مدى الكرمل ينظم ندوة “من حيفا إلى رفح.. شهادات البقاء والنزوح والعودة”

عقد “مدى الكرمل” – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية مساء أمس، الثلاثاء، ندوة بعنوان “من حيفا إلى رفح، شهادات البقاء والنزوح والعودة”، وذلك في مقر المركز بمشاركة د. جوني منصور ود. رامز عيد ود. هبة يزبك ود. همّت زعبي وبروفيسور محمود يزبك

وعن أهمية الندوة، قالت مديرة مركز “مدى الكرمل”، د. عرين هواري، لـ”عرب 48″، إن “الندوة نظمت بمناسبة إصدار مدى الكرمل لورقتين بحثيتين من مشروع التاريخ الشفويّ ’ذاكرة شاهدة على البقاء في فلسطين’، اللتينن تستعرضان شهادات شفويّة تعتمد على الذاكرة الشخصيّة لسكّان عيلبون وحيفا الذين صمدوا في بلدَيْهما بعد النكبة، وسيتم إدراجهما في موقع مدى الكرمل”

وأضافت “كما أصدرنا ورقة يتضمنها كتاب بعنوان ’الصهيونية والاستعمار الاستيطاني’، والذي يتحدث عن مهجري المدن منها بيسان وصفد وطبرية، والتي لم تٌكتب روايتها كما يجب، في محاولة لملء الثغرات في تاريخنا. هذه الأوراق أصدرت بناء على شهادات شفوية من قبل أشخاص عاصروا النكبة وعاشوا في أعقابها، والصمود في وجه التهجير والقمع، وتزداد أهمية هذه الأوراق نظرا لأننا نعيش النكبة من جديد”.

وأشارت هواري إلى أن “الأوراق تهدف إلى الإسهام في تكوين سرديّة تاريخيّة تسدّ النقص الّذي تعاني منه المصادر الوثائقيّة المكتوبة في ما يخصّ أحداث النكبة والعَقْد الأوّل بعدها. ونحن نرى المجازر اليومية، وهذا يحتم علينا زيادة مدى الوعي وألا نعتاد الصمت إزاء ما يجري في غزة”

واستهل المؤرخ وعضو إدارة “مدى الكرمل”، د. جوني منصور، الندوة بمداخلة بعنوان “من نزوح 1948 إلى نزوح 2024 قائلا: “طالما أن النكبة مستمرة فدراسات النكبة مستمرة، موضوعنا في هذه الأمسية له علاقة بكل قضية الذاكرة وبخاصة ذاكرة المدن: حيفا، يافا، عكا، اللد، الرملة، بيسان، صفد وبئر السبع وغيرها، ذاكرة تتعلق بالقرية والمجتمع المتمدن. النكبة بحد ذاتها موضوع ذاكرة، وإن حللنا أو طورنا تحليلاتنا فهذا أمر جيد، لكن الحديث عن الماضي يقودنا للحديث عن الحاضر، والحديث عن الحاضر يقودنا إلى الحديث الاستشرافي المستقبلي، في ما يعرف اليوم بالإعلام ’اليوم التالي لغزة’، لكن أنا أقول إنه اليوم التالي لكل الشعب الفلسطيني، فالمسألة غير محصورة بالقضية الإستراتيجية والمستقبلية المتعلقة بقطاع غزة”.

وأضاف أن “الفكرة في أن النكبة مستمرة سيدفع متتبع الأحداث من النكبة عام 1948 إلى اليوم سواءً في الداخل أو أراضي 1967، إلى الملاحظة بلا أدنى شك بأن الصهيوني يمارس العنف الاستعماري الاستيطاني ضد كل فلسطيني في كل مكان، وهذا العنف له أشكال مختلفة وقد يكون غير مرئي كموظف في دائرة التنظيم يرفض خارطة التنظيم كجزء من السياسات العنيفة الاستعمارية، للتضييق على الشعب الفلسطيني ومنعه من حقه في السكن”.

وقدمت د. همت زعبي وهي باحثة ما بعد الدكتوارة في منتدى الدراسات العابرة للأقطار في برلين، محاضرة عبر تقنية “زووم”، حول “الباقون بعد نكبة 1948: جدلية المحو والبقاء في مدينة حيفا”، وأشارت إلى أن المرحلة المباشرة بعد أحداث النكبة شكلت مرحلة مفصلية في حياة الفلسطينيين، في حين حظيت قضية الفلسطينيين المهجرين وواقعهم على اهتمام ما لدى الباحثين والباحثات الفلسطينيين، في حين همش واقع الفلسطينيين الباقين في بلادهم، لا سيما سكان المدن منهم. إلا أن الاهتمام بالمدن الفلسطينية وسكانها في تسعينيات القرن المنصرم، عادت لتنشغل الأبحاث الإسرائيلية والفلسطينية بواقع ما بات يعرف بالمدن المختلطة، أو واقع المدن الفلسطينية ما قبل النكبة وخلالها، مغيبين بهذا جزءا من تاريخ فلسطين، فارضين على المتبقين تاريخا مبتورا، وهذا التاريخ المبتور أسهم في تغييب بعض من دوافع لجوء الفلسطينيين وكذلك أسهم في ترسيم حدود فعلية ورمزية للباقين كان وما زال إلى حد كبير عامل أساسي في ترسيخ نظرتهم إلى ذاتهم كأقلية دون مدينة بدأ تاريخ تشكيلها عام 1948.

وتطرق المحاضر في علم الإنسان بالجامعة المفتوحة، د. رامز عيد، في مداخلته إلى محاضرته “عندما انتصر القلم على البندقية: مساهمة في دراسة وأسباب عودة عيلبون”، بالقول إن “النكبة لن تستمر للأبد. حاولت إضاءة جوانب مظلمة في التاريخ لم يسبق لأحد أن تحدث عنها، لأثبت أن الشعوب بإمكانها المقاومة حتى ولو كانت تقارع أعتى الجيوش في العالم والمدججة بأحدث سلاح في العالم، وهذا يعطينا بصيص أمل بأن لا نظن أن النكبة ستستمر إلى الأبد”.

وتابع “عيلبون لم تعد إلينا بسهولة، فقد عادت نتيجة المقاومة المنظمة من قبل الشعب والعمل على كافة الصعد والنواحي الإقليمية والمحلية واستخدام العلاقات الدولية والعربية والإسرائيلية للحث على العودة، وهذا نتيجة للإصرار المستمر وعدم اليأس على مدى أشهر طويلة، باختصار المقالة تستعرض تسلسل يومي وأسبوعي لما جرى في عيلبون، وتصحح بعض الأخطاء التي ذكرها بعض المؤرخين للأسف عن قصة عيلبون”.

وعن الاستعمار الاستيطاني ومهجري المدن الفلسطينية، قالت المحاضرة في علم الاجتماع، د. هبة يزبك “قلما نجد دراسات وأبحاث تتناول تهجير بيسان وعكا وطبرية وبئر السبع. فما نعرفه عن تهجير هذه المدن هو أقل بكثير مما نعرفه عن تهجير حيفا ويافا والقدس على سبيل المثال، وأفترض أن هذا يعود إلى الموقع الريفي لهذه المدن، ومحدودية تطورها الاقتصادي والاجتماعي في حقبة ما قبل النكبة من جهة على الرغم من أن ييسان كانت مدينة مركزية في زمن الانتداب البريطاني، ومن جهة أخرى فهناك عامل إضافي ساهم في تهميش هذه المدن، وهو مسألة التطهير العرقي الكامل أو شبه الكامل لهذه المدن، بمعنى أن هذه المدن اليوم لا يسكنها عرب فلسطينيون”.

وأضافت “نلاحظ حتى في مشاركتنا لمسيرة العودة منذ 27 عاما، فانها تكون إلى القرى المهجرة أكثر منها إلى المدن المهجرة، فالعودة ملامحها قروية، إذ أن القرية هي الملجأ للفلسطينيين والحنين يكون إلى الفلاحة والأرض، وهذا مرده الجدلية القائمة حول مفهوم الأرض والقروية المرتبطة بالهوية الفلسطينية”.

وأكدت يزبك أنه “في إطار التوجه التاريخي الذي يسهم في إصلاح الغبن التاريخي الواقع بحق مهجري المدن في عملية التأريخ القائم، اعتمدت في دراستي على الروايات الشفوية، فأنا أعتبر التاريخ الشفوي مصدر أساسي ومركزي لدراسة وكتابة تاريخ المقموعين، وكتابة تاريخ الضحية. مع أواخر الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم بدأنا نرى دخول التاريخ الشفوي الفلسطيني إلى مجال البحث التاريخي والاجتماعي في فلسطين، ولكن حتى اللحظة لم نتمكن من إنشاء مشروع تاريخ شفوي شامل وكامل”.

وقال المؤرخ ومحرر سلسلة “ذاكرة شاهدة على البقاء في فلسطين”، بروفيسور محمود يزبك، الذي أدار الندوة “حينما نكتب التاريخ الفلسطيني وخصوصا مرحلة النكبة، فإن التاريخ الشمولي تضيع فيه التفاصيل، الشمولية في مرحلة ما كانت مطلوبة في كتابة التاريخ الفلسطيني، ولكن بعد ذلك كان مطلوبا من كل قارئ أن يتحسس ويلمس ويتحسس التاريخ، وخصوصا الذي يتحدث عن النكبة، ونكبة المدن، وهذه دعوة لطلاب الدكتوراة أن يتبعوا منهج قراءة التاريخ الشخصي”.

وتابع “أذكر هنا قصة عائلة السويدان في حيفا، وهي عائلة معروفة ومن يقرأ تفاصيل هذه القصة، وبخاصة إذا كانت مدعومة بالوثيقة المكتوبة بشكل رسمي وموجودة في الأرشيف، تستشعر كقارئ للتاريخ بطريقة مختلفة في ما لو كنت تقرأ بشمولية وتصبح العلاقة الشخصية كمتلقي تلامس المشاعر، وعائلة السويدان آنفة الذكر كانت تقطن في أكبر قصر في حيفا، وهجرت إلى بيت صغير لعائلة مهجرة، وكان صاحب القصر الكبير يبكي في البيت الصغير، فنحن هنا أمام مأساة لا نستطيع كسرها بل نلمسها بمشاعرنا، ولذلك يجب علينا ككُتاب للتاريخ، أن نقرأ ونكتب تاريخ الأشخاص والأفراد، فكل فرد هو تاريخ، وخاصة في مرحلة النكبة”.