بقلم: مئير كراوس
إقامة دولة فلسطينية هي مصلحة امنية وسياسية وهوياتية واضحة لدولة إسرائيل. حل الدولتان لشعبين هي الطريقة الوحيدة لحل النزاع وسفك الدماء ومنح الامن لإسرائيل. هذه أيضا الطريقة الوحيدة للحفاظ على الطابع اليهودي والديمقراطي لدولة إسرائيل وتطبيق قيمها الأخلاقية والحفاظ على مكانتها في أسرة الشعوب.
في المقال الذي نشره هنا آفي غارفنكل قبل شهر (“هآرتس”، 28/10) طلب من الكتاب مواجهة مخاوف الجمهور الواسع من إمكانية ان تشكل الدولة الفلسطينية التي ستقام خطر وجودي على إسرائيل. وحسب قوله فان المؤيدين للدولة الفلسطينية ينظرون الى مواقفهم كاساس ايماني ليس بحاجة الى اثبات. أنا اريد مناقشة التحدي الذي وضعه غارفنكل امام كل من يريد انهاء النزاع بيننا وبين الفلسطينيين.
التحدي الذي يقف امامنا هو وبحق ضمان وجود دولة إسرائيل، على افتراض انه ستقام الى جانبها دولة فلسطينية. هذا يحتاج الى نقاش موضوعي وعقلاني يتعلق بكل مجالات الامن الوطني بجوانبه العسكرية والسياسية والاقتصادية والقيمية. ورفض تام لامكانية وجود امن لإسرائيل الى جانب دولة فلسطينية يصل هو أيضا الى درجة أساس ايماني.
للفلسطينيين، مثلما لليهود، يوجد حق لتقرير المصير في هذه البلاد، وهذا الحق يستحقونه بدون صلة بنا. الفلسطينيون هم أبناء البلاد منذ أجيال طويلة. ولديهم هوية وطنية مميزة وهم يريدون تجسيد حقهم هذا. القرار 181 للأمم المتحدة الصادر في العام 1947 بشان تقسيم البلاد الى دولتين – دولة يهودية ودولة عربية – يرتكز على حق الشعبين في تقرير المصير.
ان رفض الفلسطينيين في حينه كان خطأ تاريخي فظيع، الذي بسببه دفعوا ويدفعون ثمنا باهظا وكذلك نحن أيضا. ولكن هذا الرفض لا ينفي الحق الذي يستحقونه، خاصة بعد ان اعترفوا في 1988 في اعلان استقلالهم بدولة إسرائيل ووافقوا على قرار التقسيم وقرارات الأمم المتحدة 242 و338، التي تعني موافقة على دولة في حدود 1967. ان اعتراضنا على حق الفلسطينيين في تقرير المصير يجر خلفه اعتراض على حقنا نحن. هذا ليس خطرا مستقبليا، بل خطرا آنيا. امام انظارنا يعترضون على حق وجود دولة إسرائيل، وهذا سيزداد كلما تباطأنا في حل النزاع.
لضمان وجود دولة إسرائيل الى جانب دولة فلسطينية، لا بد من ترتيبات توفر استجابة ملموسة للتحديات الأمنية، بما في ذلك: نزع سلاح الدولة الفلسطينية؛ أسس تضمن استقرارها وتمنع اضعافها على يد جهات معادية؛ قدرة إسرائيل على التدخل لمنع الاخطار وضمانات دولية. وستشمل هذه الترتيبات تفعيل حق العودة الى الدولة الفلسطينية، وتحدد التزام أي قيادة فلسطينية بالسلام وانهاء كل المطالبات بين الطرفين.
هذا الواقع سيكون مختلف في أساسه عن الواقع الذي كان قائما عند الانسحاب من لبنان أو الانفصال عن غزة – الانسحابات التي نفذت من جانب واحد بدون اتفاقات وبدون نقل المسؤولية عن الأراضي الى جهة معينة، وبالطبع بدون انهاء الصراع. ان قيادة دولة فلسطينية من شانه ان يلبي التطلعات الوطنية الفلسطينية ويشجع الفلسطينيين الذين يسعون الى السلام – يوجد بعضهم – وسيعزز مكانتهم في المجتمع، ويتيح لهم الازدهار والتركيز على بناء دولتهم. بالتالي، هناك فرصة حقيقية لان يرسخ قيام دولة فلسطينية رغبة فلسطينية واضحة في السلام مع إسرائيل، الامر الذي يقلل بشكل كبير من دوافع النضال العنيف ضدنا.
ما دمنا نسيطر على الفلسطينيين فهم سيستمرون في قتالنا ونحن سنستمر في قتلهم وتعريضهم للقتل. ان استمرار السيطرة على الشعب الفلسطيني يعني صراع مستمر، في دورات تصعيد دموية متزايدة، الامر الذي يقتضي تخصيص قوات وموارد ضخمة. ما دمنا ندير الصراع ستلجأ القوى الجهادية وغيرها من القوى التخريبية الى العنف لتقويته بهدف اضعاف إسرائيل. البديل للتنازل عن الأرض هو “ان نبقى على حد السيف الى الابد” – حرب مستمرة تكلفنا الدماء والارواح والموارد. لقد اختبرنا هذا مرارا، وخلافا لمحاولات إعادة كتابة التاريخ يجدر بنا ان نتذكر بان كارثة 7 أكتوبر وقعت اثناء إدارة الصراع، وليس اثناء محاولة حله. ان الفرصة الوحيدة لتحقيق السلام والامن لإسرائيل هي من خلال تقسيم البلاد وإقامة دولة فلسطينية.
ان استمرار النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني منذ قرن تقريبا، واستمرار وضع الاحتلال هذا لستين سنة تقريبا، اضر بمكانة إسرائيل الدولية بشكل كبير. فقد اعترفت اكثر من 150 دولة بالدولة الفلسطينية. وفي نفس الوقت تعيد دول كثيرة تقييم علاقاتها مع إسرائيل وتفحص اتخاذ خطوات – علنية وسرية – لتقليص العلاقات والضغط على إسرائيل للمضي قدما في التسوية. وقد تكثفت هذه الخطوات مع حرب غزة، ويمكن ان تلحق ضرر كبير بامن إسرائيل واقتصادها. ان انهاء الاحتلال والمضي قدما في انهاء الصراع وإقامة دولة فلسطينية سيحدث تغييرا جذريا في مكانة إسرائيل في العالم وسيعيد الثقة بها.
دولة فلسطينية ستخلق عنوان سياسي مسؤول يلتزم بالاتفاقات ومعايير المجتمع الدولي، عنوان نفتقده جدا في الواقع الحالي. ان اقامتها ستمكن من تطوير علاقات مع دول كثيرة، عربية وإسلامية، وستفتح الباب امام اندماج إسرائيل في المنطقة، الذي سيشمل تحالفات اقتصادية، امنية وسياسية، مع دول المنطقة، التي ستضمن مستقبل إسرائيل وازدهارها.
ان استمرار الوضع القائم وعدم الانفصال عن الفلسطينيين سيؤدي بإسرائيل آجلا أم عاجلا الى واقع الدولة الواحدة. الشعب اليهودي يريد دولة يهودية تعكس هويته، ولا يرغب في دولة ثنائية القومية. كما يريد شعب إسرائيل دولة ديمقراطية تقوم على “أسس الحرية والعدالة والسلام في ضوء رؤيا انبياء إسرائيل”. هذه كانت وما زالت الرسالة التي اخذتها الحركة الصهيونية على عاتقها. ان واقع الدولة الواحدة يعني دولة ثنائية القومية وليس دولة يهودية، أو دولة فصل عنصري غير ديمقراطية.
ان استمرار السيطرة على الفلسطينيين، وما يتوقع ان يعقب ذلك من دورات عنف، سيظل يشكل تحديا للقيم الأخلاقية لدولة إسرائيل. ان الحاجة الى الحفاظ على الامن في ظل هذه الظروف ستؤدي بنا حتما الى انتهاك قيمنا الأخلاقية. التجربة علمتنا انه لا وجود لـ “احتلال مستنير”، ولا سبيل للسيطرة على الفلسطينيين مع الحفاظ على قيم أخلاقية في نفس الوقت. ان التكاليف الداخلية لفقدان هذه القيم الأخلاقية باهظة، وتصل الى درجة اثارة تساؤلات عميقة حول الهوية. وقد تجلت العواقب الخارجية لهذه الخسارة بشكل حاد في حرب غزة، حيث فقدنا ثقة الكثير من الدول – بعضهما من أصدقائنا القدامى – في إمكانية التمسك بحقنا في الدفاع عن النفس مع احترام قوانين الحرب والقيم الأخلاقية.
ان سيطرتنا على الفلسطينيين لسنوات طويلة جدا هي في جوهرها قضية غير محلولة للصهيونية. قضية تقوض ايماننا بعدالة الطريق وتقوض الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة. ان إقامة دولة فلسطينية هي تصحيح ضروري أيضا من اجلنا.
ان استمرار الصراع سيدفع إسرائيل الى تخصيص معظم مواردها للامن بدلا من استثمارها في التنمية الثقافية والروحية، وفي تطوير رأس المال البشري والازدهار الاقتصادي. ان قيام دولة فلسطينية هي امر أساسي لضمان هوية إسرائيل وامنها ومكانتها الدولية وازدهارها. وكلما اسرعنا في فهم هذا الامر والعمل على تحقيقه فان ذلك افضل. وكلما تاخرنا في إقامة دولة فلسطينية، تأخر وصول الشعبين الى لحظة المفاوضات بينهما، هذا اذا وصلت أصلا، مع خيارات اقل وصدمات اكبر.
الاخطار الأمنية، السياسية والقيمية، النابعة من بديل استمرار السيطرة على الفلسطينيين، وعدم إقامة دولة فلسطينية، هي اكثر خطرا من الاخطار الكامنة في اقامتها. في 1948 ارتكب الفلسطينيون خطأ حياتهم ورفضوا خطة التقسيم. الثمن الذي دفعوه ويدفعونه حتى الان بسبب رفضهم هو باهظ جدا. يجب علينا عدم السير في طريقهم وان نرتكب نفس الخطأ.

