المسار : هل سيتمكن ترامب من الحفاظ على الضغط على الجانبين؟ يصعب تصديق هذا. هل سيبقى ترامب هناك بعد المرحلة الأولى كي يمنع نتنياهو من استئناف الحرب؟ على الأرجح أنه سيفقد الاهتمام بخطته. وعلى هذا يعتمد نتنياهو
شكك محللون إسرائيليون في الصحف الصادرة اليوم، الإثنين، بنجاح خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب على غزة. أحد أسباب هذا التشكيك هو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يأمل بأن يفقد ترامب اهتمامه بالخطة بعد فترة قصيرة. وسبب آخر، حسب مسؤولين إسرائيليين، هو أن حماس لن تفرج عن جميع الرهائن الإسرائيليين في المرحلة الأولى من الخطة.
إذا أفرجت حماس عن جميع الرهائن في الأيام القريبة، “سيكون هذا إنجاز كبير لنتنياهو وأقرب ما يكون لاستسلام حماس التي ستبقى بدون بوليصة تأمين (أي الرهائن). إذ بإمكان نتنياهو العودة إلى الحرب بعد تحرير المخطوفين، مثلما يريد على ما يبدو”، وفقا لمقال المحلل السياسي في القناة 13، رافيف دروكر، في صحيفة “هآرتس.
صفقة إنهاء الحرب مقابل الإفراج عن جميع الرهائن مطروحة منذ اليوم الأول للحرب، وكانت في صلب المرحلة الثانية من الصفقة السابقة، التي رفض نتنياهو تنفيذها واستأنف الحرب بعد مرحلتها الأولى، في 18 آذار/مارس الماضي.
وأضاف دروكر أن “هذه كانت صفقة غير تناسبية منذ البداية. تحرير المخطوفين هو ثمن ملموس، غير قابل للتغيير، وطولبت حماس بمنحه. المقابل الإسرائيلي، بإنهاء الحرب، هو تصريح بالإمكان خرقه بعد ذلك. وقد حصل هذا الأمر، إذ أن نتنياهو رفض عشرات المرات إنهاء الحرب، وحتى أنه رفض إجراء مفاوضات حول المرحلة الثانية قبل ثمانية أشهر”.
وتابع أن حماس أدركت الإشكالية في الصفقة الحالية. “من سيوقف إسرائيل إذا وجد نتنياهو ذريعة لاستئناف الحرب بعد تحرير المخطوفين؟ ترامب؟ قطر؟ لذلك، حماس أصرت دائما على استمرار تحرير مخطوفين لفترة أطول، تسمح بعودة مواطنين غزيين إلى بيوتهم، وإدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية وانسحاب كامل تقريبا للجيش الإسرائيلي”.
وأشار دروكر إلى أن “نتنياهو أدرك الفرق الحقيقي بين الصفقات السابقة والحالية. تحرير سريع لمخطوفين رغم أن انسحاب الجيش الإسرائيلي لن يكون كاملا. ورغم أن ترامب نجح في أن يبتز من نتنياهو تنازلا في مجال الانسحاب. فالخطة الأصلية لم تشمل انسحاب الجيش الإسرائيلي أبدا حتى تحرير المخطوفين، وفي الواقع كان هناك انسحاب صغير، واتسع بعد أن نشر ترامب خريطة، لكنها لا تزال بعيدة عن مطالب حماس في الماضي”.
ورأى دروكر أن “ترامب نشر خطة مليئة بالثقوب وغير قابلة للتنفيذ. لقد حصل من حماس على ’لا’ مؤدبة للإنذار الذي وضعه واستعرضه على أنه ’نعم’. وبذلك أنشأ زخما من الضغط الدولي على كلا الجانبين من أجل وقف الحرب. وعلِقت حماس في ضائقة كبيرة: من جهة، لا يمكنها الموافقة على خطة استسلام؛ من الجهة الأخرى، يصعب إحباط الخطة”.
واعتبر أنه “من الجائز أن مطلب تحرير أسرى فلسطينيين إشكالي جدا، ويفترض في إطاره تحرير 250 أسيرا من ذوي الأحكام المؤبدة، أن يكون الحل بالنسبة له. ماذا سيفعل نتنياهو إذا طالبت حماس بتحرير مروان البرغوثي أو مهندسي الإرهاب في الانتفاضة الثانية؟”.
وحسب دروكر، فإن “كلا الجانبين يدركان أن كل ما هو موجود في خطة ترامب مكتوب على الثلج في أفضل الأحوال. وضلوع السلطة الفلسطينية ’المتجددة’ ورؤية الدولة الفلسطينية هي كلمات جوفاء. ومؤيدو نتنياهو لم يعتقدوا أنه يعتزم فعلا إقامة دولة فلسطينية في العقد الذي تحدث فيه عن ذلك، ولن يجبون ثمنا منه الآن”.
في نهاية أيار/مايو العام 2024، طرح الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، خطة لإنهاء الحرب وتحرير جميع الرهائن، بموافقة نتنياهو. “ورد حماس تأخر وكان ’نعم، لكن’، وكان عليها ضغط دولي هائل، شمل قطر ومصر. وأحبط نتنياهو الخطة”، حسب دروكر.
وأضاف “هل سيتمكن ترامب من الحفاظ على الضغط على الجانبين؟ يصعب تصديق هذا. هل سيبقى ترامب هناك بعد المرحلة الأولى كي يمنع نتنياهو من استئناف الحرب؟ على الأرجح أنه سيفقد الاهتمام بخطته. وعلى هذا يعتمد نتنياهو” كي لا ينهي الحرب.
“حماس هي التحدي الأكبر في تاريخ الجيش الإسرائيلي”
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناداف إيال، أنه “تتعالى تخوفات بشأن الصفقة المقترحة، وهي تخوفات شرعية، من أن حماس ستحاول عدم إعادة جميع المخطوفين، وتخوف من أن حماس ستعيد بناء نفسها وتعزز قوتها، وأن تضطر إسرائيل إلى الانسحاب وأيديها مكبلة. كما أنه توجد هنا مشكلة معلومات، فنحن نعيش في وضع تتغير فيه الصفقة بين ساعة وأخرى، وما يكتب هنا هو صحيح حتى الآن”.
وأضاف أن “إسرائيل نجحت جدا مقابل حزب الله وإيران، وأقل بكثير في غزة، بعد مجهود عسكري وعشرات آلاف القتلى، كثيرون بينهم غير ضالعين في القتال. والمأساة الإنسانية، الموت الجماعي والدمار الواسع، هما السبب المركزي لوضع إسرائيل في العالم الآن”.
ونقل إيال عن ضابط في هيئة الأركان العامة قوله إن الحرب ضد حماس في غزة هي “التحدي الأكبر في تاريخ الجيش الإسرائيلي، بسبب المخطوفين والصعوبات العملياتية، وبسبب تحصن حماس في الأنفاق والاكتظاظ السكاني والضغط الدولي”.
وأفاد بأن الجيش يعتبر أن احتلال مدينة غزة لم يكن سينهي الحرب، “فمن دون سيطرة مدنية أخرى على الجمهور الغزي، لن تهزم حماس”، معتبرا أن “الصفقة المقترحة هي إنجاز لإسرائيل لأنها تفرض على حماس، منذ المرحلة الأولى، التخلي عن موردها المركزي، وهو جميع المخطوفين. وفي المرحلة الثانية، حماس لن تسيطر في غزة على ما يبدو، وكذلك الجيش الإسرائيلي لن يكون مسيطرا وسينتقل لانسحاب تدريجي”.
ورغم أن خطة ترامب تتحدث عن نزع سلاح حماس، لكن إيال نقل عن مسؤول إسرائيلي قوله إنه “واضح أنه من الصعب لدرجة المستحيل أن نفرض في وضع كهذا نزع سلاح خفيف في القطاع. وبكلمات أخرى، حماس لن تختفي. فحماس هي حركة شعبية ومتجذرة في الجمهور الفلسطيني”
ولفت إيال إلى أن سيطرة إسرائيلية كاملة في غزة واحتلال عسكري كامل لسنوات طويلة قد يؤدي إلى تفكيك حماس تنظيميا، “لكن الاحتلال أيضا لن ينجح بالضرورة، وإسرائيل لم تخطط أبدا أو تصرح بأنها تعتزم ذلك، أو تغييب حماس كمنظمة. ففي جهاز الأمن، وكذلك رئيس الحكومة، عارضوا ذلك”.
ولفت إلى أن السؤال الذي يطرحه أي إسرائيلي هو “كيف نتيقن من أن حماس لن تحكم غزة ثانية، وألا تبني بنية تحتية عسكرية. والإجابة هي أنه طالما يوجد غزيون، حماس ستبقى في القطاع، إلى حين يقرر الفلسطينيون غير ذلك”.
وخلص إيال إلى أن “كل شيء يمكن أن ينفجر. مسؤولون في الحكومة ما زالوا مقتنعين بأنه لا يوجد أي احتمال أن تتنازل حماس عن جميع المخطوفين في البداية. وهذه مسألة جوهرية. وكلا الجانبين يصران على إقناع ترامب والشرق الأوسط بأن المفاوضات لم تفشل بسببهما. والصفقة ورؤية ترامب لا ترى حماس كجزء من مستقبل غزة، لكن الاستنتاج المركزي هو أنه إذا خرجت هذه الصفقة إلى حيز التنفيذ، فإن مواجهة حماس ستستمر وقتا طويلا. فحماس ليست نتيجة ثانوية للصراع وإنما هي بقدر كبير صناعة تنتجه. وتفكيك الحركة أو تحطيمها ضروري لتحقيق أي رؤية للأمن والسلام في المنطقة”