
من المفترض أن تغادر بعثة أمنية إسرائيلية اليوم إلى الدوحة للتباحث مع الوسطاء في بعض تفاصيل الصفقة المقترحة، وسط تواصل تشكيك إسرائيلي بنوايا رئيس حكومة إسرائيل نتنياهو حيال مدى رغبته بها فعلاً، رغم أن جهات محلية ترى بأن مثل هذه الصفقة تخدم مصالحها.
وحسب مصادر عبرية، فإن البعثة الإسرائيلية إلى الدوحة مكوّنة من طواقم مهنية (الجيش والشاباك)، وليست رفيعة المستوى، وهدفها التداول في تفاصيل اتفاق الإطار الجديد، ولكنها غير مخّولة لاتخاذ قرارات عدا ذلك.
وتقول مصادر إعلامية وسياسية في إسرائيل إن هناك تفاؤلاً كبيراً وحذراً عشية سفر بعثة إسرائيلية، اليوم الإثنين، إلى الدوحة للتداول حول هوية المحتجزين والأسرى وشروط الهدنة.
وتنقل صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، عن “مصادر مطلعة” قولها إن “الاتجاه إيجابي، وهذا يستغرق وقتاً، وإسرائيل تنوي الضغط من أجل استعادة الجنديات في الدفعة الأولى من التبادل ضمن هذه الصفقة”.
كما تنوّه الصحيفة العبرية إلى أن إسرائيل تطالب “حماس” بسجل بأسماء المحتجزين الأحياء كشرط للتّقدم في الاتصالات، وتقول إنه حسب تقديرات إسرائيلية هناك نحو 100 منهم ما زالوا على قيد الحياة، مقابل نحو الثلاثين منهم باتوا في عداد الموتى.
قال نتنياهو إنه حتى لو تمت الصفقة فإن إسرائيل ستقوم باحتلال رفح، وهذا من شأنه استفزاز “حماس” ودفعها للخلف
ويستشف من تصريحات وتلميحات إسرائيلية أن تل أبيب أيضاً، في اليوم الـ45 للحرب على غزة، معنية بهدنة طويلة (مثلما أن حماس أيضاً ترغب بذلك لحساباتها هي) نتيجة عدة عوامل، منها حاجة الجيش للراحة والتدرّب، ضغوط داخلية وخارجية من أجل استعادة المحتجزين وهم أحياء، والخوف من انفجار كبير في الضفة الغربية المحتلة، في ظل استمرار الحرب، خاصة في شهر رمضان الوشيك.
وكان الوزير عضو مجلس الحرب غادي آيزنكوت قد أشار لأهمية استعادة المحتجزين الآن، ضمن صفقة لا تمسّ بإمكانية العودة للحرب مستقبلاً حتى تفكيك “حماس” من قدراتها العسكرية والسلطوية.
وتبدو الفجوة في المواقف بين الطرفين كبيرة، وهناك عدة نقاط خلافية، منها رفض الاحتلال طلب “حماس” بانسحابه من كل القطاع، والسماح لأهالي شماله العودة لديارهم.
تعقيدات نتنياهو
في المقابل، تتزايد الاتهامات الإسرائيلية أيضاً، لا من “حماس” فقط، لنتنياهو بأنه يبحث عن “صفقة رخيصة” فقط تبدو عملياً غير ممكنة الآن مقابل “حماس”، وسط مؤشّرات متنوعة على أن نواياه كيدية وسلبية.
في التزامن مع سفر البعثة الإسرائيلية إلى باريس، يوم الجمعة الفائت، كَشَفَ نتنياهو عن لاءاته ضمن خطة “اليوم التالي”، فيما كشفت القناة 12 العبرية أن نتنياهو سعى لسحب تخويل البعثة بعد انطلاق الطائرة التي أقلّتها من تل أبيب لباريس، حيث سارعَ للاتصال عند الساعة السادسة صباحاً بغانتس وآيزنكوت، واقترح عليهما تقليص التفويض للبعثة، لكنها صمّما على رفض مطلبه. وبالأمس، وتزامناً مع أجواء متفائلة، وعشية سفر البعثة الإسرائيلية للدوحة اليوم، قال نتنياهو مهدّداً إن الصفقة من شأنها التأثير على عملية رفح، موضحاً أنها ستُرْجَأ، ولن تلغى.
في حديث لشبكة “سي بي إس”، قال، أمس، إنه حتى لو تمت الصفقة ستقوم إسرائيل باحتلال رفح، وهذا من شأنه استفزاز “حماس” ودفعها للخلف، لا للأمام، طالما أنه يعلن ويؤكد أنه بعد الصفقة ذاهبٌ للمزيد من التوغّل والتدمير والإبادة.
وفي المقابلات مع صحافة أمريكية، زعم نتنياهو أن النصر قريب، وهو في متناول اليد خلال أسابيع لا شهور، معللاً ذلك بالزعم أنه من غير الممكن إبقاء رفح حصناً لـ “حماس”، وهذا التهديد يتعدّى الرغبة التكتيكية بالضغط على “حماس”، فنتنياهو، وبدوافع سياسية داخلية ومبدئية، يسعى لاستكمال احتلال القطاع، ومحاولة كّي وعي الفلسطينيين بالانتقام والتدمير واستبعاد إمكانية استعادة اللحمة الجيوسياسية بين القطاع والضفة الغربية، والهروب للأمام من تسوية الدولتين المطروحة بقوة اليوم في العالم.
وكُشف النقاب، أمس، عن تداول مجلس الحرب خططاً عملياتية لاحتلال رفح قدّمها الجيش الإسرائيلي للمستوى السياسي، تشمل خطة لإخلاء اللاجئين منها في غضون أسبوعين.
في بيان مجلس الوزراء، الساعة الواحدة بعد منتصف الليلة الفائتة، جاء أن الجيش طرح خطةً لنقل اللاجئين من رفح، وخططاً عملياتية، وخططَ إيفاد مساعدات إنسانية، خلال ساعات الليل، دون سيطرة “حماس” عليها، بيد أن مجلس الحرب لم يصادق على خطة الاجتياح بعد.
كما كُشف، اليوم، أن نتنياهو، وخلال اجتماع الحرب، ليلة أمس، عاد وطرح طلباً يشترط تحرير الأسرى الفلسطينيين من العيار الثقيل بطردهم لقطر وتركيا ولبنان أو سوريا.
ومن المؤشرات على كيدية ومراوغة نتنياهو، ما كشفت عنه القناة 12، في الليلة الفائتة، بأن نتنياهو وبّخَ رئيسَ الموساد، خلال اجتماع مجلس الحرب، وعلى مسمع الجميع، بقوله: “هكذا لا يديرون مفاوضات”، داعياً لإبداء مواقف متشدّدة في المداولات.
نتنياهو يبدي مواقف متصلّبة
وينضم محلل الشؤون العسكرية لهذه التشكيكيات بنوايا نتنياهو، بقوله، في تحليل تنشره صحيفة “هآرتس” اليوم، إن هناك مؤشرات إيجابية من جهة “حماس”، من شأنها أن تدلّل على تأثير الضغط العسكري لجانب تأثير التهديد باجتياح رفح، مثلما تدلّل على تقديرات حمساوية بأن هدنةً ستفضي في نهاية المطاف لإنهاء الحرب.
وينقل هارئيل عن مصدر مطلع قوله إن نتنياهو يعطي انطباعاً لعائلات المحتجزين، في هذه الأيام الحساسة جداً، من ناحية صياغة اتفاق جديد، بأنه يفضّل وضع العصي في دواليب الصفقة.
وتمضي “هآرتس” في البحث عن حسابات نتنياهو الحقيقية بقولها إنه اختار الإعلان عن طلبه بإجلاء الأسرى الفلسطينيين النوعيين تماماً، بعد طرح واشنطن والدوحة والقاهرة مسودة اتفاق الإطار، وبذلك هو يعقّد المداولات.
وتضيف: “حتى لو كان حديث نتنياهو ينم عن رغبة تكتيكية لتليين موقف “حماس”، فإن تصريحاته (للصحافة الأمريكية) من شأنها المساس بالمفاوضات، وبذلك يضرب دافعية حماس لتليين موقف”.
وفي المقابل، تنقل “هآرتس” عن مصدر كبير آخر قوله إن طلب نتنياهو شرعيٌ ومقبول على المستوى المهني، وأن ذلك لا يضرّ بالمفاوضات، وبحال طرحت صفقة معقولة، كما تبدو الآن، فإن نتنياهو سيوافق عليها، وستحظى بأغلبية في الحكومة، وإن ما نشهده الآن أمرٌ طبيعي حيث يحاول كل طرف ليَّ ذراع الطرف الآخر”.
كما تنقل صحيفة “هآرتس” عن مصدر أجنبي أن “هناك تقدماً، ويمكن إحراز اتفاق”.
كما تنقل صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصادر متداخلة قولها إنها تخشى أن نتنياهو يتعنّت في مواقفه من أجل إفشال الصفقة، في ظل ضغوط سياسية داخليه عليه. وهذه إشارة لتصريحات متتالية تصدر عن بعض الوزراء المتشدّدين الغيبيين، أمثال سموتريتش، تعارض أي صفقة قبل “الانتصار على حماس”.
كُشف أن نتنياهو، وخلال اجتماع الحرب، ليلة أمس، عاد وطرح طلباً يشترط تحرير الأسرى الفلسطينيين من العيار الثقيل بطردهم لقطر وتركيا ولبنان أو سوريا.
وأمس هاجم سموتريتش مجلس الحرب، وقال إن المفاوضات مع “حماس” غريبة الأطوار وفارغة وهناك تقديرات داخل حكومة الاحتلال أن بن غفير أيضاً سيعارض الصفقة، وسط تساؤلات هل سيعارض هؤلاء الصفقة ويبقون في الائتلاف الحاكم.
شرطة بن غفير
وهناك مؤشرات كثيرة على ابتزاز سموتريتش وبن غفير لنتنياهو، آخرها صمته على الاعتداءات على المتظاهرين بشكل عنيف في تل أبيب، ليلة السبت الماضي، رغم خطورة النتائج والانتقادات الإسرائيلية المتصاعدة لتحوّلها من “شرطة إسرائيل” لـ “شرطة بن غفير”، كما تقول “هآرتس”، في افتتاحيتها اليوم، والمعلق السياسي البارز في القناة 13 العبرية رافيف دروكر، وكذلك المعلقة البارزة سيما كادمون في “يديعوت أحرونوت”، التي تقول محذّرة إن “ما شاهدناه في تل أبيب، السبت، هو مجرد البداية، فرويداً رويداً سيبدو عنف الشرطة هذا طبيعياً، ولاحقاً سنشهد اعتقال صحفيين وإغلاق متاحف معينّة”.
لكن رئيسي الحكومة السابقين إيهود أولمرت وإيهود براك يواصلان توجيه الاتهامات المباشرة لنتنياهو، ويقولان، في تصريحات ومقالات، إن نتنياهو يضحّي بالمحتجزين، وغير معني بعودتهم، بدوافع سياسية وشخصية.
نقاط خلاف
يشار إلى أن الإطار العام للصفقة الجديدة المقترحة يتحدث، وفق مصادر إسرائيلية، عن إطلاق 40 مخطوفاً من النساء والمسنّين والمرضى والجرحى، مثلما تسعى إسرائيل لاستعادة الجنديات أيضاً في هذه الدفعة، مقابل هدنة 6 أسابيع، والإفراج عن نحو 10 أسرى فلسطينيين مقابل كلّ أسير إسرائيلي.
لكن هذه المصادر الإسرائيلية تؤكد، اليوم أيضاً، أن سلطات الاحتلال ترفض التنازل عن موقفها الرافض للالتزام بوقف الحرب، موضحة أن نقاط الخلافات الجوهرية في المداولات: “حماس” تطالب بجلاء الاحتلال عن القطاع، والسماح لسكان شماله بالعودة، وهذا ما ترفضه إسرائيل، مثلما ترفض ترميم غزة قبل نزع سلاحها. هذا علاوة على خلاف حول عدد الأسرى، بخلاف موقف إسرائيلي رسمي كان مستعداً لصفقة “الكل مقابل الكل” وما لبث نتنياهو أن تراجعَ عن موقفه هذا نتيجة ضغوط وحسابات داخلية بالأساس، فصُوَر آلاف الأسرى وهم يعانقون الحرية من شأنها زعزعة أركان ائتلافه الحاكم، خاصة أن أهداف الحرب على غزة المعلنة من طرفه لم تتحقق، رغم التدمير والمذابح اليومية.