المسار : لا تستطيع البنوك الفلسطينية العاملة في مناطق السلطة الفلسطينية التواصل ماليًا مع العالم من دون المرور عبر البنوك الإسرائيلية، وذلك بموجب الاتفاقيات الاقتصادية والمالية الموقّعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية…
انتهت مساء الأحد، 30 تشرين الثاني/نوفمبر، مدة الضمانات التي تقدّمها وزارة المالية الإسرائيلية لبنكي “هبوعليم” و”مركنتيل”، وهما القناة الأساسية لارتباط البنوك الفلسطينية العاملة في مناطق السلطة الفلسطينية بالنظام المالي الدولي. ومن المتوقع أن تمدّد وزارة المالية هذه الضمانات لمدة أسبوعين إضافيين قبل اتخاذ قرارها النهائي بشأن الاستمرار في توفيرها أو إلغائها.
تأتي هذه الضمانات بهدف حماية هذين البنكين من أي تبعات قد تنشأ جرّاء علاقتهما بالمصارف الفلسطينية، لا سيّما في ما يتعلق باتهامات “غسل الأموال” أو ما تسميه إسرائيل بـ”دعم الإرهاب”، خصوصًا في ما يرتبط بحسابات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. ومن دون هذه الضمانات، سيقوم البنكان الإسرائيليان بقطع علاقاتهما مع البنوك الفلسطينية، ما سيؤدي تلقائيًا إلى فصل البنوك الفلسطينية عن النظام المصرفي العالمي – وبالتالي عزل الاقتصاد الفلسطيني عن العالم فعليًا.
لا تستطيع البنوك الفلسطينية العاملة في مناطق السلطة الفلسطينية التواصل ماليًا مع العالم من دون المرور عبر البنوك الإسرائيلية، وذلك بموجب الاتفاقيات الاقتصادية والمالية الموقّعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ونتيجة لذلك، تصبح هذه البنوك مرتهنة بالكامل لقرارات وموافقة الحكومة الإسرائيلية، وخاضعة لسياسات بنك إسرائيل ووزارة المالية الإسرائيلية، الأمر الذي يجعل النظام المصرفي الفلسطيني معتمدًا كليًا على الإرادة السياسية والاقتصادية الإسرائيلية.
منذ تولّيه منصب وزير المالية، استغلّ بتسلئيل سموتريتش في عدة مناسبات اعتماد الجهاز المصرفي الفلسطيني على الضمانات التي تقدّمها وزارة المالية الإسرائيلية، ليهدّد بقطع ارتباط البنوك الفلسطينية بالنظام المصرفي العالمي، وبالتالي توجيه ضربة مباشرة للاقتصاد الفلسطيني قد تؤدي إلى انهياره.
وفي المرة الأخيرة التي استخدم فيها سموتريتش هذه الصلاحية كانت قبل نحو عام، حين تقرّر تمديد الضمانات لمدة سنة إضافية. وخلال هذه السنة، كان من المفترض أن تُنجز لجنة مهنية عملها بهدف إجبار البنوك الفلسطينية على الموافقة على تطبيق سياسات تمنع غسل الأموال و”تمويل الإرهاب”، أي الخضوع الكامل لشروط الرقابة الإسرائيلية.
موقف بنك إسرائيل يعارض وقف الضمانات للبنوك الإسرائيلية، ويؤيّد استمرار عمل البنوك الفلسطينية عبر قناة البنوك الإسرائيلية، وكذلك استمرار ارتباط السلطة الفلسطينية بالشيكل الإسرائيلي. هذا كان أيضًا موقف جهاز المخابرات العامة (الشاباك)، الذي حذّر من التداعيات الأمنية والاقتصادية لوقف الضمانات ومن انهيار الاقتصاد الفلسطيني. كما مارست الإدارة الأميركية ضغوطًا على الحكومة الإسرائيلية من أجل استمرار هذا الترتيب ومنع انهيار الاقتصاد الفلسطيني. وعلى ما يبدو، ستقوم الحكومة الإسرائيلية بتمديد الضمانات، ولو بشكل مؤقت، تجنّبًا لانهيار اقتصاد السلطة الفلسطينية.
إن ارتباط عمل وأداء البنوك الفلسطينية بقنوات البنوك الإسرائيلية، واعتماد الشيكل كعملة رسمية في مناطق السلطة الفلسطينية، يثقل كاهل الاقتصاد الفلسطيني ويعمّق تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي. غير أن هذه ليست الجوانب الوحيدة التي تتيح لإسرائيل التحكّم بالاقتصاد الفلسطيني؛ فإلى جانب ذلك، حدّدت اتفاقية باريس الاقتصادية إطارًا جمركيًا مشتركًا بين إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية، وربطت السوق الفلسطينية بالكامل بآليات إدخال السلع والمنتجات والخدمات عبر البوابة الإسرائيلية. كما جعلت سوق العمل الإسرائيلي السوقَ المركزي المتاح أمام القوى العاملة الفلسطينية. وفوق ذلك، يدفع المواطن الفلسطيني ضريبة قيمة مضافة مساوية لتلك المفروضة في إسرائيل، ما يرفع أسعار السلع والخدمات داخل الاقتصاد الفلسطيني ويزيد من العبء المالي على الأسر والقطاعات الاقتصادية المختلفة.
تحوّل هذه الشروطُ الاقتصادَ الفلسطيني إلى رهينة للسياسات الإسرائيلية، إذ تتحكّم إسرائيل بمستوى التطور والنمو، وبمعدلات البطالة والفقر، وبمستويات الدخل. وقد ظهر ذلك جليًا في العديد من المحطات منذ توقيع اتفاقية باريس الاقتصادية عام 1995، وبصورة أكثر حدّة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
المصدر … عرب٤٨

