
أشاد الإعلامي والكاتب المغربي المخضرم جمال محافظ، رئيس المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال، بالطواقم الطبية والصحية والإغاثة والإنقاذ والإسعاف في فلسطين، مؤكداً أنها أبانت “عن شجاعة وصمود نادرين ضد العدوان الإسرائيلي الجبان الذي خلف دماراً هائلاً في البنية التحتية، وكارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية، فضلاً عن القصف والجرائم اليومية التي تقترفها قوات الاحتلال ضد سكان الضفة الغربية المحتلة”.
مناسبة حديث الإعلامي محافظ عن الطواقم الطبية والصحية والإغاثة والإنقاذ والإسعاف الفلسطينية، جاءت على إثر منح جائزة التضامن لهذه السنة للهلال الأحمر الفلسطيني من طرف “حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي”، حيث أبرز أنها تأتي “تقديراً لمجهودات الإسعاف والإنقاذ الذي تبذله طواقم هذه المنظمة ومن خلالها لكافة المتطوعات والمتطوعين، بهدف التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي يواجه بشجاعة وبسالة آلة الحرب والعدوان والإبادة، والتطهير العرقي الذي تنفذه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضده منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي خلف حتى الآن آلاف الضحايا من شهداء وجرحى، خاصة في صفوف الأطفال والنساء والمسنين”.
وأوضح عضو “حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي”، في حوار مع “القدس العربي”، أنه “على الرغم من رمزية جائزة محمد الحيحي للتطوع، فإن منحها لمنظمة الهلال الأحمر الفلسطيني تعبر بذلك -ومن خلالها الحركة التطوعية المغربية- عن مساندتها ودعمها في هذه الظرفية العصيبة للشعب الفلسطيني الذي يواجه بصدور عارية آلة التقتيل الإسرائيلية، بدعم مباشر وغطاء من الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن حلقة الوفاء المغربية تجدد من جهة أخرى، إدانتها للتطهير العرقي وجرائم الحرب التي تستهدف المدنيين الأبرياء، وتدمر المستشفيات وتغتال الطواقم الطبية والصحية، وتنكل بالجرحى”.
وأشار إلى أن منح الجائزة للهلال الأحمر الفلسطيني “يعد أكثر من التفاتة، فهي ذات دلالة رمزية وتكتسي بعداً تضامنياً عميقاً، بقدر ما هي كذلك استحضار وتذكير بما جبل عليه الشعب المغربي على كافة المستويات من دعم وتضامن غير محدود مع القضية الفلسطينية، إنها قضية مقدسة إلى جانب قضية الوحدة الترابية للمملكة”.
وتابع محافظ موضحاً أن الجائزة، وهي مبادرة مدنية وشعبية، اكتست فعلاً أبعاداً متعددة، “فهي دعم معنوي لفائدة الطواقم الطبية والصحية في قطاع غزة في وقت عصيب، وكذلك عربون تقدير وتضامن ووفاء لفلسطين ولأهالينا الصامدين في الأراضي المحتلة، وتجديد الالتزام بنصرة الشعب الفلسطيني المقاوم”.
سألنا جمال محافظ عما يتعرض له الشعب الفلسطيني وكيف يتفاعل مع ذلك، ليؤكد أنه “لا يمكن لأي صحافي وإعلامي بغض النظر عن المنطقة التي يوجد بها، في ظل ما يتعرض له الصحافيون من اغتيال واستهداف مباشر من لدن قوات الجيش الإسرائيلي بقطاع غزة والأراضي المحتلة، إلا التعبير عن إدانته وشجبه لهذه الممارسات الهمجية”.
وتساءل بصيغة التأكيد قائلاً: “كيف يمكن للصحافيين الأحرار أن يشيحوا بوجههم عن ذلك في الوقت الذي بلغ عدد الشهداء من زملائهم الصحافيين حتى الآن ما يناهز 110 قتلى، وهو ما فاق عدد الإعلاميين الذين لقوا حتفهم خلال الحرب العالمية الثانية التي استغرقت ست سنوات ما بين 1936 و1945 وإبان حرب فيتنام التي دامت نحو 20 سنة، وهذا ما يجعل المنظمات الدولية للصحافيين تدق ناقوس الخطر حينما أكدت بأن الحرب على غزة تعد الأكثر دموية التي تستهدف الصحافيين شهود الحقيقة”. ومن هنا، يضيف محافظ: “نلاحظ تركيز قوات الاحتلال على الإعلاميين، وتستهدف الصحافيين الذين تتمثل وظيفتهم الرئيسة في البحث عن الحقيقة، بالقول (اصمتوا إننا نقتل)، وتمارس التعتيم والتضليل لمواصلة الاستفراد بإبادة الشعب الفلسطيني”.
وفي مواجهة العدوان، كان النبض المغربي التضامني مع الشعب الفلسطيني، وعنه قال محافظ: “أعتقد أن منسوب تضامن المغاربة مع القضية الفلسطينية، يجد جذوره في تاريخ العلاقات المغربية الفلسطينية الطويل على المستويين الرسمي والشعبي، التي كانت علاقات متميزة لكونها محفورة في وجدان الشعب المغربي الذي وقف باستمرار إلى جانب الشعب الفلسطيني، موقف لم يتغير تحت أي ظرف”.
وزاد المتحدث موضحاً أن “المبادرات المغربية في هذا الصدد متعددة، لقد كان المغاربة دائماً في مقدمة الشعوب المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، وتجسد على سبيل المثال بمسيرات التضامن المليونية المنددة بالغطرسة الإسرائيلية. إن دعم القضية الفلسطينية يشكل مصدر إجماع كافة المغاربة على اختلاف توجهاتهم ومواقعهم، فنصرة فلسطين توحدهم”.
ويقول محافظ: “تميزت المواقف المغربية، فضلاً عن التضامن، بالوضوح انطلاقاً من الإيمان بعدالة القضية الفلسطينية وبالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينية في إقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس. إن وتيرة ومنسوب التضامن مع فلسطين تتوسع كلما تواصلت الجرائم الإسرائيلية بقطاع غزة، وهذا تجسده المظاهرات الحاشدة والوقفات المنظمة بمختلف جهات المملكة، للتنديد بعدوان البربري لجيش الاحتلال، وبالصمت الدولي الذي وقف عاجزاً عن إيقاف الحرب، والجرائم ضد الشعب الفلسطيني المحاصر”.
في خضم الوجع العام، نعود إلى وجع الصحافيين المهنيين “شهود الحقيقة”، وتعرض العديد منهم للقتل، وعن ذلك أبرز الإعلامي المغربي أنه “بالإضافة إلى ما ذكرته سلفاً، فإن الغريب أن العدوان على الصحافيين بقطاع غزة تزامن في مرحلة معينة مع تخليد العالم لليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين. فأمام الصمت الدولي المريب والتواطؤ الأمريكي، واصلت قوات الاحتلال عدوانها البربري ضد المدنيين العزل، ومن جملة ضحاياه الطواقم الصحافية والإعلامية”.
واستطرد قائلاً: “فضلاً عن قتل واستهداف الصحافيين وحرب الإبادة الجماعية، عملت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقطع كل وسائل الاتصال مع قطاع غزة، بما فيها الاتصال والإنترنت والهاتف والاتصالات المحمولة، وأن الاتصال ما زال محدوداً ويتعرض لتعطيل وتشويش، مما يتيح لإسرائيل القيام بمجازرها في الظلام بعيدًا عن عدسات وسائل الإعلام العالمية، كما يوضح بيان نقابة الصحافيين الفلسطينيين”.
وخلص المتحدث إلى أن “هذه الأفعال الشنيعة التي تطال الصحافيين تعد امتداداً لسياسة ممنهجة لقوات الاحتلال الإسرائيلي لاستهداف وقتل الصحافيين خاصة الفلسطينيين. فكثيراً ما تنتقد المنظمات والهيئات النقابية المهنية الدولية قوات الاحتلال بالاستهداف المتعمد للإعلاميين، في الوقت الذي تصرح علناً هذه القوات بأنها لا تضمن سلامة رجال ونساء الإعلام”.
وزاد موضحاً أنه “إذا كان القانون الدولي ينص على أن مكافحة الإفلات من العقاب لا تخضع لأي تقادم، وهذا يعني أن الإجراءات القانونية لا يمكن تقييدها بالزمن ولا يمكن الشروع بها حتى وإن بقيت الأعمال دون عقوبة لسنوات، فإن القانون الإنساني ينص على أنه يتعين جميع الدول الالتزام بملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف (جرائم الحرب)، ومعاقبتهم مهما كانت جنسياتهم، وهذا هو مفهوم الاختصاص القضائي العالمي. كما يحظر بالإضافة إلى ذلك، على مثل هذه الجرائم الخطيرة إصدار العفو في وقت التفاوض على اتفاقات السلام أو تحت أي ظرف آخر”.
الحديث عن جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلية قادنا إلى الحديث عن الصيغ الإعلامية الممكنة لمزيد من الدعم للقضية الفلسطينية، وهو ما أكد محافظ بخصوصه أنه “على الرغم من الجهود التي تبذلها بعض وسائل الإعلام خاصة العربية منها، وفي ظل الأهمية التي أضحت تضطلع بها الصورة في ظل الثورة الرقمية، ومن هنا يأتي استهداف الصحافيين في الحرب، فإن الخطاب الإعلامي المتداول حول القضية الفلسطينية وحجم الجرائم الاسرائيلية لم يتمكن بما فيه الكفاية من تقديم الصورة الحقيقية لمواجهة الصور النمطية الغربية وفق أسلوب احترافي يتوجه للرأي العام”.
*الحرب أعادت طرح القضية الفلسطينية على المسرح الدولي
من هذا المنطلق، يوضح المتحدث: “أعتقد أن الإعلام المغربي ومعه العربي، في حاجة ماسة إلى تجديد خطابه ورسائله المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وذلك من خلال القطع مع اعتماد أسئلة قديمة في تحليل واقع جديد ومتغير، زادته الثورة التكنولوجية الرقمية تعقيداً، وجعلت للإعلام مواصفات فاقت كل التوقعات”.
وأضاف قائلاً: “إن هذه التحولات تضع على عاتق الإعلاميين مسؤولية الانتباه جيداً إلى أن اهتمامات الرأي العام تغيرت ليس فقط على المستوى الدولي، ولكن المستوى العربي أيضاً، وهو ما يتطلب الاستيعاب العقلاني لهذه المتغيرات، والانخراط الواعي في هذه التحولات، والاستفادة من المرحلة الراهنة التي تمر منها القضية الفلسطينية، وذلك من أجل تقديم الصورة الحقيقية التي تخاطب الوجدان الإنساني لمتلقي الرسائل الإعلامية”.
وحسب محافظ، فإن “الأمر يتطلب أيضاً إعادة النظر في أساليب المعالجة الإعلامية، بأساليب مهنية تتسلح بمعرفة ميول الجمهور المتلقي للرسائل والقصص التي تؤثر على توجهاته؛ وذلك عبر كشف الممارسات العدوانية والعنصرية الإسرائيلية باحترافية”.
ويختم الإعلامي المغربي المخضرم بالتشديد على أنه “إذا كانت الحرب على غزة وتطوراتها قد أعادت طرح القضية الفلسطينية على المسرح الدولي، فإنه سيكون مفروضاً العمل على تحديث الخطاب الإعلامي، والاستفادة من الإمكانات التي تتيحها التكنولوجيات الحديثة، خاصة منها الصورة الصحافية، في إيصال خطابنا إلى الرأي العام الدولي، لأن المعركة ليست معركة سياسية وعسكرية فقط مع الاحتلال الإسرائيلي، لكنها معركة إعلام وصورة بامتياز، وهذا ما كشفه لنا العدوان والحصار الشامل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني بقطاع غزة حالياً”.
المصدر: القدس العربي