تتزايد مطالبة صحافيين أجانب السماح لهم بالدخول إلى قطاع غزة، بعدما وجه 50 صحافيا من كبار مقدمي البرامج والمراسلين من كبريات المؤسسات الإعلامية في الغرب بما فيها “بي بي سي” و”سكاي نيوز” و”سي إن إن” و”آي تي إن”، و”سي بي إس نيوز”، و”إي بي سي نيوز” رسالة مفتوحة تدعو بالسماح لهم بالوصول غير المقيد إلى قطاع غزة، بعدما فشلت كل محاولاتهم السابقة.
وكان من بين هؤلاء الصحافية ميشال حسين التي غردت معلنة عن تلك الرسالة، وأيضا الصحافية في “سكاي نيوز” أليكس فورد التي كتبت مقالا مطولا بهذا الشأن قالت فيه: قبل أن تقرأ مقالتي هل يمكنني أن أطلب منك أن تفعل ذلك بعقل منفتح قدر الإمكان؟ إذ أن ما يلي ليس أمرا حزبيا أو رأيا أحادي الجانب أو مساومة. ولكن الغرض منه هو إثارة بعض الأسئلة الصعبة حقا. فلماذا، بعد ما يقرب من خمسة أشهر من الحرب في غزة، لا يزال من الصعب دخول الصحافيين الأجانب؟ فأنا مثل كل مراسل أجنبي أعرفه، أعتقد أنه لا يوجد بديل عن وجود الصحافي على الأرض ورؤية ما يحدث بنفسك. فهذه هي الطريقة التي كنت أكتب بها طوال حياتي منذ أن كنت في الثامنة عشرة من عمري، وهذا لم يتغير الآن. إنها أيضًا الطريقة المطلقة الوحيدة لمعرفة الحقيقة بدقة أكبر”.
وتضيف أنه “في عالم مليء بالمعلومات الخاطئة والمضللة والاستخدام الكاذب والخبيث للصور و”الحقائق البديلة”، فإن هذه هي الطريقة الأكثر فعالية لكشف الكذب”.
وتتأسف الصحافية في مقالتها التي نشرتها على موقع شبكة “سكاي نيوز” بشأن تغييب جيش الاحتلال الإسرائيلي الصحافيين الأجانب فتقول: “لكن التواجد على الأرض (في قطاع غزة) لم يكن ممكناً ببساطة لتغطية الحرب هناك. وهذا هو الأمر الذي مُنعنا منه بحزم منذ هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول داخل إسرائيل.
وتضيف الصحافية أليكس: “الصحافيون الوحيدون القادرون على العمل داخل غزة هم أولئك الذين كانوا داخل القطاع في ذلك الوقت. وهؤلاء الصحافيون، مثل أي شخص آخر في غزة، هم محاصرون ولا يمكنهم الخروج. أما القلة القليلة الذين خرجوا من القطاع، فقد تمكنوا من ذلك فقط بسبب حالات الطوارئ الطبية، أو لأن المؤسسات الإعلامية التي يعملون فيها عملت بلا هوادة لإدراجهم على قوائم الإخلاء، وهم قليلون جداً.
وتعطي الصحافية البريطانية مثالا عن التغطيات للحروب السابقة واختلاف الحال بشأن حرب غزة فتقول: “في كل صراع قمت بتغطية أحداثه طوال مسيرتي المهنية، كان من الضروري- بل من الحتمي في الواقع- تناوب العديد من الفرق الصحافية لإعداد التقارير الجديدة في الحدث، ففي كل الصراعات التي قمت بتغطيتها في السنوات الأخيرة- من الموصل إلى الرقة وأوكرانيا وأفغانستان، غالبا ما قامت سكاي نيوز والزملاء في غرف الأخبار في جميع أنحاء العالم بنشر فرق متعددة في وقت واحد (لتغطية الحدث). ويتم تناوب هذه الفرق باستمرار للسماح بإعادة شحذ الهمة والاستراحة، والسماح لمقاربة الحدث بعيون وعقول جديدة للتواجد في تلك الأحداث المرهقة جسديا وذهنيا”.
وتضيف: “بالمقابل لقد قام الصحافيون الشجعان والمجتهدون الذين كانوا يغطون الوقائع على الأرض في غزة بعملهم دون توقف لمدة 150 يوما تقريبا. ولقد طلبت الفرق الإعلامية الدولية باستمرار من السلطات في إسرائيل ومصر السماح لنا بالوصول (إلى غزة)، ولكن تم منعنا من ذلك. ونحن التقينا بالمسؤولين شخصيا، وأثرنا هذه القضية باستمرار في المؤتمرات الصحافية ثم أرسلنا عددًا لا يحصى من الطلبات. ولم تنجح أي حكومة أخرى ذات نفوذ في استخدام ضغوطها الدولية لتغيير هذا الواقع. بل فقط ظل الوصول إلى القطاع محدودا للغاية. وكان هناك عددا قليلا من الصحافيين المختارين الذين تمت دعوتهم “للاندماج” لفترة وجيزة مع الجيش الإسرائيلي من أجل القيام بجولات قصيرة ونادرة داخل غزة. لقد أعطونا لمحة عما يحدث، لكنها مجرد لمحة غير كافية”.
وتشرح الصحافية أليكس مدى محدودية العمل الصحافي عند مرافقة أي جيش لتغطية الحدث، فتقول: “لم أكن أبدًا من محبي مرافقة أي جيش. ورغم ذلك لقد ذهبت إلى بيئات معادية مع العديد من العسكريين من مجموعة من البلدان في جميع أنحاء العالم بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة ووجدت أنهم يستطيعون تقديم مؤشر جيد لكيفية سير الحرب ومدى فعاليتها أو عدم فعاليتها وما مدى الروح المعنوية السائدة بين الجنود وما هو التقدم الذي يحرزه الجيش على الأرض. ولكن بحكم الطبيعة الواضحة جدًا لمرافقة أي جيش، فإنه لا يقدم سوى رؤية محدودة. فهناك قيود ويجب على الصحافي المرافق أن يلتزم بقواعد معينة يضعها الجيش المضيف بهدف عدم المساس بأمنه. ويختار المضيف بوضوح الطريق والمنطقة التي سيتوجه إليها ومدة تواجدك في الموقع وما الذي يمكن للصحافي الوصول إليه ومن يتحدث إليه أو ما إذا كان يمكنه التحدث إلى أي شخص على الإطلاق. على سبيل المثال، لم يسمح جيش الدفاع الإسرائيلي لأي من الصحافيين الذين رافقوه إلى داخل غزة بالتحدث إلى أي من الفلسطينيين في الداخل. ومن الواضح أن هذا يمثل قيودا هائلة. لذا يجب علينا جميعا أن نتساءل لماذا لا تزال هذه القيود قائمة بعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر على القصف الأكثر كثافة منذ عقود، وكيف يؤثر ذلك على فهم ما يجري في الداخل”.
وتشير الصحافية البريطانية إلى الدور الذي يقوم به الصحافيون الفلسطينيون وحجم الخسائر التي وقعت في أرواح الصحافيين في غزة جراء استهدافهم من الجيش الإسرائيلي وتقول: “إن جميع المؤسسات الإعلامية.. تعتمد بشكل كامل على الصحافيين الفلسطينيين داخل غزة. ومن دونهم، كما قالت المراسلة الأجنبية المخضرمة كاثي غانون من وكالة أسوشيتد برس: “كنا سنصبح عميانا تماما”. ومنذ هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ووفقا للجنة حماية الصحافيين، سُجلت أعداد كبيرة من الصحافيين الذين قُتلوا في غزة.
جميع المؤسسات الإعلامية تعتمد بشكل كامل على الصحافيين الفلسطينيين داخل غزة.. وبدونهم كنا سنصبح عميانا تماما
وتقول إن ثلاثة من كل أربعة صحافيين قتلوا على مستوى العالم في عام 2023، قتلوا خلال الحرب بين إسرائيل وحماس في الفترة من 7 أكتوبر إلى 31 ديسمبر. خذ هذا بعين الاعتبار: ففي العام الماضي، قُتل عدد من الصحافيين (حسب لجنة حماية الصحافيين) في الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب بين إسرائيل وغزة أكبر من عدد الصحافيين الذين قُتلوا على مدار عام كامل”.
وتضيف في سردها لما يعانيه الصحافيون في غزة، وكيف أن الجيش الإسرائيلي يصفهم بأنهم مقاتلون من حماس ويرتدون لباس الصحافي فتقول: “وعلى الرغم من صعوبة الحصول على إحصائيات دقيقة تمامًا بسبب عدم القدرة على الوصول إلى غزة، فمن المعتقد أن هناك حوالي 90 صحافيا قتلوا في غزة. ويعتقد الكثيرون أن عدد القتلى أعلى من ذلك بكثير. وهذا يعني أن أكثر من 20 صحافياً يقتلون كل شهر تقريباً منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وهناك أيضا الجرحى، والذين يعانون من إصابات غيرت حياتهم، ويعانون من مشاكل صحية عقلية خطيرة، وأولئك الذين فقدوا منازلهم وعائلاتهم أيضًا.. ورغم كل عدد هؤلاء القتلى، تطعن الحكومة الإسرائيلية ومؤيدوها في هذه الأرقام، ويزعمون أن الصحافيين الفلسطينيين في الداخل يتعرضون للإكراه من قبل حماس، لذا فهم ليسوا مستقلين وأنهم ليسوا صحافيين على الإطلاق، بل هم مقاتلون من حماس يرتدون سترات إعلامية، وأنهم ليسوا صحافيين “حقيقيين”، وبالتالي غير قادرين على أن يكونوا غير متحيزين.
وترفض الصحافية أليكس هذا الاتهام الإسرائيلي وترى أنه يستهدف تبرير قتلهم على أيدي الجيش الإسرائيلي مقبولة بسبب وجودهم في منطقة حرب ساخنة ثم تضيف “أن قادة الجيش الإسرائيلي يتجاهلون حقيقة أن الصحافيين لا يستطيعون الهروب على أي حال وإن زملائنا الصحافيين في غزة الذين كنا نتحدث معهم بشكل يومي والذين يعتمد الجميع على عملهم، يحتاجون للحماية في أوقات الحرب كما ينبغي”.
وتضيف في وصفها الصحافيين الفلسطينيين: “إنهم شجعان بشكل لا يصدق ويعانون من ضغوط هائلة أثناء قيامهم بعملهم الصحافي في ظروف خطيرة للغاية، كل ذلك أثناء محاولتهم حماية أسرهم والعثور على الطعام والماء ومكان للنوم أو المأوى”.