا تعمل به القيادة، بما في ذلك جزء من المعارضة: بحث ثاقب ومعمق في العلاقة مع الفلسطينيين واجوبة واضحة، عديمة الشعارات الغامضة، بالنسبة للمستقبل. في هذا الموضوع دحر الى الهوامش البحث في حملات الانتخابات السابقة لكن يجب أن يقف على رأسها في المستقبل فيما يكون الجمهور ملتزما بابداء تعلم من دروس 7 أكتوبر، وعلى رأسها التشكيك العميق بكل قول من فوق.

——————————————

هآرتس 7/9/2025

وزير دفاع يحتفل بهدم أبراج غزة.. وأهالي المخطوفين: ستقتلون أبناءنا

بقلم: أسرة التحرير

الشريط المسجل الذي نشرته حماس للمخطوفين غاي جلبوع – دلال وألون أوهن يوم الجمعة، هو إشارة حياة. حياة، ليس بين “هلالين”. المخطوفون ليسوا مسألة مبسطة، هم بشر، إسرائيليون اختطفوا من منظمة إرهاب في الإخفاق الأمني الأخطر في تاريخ الدولة وهم يذوون في أنفاق غزة منذ نحو سنتين. يروي جلبوع – دلال في شريط أنه في مدينة غزة، حيث يحتجز ثمانية مخطوفين آخرين على الأقل، وإن آسريه قالوا له إنهم سيبقون في المدينة حتى لو عمل الجيش الإسرائيلي في المنطقة. المعنى واضح: إذا نفذ الجيش الإسرائيلي خطة “عربات جدعون 2” سيموت المخطوفون.

الجيش الإسرائيلي هو الآخر على وعي بذلك. وهذا ما أوضحه رئيس الأركان إيال زامير للكابنت. في الأسبوع الماضي، توجه ضباط الأسرى والمفقودين إلى عائلات المخطوفين وأبلغوهم بأن الحملة في مدينة غزة تصعد خطر إصابة المخطوفين واختفائهم، وأن الجيش الإسرائيلي لا يملك معلومات دقيقة عن مكانهم. بمعنى أن تنفيذ الخطة لن يتسبب بموت المخطوفين فقط، بل هو قرار الحكومة.

حكومة إسرائيل خانت المخطوفين مرتين؛ يوم اختطافهم، ويم إبدائها عدم اكتراث لمصيرهم، إن لم يكن أسوأ من ذلك. فهم يزعجون تحقيق “النصر المطلق” – محو غزة بسكانها.

بعد نشر الشريط، نشر مكتب رئيس الوزراء شروط وقف الحرب، وكأن نتنياهو مستعد لإنهائها فوراً، رغم أن كل سلوكه وأقواله تشهد غير ذلك. عيناب تستغاوكر أجادت في وصف الأمور كما هي: “من يريد إعادة المخطوفين لا يسير نحو احتلال القطاع وتعريضهم للخطر”. في هذه الأثناء، يتراكم الموتى في غزة. بينما يتابع العالم الجوع الجماعي. قتل الجيش الإسرائيلي في آب يومياً أكثر من 70 شخصاً بنار مباشرة، ثلثهم قرب مراكز توزيع الغذاء أو قوافل المساعدات. قضى معظمهم بحبهم في قصف الخيام، والمنازل والشوارع، والجيش يخفق في بيان ملابسات موتهم.

نتنياهو لا يترك المخطوفين وحدهم لمصيرهم، بل يجعل إسرائيل دولة منبوذة. ثمة مقاطعات وعقوبات بدأت، واتفاقات السلام في خطر، واليمين المتطرف ينشغل في أوهام الضم والأبرتهايد.

في نهاية الأسبوع، احتفل وزير الدفاع في الشبكات الاجتماعية بهدم برجين في غزة، لكن واضح أنه هدم لغرض الهدم، الذي لا تعريف له سوى أنه جريمة حرب، دون أي مساهمة للأمن أو لإنقاذ المخطوفين. يجب التوقف قبل لحظة من توسيع الحرب، يجب إنهاء هذه الحرب، وإنقاذ المخطوفين بصفقة، والانسحاب من غزة، والاستعانة بالأسرة الدولة وبالدول العربية للدفع قدماً باليوم التالي في القطاع.

——————————————

الولايات المتحدة على مفترق طرق خطير

ألون بن مئير* 2025/8/15

إذا سُمح لترامب بمواصلة التنفيذ الكامل لأجندته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المدمرة، فسوف يدمر ما تمثله أميركا ويطيح بزعامتها العالمية إلى الأبد. على كل وطني أميركي أن يتحرك الآن للدفاع عن مستقبل أميركا.

***

إننا نعيش بلا شك في زمن حرج، ربما لا يشبه أي زمن آخر في التاريخ الأميركي. ثمة رجل بلا ضمير، منغمس في ذاته، وله شهوة لا تشبع للسلطة الغاشمة، يشغل أقوى منصب في العالم، يتصرف وفق أهوائه، ويختبر باستمرار حدود سلطته. عاث في سبعة أشهر فسادا في نظامنا المحلي والدولي. وإذا لم يوقف ويجبر على الالتزام بقسمه الرئاسي لحماية الدستور والدفاع عنه الذي ينتهكه من دون عقاب، فلن يؤدي ذلك إلا إلى ترسيخ التداعيات الخطيرة العميقة، محليا وعالميا، التي يعاني منها بالفعل. ويقع العبء على عاتق الحزب الديمقراطي وأصحاب الضمائر الحية من جميع الأطياف السياسية والفلسفية للنهوض وتلبية نداء الساعة الاستثنائي.

لا يمكن فهم هذا النداء المقلق إلا في سياق حجم الأوامر التنفيذية الكارثية التي أصدرها ترامب خلال الأشهر السبعة الأولى من رئاسته. ومن الضروري معرفة أن أجنداته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تكاد تكون مبنية بالكامل على “مشروع 2025” الذي أطلقته “مؤسسة هيريتدج”، وهي مؤسسة فكرية يمينية متجذرة في المبادئ المحافظة وتهدف إلى إعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية لتتماشى مع تلك الأجندة.

قبل دخول ترامب معترك السياسة، لم يكن سوى قومي محافظ متشدد بالمطلق. ومع ذلك، يعشق أن يكون في المقدمة وفي المركز، يصدر المراسيم الديكتاتورية ويتجاهل الضوابط والتوازنات ويستغل حزبا جمهوريا خاضعا ومفلسا أخلاقيا خان البلاد وما تمثله، ليتمسك فقط بالسلطة. إنه فاسد حتى النخاع، ويتعامل مع الرئاسة كمشروع تجاري لإثراء نفسه على نطاق لا يصدق.

تدمير النسيج الاجتماعي والاقتصادي لأميركا

من المفارقات العجيبة هنا أن كل إجراء اجتماعي واقتصادي وسياسي يتخذه ترامب الذي يسعى، على حد زعمه، إلى “جعل أميركا عظيمة مجددا”، يفضي إلى نتيجة عكسية تماما. إنه يخرب أميركا داخليا ويعزلها دوليا، مدمرا حجرا حجرا، ما جعل أميركا عظيمة في المقام الأول.

لا تقدم الإجراءات التالية سوى وصف موجز لبعض من أكثر أوامره التنفيذية فظاعة من بين 186 أمرا أصدرها منذ توليه السلطة. وقد أثرت هذه الأوامر بشكل كبير على الحريات المدنية والمعايير الديمقراطية والفئات المستضعفة. وفي كثير من الحالات تتعارض الأوامر التنفيذية بشكل مباشر مع الدستور، وكثيرا ما قضت المحاكم الفيدرالية بذلك.

أصدر ترامب أمرا تنفيذيا لإنهاء حق المواطنة بالولادة للأطفال المولودين في الولايات المتحدة لأبوين غير موثقين، منتهكا بذلك التعديل الرابع عشر للدستور. كما أمر بتعليق أهلية اللجوء على الحدود الجنوبية، ومكن من الترحيل الجماعي القسري للمهاجرين من أرض المهاجرين، القلب النابض لعظمة أميركا. وقام بترحيل المهاجرين قسرا إلى السلفادور، واستأنف الممارسة اللاإنسانية المتمثلة في فصل أطفال المهاجرين عن آبائهم. وحاول إلغاء المبادرات الفيدرالية للتنوع والمساواة والشمول (DEI) مع تقليص إنفاذ الحقوق المدنية، وطالب بتسريح العمال الفيدراليين وتجميد التوظيف، وكذلك تجميد الإنفاق الذي يؤثر على البرامج الحيوية.

ضغط على الكونغرس لإقرار “مشروع القانون الضخم والجميل” الذي قدمه، والذي سيحرم الملايين من الرعاية الصحية، مما يزيد الفقراء فقرا والأغنياء ثراء. وأعلن عن سياسة اتحادية “للاعتراف بجنسين فقط”، وتقليص الحماية للأفراد المتحولين جنسيا. ومؤخرا، حاول التلاعب بخريطة الكونغرس للاحتفاظ بالسلطة قبل الإدلاء بصوت واحد في العام 2026.

كما وجه ترامب الحكومة إلى مراقبة، ومعاقبة أو سحب التمويل من شركات المحاماة والمنظمات غير الربحية التي تقدم المساعدة القانونية في قضايا التصويت والحقوق المدنية التي لا تحظى بقبول السلطة التنفيذية. واستهدف الصحفيين ووسائل الإعلام المستقلة بإجراءات تنظيمية ودعاوى قضائية وتخفيضات في التمويل، تهدف إلى تقويض حرية الصحافة وكبح المعارضة. ونشر الحرس الوطني ضد المتظاهرين السلميين، وخاصة الجماعات الطلابية، مهددا حرية التعبير وحقوق التجمع السلمي. وأرسل قوات فيدرالية إلى مدن مثل لوس أنجيلوس، والآن واشنطن العاصمة، بذريعة مكافحة الجريمة لفرض نزواته الديكتاتورية. واستخدم التمويل الفيدرالي كسلاح لإجبار الجامعات والمنظمات على الرضوخ لمطالبه، مما أدى إلى تقويض الحرية الأكاديمية والمساواة.

سياسة خارجية كارثية

يصعب تقييم الضرر الهائل الذي ألحقه ترامب بدور أميركا وقيادتها حول العالم. لم يدرك ترامب قط أن ما يجعل أميركا عظيمة ليس قوتها العسكرية فحسب، بل أيضا نفوذها غير المسبوق في القوة الناعمة. خفض ترامب جزءا كبيرا من المساعدات الفيدرالية الخارجية الأميركية، بما في ذلك تلك المخصصة لدول بعينها، وحل “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” (USAID) التي لعبت دورا حاسما في إبراز القوة الناعمة الأميركية.

وعلاوة على ذلك، خفض بشكل حاد المساعدات المخصصة للدبلوماسية الثقافية والمشاركة في المنظمات الدولية والبث الدولي، مثل “إذاعة صوت أميركا”. وانسحب من هيئات متعددة الأطراف، مثل “مجلس حقوق الإنسان” و”منظمة الصحة العالمية”، مما أضر بحقوق الإنسان والصحة العامة والتعاون العالمي. وفي المجمل، ضمن ترامب انهيار القوة الناعمة الأميركية، مما أضعف مكانة أميركا الدولية وأسهم في تراجعها.

هزت تعريفات ترامب الجمركية غير المنتظمة التجارة العالمية، مما أجبر كل شريك تجاري رئيسي على إعادة تقييم علاقاته التجارية مع الولايات المتحدة. وسوف يبحثون عن شركاء تجاريين جدد ويعززون اعتمادهم على أنفسهم، مما يجعل ترامب يدرك أن سياسته التجارية المفلسة جعلت أميركا شريكا غير موثوق به وقابلا للتخلي عنه. وقد تجاهل بسهولة إجماع الاقتصاديين على أن الرسوم الجمركية تضخمية، وأن المستهلك الأميركي سيدفع في النهاية أسعارا مبالغا فيها، وهي أسعار مرتفعة بالفعل في الوقت الحاضر.

يستمتع ترامب بتنفير أقرب حلفاء أميركا. ويلجأ إلى الترهيب بدلا من اتباع دبلوماسية هادئة ومحترمة. وقد أمر الولايات المتحدة بالانسحاب من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ بموجب مرسوم تنفيذي، متحديا بشكل صارخ الإجماع العالمي حول خطورة تغير المناخ. والأسوأ من ذلك، أنه يرفض الضغط على نتنياهو لإنهاء حرب غزة الإبادة الجماعية، مما يجعل أميركا متواطئة في موت وتجويع عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء.

الالتفاف حول قائد جديد

غالبا ما يظهر القادة في أوقات الأزمات الكبرى، ونحن الآن في خضم أزمة غير مسبوقة. يحتاج الديمقراطيون بشدة إلى قادة جدد، شباب نسبيا، وواضحين، يلتف حولهم الحزب. يبدو أن قادة مثل حاكم كاليفورنيا، نيوسوم، على قدر التحدي. يجب عليه وعلى العديد من الديمقراطيين الآخرين من أمثاله ألا يدخروا جهدا لتوعية الرأي العام الأميركي بالخطر الذي يواجه أميركا إذا لم تُقص شوكة ترامب بتغيير في مجلس النواب، وفي أحسن الأحوال، مجلس الشيوخ، في انتخابات التجديد النصفي المقبلة.

صياغة أجندة اجتماعية واقتصادية ملزمة

يواجه الحزب الديمقراطي الآن اختبارا حيويا لتقدير أهمية بقائه على قيد الحياة. يجب عليه الآن طرح أجندة اجتماعية واقتصادية وسياسية ملزمة تعكس احتياجات وتطلعات من تخلوا عن الحزب. ستكون انتخابات التجديد النصفي مسألة حياة أو موت بالنسبة للديمقراطيين. وليس لديهم دقيقة واحدة ليضيعوها. يجب عليهم تجنيد المجتمع المدني والجماعات الدينية واستقطاب جيل جديد من الديمقراطيين الشباب، المختلفين والمتنوعين، المتحمسين لإحداث تغيير حقيقي. وإذا فشلوا في تحقيق الأغلبية في الكونغرس، فإن الكارثة التي تسبب بها ترامب بالفعل خلال الأشهر السبعة الأولى من ولايته ستتضاءل مقارنة بالضرر الذي سيلحقه خلال الأشهر الواحد والأربعين المقبلة من رئاسته.

تنظيم احتجاجات سلمية حاشدة

في الوقت الذي يعيد فيه الحزب الديمقراطي تنظيم صفوفه، عليه أن يبني على غضب الجمهور الذي احتج بعشرات الآلاف في جميع أنحاء البلاد ضد الهجوم السياسي لترامب. لن يكون هناك ما هو أقوى وأكثر فعالية لإجبار ترامب على التراجع من الاحتجاجات السلمية التي يتدفق فيها الملايين بلا هوادة إلى شوارع كل مدينة رئيسية يوما بعد آخر، موجهين رسالة واضحة وصادقة إلى ترامب:

أميركا ملك لجميع الأميركيين، وليست للأقلية الفاسدة التي تتخفى وراء الشعار الزائف “جعل أميركا عظيمة من جديد”، بينما يمزقون أميركا ويسمحون لمجرم بتدمير ما جعل أميركا، أميركا -أعظم تجربة سياسية في تاريخ البشرية.

على كل وطني أميركي -ديمقراطي، جمهوري، ومستقل- واجب مقدس في تذكير ترامب بأن انتهاك قسمه الرئاسي هو جريمة لم يعد بإمكانه ارتكابها بلا عواقب.

*ألون بن مئير Alon Ben-Meir: أكاديمي وكاتب ومحلل سياسي إسرائيلي-أميركي، ولد في العراق لأسرة يهودية وانتقل إلى إسرائيل في شبابه قبل أن يستقر لاحقا في الولايات المتحدة. يشتهر بكتاباته وتحليلاته المتعلقة بسياسات الشرق الأوسط، وخاصة الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث يدعو إلى تسوية سلمية تقوم على حل الدولتين. عمل أستاذا للعلاقات الدولية في مركز الشؤون الدولية بجامعة نيويورك، وشارك في محاضرات وندوات دولية تناولت قضايا الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان والدبلوماسية. نشر مقالاته في صحف ومجلات دولية، ويعرف بأسلوبه النقدي تجاه السياسات الإسرائيلية التي يراها معرقلة للسلام، مع تركيزه على الحوار والتفاهم بين الشعوب كسبيل لإنهاء النزاعات.

—————–انتهت النشرة—————–

Share This Article