الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 3/10/2025

بدلا من النقاش حول اليوم التالي في غزة، الخبراء يتناولون اليوم التالي لنتنياهو

بقلم: ايلانا هيمرمان

“اليوم نجوت، وأمس نجوت أيضا، لكني لا اعرف اذا كنت في الغد سأنجو”، كتب مؤخرا يسري الغول، الذي يوثق الموت والحياة في غزة، مدينته الموجودة تحت القصف الذي يستهدف تدميرها. “ذهبت الى بيتنا من اجل جمع الأغراض التي تركتها زوجتي هناك. بالقرب مني سقطت قذيفة اطلقها جندي لم يرني ولا يعرف اسمي، وكأننا فقط ظل على هذه الأرض الملطخة بالدماء. ركضت في الازقة الضيقة بحثا عن طريق للحياة بعيدا عن شظايا الموت.

“في هذه الاثناء ادركت انني لست وحدي. لا، مثلي خرج مئات وآلاف، خرجوا ولم يعودوا. لقد جاءوا لأخذ وحمل معهم بقايا من بيوتهم، والشوارع والازقة اخذوها وحملوها معهم. الحياة هنا هي امر صدفي. أنت تنجو بالصدفة أو تقتل بالصدفة. الجندي الذي يضغط على الزناد أو يوجه الطائرة الموجودة في السماء لا يرى وجهي ولا يعرف مكانتي في المجتمع، هو يعتبرني فقط هدف، هدف متحرك. ولكن نحن جميعنا، كل واحد منا، اشخاص يرتجفون، توجد لنا أسماء واحلام واولاد ينتظرون المياه أو رغيف خبز أو عناق دافيء يحميهم. “هذا المكان،  غزة، يُعرّف من جديد الموت يوميا، ويُعرّف من جديد أيضا الصمت”.

هكذا في غزة المدينة وفي كل القطاع: منذ سنتين إسرائيل “تعمل” هناك، وكل يوم من هذا التدريب البري (الذي يعني التدريب على القتال) يُعرف السكان من جديد معنى الموت، وكل المجتمع الإسرائيلي والعالم كله معنى الصمت. الآن، في خضم الأيام التي فيها مهمة القتل والتدمير في غزة تصل الى رقم قياسي شيطاني جديد، هنا في القدس حدث شيء غريب: في قاعة النقاشات الفاخرة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في حي الطالبية، عرف “كبار الخبراء في العالم، الذين جاءوا لاجراء نقاشات سرية من اجل الاستعداد لليوم التالي”، هذا حسب مقال نشر قبل فترة قصيرة في “ملحق هآرتس” في 19/9، لماذا؟ “لليوم التالي لنتنياهو”. هذه هي القضية التي وقفت في مركز النقاشات هناك حسب مقال ايتي مشيح. وللتفصيل: “كيف يعيدون اعمار دولة بعد ان قام النظام بزرع الدمار في كل زاوية جيدة فيها؟”.

نفس هذا اللقاء بين هؤلاء الأشخاص المقدرين، عقد لسبب ما بسرية. لولا هذا المقال الطويل، المتعاطف في أساسه، الذي خصصه لهذا اللقاء لسبب ما صحافي من الصف الأول، لم اكن لاعرف عنه، وأيضا لم يكن ليهمني عدم معرفة ذلك. ولكن عندما عرفت مضمونه اصبح الامر يهمني جدا، لان هذا اللقاء مثل بشكل مخلص ما اشغل الجمهور في المعسكر الليبرالي في إسرائيل، الذي هو أيضا كان يجب عليه قبل أي شيء مناقشة موضوع إزاحة نتنياهو في الانتخابات القادمة. هكذا فان الخبراء مثل المدنيين يُعرفون كل يوم من جديد الصمت في إسرائيل على خلفية ما يحدث في غزة.

هذا امر لا يصدق. دولة تسمي نفسها يهودية ترسل جيشها الى حرب انتقام دموية، تصل الى درجة الإبادة الجماعية. جنودها يخربون ويدمرون كليا منطقة من البلاد ماهولة باكتظاظ بأكثر من مليوني انسان. هي تقتل عشرات الآلاف منهم، وتصيب وتجوع مئات الآلاف، وخلال ذلك تخرق مواثيق وقوانين دولية، التي جاءت الى العالم بدرجة كبيرة في اعقاب القتل البربري في أوروبا لملايين اليهود وتدمير ثقافتهم وعالمهم، هؤلاء مثل أولئك، خبراء ومدنيون، يستعدون ليس “لليوم التالي” لقناع الفظائع في غزة، بل لليوم “التالي لنتنياهو”، ليس ليوم محاسبة النفس بل “لاعادة ترميم سلطة القانون في إسرائيل”.

“اذا كانت البورصة أصبحت مستعدة لليوم التالي فلماذا لا يستعد حماة الديمقراطية؟”، تساءل مشيح بشكل بلاغي كما يبدو (مع بعض الاستهزاء). في الحقيقة لم لا؟ في نهاية المطاف من غير المستبعد أنه في “اليوم التالي” سنستيقظ جميعنا تقريبا على عالم جيد: “وضع فيه المعارضة أيضا منتصرة، وكذلك تنجح في تشكيل ائتلاف ليبرالي، وتقرر مواجهة بشجاعة الانسحاب الديمقراطي الذي حدث هنا”. عندها في الواقع ستكون هناك أيضا عوائق، لانه الان توجد تعيينات إشكالية مثل تعيين مفتش الخدمة العامة وتعيين رئيس الشباك، “الذين سيكون بإمكانهم تقييد الحكومة القادمة… وهناك أيضا تغييرات لا يمكن التراجع عنها على الأرض مثل ما يحدث في المناطق”، يقول الخبراء ويقترحون طريقة لابعاد هذه العقبات، وخلال ذلك يتناولون باسهاب موضوع “التعيينات الإشكالية”.         

هل تعمقوا أيضا في القضية التي تسمى “ماذا يحدث في المناطق”؟، ليس فقط في غزة التي انفصلت إسرائيل عنها كما يبدو وحبستها بين الجدران والاسوار والحواجز – بل في الضفة الغربية؟. مثلا، المذابح التي ارتكبها يهود برعاية جيش اليهود، والطرد الجماعي للسكان من بيوتهم في مخيمات اللاجئين؟. هذا الامر لم تتم معرفته من المقال. على أي حال، الخبراء يؤمنون بانه توجد أدوات للتعامل مع العقبات الأخرى. مثلا، إعادة توظيف اشخاص في منظمات معينة، التي حدث فيها فساد.

“الآن”، قال خبير من بين المقدرين الذين اجتمعوا في القاعة الفاخرة. “يئير غولان يجب عليه الإعلان بانه يريد وزارة الامن الداخلي، وانه سيحاسب الضباط الذين نفذوا أوامر بن غفير، واستغلوا صلاحيات الشرطة بشكل معيب”. وكان العائق المهم الذي يقف امام إعادة ترميم سلطة القانون في دولة إسرائيل في “اليوم التالي” هو أجهزة معينة “حدث فيها افساد”. وضباط شرطة استخدموا الصلاحيات الشرطية “بشكل معيب”. هذه ليست الأوامر غير القانونية الواضحة التي أعطيت لجنود الجيش الإسرائيلي، وهم ينفذونها بخضوع، وحتى انهم مستعدون للتضحية بحياتهم الشابة من اجلها – تدمير وتسوية وقتل وقصف عشوائي للناس، النساء والشيوخ والأطفال الذين يبحثون عبثا عن مأوى بين انقاض بيوتهم، أو يهربون بخوف للبحث عن ملجأ في الازقة، حيث لم يبق أي مبنى مغطى تحت قبة السماء التي تطلق منها الطائرات القتالية المتقدمة والطائرات بدون طيار أسلحتها القاتلة صبح مساء.

ما اقلق مع ذلك الخبراء في ذلك اللقاء، رغم احتمالية ان تنتصر المعارضة في الانتخابات، ليس انه في الائتلاف الذي سيتشكل في حينه من بينيت وليبرمان ولبيد وغانتس وحتى يئير غولان (بدون الأحزاب العربية)، أو حتى حزب واحد يقترح بديل حقيقي للنزاع الدموي الذي أدى أيضا الى جرائم حماس في 7 أكتوبر، وحرب التدمير ضد كل قطاع غزة، بل ما اقلقهم هو التوجهات المناوئة للديمقراطية داخل المجتمع الإسرائيلي: “ماذا سيفعلون مع حقيقة انه توجد الان مجموعات في المجتمع مثل الحريديم القوميين، غير الملتزمين بقيم وثيقة الاستقلال؟”، هكذا تم طرح السؤال هناك. وكأنه حتى مجيء “الحريديم القوميين” احترمت دولة إسرائيل هذه القيم. هل في الواقع كل “القانونيين والخبراء الدوليين الكبار” لا يعرفون أنه في إسرائيل منذ اقامتها تم وضع أنظمة وتم سن ويستمر سن قوانين هدفها هو اجتثاث الالتزامات السامية التي تمت صياغتها في هذه الوثيقة؟. هكذا خلال سنوات وجودها، بدءا باستخدام “تعليمات الدفاع (في حالة الطوارئ)” الانتدابية التي تبناها القضاء في إسرائيل، وبقوتها فرض على الفور على العرب مواطني إسرائيل حكم عسكري استمر تقريبا لعشرين سنة (من 1948 حتى 1966)، ومرورا بسن قوانين الأراضي على اشكالها، التي خصصت الأراضي لليهود فقط، وانتهاء بالقانون الذي يسمى “قانون الأساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي” (2018)، والقوانين المخيفة الكثيرة التي تم سنها في الوقت الحالي.

صحيح ان إسرائيل هي بالتأكيد “دولة قانون”، دولة هي حسب القانون لم تكن ولن تكون فيها في أي يوم “مساواة كاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لكل مواطنيها بدون تمييز في الدين، العرق والجنس”، أيضا وليس “حرية عبادة، ضمير، لغة، تعليم وثقافة”. كل واقعها هو التمييز ضد مواطنيها غير اليهود، وفرض الدين أيضا على مواطنيها اليهود – وتصمم على أسس تعارض القيم السامية المذكورة في اعلان الاستقلال، وتتعارض مع مباديء الديمقراطية أيضا. في الواقع كان لا مفر من البدء من الصفر لاستعادة الديمقراطية في إسرائيل، بل وترسيخها.

مع ذلك، لو انه كان ما زال يمكن النضال بطريقة ما من اجل انجاز هذه المهمة الجسيمة في إسرائيل التي تزخر بالعديد من المنظمات الشجاعة من اجل حقوق الانسان، فان جريمة الإبادة الجماعية ترتكبها دولة الشعب الذي كان ابناؤه وبناته ضحايا إبادة جماعية لا يمكن إصلاحها، سواء أخلاقيا أو عمليا على الأرجح. هذه هي القضية التي يجب طرحها على جدول الاعمال الآن وفي المستقبل.

مع ذلك، مثلما صرف المنقذون الاكاديميون، من إسرائيل ومن الخارج الذين اجتمعوا في القدس، الانتباه عنها، أيضا غاب الوعي عن هذه القضية الجوهرية والرغبة في علاجها الى درجة كبيرة عن الخطاب العام في إسرائيل.

في نهاية الثمانينيات تمت استضافتي عدة مرات في غزة. ومن بين الأشخاص الرائعين حقا الذين عرفتهم هناك وأصبحت لي صداقة معهم، غازي أبو جياب. في صباه قضى 15 سنة في السجون في إسرائيل، وعندما كبر اصبح شخص يحب السلام. برفقته تعرفت في غزة على يساريين آخرين، من بينهم زعيمهم المثير للانطباع حيدر عبد الشافي، ومعا تعلقنا بشكل ما بالامل في السلام.

في تلك الفترة دولة إسرائيل تعهدت ضدهم حركة حماس، التي كانت ما تزال في مهدها، ومثلت اقلية ضئيلة في القطاع. بدون دعم إسرائيل – الذي كما هو معروف لنا جميعا لم ينته هناك – كان من شبه المؤكد ان الحركة لن تنمو وتتعزز بهذه الصورة. وبعد ان استولت حماس على السلطة في القطاع اضطر غازي الى الهرب هو وعائلته الى المنفى خوفا من ملاحقة السلطة الدينية المتعصبة الجديدة. وقد استمر في الامل بالسلام، وبعد ذلك اصبح شريكا في “منتدى التفكير الإقليمي” التابع لمعهد فان لير الإسرائيلي، ومقالاته تنشر سواء من قبل المنتدى أو في الصحف الإسرائيلية. وهاكم ما كتبه في الفترة الحالية:

“عشرون سنة من حكم الحكومات اليمينية في إسرائيل وسياسة إدارة النزاع هي التي أوصلت المنطقة الى الازمة الأكثر عمقا في تاريخ النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. لا شك ان احداث 7 أكتوبر هزت المجتمع الإسرائيلي وادت الى صدمة عميقة. وفي نفس الوقت المجتمع الفلسطيني لم يتخيل في كوابيسه الأسوأ بان إسرائيل، رغم الفظائع التي حدثت في بلدات غلاف غزة، ستشن حرب بربرية في المقابل، وتتوقع نزع الإنسانية المطلق عن سكان غزة الذين يتم وصفهم على الاغلب بحيوانات بشرية، مسموح بل ويجب محوها. هذا هو الخط الذي يفصل بين إسرائيل امس، التي الكثير من سكانها ايدوا اتفاقات السلام مع الفلسطينيين، وبين إسرائيل اليوم، التي توقفت عن رؤية الفلسطينيين كبشر.

“حسب معرفتي بسكان غزة كابن لهذا المكان، يمكنني الشهادة بان لا احد يقدر ان معظم المجتمع في إسرائيل سيتوحد على هدف واحد وهو تسوية غزة بالأرض والقتل الجماعي ومنع ادخال المساعدات الإنسانية. معظم سكان غزة البالغين يتساءلون: هل هؤلاء هم اليهود الذين عرفناهم ذات يوم وصدقنا أنه سنتوصل معهم الى سلام؟ هؤلاء السكان عرفوا اليهود في إسرائيل في مناسبات وأماكن كثيرة. حتى لو أنه لا يمكن تصور ذلك الان، كانت فترة فيها نظرة الأغلبية في المجتمعين تميزت بالتسامح والاستعداد للتعايش بسلام معا، الواحد الى جانب الآخر”، (“محادثة محلية”، 2/7).

غزة، التي يكتب عنها غازي أبو جياب، غير معروفة للخبراء الذين اجتمعوا من اجل الاستعداد لـ “اليوم التالي لنتنياهو”، ومن المؤكد انه في هذه المرحلة هي لا تعنيهم بشكل خاص، سواء هم أو معظم الجمهور في البلاد. معظم المجتمع الإسرائيلي يؤيد الحرب، ومحاسبة النفس لا توجد على رأس أولوياته. على اقل تقدير، ليس الآن وليس في “اليوم التالي”.

مع ذلك، الاقوال التي قالها للاجمال البروفيسور توم غينسبورغ، احد المشاركين في اللقاء في القدس، “في وقت ما المجتمع الإسرائيلي سيتعين عليه مواجهة الفظائع في غزة. هذه صدمة لا يمكن الهرب منها”. وأضاف مشيح لذلك: “ربما من هناك ستبدأ إعادة الترميم”. وانهى هكذا المقال بنغمة تفاؤل. ولكن دولة إسرائيل اليهودية كما هي، لا يوجد لها ترميم آخر. حتى على انقاضها الأخلاقية – التي الرياح التي تهب الان في الرأي العام العالمي تعطي الأساس لافتراض انها لن تكون أخلاقية فقط – يجب ان تقوم دولة مختلفة. هذا هو الموضوع الذي سيقف على اجندة “اليوم التالي” لمن يحبون الحياة في اوساطنا والذين سيبقون هنا.

——————————————

هآرتس 3/10/2025

مع “فصليها العالقين”.. كيف ستشعل خطة ترامب ميدان المعركة السياسية في المنطقة؟

بقلم: تسفي برئيل 

رئيس بلدية خانيونس، علاء البطة، وهو رجل حمساوي بارز، خرج في يوم الثلاثاء بمبادرة استثنائية. فعلى صفحته في الفيس بوك دعا قيادة حماس وكل الفصائل الفلسطينية الى “عقد لقاء افتراضي والموافقة الفورية على الخطة”، وتشكيل وفد لاجراء مفاوضات، يضم ممثلين من مصر والسعودية وقطر وتركيا وممثلي السلطة الفلسطينية. هذا الوفد سيجري مفاوضات حول نقاط الخلاف سعيا لتحسين بعضها والحصول على الضمانات اللازمة ووضع جدول زمني وتحديد المناطق التي ستنسحب منها إسرائيل. وهناك تجديد مثير للاهتمام في دعوته العلنية، التي لاقت فعليا انتقادات لاذعة في الانترنت: “اذا وجدت صعوبة (في الحصول على اتفاق كهذا) فانه يجب على حماس الإعلان تسليم ملف غزة بالكامل الى لجنة عربية – إسلامية برئاسة مصر والسعودية، وأن حماس ملتزمة بتنفيذ كل قرارات هذه اللجنة”.

على ذلك رد المتصفح نائل بركة: “أين كنت في بداية الحرب كي تاتي الآن لتقدم لنا هذه النصائح… نصيحتك للأسف الشديد جاءت متاخرة جدا، لان غزة انتهت”.

مشكوك فيه ان حماس، التي في الواقع أعلنت بان ردها على خطة ترامب سيقدم بعد التشاور مع الفصائل الأخرى، ستتبنى اقتراح البطة. وفي هذه الاثناء، موعد الإنذار النهائي الذي أعطاه الرئيس الأمريكي لحماس للرد على الـ 20 نقطة، على وشك الانتهاء، ورد حماس لم يات بعد، والتلميحات المتناقضة التي تقتبس من المتحدثين باسم حماس تتراوح بين التعامل “بصورة متعاطفة” وبين اعتبار الخطة “احتلال استعماري جديد” لغزة على يد دول اجنبية. حسب التقارير عن مشاورات حماس في الدوحة مع ممثلين كبار من مصر وقطر وتركيا، الى جانب محادثات ترامب ومساعديه مع رؤساء هذه الدول، يبدو انه بالأساس تم التوصل الى اتفاق على ان الخطة بحاجة الى بضعة أيام أخرى، التي فيها ستجرى مفاوضات حول بعض تفاصيلها. مصدر دبلوماسي عربي قال للصحيفة بانه “أيضا في واشنطن يعرفون ان الخطة تحتاج الى عدد من التعديلات بعد ان أوضح رئيس حكومة قطر محمد آل ثاني بان الخطة تقتضي المزيد من النقاشات حول تفاصيلها، وعمليا تحدث عنها كما يتحدث عن “خطة مباديء” التي ما زالت غير ناضجة للتطبيق”.

حسب نفس هذا المصدر فان الخلافات والتحفظات “موجودة في رزمتين. الأولى تتعلق بالمرحلة الأولى في الخطة التي تحتاج الى توضيحات دقيقة حول عمق انسحاب إسرائيل ومراحل الانسحابات القادمة والجداول الزمنية لتنفيذها وتفسيرات فعلية لطلب نزع سلاح حماس. الثانية تتعلق بقضية السيطرة التي ستكون في غزة في كل مرحلة من مراحل انسحاب إسرائيل وبعد استكمالها”. فوق الرزمتين ما زالت تحلق قضية الضمانات والتعهدات التي تطلبها حماس من الولايات المتحدة لتنفيذ الخطة، لا سيما البند المتعلق بالوقف المطلق للحرب. حسب محادثات مع جهات في السلطة الفلسطينية والأردن وتركيا يبدو انه لن يكون مناص من مناقشة فصلين في خطة ترامب – مرحلة وقف الحرب ومرحلة الإدارة المدنية – بدون ربط تنفيذ احدهما بالاخر. “الجهد الأساسي الان ينصب على صياغة تعديلات قابلة للموافقة عليها، أو تعزيز صياغات قائمة تتعلق بالمرحلة الفورية لوقف اطلاق النار”، قال للصحيفة مصدر سياسي اردني. وحسب أقواله فانه في كل ما يتعلق بخطة “اليوم التالي” توجد خلافات، ليس فقط في داخل حماس نفسها، وبين حماس ودول الوساطة – بل أيضا بين الدول التي يمكن ان تكون مشاركة في تنفيذ الخطة.

مثال على هذا الخلاف يسمع من وزير خارجية مصر بدر العاطي. اول امس قال ان موقف مصر هو ان “إدارة قطاع غزة ستكون تحت المسؤولية الفلسطينية، بدون تدخل خارجي مباشر في الشؤون الداخلية للقطاع”. وحسب قوله فان مصر تعتبر دورها “عامل داعم” وليس كجزء من جهة إدارية، ولا تعارض نشر قوة عسكرية متعددة الجنسيات في القطاع “من اجل مساعدة النظام الفلسطيني على تجسيد دولته”. هذا الموقف لا يتساوق تماما مع المباديء التي توجه خطة إقامة “السلطة الانتقالية الدولية لغزة” (جي.آي.تي.ايه)، المعروفة باسم “خطة بلير”، التي بحسبها مجلس المدراء لهذه السلطة، الذي سيكون فيه “على الأقل فلسطيني واحد” (وغير ملزمة بأكثر من ذلك)، سيكون “صاحب الصلاحية الاستراتيجية والسياسية العليا للتقرير في شؤون القطاع”. حسب الهيكلية المقترحة لهذه السلطة، في الواقع حماس لن تكون جزء من أجهزة الإدارة المدنية، لكن أيضا سيحتفظ للسلطة الفلسطينية فقط بدور هامشي في تقرير السياسات.

اقوال وزير خارجية مصر تعكس الموقف العربي – العام الذي تم الاتفاق عليه في لجنة القمة العربية – الإسلامية في الشهر الماضي، لكن مصر لا تنوي ان تكون فقط “قوة داعمة” في الإدارة الفلسطينية التي ستقوم في غزة. لانه مع تطبيق المرحلة الأولى للخطة فان النية هي ان معبر رفح سيفتح امام حركة البضائع والأشخاص ضمن الشروط التي حددت في اتفاق وقف اطلاق النار الذي وقع عليه في كانون الثاني الماضي، وان توزيع المساعدات سينفذ من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير المرتبطة بأي طرف من الطرفين. المعنى هو ان مصر ستكون العامل المسيطر على ادخال المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة، وتستطيع ان تستخدم هذه الصلاحية لترسيخ صلاحياتها ونفوذها السياسي في القطاع مثلما فعلت في السابق.

ولكن على عكس “الاحتكار” الذي تمتعت به مصر على المعبر قبل الحرب، الذي استمر جزئيا حتى سيطرت إسرائيل عليه، فانه سيطلب من مصر تنسيق نشاطاتها مع الآلية الدولية الجديدة. ورغم وجود ممثل رفيع المستوى، ربما الملياردير نجيب سويرس، الا انها ستواجه جهات أخرى لها مصالح، خاصة الدول العربية المانحة. ورغم دعمهم الساحق لخطة ترامب الا انه يتوقع ان تشعل ترجمتها العملية على ارض الواقع خلافات جدية، منها الاتفاق على هوية كبار المسؤولين وصلاحيات المفاوضين الذين سيتم تعيينهم للتعامل مع مسائل معينة مثل التشريع والامن والموافقة على قائمة المقاولين الذين سينفذون خطط إعادة الاعمار.

ليس من نافل القول التذكير بانه حسب الخطة التي عرضتها مصر لادارة القطاع في شهر آذار الماضي، التي أجزاء منها وضعت في خطة ترامب، فان مبلغ إعادة الاعمار المطلوب في غزة قدر في حينه بـ 53 مليار دولار. التقدير الان ازداد بعشرة مليارات دولار. الأموال لن تاتي من صندوق القاهرة الهش. السعودية، اتحاد الامارات وقطر هي التي يتوقع ان تكون الدول الداعمة الرئيسية، وستنضم اليها بنطاق اصغر أيضا تركيا واندونيسيا ودول الاتحاد الأوروبي. الان الأموال حتى غير موجودة على الورق. ومصر تخطط لعقد مؤتمر دول للدول المانحة بعد دخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ والمرحلة الأولى من خطة ترامب تنطلق. ولكن اذا اجتازت الخطة مرحلة المصادقة فعندها سيكون للاموال دور سياسي رئيسي.

في اللحظة التي ستنطلق فيها حملة إعادة الاعمار سيتم فتح المنافسة على السيطرة في غزة. حسب طبيعة المنافسة المتوقعة فانه يمكننا التاثر من سابقة سوريا – حيث أيضا على الرئيس احمد الشرع تم اغداق الوعود بمليارات الدولارات من الدول التي يتوقع ان تساهم في إعادة اعمار غزة. الأموال الطائلة حتى الان لم تصل الى دمشق، ولكن كل دولار يحتمل ان يكون مقرون ببطاقة ثمن سياسي يحدد الى أين تتجه سوريا. أيضا لبنان ينتظر بتاهب وتخوف رؤية كيف ستؤثر “الطفرة” المخطط لها في غزة على احتمالية حصوله على المساعدات لاعادة اعماره. قيادته تتساءل اين هو يقف في سلم الأولويات للدول المانحة، وهل ستبقى أموال ودافعية لمساعدته بعد سوريا وغزة.

الاضرار والخسائر التي لحقت بلبنان تقدر بـ 13 مليار دولار – نصفها بسبب اضرار مباشرة لحقت بالبنى التحتية العامة والمباني السكنية، والباقي بسبب الاضرار بالاقتصاد في اعقاب فقدان المداخيل. ومثل السلطة الفلسطينية وسوريا، أيضا لبنان يجب عليه اجراء إصلاحات عميقة كثيرة، ترتبط باتفاق سياسي واسع، قبل ان يحصل على المساعدات. جميعها أيضا يجب عليها اجتياز حقل الغام متفجر ونزع سلاح التنظيمات غير الحكومية – حزب الله في لبنان، المليشيات الإسلامية، الأقلية الكردية، الأقلية الدرزية في سوريا، حماس في غزة – في اطار رزمة الشروط. سوريا، لبنان وفلسطين، هي الفضاء الجديد الذي فيه يمكن للدول المانحة، لا سيما دول الخليج – اكثر من أمريكا أو إسرائيل – التاثير على النتائج السياسية التي ستميز “الشرق الأوسط الجديد”. على ذلك يتوقع حتى الآن حدوث صراع أيديولوجي واستراتيجي صارخ.

هنا يكمن الخطر الذي يهدد خطة ترامب: من الآن الأطراف ستبدأ في التصادم حول تفاصيل بنية “اليوم التالي”، وستربط تنفيذ المرحلة الأولى التي هي أيضا لم يتم اغلاقها بعد، بالموافقة على الخطة النهائية الضبابية. ولكن حتى فصل المفاوضات على جزئي الخطة لا يضمن النجاح، حيث ان الحلقة بينهما لا تتعلق فقط بمكانة حماس، بل أيضا بمكانة السلطة الفلسطينية وم.ت.ف وطبيعة العلاقة بين الضفة والقطاع. “نحن لا نستطيع الان تحميل على خطة ترامب كل تاريخ فلسطين، وان نحل بواسطتها قضايا التي خلال عشرات السنين لم ننجح في الاتفاق عليها”، قال للصحيفة مصدر رفيع في السلطة الفلسطينية. وهو يعترف انه حتى الان لا توجد للسلطة أداة ضغط أو مكانة تمكنها من وضع الشروط. “في نهاية المطاف كل هذه العملية تمت من وراء ظهر السلطة. فقط بفضل موقف السعودية الحازم ونجاح مبادرتها في اثارة موجة اعتراف دولية جارفة بدولة فلسطين، نجحت السلطة في الحصول على مكانة ضيف في الخطة الامريكية. هذه هي فرصتنا لتوحيد جزئي فلسطين تحت قيادة واحدة. لا يوجد أي تأكيد على انه ستكون هناك فرصة كهذه”.

——————————————

القناة 12 العبرية 3/10/2025

الهجوم الفاشل على قطر أفضى إلى خطة ترامب لإنهاء الحرب

بقلم: باراك رافيد

الصورة الكاملة

*وحّد الهجوم الإسرائيلي غضب القادة العرب على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وزاد من الدعوات في إسرائيل وحول العالم للتوصل إلى اتفاق لتحرير الرهائن المتبقين وإنهاء الحرب.

* صُدم مستشارا ترامب، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، في البداية بالهجوم، لكنهما سرعان ما اعتبرا الأزمة فرصة لإنهاء الحرب، وفقًا لأربعة مصادر مطلعة على الأمر.

* لاحظا أن “العرب يتحدثون بصوت واحد، حتى لو كان ذلك صراخًا في وجه إسرائيل”، كما قال مستشار لترامب مطلع على المناقشات. “كان من الواضح، وخاصة لويتكوف، أن هذا الوضع، الذي بدا سلبيًا في البداية، يمكن تحويله إلى شيء إيجابي”.

 تذكير

* في اليوم السابق لهجوم 9 أيلول في الدوحة، التقى ويتكوف وكوشنر مع مساعد نتنياهو، رون ديرمر، في ميامي لمناقشة صفقة رهائن غزة وخطة لما بعد حرب غزة.

عندما علم ويتكوف وكوشنر بالهجوم الإسرائيلي على الدوحة، استشاطا غضبًا، وشعرا بأن ديرمر قد ضللهما، وفقًا للمصادر. وادعى ديرمر لاحقًا أنه لم يكن على علم بالهجوم المخطط له إلا في مرحلة لاحقة.

توصيات إضافية

* ازداد غضب القطريين. فعلقوا على الفور جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس، وبدأوا في حشد المنطقة والعالم ضد إسرائيل.

* بعد أيام قليلة، أخبر ويتكوف ديرمر أن أفضل طريقة لمنع تدهور الوضع هي الاعتذار لقطر وإظهار الاستعداد للتحرك نحو إنهاء الحرب في غزة. لم يكن ديرمر متحمسًا.

 خلف الكواليس

* بعد تلقي الضوء الأخضر من ترامب، بدأ ويتكوف وكوشنر العمل على خطة من شأنها إنهاء الأزمة مع قطر وتحويلها إلى صفقة أوسع لإنهاء الحرب في غزة.

* أخذوا الاقتراح الأمريكي القائم لوقف إطلاق النار واتفاق الرهائن، ودمجوه مع خطة “اليوم التالي” التي عمل عليها كوشنر مع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. وكانت النتيجة وثيقة من 21 نقطة.

* قال مسؤول أمريكي كبير: “لقد غيّر الهجوم الفاشل في الدوحة الديناميكية الإقليمية وفتح الباب أمام نقاش حقيقي حول كيفية إنهاء الحرب في غزة”.

محادثة اعتذار نتنياهو مع رئيس الوزراء القطري

* قبل أيام قليلة من انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، اقترح القطريون عقد قمة في نيويورك بين ترامب وقادة ثماني دول عربية وإسلامية لمناقشة الهجوم الإسرائيلي على قطر والحرب في غزة.

* في الاجتماع الذي عُقد يوم الثلاثاء الماضي، انتقد القادة العرب والمسلمين إسرائيل بشدة. بعد أن أكد ترامب رغبته في إنهاء الحرب في غزة، التفت إلى ويتكوف وقال له: “ستيف، أخبرهم بما تعمل عليه”.

* عرض ويتكوف الخطة المكونة من 21 نقطة على المجموعة، والتي لاقت ردود فعل إيجابية في القاعة. طلب ​​ترامب من المجموعة مقابلة ويتكوف في اليوم التالي لتقديم تعليقات على الخطة الأمريكية.

* بحلول مساء الأربعاء، توصلت الولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية الثماني إلى اتفاق مبدئي على نص. سلمه ويتكوف وكوشنر إلى الإسرائيليين بعد ذلك بوقت قصير.

 الجانب الآخر

* التقى نتنياهو مع ويتكوف وكوشنر في فندقه بنيويورك لمدة ساعتين بعد ظهر يوم الخميس، ثم عاد والتقى مرة أخرى في المساء. وفي تلك المرحلة، صرّح مسؤول إسرائيلي بأنه لا تزال هناك فجوات كبيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

* صباح الجمعة، ألقى نتنياهو خطابًا حازمًا في الأمم المتحدة – دون أن يتطرق إلى خطة ترامب إطلاقًا. لكن المحادثات بين فريق ترامب والإسرائيليين استمرت طوال عطلة نهاية الأسبوع، بهدف التوصل إلى نص متفق عليه قبل وصول نتنياهو إلى البيت الأبيض يوم الاثنين للقاء ترامب.

نقطة تحول

* يوم السبت، انتشرت شائعة بين فريق ترامب مفادها أن نتنياهو يخطط لرفض خطة إنهاء الحرب، أو على الأقل المطالبة بتغييرات شاملة عليها تُفرغها من جوهرها.

* هذا دفع ترامب إلى إجراء مكالمة هاتفية “صارمة وواضحة” مع نتنياهو، وفقًا لمصدر مطلع على الأمر. قال المصدر: “قال ترامب لبيبي بصراحة: ‘خذها أو ارحل. إذا غادرت، فسنتركك’”، مضيفًا أنه عندما يتعلق الأمر بنتنياهو، “سئم دونالد ترامب – لأسباب عديدة”.

* إجمالًا، تحدث ترامب مع نتنياهو خمس مرات خلال عطلة نهاية الأسبوع، وفقًا للمصادر. طالب ترامب بإجابة إيجابية واضحة – ليس “نعم، ولكن”.

* قبل ترامب بعض التغييرات التي طلبها نتنياهو في النص، لكنه رفض أخرى، وخاصة تلك التي ركزت على الحساسيات السياسية لائتلاف نتنياهو، مثل قضية الضم أو هجرة الفلسطينيين من غزة.

* قال ترامب إنه لن يطلب من نتنياهو التنازل في المسائل الأمنية – لكنه أكد له أنه لن يوافق على إجراء تغييرات على النص لمجرد حل مشاكل نتنياهو السياسية الداخلية، وفقًا لمصدر شارك في المحادثة.

* وعد ترامب نتنياهو في آخر مكالمة هاتفية لهما: “إذا قبلت الخطة ورفضتها حماس، فسأقدم لك الدعم الكامل لمواصلة قتالهم”. * يوم الأحد، أجرى ويتكوف وكوشنر ساعات من المفاوضات مع نتنياهو وديرمر في نيويورك. وانتهت المحادثات الساعة الحادية عشرة مساءً بتقارب ملحوظ في وجهات النظر، بما في ذلك بشأن صياغة الاعتذار الذي سيُقدّمه نتنياهو لقطر.

* قال أحد المصادر: “كان نتنياهو يعلم ما يجب عليه فعله. في النهاية، لم يُقاوم. إنه يستحق الثناء: عندما أدرك أنه مُلزم بفعل ذلك، فعل ذلك”. “لم يُخفِ استسلامه قائلاً: “أريد ذلك!”، ولكنه في النهاية فعل”.

نقطة خلاف

* عندما أُرسل النص المُعدّل إلى القادة العرب والمسلمين، استاءوا من التغييرات العديدة التي أجراها نتنياهو، لا سيما فيما يتعلق بشروط الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وفقًا لمصادر مطلعة على المحادثات.

* صرّح مسؤول إسرائيلي: “أبلغ بيبي ترامب خلال محادثات نهاية الأسبوع أنه لن يتراجع ببساطة ويترك حماس تُعيد تنظيم صفوفها”. ووافق ترامب على ذلك.

* سعت الدول العربية أيضًا إلى إدخال تعديلات على النص، لكن العديد من مطالبها قوبلت بالتجاهل. كانت الاعتراضات قوية لدرجة أن القطريين نصحوا فريق ترامب بعدم نشر الخطة كاملةً يوم الاثنين.

صورة الوضع

* قرر ترامب نشر الخطة على أي حال، رغم الاعتراضات. وقال أمس إنه يتوقع ردًا من حماس في غضون “ثلاثة أو أربعة أيام”.

* يتوقع المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون ردًا إيجابيًا، مع بعض التحفظات. خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، طُلب من كبار المسؤولين العرب تقديم تحديثات إلى فريق ترامب، مُلمّحين إلى خطوة إيجابية من حماس، وفقًا لمصدر مطلع على الأمر.

* على الرغم من صدور بيان مشترك من الدول العربية يرحب بإعلان ترامب، أوضح مسؤولون عرب كبار أنهم يعتقدون أن الاتفاق لا يزال قيد التفاوض، وأن تفاصيله لم تُحسم بعد. وصرح مسؤول أمريكي كبير بأنه قد تكون هناك “تعديلات” إضافية، لكن ترامب لا ينوي إعادة فتح الخطة برمتها للنقاش.

ماذا بعد؟

* يعتمد ترامب على قطر ومصر وتركيا لحمل حماس على الموافقة على تقديم رد إيجابي على خطته لإنهاء الحرب.

وصرح مسؤول أمريكي كبير بأن الافتراض السائد هو أنه إذا رفضت حماس الخطة، فستظل معزولة ومنبوذة في العالم العربي، وبدون تمويل، مضيفًا: “لكن هذا لا يمكن التنبؤ به. لذلك نأمل أن ترد حماس بإيجابية”.

——————————————-

يديعوت احرونوت 3/10/2025 

معضلة حماس

بقلم: آفي يسخاروف

يبدو أن هذه هي المعضلة الأكبر التي تواجهها قيادة حماس منذ تأسيسها. فالتأخير للرد الرسمي من المنظمة على خطة السلام للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدل على شدة التردد.

لا يوجد أي شك على الاطلاق بان خطة ترامب ليست صفقة جيدة من ناحية حماس، وذلك ضمن أمور أخرى لان المنظمة مطالبة بان تنزع عنها ما جعلها حماس – سلاحها. بمعنى ان كل تجربة المنظمة قامت على أساس انها تمثل “المقاومة” او بكلمات أخرى “حركة المقاومة الإسلامية” كما يدل عليه اسمها أو ما يعني من يواصل التلويح بالإرهاب كي يواجه “الاحتلال”. هذا سبب وجود حماس، هذا هو حاضرها. اذا وافقت الان على مثل هذه الشروط او غيرها لان تنقل سلاحها حتى ولو الى قوة اجنبية ليس بالضرورة فلسطينية، فان هويتها التنظيمية والسياسية ستمحى. هذا يذكر بقدر كبير المعضلة التي يقف امامها اليوم حزب ا لله في لبنان حيث يأتي الضغط الكبير هناك من الداخل بالذات، من الساحة اللبنانية. في حالة حماس، فان ضغط الخصم السياسي الداخلي الكبير – فتح أو السلطة ليس ذا مغزى عظيم. غير أنه في هذه الحالة يعد هذا ضغطا لا يقل أهمية بل وربما اكبر – ضغط عربي كبير على حماس للموافقة على الصفقة. بمعنى أن قيادة حماس في خطر مثل تلك التي في غزة تفهم بان موافقة قطر وتركيا أساسا، الدولتين اللتين يحكمهما التيار الأيديولوجي للاخوان المسلمين، وضغط دول عربية أخرى للموافقة على خطة السلام لترامب تبقيها بلا أي دعم عربي امام إسرائيل ولا حتى الحلفاء الأقرب.

هذا ينبغي أن ينسب فضله للرئيس الأمريكي ولحكومة إسرائيل ورئيسها، بنيامين نتنياهو، الذين نجحوا في حشر حماس في الزاوية، في مسار الذبح.

اذا قالت نعم، فان حماس في واقع الامر لن تبقى حماس. اذا قالت لا، فستبدو كالرافض الأكبر لوقف الحرب في غزة. ظاهرا – وضع هو فقط نصر لإسرائيل. يمكن التقدير بان الضغط على قيادة حماس في الدوحة هائل، والسؤال ماذا سيقول قادة حماس في القطاع – عز الدين الحداد ورياض سعد – اللذين قيل أنهما يميلان لمعارضة الصفقة. هما يختبآن الان في احد الانفاق في القطاع ويفهمان بان غزة تقف امام دمار هائل وامام مئات الاف آخرين ممن سيفقدون بيوتهم، لكن في السطر الأخير الموافقة على المخطط معناها الاستسلام بالنسبة لهما – تحرير المخطوفين وتسليم السلاح.

غير أن هنا يجب التحفظ. اذا رفضت حماس مقترح ترامب، فان إسرائيل بالفعل ستحصل على ضوء اخضر لمزيد مما سبق أن رأيناه في غزة في السنتين الأخيرتين. مزيد من الدمار للاحياء مع الكثير من القتلى الفلسطينيين، الجنود المصابين وعلى ما يبدو المخطوفين أيضا. حماس لن تباد، لن تمحى. حسب شدة المعارضة في داخل مدينة غزة يمكن التخمين بان معظم القوة المقاتلة للمنظمة في المدينة انتقلت جنوبا من  زمن، الى جانب مئات الاف آخرين من المدنيين الفلسطينيين. هكذا بحيث ان حتى “احتلال” متجدد لمدينة غزة (نذكر بانه سبق ان احتل الجيش مدينة غزة وقضى هناك على الالوية القتالية لحماس في نهاية أكتوبر وعلى مدى اشهر طويلة من العام 2023) لن يؤدي الى انهاء الحرب، حسم حماس او تحرير رهائن.

في هذه الحالة ستنقضي بضعة أسابيع، صور المدنيين الفلسطينيين القتلى التي ستبث في كل مكان في العالم باستثناء هنا، ستلحق الضرر بإسرائيل. أوروبا بالطبع، الجمهور الأمريكي بما في ذلك الحزب الجمهوري وتركيا وقطر الاخوان المسلمين، سيعودوا جميعا لدعم حلفائهم الفلسطينيين. إضافة الى ذلك، سيكون هذه المرة فارق هام واحد – قيادة حماس في قطر ستتمتع الان بحصانة ليس فقط من الدوحة بل من الولايات المتحدة ترامب، ليس اقل. القطريون بضغط امريكي غير معقول على إسرائيل يعودون الان مرة أخرى الى مركز الساحة. احد الوزراء القطريين، علي الجوادي، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع إسرائيل (وليس بالذات في سياق إيجابي)، ظهر في اللقاءات في البيت الأبيض – بما في ذلك بين نتنياهو وترامب، ليس اقل، الى جانب ستيف ويتكوف. ان محاولة التصفية الفاشلة بقيادة حماس في الدوحة كانت فشلا تكتيكيا لكنه أثر في المستوى الاستراتيجي – العملية ليس فقط لم تصفي مسؤولي المنظمة بل أعاد الى ساحة الوساطة بين إسرائيل وحماس بكامل القوة بل واكثر الاخوان المسلمين – كبار المسؤولين القطريين، أولئك الذين نقلوا الى إسرائيل حقائب تحمل عشرات ملايين الدولارات نقدا في كل شهر، أولئك الذين واصلوا تمويل حماس، تنمية التحريض في “الجزيرة” وعقد الصفقات مع إسرائيل أو كما يقال بالانجليزية – الاعمال كالمعتاد.

———————————————

معاريف 3/10/2025

إدارة ترامب تبني محورا جديدا بدوننا

بقلم: بن كسبيت

الثمن الغالي

هذا المقال كُتب في منتهى يوم الغفران، مع دعوة صلاة لان تقبل حماس مخطط ترامب. الاحتمال في أن تتحول الخطة كلها الى واقع متدنٍ حتى صفر، لكن تعالوا نكتفي بإعادة كل المخطوفين وانهاء الحرب. هذا كان ينبغي أن يحصل منذ زمن بعيد. في اثناء المؤتمر الصحفي الغريب لترامب ونتنياهو في واشنطن قال الرئيس بصوته ما اكتبه هنا منذ أشهر طويلة: اذا عادت حماس الى عادتها، سيكون لنا اسناد كامل من الرئيس الأمريكي للعودة الى القتال ضدهم بكل القوة، بشروطنا. هذا صحيح الان، هذا كان صحيحا من قبل أيضا. ما كان ينقص هو الإرادة لانهاء الحرب، بما أن جيش حماس قد هزم وقوتها العسكرية سحقت. واضح أنهم سيعودون الى عادتهم. حماس ستبقى حماس. ما أن يحصل هذا، ينبغي لغزة أن تصبح صيغة مصغرة ومحاصرة ليهودا والسامرة، الجيش الإسرائيلي يعمل هناك كما يشار، لن تكون حاجة الى تجنيد خمس فرق لاجل الدخول الى الشجاعية او خانيونس، والتهديد على إسرائيل سيزال. سنواصل القتال ضد الإرهاب الجهادي مثلما نواصل عمله بنجاح لا بأس به في أماكن أخرى. “النصر المطلق” الذي يستهدف انعاش حكومة نتنياهو للتنفس الاصطناعي فيما يخنق المخطوفين، لم يكن غير خدعة سياسية تهكمية، ساخرة ومحملة بالمصيبة.

الجدال الدائر الان بين المعسكرات المختلفة على المخطط، هل هذا نصر لإسرائيل أم لحماس، صبياني وزائد. يمكن ان نملأ هذا المقال بنواقص المخطط من ناحية إسرائيل. كما يمكن ان نملأه بفضائلة. منوط بنظر الناظر وزاوية النظر. هذا موضوع تفسير، مزاج وواقع على الأرض. المؤكد هو ان معظم ما وعد به نتنياهو على مدى الأشهر الطويلة الزائدة للحرب، انهار. وعد نتنياهو بان تصفى حماس ونلاحق كل المخربين ونقتلهم حتى آخرهم وانه لن يكون لحماس ما بعد الحرب، لن يوفى به. تنفيذ المخطط سيؤدي في نهاية الامر الى خروج الجيش الإسرائيلي من القطاع (باستثناء حزام فاصل ضيق) وانهاء الحرب.

يحتوي المخطط مرتين على الأقل على “مسار مصداق” لاقامة دولة فلسطينية، وهو لا يتضمن لا نفي ولا هجرة طوعية ولا ريفييرا، بل العكس، يدخل الى القطاع قوة دولية رغم أن نتنياهو وعد الا تكون قوة كهذه، ولا يتبقى سوى أن نتخيل ما الذي سيفعله نتنياهو وأبواقه وصراخاته لكل رئيس وزراء آخر كان يوقع على مثل هذا المخطط، دون الحديث عن الاعتذار المنبطح امام قطر، الذي جاء بعد الاعتذار المنبطح امام اردوغان، الذي جاء بعد الاعتذار المنبطح امام الأردن، بعد محاولة تصفية خالد مشعل لدى نتنياهو في التسعينيات. هو يعتذر في كل عقد وقرن.

عندما التقى نتنياهو وترامب وبعدها خرجا الى الصحافيين، وقع الرئيس الأمريكي على مرسوم رئاسي خاص وفيه “ضمانة امنية” أمريكية غير مسبوقة للقطريين بالا يتعرضوا مرة أخرى للهجوم، واذا ما هوجموا، فسيعد هذا هجوما على الولايات المتحدة.

السطر الأخير: نتنياهو نجح في الهجوم على قطر، في تفويت الهدف، في عدم قتل قيادة حماس لكنه نجح في أن يحصل على مرسوم ابعاد يسمح بهجوم إضافي. القطريون حصلوا على حصانة بالضبط مثلما حصل خالد مشعل في حينه على إكسير الحياة. وبعد ذلك اعتذرنا لهم. بهذه الوتيرة من يدري فلعلنا في النهاية تعتذر لحماس أيضا.

تذكير: الهجوم في قطر كان يفترض أن يصفي ما تبقى من القيادة السياسية لحماس. قطع رأسها دفعة واحدة. محظور أن ننسى ان نتنياهو كان يمكنه أن يوفر هذا الهجوم والاعتذار أيضا وكذا السنتين الأخيرتين لو كان استجاب في حينه لطلب الشباك قطع رأس القيادة العسكرية لحماس في غزة. ست مرات تلقى الخطة العملياتية الجاهزة هذه، وست مرات رفضها. الثمن في حينه كان زهيدا اكثر بكثير مما دفعه نتنياهو الان. المشكلة هي انه لم يدفع حقا. نحن الذين دفعنا. الاف المقتولين، المخطوفين، الجرحى، المصدومين، القتلى، المنكسرين والمكتئبين، العائلات التي تفككت والاحلام التي تحطمت والاعمال التجارية التي أغلقت والدولة التي أصبحت منبوذة في كل زوايا العالم.

كما أسلفنا، ليس هاما حقا حاليا أي حيلة تتغلب وحتى تفاصيل التفاصيل التي فصلت في المخطط ليست جوهرية، لانها لن تتحقق على الأرض. يكفي أن تنتهي الحرب ويعود المخطوفون. من نظرة من فوق، تتبين هنا صورة شاملة باعثة على الفضول، وربما على التشويق، وان كان الحديث يدور عن مصيرنا: بعد ان فوجئت إسرائيل، اهينت وتلقت ضربة تاريخية في 7 أكتوبر، نجحت في قلب الجرة رأسا على عقب وضرب المحور الشيعي الذي وجه اليها ضربة قاضية كسرت شوكتها. هو لم يصفى، لكنه هزم. حاليا على الأقل. وهكذا طوق النار من المحور الشيعي “آوت” ولكن المحور السُني “إن”. ولا، ليس المقصود الدول السُنية المعتدلة من اتفاقات إبراهيم ولا حتى السعودية أو أندونيسيا. هذا ليس محور سُني صافٍ، هذا محور سُني اخوان مسلمين. نعم، الاخوان المسلمون يرثون الشيعة.

من يستمع الى ترامب في المؤتمر الصحفي (مهمة غير بسيطة)، رجال ترامب (واساسا ويتكوف وكوشنير) وكل من في المحيط يفهم ان قطر هامة لادارة ترامب مثل إسرائيل على الأقل، ان لم يكن اكثر. لقد أصر الرئيس على ان يعتذر نتنياهو، وقع على ضمانة امنية وأثنى ومدح وربت على كتف القطريين مرتين في كل جملة. قطر هي دولة اخوان مسلمين. في المكان الثاني قرب قلب الرئيس ترامب، توجد تركيا. هي أيضا دولة اخوان مسلمين. اضيفوا الى هذا سوريا، التي جعلها ترامب المحبوبة العالمية الجديدة التي يحكمها رجل الاخوان المسلمين وستحصلون على محور جديد. لا يزال من السابق لاوانه ان نعرف اذا كان هو أيضا سيتحول الى طوق نار أو حصار على إسرائيل، لكن ليس من السابق لاوانه القول انه في هذا المحور لا يوجد إمعات. تركيا هي قوة عظمى إقليمية زائد، اردوغان هو كاره إسرائيل زائد – زائد، لقطر يوجد المال. لسوريا – الموقع الاستراتيجي وغزة تعود للاخوان المسلمين حتى لو لم تحكمها حماس. وليكن لنا جميعنا النجاح في هذا.

يعرف قراء هذا المقال باني اعتقد ان مخطط الرئيس ترامب منسق “على المليء” مع نتنياهو. أي مع رون ديرمر. اعتقد أن نتنياهو توصل الى الاستنتاج المتأخر (جدا) بان الحرب استنفدت نفسها. هو يفهم بان خدعته ستتبين بعد قليل لترامب أيضا. ان حماس لن ترفع علما ابيض ولن تكون صورة نصر. لقد حاول أن يخلق صورة النصر في ذاك القرار لتصفية قيادة حماس في قطر، لكن النتيجة كانت معاكسة وما نشأ هو صورة هزيمة. صبر ترامب آخذ في النفاد، ونتنياهو فهم بانه يجب السعي الى الانهاء حتى بدون صورة نصر. لقد وافق على غير قليل من الأمور التي اعتبرت من ناحيته “على جثتي”، بما في ذلك ذكر صريح لدولة فلسطينية، مقابل هذا أن يشير الرئيس في المؤتمر الصحفي الى أن “بيبي يعارض هذا”.

احد ما ينبغي ان يروي لترامب بان بيبي نفسه اعترف بحل الدولتين مرات عديدة في الماضي، بما في ذلك في عدد لا يحصى من الخطابات امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة. بهذا الشكل او ذاك، اصطلاح “دولة فلسطينية” مشمول في المخطط. اعتراض بيبي، ليس مشمولا. ماذا يعني هذا على الأرض؟ لا شيء. ماذا كان نتنياهو سيقول اذا كان من فعل هذا شخص آخر؟ الكثير.

يوجد نتنياهو في وضع مريح نسبيا من “الفوز للطرفين”. اذا ردت حماس بايجاب، يمكنه أن يعلن النصر، ان يعيد المخطوفين، ان ينهي الحرب، ان يحاولة توسيع اتفاقات إبراهيم، وان يسير حاملا هذا الى الانتخابات، التي ستجرى في الربيع القادم. هذا بصعوبة نصف سنة قبل الموعد الأصلي. لا بأس. إذا ردت حماس بالسلب، يكون له خط ائتمان مفتوح لمواصلة تدمير غزة وملاحقة فلول عصابات حماس في الانفاق، حتى اشعار آخر. هذه برأيي هي الامكانية المفضلة اقل عليه، وعلى ترامب أيضا.

في هذه الاثناء، تواصل إسرائيل الانهيار في العالم ككرة ثلج كبرى تهدد بدفن نفسها. حتى أمريكا لم تعد على ما كانت عليه ذات مرة، والدعم لنا في أوساط الجمهور الأمريكي يوجد في أسفل درك كل الأزمنة، لأول مرة في أي وقت مضى يكون ادنى من الدعم للفلسطينيين. كل هذه هي ذخائر استراتيجية نفقدها وسيكون من الصعب استردادها. من يعول على ترامب ينبغي أن يتذكر بانه لن يكون هنا بعد ثلاث سنوات وثلاثة أشهر. من له صبر لمشاهدة ترامب، بما في ذلك المؤتمر الصحفي الذي لا ينتهي مع نتنياهو وكذا في خطابه الهاذي امام الجنرالات والادميرالات الأمريكيين، يحق له أن يرفع حاجبا. ليس مؤكدا أن الرجل سينهي الولاية. وبينما يذكر بـ “جو بايدن الناعس”، فانه هو نفسه يغفو. نحن سنصل لصحته، الجسدية والمعرفية، لكن يجب أن نأخذ بالحسبان بان ليس كل صلواتنا استجيبت في السنتين الأخيرتين. ماذا سيكون بعد ترامب؟ بعده الطوفان. وهذا بعد ان تلقينا “طوفان الأقصى”.

——————————————

هآرتس 3/10/2025 

هكذا قاد نتنياهو إسرائيل إلى كارثة سياسية وأمنية بعد “مهاجمة الدوحة”

بقلم: يوسي فارتر 

عشية يوم الغفران وقبل بضع ساعات من وجبة السحور تبين لإسرائيل ولكل العالم ان الاعتذار المهين امام رئيس حكومة قطر، الذي فرض على بنيامين نتنياهو في الغرفة البيضوية، كان المقبلات، أو القطعة الأولى من النقانق الطويلة والثقيلة بشكل خاص.

هذا بدأ في مساء يوم الاثنين، في ذروة اللقاء بين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. البيت الأبيض نشر اعلان مفصل بشكل خاص فيما يتعلق بالاعتذار. ولم يتم إخفاء أي تفصيل. بعد ساعة من ذلك نشر صورة ظهر فيها ترامب وهو يتحدث مع رئيس حكومة قطر محمد آل ثاني والى جانبه شخص آخر، وهو رئيس حكومة قوي من اليمين، وجهه متكدر وعيونه تشخص جانبا وكأنه يسأل من أين سيأتي من يساعدني.

في اليوم التالي وكأن كاس السم لم تستنفد، أصدرت حاشية الرئيس صورة أخرى ظهر فيها نتنياهو وهو يتحدث مع آل ثاني، ويقرأ اعتذاره من ورقة. الى جانبه ترامب والهاتف على ركبته ونظرته متجهمة، مثل الاب الذي اكتشف للتو ان ابنه حطم نافذة الجار، وهو يأمره: “اعتذر الآن!”.

أيضا بهذا فان ترامب ورجاله لم يكتفوا. قبل مساء العيد نشر براك ربيد من واشنطن بانه في منتهى السبت، حيث انهم قدروا في البيت الأبيض ان رئيس الحكومة ينوي رفض خطة الرئيس، اتصل ترامب بنتنياهو وهدده: “اما ان تقبل ذلك أو ترفضه. واذا رفضته فنحن سنتخلى عنك” (باللغة الإنجليزية هذه الجملة تبدو افضل).

وقد نشر أيضا ان ترامب تلقى بتفهم عدة تحفظات من نتنياهو في أمور امنية، لكنه رفض طلبات للاهتمام بوضع الائتلاف لرئيس الحكومة (في المقابل، هو اكد له، وحتى أوضح ذلك بصوته في المؤتمر الصحفي، بانه اذا رفضت حماس الاقتراح فان مع نتنياهو الضوء الأخضر ليفعل كل ما يخطر بباله في غزة).

من اعتقد أو امل بان القضية انتهت هنا خاب امله كثيرا عندما عرف عن الامر الرئاسي الاستثنائي جدا للإدارة الامريكية، الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة بانها ترى في “أي هجوم مسلح على أراضي أو سيادة أو البنى التحتية لقطر… تهديد لسلامة وامن الولايات المتحدة”. وفي حالة هجوم ضد قطر فان الولايات المتحدة ستعمل بـ “كل الوسائل القانونية المناسبة – الدبلوماسية، الاقتصادية، واذا كانت حاجة العسكرية أيضا، للدفاع عن مصالح قطر”. حتى الآن توجد دولتان هاجمتا قطر: ايران ضد قاعدة عسكرية أمريكية ردا على قصف المنشآت النووية في حرب الـ 12، وإسرائيل ضد قادة حماس. الإدارة الامريكية ربطت ايران وإسرائيل برزمة واحدة وغلفتها بغلاف ملون وقدمته كهدية لامير قطر.

الاتفاق غير المسبوق الذي مشكوك فيه ان يكون متاح في إدارة بايدن، أوباما، بوش أو كلينتون، هو ضربة كبيرة لإسرائيل، حكومتها، وبالاساس رئيس حكومتها المهمل وعديم المسؤولية، الذي أمر بالهجوم خلافا لرأي كل رجال الامن ذوي العلاقة (باستثناء ش. القائم باعمال رئيس الشباك، والذي ربما أمل الحصول على التعيين الدائم).

ان قراءة الوثيقة ليست اقل من مذهلة. وزير الخارجية الأمريكي، كما كتب، يؤكد من جديد على وعد أمريكا، وحتى انه سينسق ذلك مع حلفاء وشركاء آخرين، “لضمان خطوات دعم مكملة”، أي ان الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج وتركيا بالطبع، ستبلور جبهة ضد أي دولة تريد مهاجمة أي شخص كان، مهما كان حقير، على أراضي قطر. هذه كارثة سياسية وامنية، والمسؤول عن ذلك هو من تفاخر على الفور بعد الهجوم وقال: “أنا اتخذت القرار”.

سنرى ما الذي ستفعله المعارضة مع هذه الفرصة التي سنحت لها. يمكننا تخيل برعب حجم الضجة الكبيرة التي ستحدث في إسرائيل لو حدث شيء مشابه في عهد حكومة بينيت – لبيد. لكان البيبيون قد احرقوا منازلهم احتجاجا عليهم، ولكانت مظاهرة نظمت في ساحة صهيون، ولكانت الكنيست انعقدت، ولكان نتنياهو نشر فيديو تلو فيديو. هكذا انتهت على الأقل في الوقت الحالية قصة الهجوم الفاشل على المنزل في الدوحة، الذي وصفته ابواق نتنياهو بأنه “الفشل الأكثر نجاحا” (او ما شابه ذلك من هراء). لقد اهين رئيس الوزراء، ثم اهين مرة أخرى، وحصلت قطر على التزام امريكي، أي حمايتها من إسرائيل، واصبح بإمكان قادة حماس الباقين التحرك بحرية، بل وتوثيق تحركاتهم مباشرة، بدون خوف على سلامتهم. الليكود وحده هو القادر على ذلك.

مسألة زخم

العناق القوي الذي اعطي لقطر من واشنطن يجب إضافة اليه واحد آخر، الذي حصل عليه الرئيس التركي. ترامب لم يوفر أي مشهد للمحبة والتقدير ومرورا بالتمجيد لرجب طيب اردوغان، بما في ذلك فيديو مفعم بالعاطفة نشره بعد اللقاء بينهما.

إسرائيل منعزلة في العالم، مقاطعة ومنبوذة بسبب الاشمئزاز منها. كلمة “إبادة” تسمع مقرونة بها تقريبا في كل قناة اعلام غربية. هذا من صنع الايدي الشريرة لزعمائها. ولكن وصول محور الدوحة – انقرة الى مستوى نفوذ كهذا في الشرق الأوسط، أيضا هذا مسجل على اسمه. لقد اشعل الحريق حاول اطفاءه بالنفط. الدولتان اللتان تدعمان الاخوان المسلمين وتعملان ضد إسرائيل، هما افضل أصدقاء واشنطن الجديدة، التي اعتقد نتنياهو بانه يمكنه التلاعب بها بسهولة 24/7، أليس هذا أمر ساحر.

لفضله نقول ان الوصول الى اللقاء في البيت الأبيض في يوم الاثنين كان في الوضع الأفضل الذي كان يمكن ان يتاح في هذه الظروف. كان من الواضح ان وثيقة النقاط، التي القاها الرئيس بعيون نصف مغمضة امام الكاميرات بدون ان يفهم كما يبدو معظم بنودها، وتم علاجها بصورة مكثفة في الأيام التي سبقت اللقاء من قبل رون ديرمر، ومبعوثو الرئيس قبلوا معظم الطلبات.

والان ترامب أشار الى الطريق – يجب انهاء هذه الحرب. أيضا ذكر اسم طوني بلير في هذه المناسبة أشار الى جدية التطورات. بلير تم اعداده ليكون رئيس مجلس المدراء الدوليين لاعادة اعمار غزة، أو باختصار، رئيس مجلس غزة. بلير مشارك في الاتصالات التي جرت من خلف الكواليس من بداية الطريق. مشاركته هي نتيجة العلاقات، التي بعضها دبلوماسية وبعضها تجاري، التي حفظت له مكان نفوذ في الساحة الدولية، وأيضا جعلته شخص ثري جدا. لقد تنازل عن كرامته وأعطى ترامب هذا الموقع – الذي سيكون اكثر رمزية من كونه تنفيذي – في الوقت الذي سيبقى فيه هو المشغل الحقيقي لهذا الجسم بالتنسيق مع جارد كوشنر وستيف ويتكوف. بالمناسبة، خلال الحرب بلير شوهد أحيانا وهو يأتي الى وزارة الدفاع في الكرياه. هل تعرفونه؟ سالت غالنت ذات مرة، عندما صادفت رئيس حكومة بريطانيا السابق على مدخل المكتب. “نحن أصدقاء منذ عشرين سنة”، أجاب. “عندما يريد سماع الحقيقة هو يأتي الي وليس الى أي شخص آخر”.

حتى لو كان نتنياهو هو الذي عرض على ترامب فعل هذه الخطوة، فان ما تم التلميح اليه في اقوال الرئيس توجد فيه أهمية لهذه الخطوة من ناحية الأخير. هي تعكس اكثر من أي شيء آخر تطلع ترامب الى الحصول على الاعتراف الوحيد الذي يمكنه ان يصل اليه – جائزة نوبل للسلام، التي ستحدد هوية الفائز بها في القريب.

هكذا، حتى في هذا الوضع ومع خطة مليئة بالثقوب وغير جدية يمكن الافتراض أننا في النقطة الزمنية الأفضل التي كنا فيها في السنتين الأخيرتين. منذ 7 أكتوبر رئيس الحكومة اطال الحرب ووسعها مرة تلو الأخرى، تقريبا دائما لاسباب سياسية. هذه هي المرة الأولى التي يقف فيها ويتحدث عن وقف الحرب كهدف قريب. الشعور الذي تولد منذ يوم الاثنين هو انه أخيرا يمكن رؤية افق لانهاء هذا الكابوس. الأكثر أهمية من كل ذلك هو ان نتنياهو فعل ذلك تحت الأنظار المتفحصة لسيده، الذي شرب صبره حتى القطرة الأخيرة والذي مارس عليه كل التلاعبات المحتملة. ترامب دخل الى سنة انتخابات منتصف الولاية. الديمقراطيون متفوقون في الاستطلاع القطري، وفرصهم كبيرة لاحتلال مجلس النواب – وتدمير لترامب النصف الثاني من ولايته الأخيرة، وكل العمليات التي يخطط لها. الرئيس الجمهوري بحاجة الى إنجازات. الآن، الى جانب القدرة على جلب حماس الى نقطة قريبة من وثيقة ترامب، فان ما هو ملقى على من هم تحت رعايته، تركيا وقطر، بقي ساحتنا السياسية الداخلية. قاعدة نتنياهو منقسمة بين الإشادة بـ “الاستراتيجي العظيم” وبين الاستياء العميق. لقد اعرب بتسلئيل سموتريتش عن الاستياء ولكنه لم يقرر بعد الاستقالة. ولكن ايتمار بن غفير، الذي يمارس الشعوذة دائما، حرص على اطلاع نتنياهو من بعيد عن رأيه به، عندما لم يستجب الى دعوته، تأجيل مناقشة عقوبة الإعدام للإرهابيين (المنصوص عليها في قانون إسرائيل أصلا). رئيس الحكومة اهين في البيت الأبيض واحتقر في مبنى الكنيست.

في القريب من شان حماس ان تعطي ردها على الخطة. التقارير متناقضة. بين “تفحص بعناية”، “تميل الى الرد بالإيجاب مع طلب تعديلات”، “تتشاور مع الفصائل الفلسطينية”، “قررت الرد سلبا” والخ.

من الواضح أي رد صلى نتنياهو من اجل أن يكون في يوم الغفران.

——————————————

معاريف 3/10/2025 

ما أبعاد مرسوم ترامب لحماية الدوحة أمريكياً وإقليمياً ودولياً؟

بقلم:  آنا برسكي

 وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا رئاسيًا ينص على أن أي هجوم مسلح على أراضي قطر أو سيادتها أو بنيتها التحتية الحيوية سيُعتبر تهديدًا للسلام والأمن في الولايات المتحدة. ببساطة: ترسم واشنطن خطًا أحمر حول الدوحة، وتُلمّح إلى أن الرد العسكري وارد أيضًا في حالة العدوان. هذه رسالة ردع واضحة بشكل غير معتاد تجاه الأطراف الإقليمية، وفي مقدمتها إسرائيل – في ضوء الهجوم السابق على قطر. الإطار القانوني واضح. ُلقد رسخ نص الأمر، المنشور على موقع البيت الأبيض، سياسةً ستتخذ بموجبها الولايات المتحدة “جميع التدابير القانونية والمناسبة” – الدبلوماسية والاقتصادية، وإذا لزم الأمر، العسكرية – لحماية مصالحها في حال تعرض قطر لهجوم. إلى جانب ذلك، وُضعت آلية للتخطيط المشترك وبناء القوات مع الدوحة للتعامل بسرعة مع التهديدات. على المستوى السياسي، لا يُعد هذا تحالفًا دفاعيًا رسميًا، ولكنه إشارة مُلزمة تُقلل من نطاق الغموض.

السياق المباشر: أدى الهجوم الإسرائيلي على الدوحة في سبتمبر/أيلول، والذي كان يهدف إلى استهداف قيادة حماس على الأراضي القطرية، إلى تقويض مثلث القدس-واشنطن-الدوحة. وكما تتذكرون، بادر ترامب بدعوة مصالحة اعتذر فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لنظيره القطري، وهي واقعة تُظهر مدى إلحاح واشنطن على ضرورة تخفيف التوتر. ليس فقط من أجل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة بوساطة قطرية، بل أيضًا من أجل المصالح الواسعة للولايات المتحدة في قطر، والتي لا علاقة لها بإسرائيل أو غزة أو الحرب. يُسدّ القرار الذي وُقّع الآن الفجوة بين الدبلوماسية والخطاب العملي، ويرسم حدودًا واضحة لما هو آتٍ.

هكذا تبدو الأمور من وجهة نظر واشنطن: إنها جهود أمريكية حثيثة لوقف الضرر الدبلوماسي، واستعادة الثقة مع الدوحة، وضمان استمرار دورها كوسيط رئيسي في غزة. ويرى الأمريكيون أن الهجوم على الدوحة قوّض صورة الولايات المتحدة كحامية لشركائها، وأن الأمر يهدف إلى استعادة الردع والمكانة. أما البعد الإقليمي، فهو أوسع نطاقًا: ففي الخليج، فُسّر الهجوم على أنه تهديد ليس لقطر فحسب، بل لجميع دول الخليج، ويصاحبه مطالبة بتعزيز شبكة الأمن الأمريكية.

من وجهة النظر الإسرائيلية، للأمر معنى مزدوج: على المدى القصير، تقلّص حرية العمل ضد أهداف حماس في الأراضي القطرية، مما يستلزم تنسيقًا وثيقًا مع الولايات المتحدة. ليس فقط بسبب لهجة الأمر الحازمة، بل أيضًا لأن الدوحة وسيطٌ أساسي في صفقات الرهائن والترتيبات الإنسانية؛ فالمسّ بها يُعرّض قنواتٍ تحتاجها إسرائيل للخطر. على المدى المتوسط، قد يُفاقم خرق هذه القاعدة من تآكل مكانة إسرائيل الدولية، في ظلّ إعادة نظر حلفائنا العرب في علاقاتهم السياسية والأمنية معنا.

يتناسب الأمر أيضًا مع العملية السياسية الأوسع التي يروج لها ترامب بشأن غزة، بما في ذلك الإنذار النهائي لحماس للرد خلال “ثلاثة إلى أربعة أيام” على اقتراح وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن. يتجلى نمطٌ واضحٌ بين السطور: دفعةٌ سريعةٌ للمخطط في غزة، إلى جانب تعزيز دور قطر كمضيفة ووسيطة، ومنع تدهورٍ إقليميٍّ من شأنه أن يُقوّض أي ديناميكية سياسية. يهدف وضع مظلة أمريكية على الدوحة، من بين أمورٍ أخرى، إلى إعادة هذا اللاعب إلى الساحة بأمان. على الساحة الدولية، بدأ الشعور بالرفض يُلاحَظ بالفعل: إداناتٌ علنيةٌ للهجوم على الدوحة، وتحذيراتٌ من الضرر الذي قد يُلحق بمصداقية الولايات المتحدة كراعٍ، والآن محاولةٌ لتصحيح المسار.

لن يكون الاختبار الحقيقي في الوثيقة الرئاسية، بل في تطبيق رسائلها. إلى أي مدى سيمنع الإعلان أي تحركات إضافية على الأراضي القطرية، وإلى أي مدى سيساهم في إعادة المفاوضات إلى مسارها الصحيح، وإلى أي مدى سيدفع قطر إلى ممارسة أقصى ضغط على مسؤولي حماس لتحضيرهم للتوصل إلى اتفاقات. بالنسبة لإسرائيل، فإن المحصلة النهائية عملية: الحفاظ على التعاون الأمني ​​والاستخباراتي مع الولايات المتحدة، والحذر من أي خطوات من شأنها تعقيد الوساطة الفعالة، وإعادة بناء مساحة للتنسيق قبل أي عمل قد يمتد بطبيعته إلى الأراضي السيادية لشريك أمريكي رئيسي.

يُرسي أمر ترامب قاعدةً جديدة: لم تعد الدوحة “مساحةً رماديةً” للنشاط السري، بل ساحةً سياديةً مُغطاة بإعلانٍ أمريكيٍّ مُلزم. في الواقع الإسرائيلي لعام 2025، حيث يتطلب الأمر مزيجًا من القوة والدبلوماسية والصبر، تُعدّ هذه إشارةً جديرةً بالاهتمام مُبكرًا – لا مُتأخرًا.

—————–انتهت النشرة—————–

Share This Article