د. رشيد الخالدي: على واشنطن التفكير مرتين قبل أن تورطها إسرائيل بنكبة ثانية

حذّرَ البرفسور رشيد الخالدي، أستاذ الدراسات العربية بجامعة كولومبيا، ومؤلف كتاب “حرب المئة عام على فلسطين”، الولايات من المتحدة من خطط إسرائيل في غزة، قائلاً إن عليها التفكير مرتين، قبل دعمها.

وفي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، قال الخالدي إن إسرائيل أمرت أكثر من مليون شخص في شمال غزة بالجلاء، على ما يبدو تحضيراً للهجوم البري. ويبدو أن الإستراتيجيين العسكريين يخططون إلى تهجير، وإعادة احتلال  جزء من المنطقة التي يعيش فيها 2.3 مليون شخص، نصفهم من الأطفال، ومعظمهم أحفاد الذين شردوا من بيوتهم أثناء الحرب العربية- الإسرائيلية في  1948. و”علينا معرفة أن هؤلاء هم بشر عرضة للخطر الشديد وليسوا مجرد أرقام”.

الخالدي: على الرئيس بايدن ومستشاريه أن يسألوا أنفسهم حول الكيفية التي سيخدم فيها تهجير جماعي آخر للفلسطينيين الأمن القومي الأمريكي

وأشار لما كتبه الجنرال المتقاعد غويرا إيلاند في صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “ليس أمام دولة إسرائيل أي خيار إلّا تحويل غزة لمكان لا يمكن العيش فيه لفترة مؤقتة أو دائمة”، مضيفاً أن “خلق أزمة إنسانية في غزة وسيلة ضرورية لتحقيق الهدف”. وقال: “ستصبح غزة مكاناً لن يوجد فيه أي إنسان”. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت: “نحن نقاتل حيوانات بشرية، ونتصرف بناء على ذلك”. وأعلن الجنرال غسان عليان إنه “لن يكون في غزة لا ماء أو كهرباء، بل دمار طلبتم الجحيم وحصلتم عليها”.

وسيكون إفراغ غزة من سكانها عملاً غير إنساني، وخرقا للقانون الدولي، وعلى الرئيس جو بايدن ومستشاريه أن يسألوا أنفسهم حول الكيفية التي سيخدم فيها تهجير جماعي آخر للفلسطينيين الأمن القومي الأمريكي.

 وكارثة كهذه ستكون بمثابة نكبة ثانية، كتلك التي حدثت في 1948. وستكون الولايات المتحدة، والحالة هذه، شريكاً لإسرائيل في خلق مستقبل للفلسطينيين لا يمنح إلا الموت المستمر والدمار والتهجير والاستعباد الدائم والطرد.

وهاجمت القوات الإسرائيلية غزة ست مرات من عام 2006 حتى الحصار الأخير، واستشهد حوالي 4.000 فلسطيني. وبحسب منظمة حقوق الإنسان في القدس “بيتسيلم”، فإن الأرقام هي كالتالي: 405 في 2006 و 1.391 في 2008 و 2009 و 167 في 2021 و2.203 عام 2014 و  232 في 2021 و 33 في 2022، وفي كل مرة تفوّق عددُ الضحايا المدنيين على المقاتلين. ولا تزال المنطقة تحت سيطرة فعلية للجيش الإسرائيلي، مع أن “حماس” هي التي تدير غزة، والجيش هو الجهة المحتلة حسب الأمم المتحدة وبعض المنظمات الحقوقية. وهو فعلاً القوة المحتلة، نظراً لقدرة إسرائيل على قطع الكهرباء والماء والطعام والوقود عن القطاع.

ويقول الخالدي، إن إدارة بايدن عرضت مساعدة غير مشروطة لإسرائيل في هجومها على غزة، معتمدة على مقتل حوالي 900 إسرائيلي مدني ومئات من الجنود وعناصر الشرطة، خلال هجوم “حماس” وأسر 150 شخصاً تقريباً.

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة فقد وصلت حصيلة الشهداء في غزة والضفة الغربية، حتى يوم السبت، إلى 2.228، ومعظم القتلى على الجانبين هم من المدنيين، منهم 724 طفلاً في غزة، حسب المنظمة الدولية للدفاع عن الأطفال.

 ويجب علينا الملاحظة أنه، وقبل هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، استشهد، منذ بداية العام، 200 فلسطيني على الأقل في الضفة الغربية، وقتل 30 إسرائيلياً. وبشكل ملحوظ، فإن خسارة حياة الفلسطينيين لم تترك أثراً كبيراً على السياسة الأمريكية، وبالنسبة للبعض فحياة المدنيين الأبرياء ليست متساوية. وفي نفس الوقت، فإن الدبلوماسيين الأمريكيين أظهروا رغبة لأن تقوم مصر باستقبال الفلسطينيين الذين ستطردهم إسرائيل من غزة.

ويقول الخالدي: “هذه الأصداء من 1948 ربما كانت البداية.

الخالدي: حان الوقت لكي تتوقف الولايات المتحدة عن ترديد الكلمات الفارغة حول حلّ الدولتين، في وقت توفر المال والأسلحة والدعم الدبلوماسي للأعمال الإسرائيلية التي جعلت الحل غير قابل للتصور

 فلو شجعت واشنطن إسرائيل على هذا الطريق، فإنها ستشعل حرباً إقليمية أوسع، فخروج وطرد ربع فلسطينيي حيفا ويافا وطبرية وبيسان والمناطق الأخرى، وقبل إعلان دولة إسرائيل، في أيار/مايو، أشعل أول حرب بين الدول العربية وإسرائيل. وأدت الحرب إلى طرد وهروب الفلسطينيين في 1948، وتشريد ما مجموعه 750.000 شخص، وساعد على حرب مستمرة منذ عقود.

وكانت المرة الأخيرة التي سمح فيها رئيسٌ ومستشاروه للغضب أن يكون محرّكاً للسياسة، وبخسارة على قاعدة لا يمكنها تخيّلها، هي في مرحلة ما بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر، عندما أطلقوا العنان لحربين كارثيتين في التاريخ الأمريكي، دمّرتا بلدين، والتسبب بوفاة نصف مليون أو أكثر، وجعل الكثير من الناس حول العالم يمقتون أمريكا.

ويقول الخالدي: “نحن على حافة قرار مصيري في واشنطن، وبشأن دعم أفعال إسرائيل في غزة، وقد يورّط الولايات المتحدة بشكل كامل بما سيحصل لاحقاً، سواء عرف بهذا بايدن وفريقه بهذا، أم لم يعلموا”.

 و”قد حان الوقت لكي تتوقف الولايات المتحدة عن ترديد الكلمات الفارغة حول حل الدولتين، في وقت توفر فيه المال والأسلحة والدعم الدبلوماسي للأعمال الإسرائيلية المنظمة والمحسوبة، والتي جعلت الحل غير قابل للتصور، وهي تقوم بهذا منذ نصف  قرن”.

و “قد حان الوقت لكي تتوقف الولايات المتحدة عن الإذعان والقبول لاستخدام إسرائيل العنف، والمزيد من العنف، في ردها على الفلسطينيين الذين يعيشون تحت احتلال خانق منذ 56 عاماً”. و”قد حان الوقت لكي تقبل الولايات المتحدة  للاعتراف بأن احتكار الولايات المتحدة الجهود التي أطلق عليها، وبشكل مأساوي، وبغير اسمها، العملية السلمية، قد ساعد إسرائيل على ترسيخ ما أطلقت عليه عدة منظمات دولية لحقوق الإنسان بنظام الفصل العنصري الذي أدى لمزيد من الحروب والمعاناة”. و”الحل الوحيد، هو ذلك الذي ينهي اضطهاد شعب لشعب آخر، ويضمن حقوقاً متساوية، وأمناً للجميع”.