
تزداد حركات مقاطعة دولة الاحتلال الاسرائيلية يوما بعد يوم، وتأخذ طابعا جماهيريا وشعبيا ليس له مثيل مقارنة بالسنوات الماضية، حتى باتت تشكل خطرا حقيقيا على تمدد المشروع الصهيوني في المنطقة، ولمن يتساءل عن قوة حركات المقاطعة ويعتبرها أنها لا تجدي نفعا اذا لم تقترن بمقاطعة رسمية، فالجواب بسيط جدا، أن حركة المقاطعة تأسست عام 2005 اي بعد الفتوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية المتعلقة بجدار الفصل العنصري الذي بنته حكومة الاحتلال الاسرائيلي، وعقدت مؤتمرها الاول عام 2007، وبدأت بشق طريقها فعليا وتنامت بشكل متسارع تحديدا منذ العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014.
هذا لا يعني أنه لم يكن هناك مقاطعة شعبية قبل ذلك، بل كانت المقاطعة الشعبية متبعثرة ولا تدخل ضمن اطار تنظيمي موحد كما هو الان، لأن الاتكال كان على المقاطعة الرسمية بموجب قرار جامعة الدول العربية عام 1951 والذي افتتح مكتب المقاطعة في دمشق، والذي على اثره وضعت قوانين مقاطعة اسرائيل في بعض الدول العربية.
أما الان، وبعد 7 أكتوبر، وعلى اثر انهمار الدعاوى القانونية ضد العدو الاسرائيلي تحديدا امام محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بإرتكاب اسرائيل ابادة جماعية والثانية المتعلقة بدراسة عدم قانونية الاحتلال في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، بالتأكيد ستزداد المقاطعة قوة على الصعيد الشعبي التي من شأنها أن تضغط من اجل اتخاذ موقف رسمي مؤيد لها.
على أثر ذلك، انتزعت حكومة الاحتلال الاسرائيلية صلاحية مكافحة حركات المقاطعة من وزارة الخارجية الاسرائيلية، وانشأت حقيبة وزارية جديدة اسمها وزارة الشؤون الاستراتيجية حيث تم تعيين الوزير ديرمر السفير السابق للعدو الاسرائيلي في الولايات المتحدة الاميركية، واسند اليها دعم مالي كامل بعقلية امنية واستخباراتية ودعائية من اجل محاربة حركات المقاطعة، وهذا ما يدل على أهمية المقاطعة الشعبية التي بدأت بشق طريقها وتتسع افاقها.
بعض رؤساء الاموال واصحاب الشركات متعددة الجنسيات اعترضوا على المقاطعة الشعبية بإعتبار أنها تساهم في خسارتهم مما يضر بالاقتصاد الوطني، خصوصا ممن يمتلكون الوكالات العالمية مثل ماكدونالدز، ستاربكس، بيبسي…، وادعوا ان حركات المقاطعة لا تساهم بضرب الاقتصاد الاسرائيلي بقدر ما تساهم بضرب الوكلاء العرب او المحليين.
الجواب على ذلك سهل جدا، وهو ان عائدات الاموال والارباح تعود بطريقة مباشرة الى المساهمين في الشركات المتعددة الجنسيات والتي يكون احد المساهمين حاملا للجنسية الاسرائيلية، وتؤخذ من طريق الشعوب على حساب الاقتصاد الوطني والشركات الوطنية الصغيرة، كما تسحب العملات الصعبة تحديدا من الدول التي تواجه حصارا اقتصاديا مثل لبنان، اليمن، سوريا، غزة، كوبا، فنزويلا، روسيا… وبالتالي فإن المقاطعة ذات منفعة اقتصادية وطنية وليس كما يدعي اصحاب رؤوس الاموال والوكالات واصحاب الامتيازات التجارية.
كما أنه لا يمكن للمستثمر ان يحدد ماذا على المستهلك ان يشتري او ان يقاطع، ولا ان يخضع المستهلك لارادة المستثمر الذي ربما يحتكر السوق ويبتلع اصحاب الشركات الوطنية الصغيرة، وبدلا من ان يقوم اصحاب الشركات العالمية بالخضوع لحاجة السوق، يقوم بمهاجمة حركات المقاطعة، لأنهم يدركون انهم يحتكرون السوق ويجبرون المستهلك على شراء بضاعتهم.
ولذلك اهمية المقاطعة الشعبية، فعندما تحدد الشعوب نوعية البضائع وجودتها، وانها لا تصب لمصلحة العدو الاسرائيلي، وتساهم في الطلب على البضائع المحلية، ستجبر اصحاب الشركات متعددة الجنسيات بقطع علاقتهم مع الوكالات الدولية الداعمة للاحتلال، بحيث ان المستهلك هو من اصبح يتحكم في السوق من خلال العرض والطلب، وليس المستثمر، حيث انه ومن هنا يبدأ ازدهار الاقتصاد الوطني.
لا تكونوا أسرى للافكار الرجعية التي زرعها الرأسماليون الذين لا يريدون سوى الربح المجنون على حساب دماء الابرياء، فكلنا نعلم كيف دعمت شركة زارا الحملة الانتخابية لـ “بن غفير” وهو الاكثر تطرفا في حكومة الاحتلال الاسرائيلية والذي يقوم بتسليح المستوطنين، وأحد اعمدة ارتكاب الابادة الجماعية في قطاع غزة.
ان المستهلك هو من يتحكم بالعرض والطلب وعلى المستثمر ان ينصاع لارادة المستهلك، وليس على المستثمر ان يتحكم بما يريده المستهلك، فالعملية معكوسة تماما، وكلما زاد الانتاج الوطني وتم منافسة هذه الشركات كلما قوي الاقتصاد الوطني وانكسرت الاحتكارات.
وما يؤكد على كلامي، كنت أشتري من احدى الدكاكين الصغيرة في مخيم مارالياس في بيروت، فجاء طفل يقول للبائع “أريد أن اشتري” فقال له البائع تفضل، فأجاب أريد منك تحديد ما هو ليس داعما للصهيونية، فرحت بذلك كثيرا، لأن البائع اصبح يعلم أن هناك طلبا على البضائع الوطنية، وهذا يعني انه سيزداد العرض، مما يساهم المستثمر بتغيير وكالاته ليربح اكثر ويوازي بين العرض والطلب.
ومن هنا ندرك أهمية ثقافة المقاطعة، وتعليم الاطفال منذ الصغر على هذه الثقافة التي ستحدد مصير هذه الشركات على المدى البعيد. إياك ان تستسلم، قاوم وقاطع، ولا تشتر الرصاصة التي تقتلك.
بقلم ..فؤاد بكر