المسار ( عن قدس برس): أثارت رسالة منسوبة إلى سفير السلطة الفلسطينية السابق في لبنان، أشرف دبور، جدلًا واسعًا في الأوساط الفلسطينية، عقب تضمّنها اتهامات خطيرة تتعلق ببيع مبنى تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية والأرض المحيطة به في العاصمة اللبنانية بيروت، وما رافق ذلك من تساؤلات حول الشفافية، وآليات التصرف بالمال العام، ومصير العائدات المالية.
وفتحت الرسالة، التي وُجّهت إلى الرأي العام الفلسطيني، بابًا واسعًا من الأسئلة حول إدارة ممتلكات منظمة التحرير خارج الأراضي الفلسطينية، ودور المؤسسات الرسمية والتنظيمية في الرقابة والمحاسبة، في ظل صمت رسمي حتى اللحظة، ومطالبات متزايدة بتوضيح الحقائق ووضعها أمام الشعب الفلسطيني.
وفي هذا الإطار، قال مصدر قيادي من داخل اللجنة المركزية لحركة فتح لـ”قدس برس”، اليوم الثلاثاء، إن “(فتح) تتعامل مع ما أُثير حول ملف ممتلكات منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان ضمن الأطر التنظيمية والمؤسساتية المختصة، بعيدًا عن السجال الإعلامي، نظرًا لحساسية المرحلة ودقة الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية”.
فراس ياغي: تسريبات دبور تكشف أزمة قيادة وفوضى مؤسسية
واعتبر المحلل السياسي الاستراتيجي فراس ياغي أن “ما نشره دبور، بشأن بيع أملاك منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، يكشف عن أزمة عميقة في القيادة الفلسطينية والنظام السياسي الداخلي، ويعكس مشكلات مزمنة في الشفافية والمساءلة”.
وقال ياغي، في تصريح خاص لـ”قدس برس”، إن “الشعب الفلسطيني يتساءل منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عن مدى جدية مواجهة الفساد، وإن وجود هيئات رسمية مثل هيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة الإدارية والمالية لم يمنع استمرار الفساد، بل ساهم، في بعض الحالات، في تعميقه”.
وأضاف أن “الفساد أصبح ظاهرة متجذّرة في بنية السلطة، مرتبطة بالمصالح الشخصية والامتيازات والرواتب، وهو واقع مؤلم يزيد من فقدان الثقة لدى المواطنين”.
وأشار إلى أن “التسريبات الأخيرة المتعلقة بأملاك منظمة التحرير في لبنان، والتي اتهم فيها السفير دبور بوجود شائبة فساد كبيرة في عملية البيع، جاءت لتفاقم حالة الإحباط واليأس لدى الجمهور الفلسطيني، خاصة في ظل غياب أي إعلان رسمي أو توضيح من اللجنة التنفيذية أو الصندوق القومي حول هذه العمليات”.
وأوضح ياغي أن “خروج هذه الاتهامات بعد إقالة السفير دبور من منصبه دفع شريحة من الفلسطينيين إلى النظر إليها بوصفها تصفية حسابات أو انتقامًا شخصيًا، أكثر من كونها دعوة حقيقية للإصلاح، إلا أن دبور، في الوقت ذاته، يحظى باحترام واسع بين أبناء الشعب الفلسطيني في لبنان، ويُعرف بمواقفه الوطنية”.
وأشار إلى أن “ما كشفه السفير يعكس صراعًا داخليًا وأزمة قيادة وفوضى مؤسسية، في ظل غياب واضح للرقابة والمساءلة، وعدم وجود نظام قانوني فاعل يحكم إدارة أصول المنظمة، حيث تُدار الأمور في كثير من الأحيان وفق حسابات شخصية وتصفيات داخلية”.
وحول واقع منظمة التحرير الفلسطينية، قال ياغي إن “المنظمة لم تتآكل فحسب، بل باتت تأكل نفسها بنفسها، وأصبحت غائبة عن المشهد الوطني، واقتصر دورها على إصدار البيانات والعلاقات العامة، بدلًا من تمثيل الشعب الفلسطيني تمثيلًا حقيقيًا وفاعلًا”.
وأضاف أن “أي إصلاح حقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني بمشاركة جميع القوى دون شروط أو تدخلات خارجية، إلى جانب تجميد أي إجراءات تتعلق بأملاك المنظمة وعقاراتها إلى حين انتخاب قيادة جديدة، وضمان الشفافية والمكاشفة الكاملة أمام الشعب الفلسطيني”.
وشدّد على أن “غياب الرقابة على أملاك المنظمة في لبنان، وعدم وجود قرار واضح من اللجنة التنفيذية أو إشراف مباشر من الصندوق القومي، يجعل أي عملية بيع مشوبة بالغموض، ويثير تساؤلات جدية حول احتمال وجود فساد أو تصفية أصول، خصوصًا في ظل مؤشرات انسحاب تدريجي من المشهد الفلسطيني في لبنان”.
وأوضح أن “النظام الداخلي للمنظمة يمنح الصندوق القومي الصلاحية الحصرية لإدارة الأصول، ويخضع رئيس الصندوق المنتخب للمساءلة أمام المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، ما يعني أن أي تصرف خارج هذا الإطار يُعد غير قانوني ويهدد الشرعية المؤسسية”.
وختم ياغي بالقول إن ما كشفه السفير دبور “يستدعي إجراءات عاجلة لإصلاح المنظمة واستعادة ثقة الشعب بها، عبر محاسبة كل من له صلة بالملفات المشبوهة، وتفعيل القيادة المؤقتة وفق اتفاق بيروت، وضمان إدارة أصول المنظمة بما يخدم المصالح الوطنية لا المصالح الشخصية أو الفئوية”.
عبد المجيد سويلم: أزمة خطيرة تهدد النظام السياسي والحالة الوطنية
بدوره، حذّر الأكاديمي عبد المجيد سويلم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، من أن “ما يجري في ملف إدارة ممتلكات منظمة التحرير الفلسطينية يعكس أزمات مستعصية بلغت مستويات خطيرة، ليس على صعيد النظام السياسي فحسب، بل على مستقبل الحالة الوطنية الفلسطينية برمّتها”.
وقال سويلم، في تصريح خاص لـ”قدس برس”، إن “هذه التطورات تمثل مظهرًا من مظاهر أزمة أعمق يعيشها النظام السياسي الفلسطيني، في ظل صراع على النفوذ، وتفرّد في اتخاذ القرار، ومحاولات للسيطرة على مقدّراته بعيدًا عن الأطر الوطنية والمؤسسات المنتخبة”.
وأشار إلى أن “منظمة التحرير جرى تهميشها خلال السنوات الماضية، حتى باتت، عمليًا، كيانًا ملحقًا بالسلطة الفلسطينية، وفقدت دورها التاريخي كقيادة تمثيلية جامعة للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات”.
وأكد أن “استعادة الثقة الشعبية لا يمكن أن تتحقق إلا بإنهاء الانقسام الفلسطيني، والذهاب إلى انتخابات شاملة تُنتج قيادة منتخبة تعبّر عن الإرادة الشعبية، وتعيد الاعتبار للمؤسسات والشرعية الوطنية”.
وشدّد على أن “ملف بيع ممتلكات منظمة التحرير هو قرار وطني جامع لا يحق لأي جهة التفرد به، وأن هذه الممتلكات هي ملك للشعب الفلسطيني، ويجب أن تعود عائداتها إلى الخزينة العامة ضمن إجراءات قانونية شفافة”.
أمجد شهاب: أزمة شرعية وانسداد داخلي
من جهته، اعتبر الأكاديمي أمجد شهاب، أستاذ العلوم السياسية والقانون العام ورئيس كلية المقدسي، أن “التسريبات المتداولة حول بيع ممتلكات منظمة التحرير في بيروت تعكس حالة انسداد سياسي داخلي كامل، وغيابًا تامًا للمساءلة والرقابة”.
وقال شهاب، في تصريح خاص لـ”قدس برس”، إن “هذه القضية ليست معزولة، بل تأتي ضمن سلسلة ملفات فساد كبرى شهدتها الساحة الفلسطينية خلال السنوات الماضية، وأسهمت في تعميق أزمة الثقة وتآكل الشرعية”.
وأكد أن “ممتلكات منظمة التحرير هي ملك للشعب الفلسطيني، ولا يملك أي شخص أو جهة حق التصرف بها خارج إطار القانون والشرعية الوطنية، وأن التفريط بها يمثّل مساسًا مباشرًا بالحقوق الجماعية وبالذاكرة السياسية الفلسطينية”.
رسالة دبور
أحرار فتح” في لبنان: نرفض استبدال السفير أشرف دبور وسنواجه أي عبث سياسي يهدد استقرار الساحة – وكالة قدس برس للأنباء : وكالة قدس برس للأنباء
وكان دبور، قد فجّر جدلًا واسعًا عقب نشره رسالة تحدث فيها عن بيع مبنى تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية والأرض المحيطة به في بيروت، واصفًا العملية بأنها جرت بطريقة “مريبة”، على حد تعبيره.
وأوضح دبور أنه، وبعد تأكده من صحة خبر البيع، تواصل مع أحد أعضاء اللجنة المكلّفة، ليفاجأ بعرض مبلغ مالي قدره 500 ألف دولار أميركي، وُصف بأنه “عربون تقدير”، من أصل ثمن إجمالي قُدّر بملايين الدولارات، معتبرًا ذلك محاولة لإسكاته ومنعه من كشف الحقيقة.
وأكد دبور أن هذه الممتلكات هي ملك لمنظمة التحرير والشعب الفلسطيني، وأن التصرف بها يجب أن يتم ضمن إطار قانوني ومؤسسي واضح، مشددًا على عزمه تقديم كل ما يمتلكه من وثائق ومعلومات ضمن دعاوى قضائية أمام الجهات المختصة في فلسطين ولبنان، بهدف الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة.
المصدر .. من وكالة قدس برس

