المسار : في مشهد يعكس حجم الضغوط المتصاعدة على موريتانيا باعتبارها إحدى أهم بوابات العبور نحو أوروبا انطلاقاً من دول إفريقيا، كشفت السلطات عن اعتراض أكثر من 30 ألف مهاجر خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، وتفكيك 88 شبكة لتهريب البشر.
ودفعت هذه الأرقام غير المسبوقة بموريتانيا إلى صدارة النقاش الأوروبي والإفريقي حول الهجرة غير النظامية، وفتحت الباب أمام تساؤلات ملحّة عن الكلفة الأمنية والإنسانية لمطاردة قوارب الموت.
ويشهد الملف الموريتاني الأوروبي للهجرة غير النظامية هذه الأيام تطورات لافتة أثارت قلق العواصم الأوروبية، بعد إعلان الشرطة الموريتانية عن وتفكيك 88 شبكة تهريب كانت تنشط في نقل المهاجرين نحو جزر الكناري عبر قوارب الموت.
وحسب إحصائيات أوروبية مدعومة ببيانات موريتانية فقد تم، بين يناير وأبريل 2025، ضبط أكثر من 30 ألف مهاجر غير نظامي كانوا يسعون للوصول إلى الأراضي الإسبانية.
وأكدت الشرطة الموريتانية في بيان نشرته على صفحتها الرسمية، إنها فككت يوم 24 سبتمبر الجاري، شبكة جديدة يقودها ثلاثة أشخاص، بينهم اثنان موريتانيان؛ كما أوقفت 15 مهاجرًا من جنسيات إفريقية مختلفة كانوا يقيمون في أحد منازل العاصمة نواكشوط بانتظار الإبحار نحو أوروبا. وأضاف البيان أن الموقوفين اعترفوا بتحصيل نحو 18 مليون أوقية (ما يعادل 385 ألف يورو) من نشاطهم غير المشروع، كما تمت مصادرة سترات نجاة ومواد غذائية مخزنة لإعداد رحلات الهجرة.
وتشير تقارير إعلامية أوروبية إلى أن موجة الاعتقالات والعمليات الأمنية المكثفة التي تنفذها موريتانيا منذ بداية العام، تنسجم مع اتفاقية الشراكة الموقعة مع بروكسل في مارس 2024، والتي خصص لها الاتحاد الأوروبي تمويلًا قدره 210 ملايين يورو لتعزيز مراقبة الحدود، وبناء مراكز احتجاز، وتفكيك شبكات التهريب.
لكن هذه السياسة أثارت انتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية، من بينها هيومن رايتس ووتش التي اتهمت موريتانيا في تقريرها الأخير بارتكاب «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان» بحق المهاجرين وطالبي اللجوء، مشيرة إلى حالات «اعتقالات تعسفية، واحتجاز مطول في ظروف صعبة، وترحيل جماعي». كما دعا المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق المهاجرين، خلال زيارته لنواكشوط في سبتمبر، إلى «الالتزام بالمعايير الدولية واحترام حقوق النساء والأطفال المهاجرين».
لكن وزارة الداخلية الموريتانية ردت على هذه الاتهامات ببيان شديد اللهجة، أعربت فيه عن «الأسف العميق» لما اعتبرته «مزاعم غير دقيقة، وافتقاراً للموضوعية والتحقيق الشفاف» في تقرير المنظمة الحقوقية، مؤكدة أن موريتانيا «تطبق إطارًا قانونيًا متوافقًا مع القوانين الدولية»، وأنها أنشأت خمسة مراكز استقبال مؤقتة للمهاجرين، بينها مركز خاص بالنساء، فضلًا عن تجهيز مراكز جديدة ستدخل الخدمة نهاية أيلول/سبتمبر 2025.
وشدد البيان على أن هذه المراكز «مفتوحة أمام زيارات السفراء والوزراء والهيئات الوطنية»، وأنها مجهزة بمياه صالحة للشرب، وكهرباء، ومرافق صحية، وسيارات إسعاف، وحافلات مكيّفة، إضافة إلى أنظمة رقمية متطورة لتدقيق الهويات وضمان عدم ترحيل أي شخص في وضع قانوني؛ كما أكدت الداخلية أن السلطات «أنقذت آلاف المهاجرين من الغرق في عرض البحر، ودفنت نحو تسعمائة جثة لفظها المحيط».
وترى نواكشوط أن الهجرة غير النظامية تمثل تحديًا عالميًا لا يمكن لأي دولة أن تواجهه بمفردها، داعيةً المنظمات الحقوقية إلى «الاعتراف بالجهود الكبيرة» التي تبذلها موريتانيا، خصوصًا أنها تستضيف منذ 1991 مخيم «امبره» الذي يضم أكثر من 153 ألف لاجئ مالي.
وفي وقت يتزايد فيه الضغط الأوروبي لتشديد الرقابة على السواحل الموريتانية، يتواصل الجدل حول كلفة هذه الشراكة على صورة البلاد الحقوقية؛ بين من يراها «تعاونًا أمنيًا مشروعًا» ومن يعتبرها «تسليمًا للسيادة الوطنية مقابل تمويل خارجي».
وبينما تؤكد الحكومة الموريتانية أنها توازن بين التزاماتها الإنسانية ومتطلبات شراكاتها الأمنية مع الاتحاد الأوروبي، تتواصل الانتقادات الحقوقية التي ترى في هذه السياسات انتهاكًا لحقوق المهاجرين وتعزيزًا لصورة «الحارس الحدودي» لصالح أوروبا.
هكذا يبقى ملف الهجرة في موريتانيا عقدةً معقدة يتقاطع فيها البعد الأمني مع الاعتبارات الإنسانية، ويكشف عن معادلة صعبة، لا مناص من أن تحدد ملامح علاقة نواكشوط بجوارها الأوروبي والإفريقي في السنوات القادمة.