شامنا لغزة… مبادرة سورية تجسد التضامن بأفعال يومية

المسار : في ظل تصاعد مشاهد الحرب في غزة وتراجع الحضور العربي الرسمي، تتجه أنظار الشباب السوري نحو أشكال جديدة من الفعل الشعبي تجمع بين الوعي والالتزام العملي.

مبادرة “شامنا غزة” تمثل نموذجاً لهذا التحول، إذ تسعى إلى جعل الهوية الإسلامية والتراث الفلسطيني قاعدة للمقاومة الثقافية والاقتصادية. المبادرة التي انطلقت من فكرة بسيطة على تطبيق واتساب تحولت إلى حراك ميداني حقيقي يعبر عن وعي جيل سوري جديد يرى في فلسطين قضيته الأولى.

وقال محمد توفيق عكاش مدير فريق “شامنا غزة”، إن “شامنا غزة هي مبادرة شبابية سورية مستقلة، تهدف إلى ترسيخ الهوية الإسلامية وإحياء التراث الفلسطيني”.

وأضاف أن “الفريق لا يرى التضامن مع غزة شعاراً، بل يحوله إلى ممارسة يومية عبر أنشطة ثقافية وتوعوية وميدانية ورقمية”، مشيراً إلى أن “رؤيتهم تتمثل في صناعة وعي جمعي يجعل من الهوية سلاحاً للمقاومة ومن المقاطعة فعلاً حياً.”

وأوضح عكاش في حديث خاص لـ”قدس برس”: أن الحملة انطلقت في 6 أبريل 2025 من مجموعة شبابية سورية على تطبيق واتساب، ضمّت شباباً من مختلف المحافظات السورية، وتحولت بسرعة من مجموعة رقمية بسيطة إلى حراك وطني ميداني حقيقي يجسد فكرة أن “إسرائيل هي العدو الأوحد للأمة”.

وأشار إلى أن الحملة تنفّذ أنشطة متنوعة تشمل الوقفات الاحتجاجية، والأنشطة التوعوية من محاضرات في الجامعات ودروس في المدارس وأنشطة في معاهد تحفيظ القرآن، إضافة إلى الجلسات الحوارية التي تتضمّن ندوات فكرية واستضافات لصحفيين ونشطاء، والمعارض التفاعلية لعرض التراث الفلسطيني والمنتجات البديلة، والحملات الميدانية المختلفة.

ونوّه إلى بن أنشطة الحملة تنتشر في سوريا بشكل رئيسي في دمشق وحلب وحماة واللاذقية وحمص، إلى جانب الوجود الرقمي على منصات فيسبوك وإنستغرام، موضحاً أن الفريق يتكوّن بشكل أساسي من شباب سوريين من خلفيات ومحافظات مختلفة، مع تعاون مع نشطاء وفنانين ومثقفين فلسطينيين في أنشطة محددة مثل الجلسات الحوارية، لكن الهيكل الإداري والتطوعي الأساسي سوري، وهناك تواجد فلسطيني خجول.

ولفت إلى أن رسالة الحملة تتمثل في “تحويل التضامن مع غزة من شعار إلى ممارسة يومية مسؤولة، وترسيخ هوية إسلامية تجعل من كل شاب حارساً للقضية الفلسطينية في فكره وسلوكه واقتصاده”.

وتحدّث عكاش عن أبرز التحديات التي تواجه الفريق، موضحاً أنها تشمل نقص التمويل المالي لطباعة المواد وتنظيم فعاليات أكبر، ووجود فئة غير مقتنعة بفعالية المقاطعة أو مشغولة بالهم المعيشي، إضافة إلى حساسية بعض الأنشطة الميدانية المباشرة. لكنه أشار في المقابل إلى وجود فرص كبيرة تتمثل في الزخم الشعبي الداعم للقضية الفلسطينية، وتدفّق طاقة شبابية مليئة بالحماس والإبداع، وقدرة الفضاء الرقمي على الوصول إلى شرائح أوسع، إلى جانب التعاون المتزايد بين الفرق والمبادرات المتقاربة في الرؤية.

وقال إن التفاعل الشعبي مع القضية الفلسطينية حقيقي وملموس لكنه ليس بالمستوى المطلوب بعد، مبيناً أن المقاطعة نجحت بشكل كبير على مستوى الأفراد خاصة في المنتجات الواضحة والدعائية، لكنها تحتاج لتعمّق أكثر على مستوى المنتجات الأقل وضوحاً ودعماً للاقتصاد المحلي البديل. وأشار إلى أن المشاركة في الأنشطة كالمحاضرات والوقفات واسعة، لكنها لا تزال محدودة على مستوى التطوع والتنظيم، مضيفاً أن التفاعل موجود وقياسي لكنه يحتاج إلى تأطير واستدامة وتحويله من ردّ فعل عاطفي إلى عمل مؤسسي دائم.

ورداً على سؤال حول غياب المظاهرات الضخمة كما في أوروبا، قال إن ذلك يعود إلى واقع أمني وسياسي مختلف في سوريا، حيث لا يمكن مقارنة حقّ التجمّهر في دولة مستقرة بحق التجمّهر في بيئة ما تزال تعاني تداعيات التدمير والحرب، إضافة إلى الهمّ المعيشي الذي يرهق الناس، مؤكداً أن التضامن لا يقتصر على المظاهرات بل يتجسّد في المقاطعة الاقتصادية التي يعدّها “المظاهرة اليومية والدائمة”. وأوضح أن توزيع البروشورات والدروس في المدارس والمحاضرات من أشكال المقاومة الأكثر استدامة وتأثيراً في السياق السوري، لافتاً إلى أن الإعلام الغربي يسلّط الضوء على المظاهرات في دوله بينما لا تحظى الأنشطة التوعوية والميدانية في مجتمعاتنا بنفس التغطية.

وتحدّث عكاش عن الخطط المستقبلية موضحاً أنها تشمل الإطلاق الرسمي للموقع الإلكتروني، والتوسع الجغرافي لتأسيس فرق ميدانية جديدة، والتعمّق المجتمعي من خلال التعاون مع الأئمة والخطباء وزيادة الزيارات للمدارس والجامعات، إضافة إلى تعزيز المقاطعة عبر بناء قاعدة بيانات للبدائل المحلية، وتعزيز شبكة الفرق التطوعية ببرامج تدريبية.

كما أشار إلى أن الفريق لا يملك أي مصدر تمويل خارجي أو داعم مؤسّسي كبير، وأن موارده الحالية تعتمد على التبرّعات الذاتية من أعضاء الفريق والمتعاطفين، والمساهمات العينية مثل طباعة البروشورات أو تأمين مكان لفعالية، إلى جانب الجهود التطوعية التي تمثّل رأس المال الحقيقي للحملة. وشدّد على حرص الفريق على الشفافية واستقلالية المبادرة وبقائها نظيفة ومعتمدة على المجتمع نفسه لدعم قضيته.

في السياق شهدت مدينة حلب الأربعاء الماضي نشاطاً ثقافياً نظمه فريق “شامنا غزة” تحت شعار “باقون ما بقي الزعتر والزيتون” بمشاركة عشرات المتطوعين والطلاب في أحد أحياء المدينة القديمة.

وتضمن النشاط معرضاً تفاعلياً للتراث الفلسطيني والمنتجات البديلة للمقاطعة، إلى جانب لوحات تعريفية عن رموز المقاومة الفلسطينية، وأركان تثقيفية للأطفال والشباب حول الهوية والذاكرة. الحدث الذي نقلت تفاصيله منصة شتات نيوز وقناة حلب اليوم، لقي تفاعلاً لافتاً من الزوار، واعتُبر من أكثر الفعاليات تأثيراً التي شهدتها المدينة خلال الأشهر الأخيرة، لما حمله من رسالة رمزية تؤكد أن الذاكرة الفلسطينية ما زالت حيّة في الوجدان السوري.

Share This Article