إسرائيل تقترب من مواجهة مع واشنطن وكفة حماس هي الراجحة ونتنياهو عالق في شرك سياسي

هآرتس 3/3/2024

بقلم: عاموس هرئيل

التموين الذي ألقته الولايات المتحدة على غزة أمس، يعكس خطورة الوضع الإنساني في القطاع، وخيبة أمل وانتقاداً متزايداً لدى إدارة الرئيس بايدن تجاه إسرائيل. وسائل الإعلام والجمهور في إسرائيل سرعان ما مروا إلى روتين الحياة اليومي في غزة، التي قتل فيها أكثر من 100 مواطن فلسطيني في أعمال فوضى جرت حول قافلة الشاحنات التي تحمل المواد الغذائية والمعدات الخميس. ولكن هذا الحدث ترك انطباعاً عميقاً لدى العالم. أما رواية إسرائيل التي تقول إن معظم المدنيين ماتوا بسبب أعمال الفوضى والقليل منهم بنار قوات الجيش الإسرائيلي، فلا تحظى بالثقة أو حتى باهتمام كبير في نظر الغرب.

ويرى المجتمع الدولي أن إسرائيل هي المسؤولة الأساسية عن معاناة سكان القطاع الشديدة. المذبحة التي ارتكبتها حماس في 7 تشرين الأول لا تقدم أي تبرير لسلوك إسرائيل الحالي في دفع السكان الفلسطينيين إلى رفح في الجنوب، ووضع العقبات أمام نقل المعدات الإنسانية (بعضها بسبب الإغلاقات التي قام بها متظاهرو اليمين والتي غضت الحكومة والشرطة النظر عنها) والجوع المتفشي في بعض أجزاء القطاع، ورفض نتنياهو الحازم مناقشة ترتيبات اليوم التالي بجدية. تعبر الولايات المتحدة عن الغضب بطرق مختلفة، لكن عدم التوصل إلى صفقة تبادل في الفترة القريبة القادمة، تقريباً في بداية رمضان بعد أسبوع، ربما يفاقم المواجهة بين واشنطن والقدس.

وضع المفاوضات حول صفقة التبادل غير مشجع. إسرائيل تطلب من حماس الآن قائمة بأسماء المخطوفين الذين ما زالوا على قيد الحياة، والرد واضح بخصوص الآلية التي اقترحها الوسطاء، التي سيتم بحسبها إطلاق سراح حوالي 10 سجناء فلسطينيين في المرحلة الأولى مقابل 40 مخطوفاً إسرائيلياً تقريباً المشمولين في الصفقة، نساء ومسنين وجرحى ومرضى. لم يتم تحقيق أي تقدم حقيقي في هذا الشأن في المحادثات الأولية التي جرت مؤخراً في قطر. وثمة دعوة من مصر لإجراء محادثات استمرارية في القاهرة، التي من غير الواضح إذا كانت إسرائيل ستوافق عليها في هذه الأثناء.

في غضون ذلك، نشرت حماس تقارير وإشارات حول موت مخطوفين آخرين في الأسر، يبدو نتيجة القصف الإسرائيلي. المتحدثون بلسان حماس يقللون تصريحاتهم بشكل دائم حول عدد المخطوفين الذين ما زالوا على قيد الحياة حتى الآن. وأعلن الجيش رسمياً موت 31 من بين الـ 134 مخطوفاً، لكن التقدير أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك.

نافذة الفرص التي بقيت ضئيلة جداً. يبدو أن حماس لم ترد حتى الآن بالتفصيل على اقتراح الوسطاء الذي عرض في باريس، ومن المرجح أن ميزان القوة في المفاوضات تحسن لصالحها، والمساعدات الإنسانية للقطاع ستتحسن في الأصل بسبب الضغط الدولي الذي سيستخدم على إسرائيل. وتتوقع حماس أيضاً إطلاق سراح آلاف السجناء في المرحلة الثانية للصفقة. ولكنها أصبحت لا تعتقد أن ذلك سيكون في إطار “الجميع مقابل الجميع”، وهي العملية التي ستفرغ السجون الإسرائيلية بشكل كامل.

الموضوع الأهم لحماس هو صفقة شاملة للحرب. الخطة الأخيرة التي عرضها الوسطاء في قمة باريس تتحدث عن وقف إطلاق النار لستة أسابيع في المرحلة الأولى، ثم انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من القطاع، وإنهاء الحرب، مقابل إطلاق سراح كل المخطوفين وإعادة جثامين من ماتوا. يريد الفلسطينيون ربط هذه الأمور من البداية بتعهد صارم، ويبحثون عن ضمانات دولية لأمن قادة حماس الشخصية.

هذه طلبات يراها نتنياهو صعبة على الهضم، ربما حتى أكثر من إطلاق سراح السجناء في المرحلة الأولى. والموافقة على الانسحاب الكامل ووقف القتال يعني اعترافاً غير مباشر لإسرائيل بالفشل، وإنهاء الحرب دون تحقق الهدف العلني الذي يتمثل بالقضاء على سلطة حماس. في مثل هذه الظروف، سيجد نتنياهو صعوبة في الحفاظ على الجناح اليميني – المتطرف في الائتلاف. وخلال ذلك، ينثر تهديدات حول اقتحام الجيش الإسرائيلي لرفح رغم أنه لم يتم تجنيد وتخصيص القوات المطلوبة لذلك، وإسرائيل لم تبدأ بعد بعملية إخلاء السكان الفلسطينيين. ويقول إن دخول رفح سيزيد الضغط على حماس وسيؤدي إلى التوصل إلى صفقة تبادل أفضل، وربما سيدفع قدماً بالتطبيع مع السعودية الذي سيقنع العالم العربي بأن إسرائيل جدية في نيتها هزيمة حماس.

ولكن لا يبدو أن حماس تعتقد الآن بأنه سيناريو محتمل على المدى القريب، قبل شهر رمضان أو خلاله. الأمريكيون أيضاً غير مقتنعين، ولا يبدو أن نتنياهو باستطاعته إقناع شركائه المؤقتين في الحكومة “وزراء المعسكر الرسمي” بجدية نيته الهجومية. إضافة إلى الأزمة التي تلوح في الأفق حول قانون التجنيد، التي احتدمت مؤخراً عندما تحدى وزير الدفاع غالانت موقف نتنياهو، يبدو أن رئيس الحكومة قد وضع نفسه في شرك سياسي صعب ومعقد.

بايدن ينتظر غانتس

قرار الرئيس الأمريكي دعوة الوزير بني غانتس للالتقاء معه في واشنطن مهم جداً. فهي خطوة استثنائية تعكس التقليل من مكانة نتنياهو. يبدو أن واشنطن تحاول جعل غانتس يضغط على نتنياهو لعقد الصفقة. ما زالت الإدارة الأمريكية تعلق آمالاً كبيرة على عملية شاملة، صفقة لتبادل المخطوفين ووقف إطلاق النار الذي سيؤدي بعد ذلك إلى إنهاء الحرب في القطاع، والبدء في نقاشات حول حل سياسي للقتال بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وربما حتى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية. نتنياهو لا يستجيب لذلك، سواء بسبب طلب حماس بثمن مرتفع أو خوفاً من صعوبات سياسية داخلية تؤدي إلى إجراء انتخابات يخشاها.

تأمل واشنطن التعاون مع غانتس، وإذا لم يكن ذلك، على الأقل سيضغط على نتنياهو. يجب عدم استبعاد إمكانية حدوث مواجهة علنية في القريب بين الإدارة الأمريكية ونتنياهو، مع اتهام إسرائيل بالمسؤولية عن فشل المفاوضات. قد يشمل استمرار التصعيد امتناع أمريكا عن استخدام حق الفيتو ضد قرارات مناهضة لإسرائيل في مجلس الأمن، أو حتى إبطاء إرساليات السلاح لإسرائيل. صعوبات الرئيس حقيقية؛ فمثلما في العواصم الأوروبية؛ بدأ المناخ في أوساط الجناح اليساري لدى الحزب الديمقراطي يتفاقم. يقف في المركز خوف بايدن من فقدان التأييد في أوساط الشباب المسلمين في ميشيغان، وهي ولاية أساسية في المواجهة المتوقعة له مع ترامب حول الرئاسة في تشرين الثاني القادم.

جمود المفاوضات يخلق إحباطاً أيضاً في طاقم المفاوضات الإسرائيلي. الجنرال احتياط نيتسان ألون، رئيس مركز الأسرى والمفقودين في الجيش الإسرائيلي، امتنع قبل أسبوعين عن المشاركة في محادثات القاهرة، ثم تردد حول الذهاب لباريس. ويقف في الخلفية خوف المستوى المهني من عدم جدية الحكومة للمفاوضات. وأعداد المخطوفين الموتى والمظاهرات اليائسة لعائلاتهم، تصعب الأجواء.

يدعي الجيش بأنه هزم لواء حماس في خان يونس، وأنه استكمل عملية استمرت أسبوعاً في حي الزيتون في شرق مدينة غزة. مع ذلك، يجب وضع الأمور في نصابها؛ فإسرائيل كشفت جزءاً كبيراً من منظومة الأنفاق والتحصينات والقيادات تحت الأرض في خان يونس، لكنها بعيدة عن تدمير هذه المنظومة بالكامل. ورغم عثورها على عدد من أماكن اختباء السنوار وشركائه في قيادة حماس في أنفاق خان يونس، فإنها أخفقت في اعتقالهم أو المس بهم.

الوجود العسكري، سواء في الممر الذي يقسم القطاع بين الجنوب والشمال أو في خان يونس، بقي على حاله. ولكنه يكلف خسائر للجيش الإسرائيلي بسبب عمليات حرب العصابات التي تديرها حماس. أول أمس، قتل ثلاثة من مقاتلي لواء “كفير” وأصيب 14 في انفجار بيت تم تفخيخه شرقي خان يونس. المقاتلون الذين أصيبوا هم من خريجي دورة قادة الفصائل. طاقم القتال اللوائي لمدرسة قادة الفصائل دخل إلى القطاع قبل بضعة أيام من ذلك؛ للسماح للواء المظليين النظامي بالخروج إلى فترة انتعاش بعد أشهر متتالية من القتال.