قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن إسرائيل تتعمد تعميق أزمة التجويع الكارثية لجميع سكان قطاع غزة، بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم على نحو شديد ومتواصل، ومنع وعرقلة إدخال وتوزيع الإمدادات الإنسانية، خاصة في مدينة غزة وشمال القطاع، بهدف دفع السكان إلى التهجير القسري من مناطقهم، في إطار جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة في القطاع منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.
وأبرز الأورومتوسطي أن استمرار تراجع وتيرة إدخال شاحنات المساعدات الإنسانية، وتقويض آليات حمايتها وسبل توزيعها، يأتي كأداة أساسية تنفذ فيها إسرائيل مسعاها في إخضاع فلسطينيي القطاع عمدًا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكهم الفعلي، وكذلك لاستكمال تنفيذ خططها في تفريغ مدينة غزة ومناطق شمالي قطاع غزة من السكان، وإجبارهم على النزوح جنوبًا بشكل قسري تحت ضغط الهجمات العسكرية، والتهديد والترهيب، وسياسة التجويع وإبقاء مستويات مساعدات غير متناسبة مع حجم الاحتياجات الهائلة.
وفيما يؤمل أن تعوض عمليات الإنزال الجوي للأغذية والإمدادات الأخرى التي شهدها قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة جزءًا ضئيلًا من الانخفاض في المساعدات التي يتم جلبها عبر البر، فإن المخاطر تتفاقم وتستمر بشأن انتشار المجاعة والارتفاع الحاد في سوء التغذية لدى جميع سكان مدينة غزة وشمالها، لا سيما بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات وكبار السن. وعليه، يدعو المرصد الأورومتوسطي جميع الدول إلى فتح جسر جوي مباشر إلى قطاع غزة، وتنفيذ إنزالات جوية مكثفة ويومية تشمل جميع مناطق القطاع، وبشكل خاص مدينة غزة وشمال القطاع، والمشاركة في التصدي والحماية من الخطط الإسرائيلية الهادفة إلى التهجير القسري للفلسطينيين في قطاع غزة؛ وهو الأمر الذي حذرت منه الدول بشكل مستمر منذ بدء الهجوم الإسرائيلي العسكري على القطاع.
ويعمد الجيش الإسرائيلي بشكل شبه يومي إلى استهداف السكان عند تجمعهم قرب نقاط دخول وتوزيع الإمدادات الإنسانية في مدينة غزة، سواء بإطلاق النار أو القصف المدفعي
وبحسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية “أفيخاي أدرعي”، فإنه وفي إطار “تعاون بين إسرائيل والمجتمع الدولي والأردن وفرنسا والإمارات العربية المتحدة ومصر والولايات المتحدة” جرى تنفيذ “حملة إنزال لـ160 رزمة تموينات غذائية ومعدات طبية لصالح سكان جنوب قطاع غزة والمستشفى الميداني الأردني في خان يونس”، فيما يُترك السكان في المناطق الشمالية دون مساعدات، وهو ما يؤكد على وجود قرار إسرائيلي بتجويع هؤلاء السكان، وعدم السماح لأي مساعدات كافية بالدخول إلى هناك، وذلك لمعاقبتهم على عدم امتثالهم لأوامر الإخلاء الإسرائيلية غير القانونية، والاستمرار في الضغط عليهم لإجبارهم على ترك منازلهم والنزوح القسري باتجاه الجنوب.
ووثق المرصد الأورومتوسطي إفادات من سكان في مدينة غزة وشمالها بشأن تلقيهم اتصالات هاتفية من الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الماضية، يطالبهم فيها بشكل واضح وصريح بالنزوح إلى وسط وجنوب قطاع غزة من أجل الحصول على الغذاء والماء وتفادي الموت جوعًا.
وبحسب الإفادات، فقد تضمنت رسائل مسجلة تلقاها السكان قول الجيش الإسرائيلي إنه ما يزال “يعمل بقوة” في مناطقهم بينما يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية في منطقة “المواصي” جنوبي القطاع، مطالبًا إياهم بالتوجه إلى تلك المنطقة للحصول على المساعدات.
وبحسب متابعة المرصد الأورومتوسطي، فإن الإمدادات الإنسانية التي دخلت إلى قطاع غزة في شباط/فبراير الجاري انخفضت مقارنة مع كانون ثانٍ/يناير بنسبة 50% على الرغم من تعاظم الاحتياجات الهائلة لأكثر من 2.3 مليون نسمة يعيشون في ظروف معيشية بائسة.
ففي وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية، وقرار محكمة العدل الدولية، لزيادة إدخال المساعدات المنقذة للحياة ودخول الإمدادات التجارية، وضمان إدخالها وتوزيعها على نحو سريع وفعال ودون معيقات، شهد شهر شباط/فبرير دخول نحو 98 شاحنة يوميًا في المتوسط، ما يمثل انخفاضًا بنحو النصف في الإمدادات التي كانت تدخل قطاع غزة مقارنة بشهر كانون ثانٍ/يناير.
يأتي ذلك رغم أنه في الأصل يبقى عدد الشاحنات التي تدخل غزة أقل بكثير من الهدف المحدد، وهو 500 شاحنة في اليوم، كما كان يجرى قبل السابع من تشرين اول/أكتوبر الماضي، ويقدّر المرصد أن الاحتياج الحقيقي والفعلي لسكان القطاع يفوق حتى هذا العدد من المساعدات الخارجية، نتيجة لقيام إسرائيل باستهداف مقومات الحياة ومقدرات الإنتاج المحلي الداخلي بشكل شبه كامل، إما بالقصف والتدمير، أو بتجفيف مصادر الإنتاج، كالوقود والكهرباء والمواد الأساسية والخام، نتيجة القرارات الإسرائيلية والحصار المشدد الذي تفرضه إسرائيل منذ حوالي خمسة أشهر. هذا بالإضافة إلى تعاظم الاحتياجات الطبية والصحية والعلاجية لسكان قطاع غزة، وبخاصة المرضى والجرحى والنساء والأطفال وكبار السن، نظرا لاستمرار سقوط الضحايا الجرحى بشكل يومي وكبير بسبب العدوان العسكري الإسرائيلي، وانتشار الأمراض والأوبئة المعدية بشكل سريع، وخروج معظم القطاع الصحي عن العمل بسبب الاستهداف الإسرائيلي لجميع مكوناته، بالتدمير والحصار وقطع الإمدادات.
وذكر الأورومتوسطي أن إسرائيل –بدلًا من زيادة وتسهيل إدخال الإمدادات الإنسانية- تعمدت فرض المزيد من القيود على عمل المعابر وآليات إدخال شاحنات المساعدات، وكرست واقع انعدام الأمن بسبب استمرار عملياتها العسكرية وتسببها بانهيار النظام المدني، وهو ما يضاعف من الأزمة الإنسانية الحاصلة في قطاع غزة. هذا بالإضافة إلى الصعوبات الكبيرة في إدخال الإمدادات عبر معبري “رفح” و”كرم أبو سالم/كيرم شالوم” (المعبران الحدوديان الوحيدان لإدخال المساعدات الإنسانية) في ظل القيود الأمنية الإسرائيلية.
بموازاة ذلك، فإن إسرائيل تتعمد تشديد العراقيل التي تحول دون وصول الإمدادات الإنسانية إلى مدينة غزة وشمالها. وبحسب المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، “فيليب لازاريني”، فإن آخر مرة تمكنت فيها الوكالة من إدخال المساعدات الغذائية لجنوبي قطاع غزة كانت في 23 كانون ثانٍ/يناير الماضي، حيث حاولت في حينه إدخال 35 قافلة، إلا أن القيود والعراقيل الإسرائيلية حالت دون دخول معظمها، وسمح بإدخال نحو 10 قوافل فقط.
يضاف إلى ذلك نهج إسرائيل القائم على تقويض النظام المدني لتغييب دوره في تسهيل دخول الإمدادات الإنسانية، بحيث استهدفت بشكل شبه منتظم أمن إدارة معبر “كرم أبو سالم” وعناصر الشرطة المدنية المكلفين بتأمين قوافل المساعدات، وبالتالي تغييبهم عن المشهد وترك الفوضى سيدة الموقف عند دخول المساعدات، مما أدى إلى تقويض عملية توزيع المساعدات الإنسانية بشكل أكبر.
كما عمد الجيش الإسرائيلي –وفق ما يوثقه المرصد الأورومتوسطي بشكل شبه يومي- إلى استهداف السكان عند تجمعهم قرب نقاط دخول وتوزيع الإمدادات الإنسانية في مدينة غزة، سواء بإطلاق النار أو القصف المدفعي، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، وترهيب السكان الذين يكافحون من أجل العثور على الغذاء.
وأبرز الأورومتوسطي أن نتائج ممارسات إسرائيل لتقييد ومنع إدخال الإمدادات الإنسانية إلى مدينة غزة وشمالها واضحة للعيان بالنظر إلى ما يواجهه سكان غزة من تجويع على نطاق واسع، أجبرهم إلى خيارات صادمة مثل تناول أعلاف الحيوانات من أجل البقاء على قيد الحياة.
وكان مسؤولون في الأمم المتحدة حذروا من أن ما لا يقل عن 576 ألف شخص في غزة، أي ما يعادل ربع عدد سكان القطاع، يعانون الآن من مرحلة المجاعة الفعلية، وأن طفلًا واحدًا من بين كل 6 أطفال دون سن الثانية في مدينة غزة وشمالها يعاني من سوء التغذية الحاد والهزال.
ووفقًا لمنظمة HelpAge غير الحكومية، فإن ما يقرب من 111500 من كبار السن في غزة هم من بين الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الجوع والجفاف والمرض والإصابة والموت.
وعليه، أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن كافة سلوكيات إسرائيل على الأرض تدفع نحو تعميق أزمة التجويع المتعمدة للمدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك استهداف العاملين في المجال الإنساني وإغلاق المعابر والقيود الخطيرة على الحركة، ومنع الوصول وإجراءات التدقيق المرهقة، وانهيار النظام المحلي، إلى جانب القيود المفروضة على الاتصالات ومعدات الحماية، وسبل الإمداد غير القابلة للعبور بسبب تضرر الطرقات والذخائر غير المتفجرة وتأثيرات الهجمات العسكرية.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن الإجراءات التي تطبقها إسرائيل والعقوبات الجماعية التي تفرضها على قطاع غزة تهدف بشكل مباشر وواضح إلى تجويع جميع السكان، وتعريضهم لخطر الهلاك الفعلي، وأن إسرائيل تستخدم التجويع ليس فقط كأسلوب من أساليب الحرب، كجريمة حرب قائمة بحد ذاتها، بل يأتي كذلك تنفيذا لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد سكان القطاع منذ خمسة أشهر.
وأعاد المرصد الأورومتوسطي التذكير بأن تعمد عرقلة الإمدادات الإغاثية، يعتبر جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي، وكذلك الأمر فيها يخص تعمد شن هجمات ضد الموظفين المستخدمين والوحدات والمركبات المستخدمة في مهام المساعدة الإنسانية.
ودعا المرصد الأورومتوسطي إلى تشكيل ضغط دولي فوري على إسرائيل من أجل وقف تنفيذها لجريمة تجويع الفلسطينيين في قطاع غزة، ومساءلتها ومحاسبتها على جرائمها وانتهاكاتها الجسيمة ضد قطاع غزة وجميع سكانه الفلسطينيين، وإلى تدخل دولي أكثر فاعلية وحسمًا من أجل ضمان وصول الإمدادات الإنسانية بشكل آمن وكامل ومن دون أي عوائق لضمان الوصول إلى جميع الأشخاص المتضررين وتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل، وإلا فإن الاستجابة بالمستوى المطلوب للحيلولة دون تفاقم كارثة المجاعة الجماعية الناشئة في قطاع غزة ستكون مستحيلة قريبًا.
وبحسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية “أفيخاي أدرعي”، فإنه وفي إطار “تعاون بين إسرائيل والمجتمع الدولي والأردن وفرنسا والإمارات العربية المتحدة ومصر والولايات المتحدة” جرى تنفيذ “حملة إنزال لـ160 رزمة تموينات غذائية ومعدات طبية لصالح سكان جنوب قطاع غزة والمستشفى الميداني الأردني في خان يونس”، الأمر الذي يؤكد اقتصار وصول المساعدات إلى المناطق الجنوبية من القطاع، فيما يُترك السكان في المناطق الشمالية دون مساعدات، وتُستخدم فيه سياسة التجويع ضدهم لإجبارهم على النزوح القسري وترك منازلهم.