تقرير: “مليون مستوطن بالضفة حتى 2030”

“ما يقوم به المستوطنون من أعمال إرهاب يمكّن إسرائيل من الزعم أن العنف يرتكبه أفراد عاديون وليس الدولة ولا أجهزتها الأمنية، في حين تستفيد هي إستراتيجيًا دون أن تكون عرضة لانتقاد دولي”.

تمكن المستوطنون تحت حماية جيش الاحتلال، وبواسطة العنف، والقيود على التنقل والوصول، من تهجير نحو 1390 فلسطينيًا، بينهم 660 طفلًا، من 29 تجمعًا بدويًا ورعويًا في الضفة الغربية المحتلة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

هذا ما جاء في تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”.

ووفقًا له “شن المستوطنون، في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية، 1084 هجمة استهدفت الوجود الفلسطيني وأسفرت 107 منها عن سقوط ضحايا بين شهيد وجريح، فيما تسببت 859 هجمة في إلحاق أضرار في الممتلكات، وذلك في الفترة الواقعة بين 7 أكتوبر 2023، و8 تموز/ يوليو 2024.

تهجير 5 تجمعات بدوية

تقرير صادر عن هيئة “مقاومة الجدار والاستيطان”، يفيد بأن إجراءات الاحتلال وبلطجة المستوطنين “ساهمتا في تهجير 5 تجمعات فلسطينية بدوية، كانت تتألف من 18 أسرة مكونة من 118 فردًا، خلال النصف الأول من عام 2024”.

إلى ذلك، بيّنت الهيئة، بحسب تقرير نقلته “وفا”، مؤخرًا، أن الفترة ذاتها شهدت إقامة 17 بؤرة استيطانية جديدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليصل مجموعها إلى 95 بؤرة تسيطر على مساحة تقدر بنحو 412 ألف دونم، فضلاً عن 190 مسوطنة يأوي إليها نحو 740 ألف مستوطن.

ويقول التقرير: “يُجمع باحثون ومختصون على أن إرهاب المستوطنين في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة تحول إلى فعل شبه يومي، لا يمكن فصله عن سياسة دولة الاحتلال وخطتها للتطهير العرقي وتمكين الاستيطان من التوسع”.

دفئات لتفريخ الفكر الإرهابي

وفي السياق ذاته، يشير “المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان”، إلى أن “الأعمال الإجرامية لمنظمات المستوطنين، التي سهّل الوزير، إيتمار بن غفير، تسليحها وشكّل فرق طوارئ لحمايتها أمنيًا وقانونيًا، دخلت طورًا متقدمًا من الإرهاب المنظم؛ بعد أن أضحت المستوطنات دفيئات لتفريخ الفكر الإرهابي وتشكيل تنظيمات متطرفة مسلحة، تحولت إلى قوة ضغط تتحدى تدابير تلجأ إليها سلطات الاحتلال؛ لإبقاء الأوضاع تحت السيطرة، وامتصاص ردود الفعل الدولية المنددة بتنامي عنف المستوطنين”.

“العنف يرتكبه أفراد عاديون وليس الدولة”

تقرير صادر عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، يبيّن في سياق إشارته إلى عنف المستوطنين، أنه “جزء من سياسة دولة الاحتلال، تسمح به، وتتيح تنفيذه، كجزء من استراتيجية نظام الفصل العنصري الساعي إلى استكمال عملية الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية”.

ويوضّح: “ما يقوم به المستوطنون من أعمال إرهاب يمكّن إسرائيل من الزعم أن العنف يرتكبه أفراد عاديون وليس الدولة ولا أجهزتها الأمنية، في حين تستفيد هي إستراتيجيًا دون أن تكون عرضة لانتقاد دولي”.

ويتابع: “ظاهريًا يبدو كأن هناك مسارين منفصلين: الدولة تستولي على أراضي الفلسطينيين بطرق علنية ورسمية، بينما المستوطنون الراغبون هُم أيضًا في الاستيلاء على أراضٍ لأجل تحقيق أهدافهم، يستخدمون العنف ضد الفلسطينيين بمبادرة منهم ولأسباب تخصهم”.

لكن ذلك يمثل في واقع الأمر مسارًا واحدًا، إذ تعمل دولة الاحتلال على معالجة نتائج الواقع الجديد، وبخلاف إهمالها شكاوى الفلسطينيين القانونية إزاء تعرضهم لإرهاب المستوطنين؛ هي لا تخليهم من أراضٍ سلبوها بالقوة إلا نادرًا، وعوضًا عن ذلك تمنحهم الدعم لإقامة “بؤر عشوائية”، وتعمل لاحقًا على تسوية أوضاعها القانونية.

95 بؤرة استيطانية تأخذ شكلا رعويا

إلى ذلك، تُظهر قاعدة بيانات هيئة “مقاومة الجدار والاستيطان”، أنه منذ مطلع العام الجاري 2024، أُعلن، رسميًا، من قبل سلطات الإسرائيلية، عن تسوية أوضاع (شرعنة) 11 بؤرة استيطانية وتحويلها إلى مستوطنات رسمية.

كما وتشير إلى وجود نحو 95 بؤرة نشطة تأخذ شكلاً رعويًا وزراعيًا، من أصل 196 بؤرة استيطانية، تحول دون وصول الفلسطينيين إلى أكثر من 390 ألف دونم من أراضيهم، دون أوامر عسكرية رسمية معلنة، إنما محض سيطرة بالإرهاب والعربدة والحماية الرسمية العسكرية.

التبادل الوظيفي

رئيس هيئة “مقاومة الجدار والاستيطان”، مؤيد شعبان، يقول في تقرير لوكالة “وفا”: “لا يمكن إحداث فصل وظيفي بين قضيتي إنشاء البؤر الرعوية التي أقيم 71% منها بعد عام 2015، وقضية الترحيل القسري الجاري هذه الأيام، والذي وصل إلى ذروته بعيد بدء العدوان في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إذ شكلت الحرب غطاءً واسعًا لسلوك عصابات المستوطنين الإرهابية الهادفة إلى إحداث هذا النوع من التهجير، في واحد من أشكال التبادل الوظيفي للأدوار مع المؤسسة الرسمية”.

ويقود إضفاء صفة الشرعية على البؤر الاستيطانية، وما يرافق ذلك من استيلاء على المزيد من الأراضي، إلى حصر وجود الفلسطينيين في المناطق المصنفة (أ) و(ب) حسب اتفاق أوسلو، خاصة أنها تقام في مواقع ليست عشوائية، وتستند إلى تخطيط مسبق لتشكل نقاط ربط بين المستوطنات القائمة.

بؤر استيطانية جديدة

من جهتها، لفتت حركة “السلام الآن” الإسرائيلية، إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو تستغل الحرب لخلق وقائع استيطانية جديدة على الأرض، إذ أجازت إقامة 25 بؤرة استيطانية إضافية، وصادقت على إنشاء 8721 وحدة استيطانية في المستوطنات القائمة، ووافقت على شرعنة 5 مستوطنات جديدة، وأتبعت 3 بؤر كأحياء لمستوطنات مجاورة، واعترفت بـ70 بؤرة استيطانية “غير قانونية”.

40 ألف دونم منذ 2024

إلى ذلك، وفي السياق ذاته، تذكر معطيات هيئة “مقاومة الجدار والاستيطان” و”مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان”، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أعلنت الاستيلاء على 40 ألف دونم منذ بداية عام 2024.

وتشير إلى أن مجمل عمليات الاستيلاء على الأراضي الأخيرة، التي جاء أغلبها تحت مسمى “أراضي دولة” بقرابة 24 ألف دونم، يهدف إلى الربط الجغرافي بين مستوطنات قائمة أو توسعة حدود أخرى، أو بغية شرعنة بؤر استيطانية، بما يقود في نهاية المطاف إلى عزل التجمعات الفلسطينية وقطع التواصل بينها.

مليون مستوطن بالضفة

وينقل تقرير “وفا” عن الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار”، وليد حباس، قوله إن “حكومة أقصى اليمين في إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو، استهلّت عملها مطلع عام 2023 بممارسات متسارعة لتحقيق رؤية وزير المالية من حزب الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، برفع عدد المستوطنين في الضفة إلى مليون مستوطن بحلول عام 2030، تطبيقًا لتفاهمات الاتفاق الائتلافي، التي نصت على أن الاستيطان في الضفة حق لليهود غير قابل للتصرف”.

ويوضح أن أبرز تلك الممارسات تتمثل في تسوية أوضاع البؤر الاستيطانية وتحويلها إلى مستوطنات مستقلة، ونقل صلاحيات استخدام “أراضي الدولة” مما تسمى بالإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال، إلى وزارات مدنية يقودها مستوطنون.

“إخلاء المستوطنين سيزداد صعوبة”

ويرى حباس أن الحق الفلسطيني في إنشاء دولة مستقلة سيصبح أكثر تعقيداً؛ إذ إن إخلاء مئات الآلاف من المستوطنين سيغدو أمرًا أصعب من الناحية العملية.

ويضيف: “تشير التحولات في قضية البؤر الاستيطانية إلى أن سياسات إسرائيل تساهم في تعميق اندماج البنية التحتية والصناعات والسياحة الداخلية والثقافة بين إسرائيل والضفة؛ الأمر الذي يفرض واقعًا من خلاله لا تعود المستوطنات والبؤر مجرد أجندة لليمين الإسرائيلي وحسب، بل جزءًا أساسيًا من عمل الدولة ومؤسساتها بحكم الأمر الواقع، وهو يعني أن مشروع الاستيطان يصبح جزءًا لا يتجزأ من المشاريع والرؤى الحكومية الإسرائيلية، بغض النظر عن هويتها السياسية”.