المسار : من قلب مخيم طولكرم الصامد، الذي يكافح منذ أكثر من عشرة أشهر ضد التهجير القسري، انطلقت اليوم فعاليات حملة “16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة”، لتصبح واحدة من أبرز الرسائل النسوية والوطنية التي شهدتها الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة.
وحضر الجميع من مختلف محافظات الضفة الغربية تقريبًا، حاملين صرخاتهم ورسائلهم إلى السماء، مطالبين بالعدالة والحماية وحق العودة إلى بيوتهم المسلوبة. وقد شكل حضورهم رسالة واضحة بأن المرأة الفلسطينية ليست وحيدة في مواجهة الاحتلال، وأن صمودها هو صدى المقاومة في كل مدينة ومخيم فلسطيني.

وقالت أم جهاد، رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، إن النساء الفلسطينيات يتحملن أعباء هائلة، من فقدان الأبناء والأزواج والمنازل، إلى رعاية الأسرة وسط غياب الأمن والحماية، مضيفة: “نحن هنا لنقول للعالم إن صمت المجتمع الدولي مساهمة في الجريمة.” كما أوضحت أن حملة هذا العام تركز على فضح الجرائم الإسرائيلية ضد النساء، وتسليط الضوء على العنف الجنسي ضد الأسيرات، وتوثيق الانتهاكات لتقديمها إلى المنصات الدولية المختصة.
كما شددت انتصار الوزير على أن صمود النساء هو رسالة قوية للعالم بأسره، وقالت: “المرأة الفلسطينية ليست ضحية صامتة، بل محور المقاومة والصمود في مواجهة آلة الاحتلال.” وأضافت أن المرأة الفلسطينية هي جزء أساسي من النضال الوطني، وأن دعمها وتمكينها مسؤولية سياسية وأخلاقية تقع على عاتق المجتمع الدولي.

وفي هذا السياق، أوضحت ندى طوير، رئيسة فرع الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في طولكرم ورئيسة اتحاد لجان العمل النسائي الفلسطيني، أن النساء الفلسطينيات ليسن مجرد ضحايا للتهجير والقصف والاحتلال، بل هن ركيزة الصمود الوطني والمقاومة الإنسانية. وأضافت: “حق العودة ليس مطلبًا سياسيًا فحسب، بل حق أساسي في الحياة والكرامة والتعليم والعلاج. ونحن في فرع الاتحاد نعمل على توحيد جهود النساء في المخيمات والمدن الفلسطينية، لنضع على الطاولة الدولية صوت النساء الفلسطينيات بكل وضوح وقوة.”
وتابعت ندى: “في المخيمات مثل طولكرم ونور شمس وجنين، تعيش النساء ظروفًا قاسية جدًا، حيث يُحرمن من الخصوصية والحماية، ويعانين من ضغوط نفسية هائلة بسبب النزوح المستمر وفقدان المنازل والدمار الذي طال حياتهن اليومية. بالإضافة إلى ذلك، الأسيرات الفلسطينيات يواجهن الانتهاكات داخل السجون الإسرائيلية، ما يجعل العدالة والضغط الدولي ضرورة عاجلة لضمان حماية النساء والفتيات ووقف هذه الجرائم المستمرة.”
وأكملت: “نحن هنا لنقول للعالم بأسره: المرأة الفلسطينية هي قلب المقاومة، وعليكم أن تتحملوا مسؤولياتكم الإنسانية والسياسية. صمت المجتمع الدولي ليس مجرد تجاهل، بل مشاركة ضمنية في الجريمة. لذلك نرفع صوتنا عالياً، ونؤكد أن حماية النساء الفلسطينيات ليست قضية جانبية، بل اختبار حقيقي لمصداقية المجتمع الدولي في الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة الدولية.”

كما شدد المحافظ عبد الله كميل على أهمية الوقوف الجاد إلى جانب النساء الفلسطينيات، مؤكدًا: “هذه الوقفة ليست رمزية، بل رسالة قوية بأن استمرار الانتهاكات لن يمر دون مساءلة، وأن دعم النساء في كفاحهن من أجل الحياة والكرامة واجب على الجميع، مؤسسات وأفرادًا.”

وفي السياق نفسه، أكدت وزيرة المرأة منى الخليلي على ضرورة تدخل المجتمع الدولي بشكل فوري لوقف جرائم الاحتلال وحماية النساء، وضمان وصول الدعم الإنساني والخدمات الصحية الأساسية للفتيات والنساء في المخيمات، مشددة على أن صمت العالم لم يعد مقبولًا أمام هذا الواقع المأساوي.
منذ عام 2023 وحتى الآن، يتعرض الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى التهجير القسري والتجويع والتدمير المنهجي للبنية التحتية. وفي المقابل، تتحمل النساء عبء الحفاظ على حياة أسرهن وسط الدمار المستمر، بينما تتراجع الخصوصية والأمان في مراكز الإيواء. كما تتكرر حالات النزوح وفقدان المساكن في غزة بسبب القصف المستمر، ما يترك النساء والفتيات في حالة صدمة مستمرة، مع آثار طويلة المدى على الصحة النفسية والجسدية، ويزيد من صعوبة استعادة الحياة الطبيعية بعد كل موجة تدمير.
وفي الوقت نفسه، تواجه النساء المعتقلات داخل السجون الإسرائيلية اعتداءات جنسية وتعذيب جسدي ونفسي ممنهج. وتشير الشهادات إلى أن هذه الانتهاكات ليست فردية، بل جزء من سياسة ممنهجة تُستخدم فيها أجساد النساء كسلاح حرب، في انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني. وتشمل الانتهاكات الاغتصاب والتحرش، التعذيب النفسي والإذلال، وحرمان الأسيرات من العلاج والرعاية الصحية الأساسية. وعليه، تُصنف هذه الجرائم وفق اتفاقية مجلس الأمن الدولي رقم 1325 كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلا أن المجتمع الدولي لا يزال عاجزًا عن محاسبة الجناة أو تقديمهم للمحاكمة.
وركزت حملة هذا العام على فضح الجرائم الإسرائيلية ضد النساء الفلسطينيات وتسليط الضوء على الانتهاكات داخل السجون، وتقديم الشهادات والوثائق للمنصات الدولية لدفع المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية. بالإضافة إلى ذلك، تضمنت المطالبة بالحماية الدولية للنساء والفتيات، ومنع التهجير وتوفير مأوى آمن وخدمات صحية عاجلة، والإفراج الفوري عن الأسيرات ومحاسبة الجناة، وضمان زيارات دورية من الصليب الأحمر، وحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وضمان استمرار عمل وكالة الغوث (الأونروا) بكامل صلاحياتها، وتعزيز القوانين الوطنية لحماية الأسرة الفلسطينية من العنف وربطها بالمعايير الدولية لضمان العدالة والمساواة وعدم التمييز.

وبدأت الوقفة الرسمية في مدينة طولكرم بالسلام الوطني وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء، ثم انطلقت المسيرة باتجاه مخيم طولكرم الصامد، الذي يعاني التهجير والقصف المستمر منذ أكثر من عشرة أشهر. وهتف المشاركون: “نعم لحريّة النساء… نعم للعدالة… نعم لتطبيق القرارات الدولية في فلسطين!”، مؤكدين أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول تقويض حلم الدولة الفلسطينية من خلال التهجير والتدمير الممنهج للبنية التحتية، وتحويل المنازل إلى ثكنات عسكرية، وشق الطرق في أزقة المخيم لتغيير التركيبة السكانية والجغرافية.
وكانت الرسالة التي حملتها النساء الفلسطينيات واضحة: وقف جرائم الاحتلال، حماية النساء والأطفال، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره على أرضه، وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس. أم جهاد شددت على أن الحملة ليست موسمية، بل هي فعل مقاوم ورسالة إلى العالم بأن النساء الفلسطينيات لن يخرجن من صراعهن من أجل الحرية والعدالة، فيما اختتمت ندى طوير بالقول: “النساء الفلسطينيات يطالبن بحق العودة، وبحياة كريمة، وبالسلام والأمان. علينا جميعًا، مؤسسات وأفراد، الوقوف بجانبهن بكل قوة.”
وفي الختام، يثبت صمود النساء الفلسطينيات أن الإرادة الحرة لا تُقهر بالتهجير أو القصف أو الاعتقال. لقد حملن عبء المأساة وحافظن على كرامة أسرهن وأرضهن، ووقفن أمام العالم كله ليعلنّ أن العنف لن يمر دون مساءلة، وأن الحقوق لن تُسلب دون مقاومة. حملة “16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة” ليست مجرد حدث رمزي، بل صرخة وطنية وحقوقية، ورسالة للمجتمع الدولي أن المرأة الفلسطينية ليست ضحية صامتة، بل ركيزة الصمود والمقاومة، وأن حماية حقوقها مسؤولية عالمية لا تحتمل التأجيل.

