الصحافة العبرية…الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

عن “N12” 16/9/2024

الحرب الأكثر إنهاكاً: إسرائيل مدماة في غزة ومستنزَفة في لبنان

بقلم: إسرائيل زيف

في عمق الشهر الـ 12 لأطول حرب، والأكثر إنهاكاً في تاريخنا، تجد دولة إسرائيل نفسها في دوامة أمنية، والحدث يلاحق الهدف، والردات تتلاحق، ولا نهاية للأحداث في كل الجبهات حولنا. من الناحية الأمنية، وضعنا ليس فقط لا يتحسن، بل أيضاً يزداد تعقيداً، ومن جهة أُخرى، لا يوجد أفق يدل على نهاية الحرب أو حتى التوجه نحو حل للوضع.

وفي غزة، إسرائيل غارقة ومدماة، والحرب التي كان يمكن أن تنتهي قبل نصف عام، عندما جعل نتنياهو الناس يصدقون أننا على مسافة شبر من النصر، تحولت إلى حملة لا تنتهي. والجهد الأساسي للجيش، اليوم، هو كبح إعادة بناء “حماس” قوتها، وهي التي لا تزال تسيطر على القطاع بمساعدة المخازن الملآى بالإمدادات والعتاد. إن حقائب المال التي وصلت إليها بيدَي حكومة نتنياهو ساهمت في بناء قوتها، كما تقايض المساعدة الإنسانية الضخمة، ويصل إليها مال كثير، وهو ما يسمح لها بإعادة بناء نفسها من جديد. واتضح أن حجة محور معبر فيلادلفيا في عرض رئيس الحكومة لا مغزى له بعد أن تبين عدم وجود نفق واحد فعال، لكن المال الكثير الذي يتدفق يساعد “حماس” في أعادة بناء نفسها من جديد.

من الواضح أن نظرية نتنياهو التي أدت إلى كارثة 7 تشرين الأول، والتي فحواها أن “حماس” مفيدة لإسرائيل، لا تزال مستمرة حتى اليوم، والدليل على ذلك رفض نتنياهو استبدال حكم “حماس” في غزة، بينما منذ شباط تحاول المنظومة الأمنية بلورة خطة لاستبدال حكم “حماس”، لكن هذه الخطط رُفضت مرة تلو المرة، وهذا دليل واضح على أن نتنياهو يريد إبقاء سطوة “حماس” على ما هي عليه، وما يجري هو التقصير الأكبر والأخطر منذ بداية الحرب. لقد قُتل من صفوفنا 1657 شخصاً على يد هذا التنظيم “الإرهابي”، بينما حكومة نتنياهو غير مهتمة باستبدالهم.

وإن بقايا “حماس”، الذين يعيدون تنظيم أنفسهم من جديد، يستخدمهم نتنياهو من أجل بناء سردية جديدة؛ “التهديد الوجودي”، ما يسمح له بالتمسك باستمرار الحرب والامتناع من التوصل إلى صفقة مخطوفين تدفع قُدُماً بإنهاء الحرب. عملياً، غزة هي مستنقع كبير، وقد بذل الجيش كل ما في وسعه من أجل تجفيف جزء غير صغير منه، لكن استمرار القتال من دون استبدال حكم “حماس” لن يؤدي إلى أي نتيجة، فهو يحصد حياة أفضل جنودنا من دون إنجاز يغير الواقع. في هذا الوضع، ليس لدى دولة إسرائيل ما تفعله في القطاع غير إعادة المخطوفين، وعليها الخروج من هناك في أسرع وقت ممكن.

أمّا في الشمال، فإسرائيل في ذروة حرب استنزاف لا تبدو نهايتها في الأفق، فالجليل يشكل منطقة لاستهدافات “حزب الله”، وسكان الشمال يشكلون وقوداً لمدافعه، ويشن الجيش هجمات يومية على “حزب الله”، وعلى حساب الضربات التي يتلقاها السكان التعساء… إن إمكان دخول بري إلى لبنان من دون أي استراتيجية خروج أو فكرة بشأن ما يمكن أن يحققه، حتى لو كان دخولاً محدوداً، سيزيد في تعقيد الوضع أكثر.

لن يوقف “حزب الله” القصف نتيجة لذلك، إنما يمكن أن يزيده، وكما جرى في رفح، في غياب قدرة الحكومة وضعفها في اتخاذ القرارات، فإن إسرائيل ستبقى هناك عالقة في جبهتَين في آن واحد مع ثمن كبير، وهو ما سيؤدي إلى استنزاف الجيش بحيث يصبح غير قادر على تركيز جهوده في أي مكان، وسنكون في خطر كبير.

مصير السلطة الفلسطينية

في الضفة الغربية أيضاً يزداد التصعيد حدة، فبن غفير، مشعل الحرائق، يبذل كل ما في استطاعته من أجل إشعال الميدان، ويتنافس مع سموتريتش على من سينجح في التسبب بحرب شاملة ستؤدي إلى احتلال الضفة الغربية من جديد، وتسقط السلطة الفلسطينية، وتطرد جموع الفلسطينيين. ليست لدى هذين المسيانيَين أي فكرة عن التداعيات الخطِرة لأعمالهما، وإلى أي حد من مشكلة عدم استقرار إقليمي ستؤدي لامبالاة رئيس الحكومة إليه.

المشكلة الأولى التي ستنشأ هي انهيار الحكم في الأردن، الذي يعتمد بصورة مطلقة على استقرار الضفة الغربية. وفي هذا الأسبوع، للمرة الأولى، فاز الإخوان المسلمون “المتطرفون” بالأغلبية في البرلمان الأردني، وهي الخطوة التي من شأنها إضعاف الملك.

وفي سورية، يجري بناء ذراع إيرانية مشابهة لـ”حزب الله” مع صناعة عسكرية تخدم القوتين. وعلى الجبهة الإيرانية، لولا وجود الأسطول الأميركي، الذي سيغادر بعد الانتخابات في مطلع تشرين الثاني، لكان من المعقول أن نكون الآن في ذروة تبادل إطلاق النار بين طهران وتل أبيب، الأمر الذي يمكن أن يحدث قريباً. وفي مواجهة هذا كله، بماذا ينشغل رئيس الحكومة؟ بمحور فيلادلفيا… من الصعب أن نصور بالكلمات إلى أي حد رئيس الحكومة بعيد عن الواقع ومنقطع عنه هو وحكومته.

نتنياهو، الذي تهمه فقط الاعتبارات السياسية والشخصية، يبني لعبة حرب خاصة به، ويحاول ربط الجدول الزمني لبقائه بالحرب التي تخدمه، ومع ذلك فإن قصة فيلادلفيا لم ترفع نسبة التأييد له، ويبدو أن الناس لا تسارع إلى تصديقه. وفي وضع كهذا، ومن أجل الاستمرار في الحرب التي تخدمه، فمن الممكن أن نرى عملية برية في لبنان قريباً. وفي ظل غياب “كابينت” حرب، وفي وضعٍ يجد فيه وزير الدفاع نفسه مع الجيش من دون خيار، ربما نجد أنفسنا نعود إلى لبنان بسرعة.

وهذا سيسمح لنتنياهو بتعميق الحرب، ووقف صفقة المخطوفين، وسيشكل حجة للقضاة في كانون الأول لعدم مثوله أمامهم، لأن البلد في وسط حرب. إن الحرب التي تخدم نتنياهو لا تضمن فقط خسارة الحرب الحالية، بل أيضاً خسارة الجولة المقبلة التي تحضّر إيران نفسها لها بكل قوة، فهي تبني قدرات جديدة وكبيرة حول إسرائيل، وتتعلم الدروس من الجولة الحالية، وليست لدى إسرائيل أي استراتيجيا إزاءها، وأي رؤية للمضي قُدُماً، وهناك فقط استراتيجيا إيرانية وانجرار إسرائيلي وراءها.

الحرب تحولت هدفاً

في الوضع الحالي، تحولت الحرب هدفا يشكل مصدرا لاستقرار نتنياهو وحكومته، وليست هناك أي مصلحة له في إنهائها، بينما الجهة التي تدفع أثمانها هي الدولة وليس هو. لم تشهد دولة إسرائيل في كل تاريخها، ولا أي دولة ديمقراطية أُخرى في العالم، وضعاً يغير حياتها كهذا، ويكرس فوضى الحرب، ويفضله على وضع الاستقرار والسلام، ويدفع فيه الشعب ثمناً من التضحيات من أجل إرضاء زعيمه والمحافظة على الاستقرار السياسي لحكومته ومن أجل بقائه. إن الأساس الذي يعتمد عليه نتنياهو وشركاؤه هو استمرار الحرب، ومن هنا يأتي التوجه نحو التصعيد.

ليس لدى الجيش الآن أهداف محددة، وهو يقاتل بشجاعة على الرغم من الصعوبات التي يواجهها… الحرب كهدف من دون نهاية هي في جوهرها حرب تكتيكية من دون إنجازات استراتيجية، وشلل سياسي مطلق من دون نقطة خروج.

كل الأبواب التي حاول وزير الدفاع فتحها من أجل التوصل إلى إنجاز في الحرب أغلقها رئيس الحكومة. ورئيس هيئة الأركان والجنرالات وكبار القادة ووزير الدفاع المتهمون بالإخفاق في 7 تشرين الأول يفعلون كل شيء من أجل تفكيك العدو بنجاح. لكن في هذه الأثناء، فإن الهدف الأمني للحرب تغير وأضحى سياسياً، وأضحى الهدف الوحيد هو استمرار الحرب، وكلما تعمقت وتعقدت كان هذا أفضل.

——————————————–

هآرتس 16/9/2024

من ستتم محاكمته ويدفع الثمن بسبب اطلاق النار على الصحافيين؟

بقلم: هاجر شيزاف

الاشهر الاخيرة في الضفة الغربية هي اشهر صاخبة ودموية. الحديث يدور عن جزء من عملية مستمرة منذ سنوات. العنف في الضفة الغربية يتدفق من كل الجهات، والى جانبه ارتفعت كثافة العمليات العسكرية: التصفة من الجو اصبحت متواترة اكثر، الايام التي يقتل فيها عدة اشخاص اصبحت سائدة، ايضا تم تطبيع العمليات الجراحية والمس بالفلسطينيين غير المشاركين في الكفاح المسلح.

كمراسلين اسرائيليين نحن لا يمكننا دائما الوصول الى الساحات التي تتم فيها الاحداث في الوقت الحقيقي. العملية العسكرية في شمال الضفة التي بدأت قبل اسبوعين هي المثال الواضح على ذلك. بالنسبة لنا، مثلما بالنسبة للجمهور الاسرائيلي والعالم، فان عمل المراسلين الفلسطينيين هام جدا.  قبل اسبوعين اصيب عدد من المراسلين الفلسطينيين الذين كانوا في قافلة سيارات في الطريق الى كفر دان في منطقة جنين، التي اقتحمها الجيش كجزء من العملية. مصور وكالة الانباء الفلسطينية ”وفا” في جنين، محمد منصور، اصيب بيده عندما كان يقود السيارة التي توجد عليها اشارة صحافة بشكل واضح، واصيب ثلاثة زملاء آخرين له. وحسب اقوالهم  فان جنود الجيش الاسرائيلي اطلقوا النار عليهم، وهو الادعاء الذي لا يقوم الجيش بنفيه.

هذا كان اثناء السفر في سيارة وهم يرتدون السترات الواقية وكانت لافتات على السيارات، وهو سلوك حسب البروتوكول اذا كنت مراسل تعمل في منطقة خطر. منصور قال في محادثته معي بأنه كوسيلة اخرى للامان قاموا بالاتصال مع مراسلين كانوا من قبل في المنطقة كي يعرفوا الطريق التي يجب عليهم السفر فيها دون الدخول الى المنطقة التي يوجد فيها الجيش. ايضا هنا السلوك الآمن حسب البروتوكول في مهنة تكتنفها الاخطار. في نفس الوقت الجيش اتبع اجراء “وعاء الضغط” على منزلين في القرية، اللذان حسب قوله اختبأ فيهما اشخاص مسلحون.

الشارع الذي سافرنا عليه، قال منصور، كانت توجد سيارة اسعاف “الهلال الاحمر”، وكان يوجد أولاد في الشارع ولم تكن أي مواجهات. الرصاص اصاب سيارتهم، رصاصة اخترقت باب السيارة من جهة السائق واصابت يده، رصاصة اخرى اخترقت الزجاج الامامي، والرصاصة الثالثة اصابت المقعد الخلفي. منصور اضاف بأن اتجاه اطلاق النار كان من الشرق الى الغرب، الامر الذي يتفق مع تموضع قناص الجيش الاسرائيلي الذي كان على سطح بيت في القرية، كما تبين له ذلك فيما بعد. عندما حصل المسافرون في السيارة الاولى على العلاج، اطلقت النار على السيارات الاخرى في القافلة. لحسن الحظ المراسلون خرجوا باصابات طفيفة نسبيا. منصور تم علاجه في المستشفى مدة خمسة ايام واجريت له عملية في يده. ثلاثة آخرون اصيبوا بالشظايا.

يمكن تخيل لو أن هذا الامر حدث لمراسل اسرائيلي، كنا سنسمع عن ذلك. وزملاؤه بحق كانوا سيقيمون الدنيا. ولكن الاخطار التي هي من نصيب الزملاء الفلسطينيين وتعامل الجيش معهم، الذي لا يشمل فقط اطلاق النار، بل ايضا احتجاز غير مبرر في الميدان وانواع مختلفة من التنكيل، كل ذلك يمر بصمت. أنا توجهت للمتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي فيما يتعلق بهذه الحادثة. وقد قال لي بأن الادعاء بأنه اثناء تبادل لاطلاق النار اصيب مراسلون قيد الفحص. كل ذلك خلافا لادعاء منصور الذي بحسبه لم يكن في المكان تبادل لاطلاق النار. وكرر الادعاء بأنه دائما يسافر بحذر وحتى أنه معروف بذلك في اوساط زملائه.

السؤال في عنوان المقال هو بالطبع سؤال بلاغي. الاجابة جميعنا نعرفها: طالما أنه لم تتم محاكمة أي أحد عندما قتلت شيرين أبو عاقلة رغم أنها مواطنة امريكية، ورغم أن تلك الحادثة كانت على رأس العناوين في ارجاء العالم، فانه من الواضح أنه لن تتم محاكمة أي أحد بسبب اطلاق النار على مراسلين فلسطينيين لا يحملون أي جنسية اجنبية، التي انتهت “بالاجمال” بخمسة ايام علاج وعملية جراحية.

لكننا كمجتمع، وبالاساس كمراسلين، يجب علينا التصميم والمطالبة باجابات. رغم أن كثيرين لا يرون ذلك ولا يفكرون بذلك، فاننا كمنتجي اخبار ومستهلكي اخبار اسرائيليين، نحن ايضا نعتمد على عمل المراسلين الفلسطينيين. قدرتهم على العمل هي ايضا في صالحنا.

من الذي اطلق النار اذا على قافلة المراسلين؟ ربما في اعقاب هذه الاقوال سيحاول الجيش البدء في الفحص. هل سيعمل ضده؟ يجب علينا أن لا نكون واهمين.

——————————————–

هآرتس 16/9/2024

الجيش الاسرائيلي لا يمكنه الانتصار على حزب الله

بقلم: اسحق بريك

تصريح وزير الدفاع يوآف غالنت في محادثة له مع الضباط والجنود على الحدود الشمالية حول نقل مركز ثقل الجيش الى الشمال، واحتمالية عملية برية قريبة ضد حزب الله، هو تصريح مقلق. وقد صرح بذلك ايضا بنيامين نتنياهو ورئيس الاركان هرتسي هليفي. الثلاثة لم يحققوا أي هدف من اهداف الحرب في قطاع غزة. على رأس هذه الاهداف يوجد “القضاء على حماس وتحرير جميع المخطوفين”. لكن عمليا حماس تسيطر الآن على كل ارجاء القطاع، مدينة الانفاق وكل مجالات حياة السكان، ولا يوجد لدى لجيش الاسرائيلي أي طريقة لاستئصال سلطتها حتى لو كانت اضعف مما كانت في السابق. استمرار القتال فقد هدفه، وحرب الاستنزاف تدمر في اسرائيل كل شيء طيب: الاقتصاد، العلاقات الدولية، مناعة المجتمع والدافعية لدى الجنود. عدد كبير في الاحتياط يرفضون الخدمة مرة تلو الاخرى.

من خلال تجاهل هذه المعطيات الخطيرة فان نتنياهو وغالنت وليفي يخططون لشن عملية برية ضد حزب الله في لبنان. الهجوم يمكن أن يتسبب لاسرائيل بضربة شديدة ونهائية. الجيش الاسرائيلي لم ينجح في القضاء على حماس بالتأكيد لن ينجح في القضاء على حزب الله، الذي قوته اكبر بمئات الاضعاف من قوة حماس. بسبب أن القيادة العليا في الجيش الاسرائيلي قامت بتقليص الجيش البري بـ 66 في المئة من قوته التي كانت قبل عشرين سنة فانه لا توجد قوات لابقائها لفترة طويلة في المناطق التي قام باحتلالها الجيش؛ لا توجد قوات لاستبدال القوات المقاتلة. لذلك، الجيش الاسرائيلي اضطر الى اخلاء مناطق احتلها في السابق كما حدث في القطاع ومثلما سيحدث في لبنان. لا توجد أي جدوى من احتلال منطقة والخروج منها، لأن حزب الله سيعود الى الفور اليها.

المشكلة الرئيسية في العملية البرية ضد حزب الله هي أنها يمكن أن تؤدي الى حرب متعددة الساحات، سيتم فيها اطلاق آلاف الصواريخ والقذائف والمسيرات نحو الجبهة الداخلية، وستندلع حرب على خمس جبهات برية على الاقل، لبنان، هضبة الجولان، يهودا والسامرة، انفجار المتطرفين في اسرائيل، واختراق قوات تؤيد ايران لحدود الاردن واستمرار القتال في قطاع غزة. تقريبا جميع القوات البرية سيتم تركيزها في الشمال من اجل محاربة حزب الله ولن تبقى أي قوات للدفاع في القطاعات الاخرى. الجيش الاسرائيلي سيتم عرضه في العالم كجيش ليس له عمود فقري أو قدرات.

المأساة الكبيرة التي لم يدركها كثيرون حتى الآن هي تدهور الجيش الاسرائيلي في العشرين سنة الاخيرة، الامر الذي لا يمكنه من الانتصار في الحرب. تصريحات نتنياهو وغالنت وهليفي تستند الى قدرات غير موجودة. وهي تصريحات لذر الرماد في عيون الجمهور وتعرض للخطر مجرد وجودنا وأدت الى تحطم صفقة التبادل ووقف القتال – الطريقة الوحيدة للخروج من النفق الى النور.

مصدر امريكي رفيع مطلع على وضع اسرائيل حذر من احتمالية اندلاع حرب شاملة بين اسرائيل وحزب الله. واشار الى أن “التصعيد يمكن أن تكون له نتائج كارثية وتداعيات غير متوقعة”. وقال ايضا بأنه يمكن منع حرب كبيرة بين اسرائيل وحزب الله، واذا اندلعت هذه الحرب فان الثمن سيكون باهظا على الطرفين. “ربما يقتل الآلاف أو عشرات الآلاف، وسيكون ضرر كبير للبنى التحتية. أنتم، اسرائيل، لن تدمروا بسهولة حزب الله، ولن تحققوا كما يبدو معظم الاهداف. الحرب ستستمر لفترة طويلة وكثير من الناس سيموتون في الطرفين. سكان الشمال لن يعودوا الى بيوتهم بسرعة، في نهاية المطاف هذه الحرب ستنتهي باتفاق خطوطه تم وضعها مسبقا. لذلك، نحن نحاول التوصل الى هذا الاتفاق الآن”، قال المصدر.

——————————————–

هآرتس 16/9/2024

تجنيد طالبي اللجوء سلوك غير قانوني يؤدي الى سلوك غير أخلاقي

بقلم: مردخاي كرمنتسر

يتبين أن السكان في غزة غير المشاركين في القتال لا يقفون فقط كامكانية كامنة لاستغلالهم من قبل الجيش الاسرائيلي لاهداف حربية. فقد وجدت لهم قوة اسناد على صورة طالبي اللجوء الافارقة الموجودين في اسرائيل، الذين يتم استدراجهم واستغلالهم من قبل اشخاص غير معروفين في جهاز الامن من اجل الاسهام في الجهد الحربي الذي توجد اسرائيل في ذروته.

المبدأ الذي ينظم والذي يوجد في اساس اقامة ووجود دولة اسرائيل هو الفكرة الصهيونية، التي بحسبها في دولة اسرائيل يجسد الشعب اليهودي حقه في تقرير المصير الوطني. هذا المبدأ هو عادل جدا، لا سيما ازاء التاريخ اليهودي. هو مبدأ معترف به من قبل المجتمع الدولي – طالما أنه غير مقرون بنزع الحقوق الموازية للشعب الفلسطيني بدولة الى جانب اسرائيل.

لكن مع مرور السنين، لا سيما بعد احتلال الضفة الغربية والقطاع وتحويلها الى مناطق سيطرة وتمدد لليهود على حساب سكانها الذين يعيشون فيها، فقد التصقت بصورة التجسيد رائحة العنصرية، التي اصبحت رائحة قوية عند سن قانون الاساس: القومية، الذي ينص وحتى يعبر بوضوح عن تفوق اليهود. المحكمة العليا لم تتمكن من فهم كل المعنى والتداعيات السلبية للاقوال الرمزية أو ربما عجزت عن ذلك. في كل الحالات القانون بقي على حاله، وفقط قاض واحد، وهو القاضي جورج قرا العربي، نجح في تقديم تحليل قانوني مناسب بحسبه يجب الغاء هذا القانون. هذه الرائحة الكريهة قفزة درجة، الى درجة أن رائحة الظربان اعتبرت رائحة عطر مقارنة معها، مع انضمام بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير ومؤيديهما للحكومة في مناصب رئيسية حاسمة، والاستخدام الاقصى لهذه المناصب – الافضل بالنسبة لهم والاسوأ بالنسبة لنا – لهذا القانون.

معالجة اسرائيل لقضية طالبي اللجوء كانت مشوبة بالعنصرية من البداية، على الاقل من المرحلة التي تبين فيها أنه خلافا لحملة التخويف التي تم شنها فان الامر لا يتعلق بارقام كبيرة. التعامل مع طالبي اللجوء كسرطان والادعاءات الكاذبة بأنهم ينشرون الأوبئة ويشكلون خطرا على أمن الدولة هي بمثابة تحريض عنصري كلاسيكي. خلافا للواجب الذي يسري على الدولة بقوة القانون الدولي والقانون الاسرائيلي فقد امتنعت اسرائيل كنهج عن البت في طلبات اللجوء. وغياب الحسم يمكنها من “التفاخر” بعدد الطلبات القليل الذي تمت الموافقة عليه، وكأن ذلك من اجل الاظهار بأن طالبي اللجوء لا يحق لهم الحصول على اللجوء. في اعقاب غياب الحسم فقد تم الامتناع عن اتخاذ قرار سلبي ايضا بخصوص من لا يستحقون اللجوء لأنهم غير معرضين لخطر الاضطهاد.

كان يمكن ايجاد حل مناسب للقضية بواسطة اتفاق بين الحكومة والامم المتحدة، لكن من يحكم في اسرائيل حقا ليسوا الزعماء، بل المدونين في الشبكات الاجتماعية، الذين ردودهم السلبية جعلت رئيس الحكومة يتراجع عن الموافقة على ذلك. نتنياهو لا يعتبر زعيم رائد يتعامل مع المشكلات ويجد لها الحلول، بل هو زعيم مستخذ تتم قيادة من قبل جمهور محرض ويقوم بالتحريض. في هذه الحالة فان هؤلاء المدونون ادركوا افضل منه الامكانية الكامنة في التحريض العنصري الذي يوجد في ظل غياب قرار حاسم بشأن طلبات اللجوء، وهي امكانية كامنة يمكن من خلال تجسيدها حتى الوصول الى الكنيست.

حقيقة أن الكثير من الاسرائيليين كانوا هم انفسهم لاجئين أو احفاد لاجئين (بالمناسبة، أنا واحد منهم)، وفي اعقاب ذلك عانوا من بطش العنصريين واشباه الوطنيين (الامر الذي كان العامل الرئيسي في ميثاق اللاجئين من العام 1951)، هذه الحقيقة لم تساعد. السياسة تم املاءها عن طريق نظرية دولة يهودية نقية، نقية من غير اليهود، من الواضح أن اللون الاسود كان في غير صالح طالبي اللجوء (الدليل على ذلك هو التعامل مع يهود اثيوبيا)، لكن ايضا الاوكرانيين البيض غير اليهود (الذين لا يحق لهم اللجوء بقوة قانون العودة) الذين هربوا من الحرب حصلوا على معاملة مهينة والطرد.

هنا وجد أن السلوك غير القانوني ليس فقط يتم بدون ازعاج وبدون وجود أحد يحتج عليه، بل هناك ايضا ثمار جيدة في اعقابه. هذا السلوك يمكن من اقناع طالبي اللجوء المناسبين لذلك من الخدمة في الجيش. من رفض الجيش طلبات تطوعهم للخدمة فيه الى جانب زملائهم الاسرائيليين، اصبحوا بسبب تدهور الوضع اشخاص يأتون الآن لاغرائهم بالخدمة العسكرية؛ يمكن الافتراض أن الامر لا يتعلق بالحاخامية العسكرية أو الاكاديميا أو الوظائف المكتبية.

عندما يحولون السلوك غير القانوني الى فأس للحفر بها وأداة ضغط على اشخاص جعلتهم السلطة اشخاص رهائن لرحمتها، حتى لو لم يكن في ذلك أي مخالفة جنائية، فان رائحة اخلاقية قذرة تفوح هنا. اذا كان الامر يتعلق بمن يستحق اللجوء فان المقابل الذي يتم عرضه عليه مقابل الخدمة العسكرية ليس مقابل حقيقي على الاطلاق. يعدون باعطائه ما يستحقه في الاصل، لكنهم يحرمونه بشكل اعتباطي من الحصول على ذلك. من سيقول له بأن ما وعد به سيتحقق؟ الذين مصيرهم منوط بيد حكومة اسرائيل القاسية، الذين يوافقون على مثل هذا الاقتراح – مشكوك فيه اذا كانت موافقته يمكن اعتبارها موافقة حرة، واذا لم تكن هكذا فما هي اهميتها؟. في دولة القانون لا يخطر بالبال أن تسوية كهذه تجري بدون اساس قانوني، الذي تمت المصادقة عليه من قبل اشخاص مخولين. يقولون إن مستشارين قانونيين كانوا مشاركين في الامر، وهذا ليس فيه ما يهديء على الاطلاق. الاستشارة القانونية الآن ليست مثل التي كانت في السابق؛ من هو المستشار الذي يمكنه قول “لا” لما يتم عرضه عليه كضرورة أمنية. على أي حال ليس في ذلك على الاطلاق ما من شأنه أن يقدم اجابة على الصعوبة الاخلاقية الكبيرة.

طالما أن هذه الحكومة هي التي تحكم، وطالما أن هذا الائتلاف قائم، فانه تتم عملية حقن ثابتة للسم العنصري في شرايين المجتمع الاسرائيلي. الخوف الكبير هو من تغيير عميق في المجتمع دون أن يكون مدركا لذلك.

حقيقة أنه اضافة الى هذه العملية يتم تبشيرنا بطبخ قانون التهرب من الخدمة، الذي تحت غطاء الالاعيب سيتم بالفعل اعفاء من يتعلمون التوراة من الخدمة العسكرية الحقيقية، تنبئنا عن عمق الحضيض الذي وصلنا اليه. كان من الافضل للمستشارين القانونيين الطلب من الحكومة تنفيذ اوامر المحكمة العليا في هذا الشأن بدلا من المشاركة في تسويات مدحوضة تثير الاشمئزاز.

كلما طال حكم بن غفير وسموتريتش في الامن الوطني في الضفة الغربية فانه لا يمكن الاعتماد على أن لا تكون القرارات حول المواضيع غير منحازة لاعتبارات شخصية واعتبارات سياسية – حزبية، وستقل دافعية الخدمة في الجيش وسيقل الاستعداد لتعريض الحياة للخطر، لأن ما ستتم المخاطرة من اجل لا يوجد له مبرر. اذا حدث ذلك فانه سيأتي اليوم الذي سنسمع فيه عن مرتزقة يتولون أمن اسرائيل برعاية المستشار القانوني.

——————————————–

يديعوت احرونوت 16/9/2024

الدخول الى حرب في لبنان بحجم كامل سيكون باهظا جدا

بقلم: سيفر بلوتسكر

سنوات طويلة بين خمس وست على الأقل، أعدت قيادة حماس في غزة، بقيادة يحيى السنوار الهجوم على إسرائيل. غير أنه في نهاية نحو سنة من اليوم الأسود إياه في 7 أكتوبر يمكن ان نجمل الامر على النحو التالي: “حماس تكبدت فشلا مطلقا. احد الإخفاقات الكبرى في تاريخ منظمات الإرهاب في العالم الحديث.

ثمن فشلها تحمله قبل الجميع سكان قطاع غزة. عشرات الالاف منهم قتلوا، عشرات الالاف جرحوا، مئات الالاف نزحوا. غزة أصبحت جزر خرائب، قطعة ارض محروقة، مكانا غير مناسب في سكن الانسان. ستمر عشرات السنين الى أن يعاد بناء القطاع، اذا ما اعيد بناؤه على الاطلاق – وسنوات الى أن يتمكن من أن يكون تهديدا عسكريا على بلدات الحدود، اذا ما تمكن على الاطلاق. حماس، يقولون لنا، لا تزال “تحكم في غزة”. أي حكم بالضبط؟ لا يعمل أي جهاز مدني هناك ويكفي قرار إسرائيلي واحد كي يختفي أيضا تفوق حماس في توزيع المساعدات الإنسانية التي ليست هي من توفرها.

لقد بنى يحيى السنوار استراتيجيته الهجومية على حرب دعم عربي شامل ضد إسرائيل ومرة أخرى اخطأ. فلم تنضم أي واحدة من الدول الإسلامية الى حربه ضدنا؛ فقد فضلت الا تتورط. إسرائيل جربت مرة واحدة أن تضرب إسرائيل لكن ليس كثأر على قتلى غزة، بل كثأر على تصفية قادر كبار في حرسها الثوري.

يبقى حزب الله. مثلما قللت المؤسسة الأمنية السياسية الإسرائيلية في الماضي من قدرات حماس الإرهابية، هكذا تبالغ الان في قدرات حزب الله. المواجهة العنيفة التي يقودها ضدنا زعيم المنظمة نصرالله هي بالاجمال تبجح شخصي من جانبه هدفه التكفير عن هزيمته في حرب لبنان الثانية. لكن نصرالله لن يكفر عنها. مقدراته تنفد، ليس له دولة من خلفه – الناتج المحلي اللبناني هو نحو 5 في المئة من الناتج الإسرائيلي – وقد ورط بلاده في حرب استنزاف زائدة لا تخدم أي مصلحة لبنانية. وهو يتصرف كمقامر يزيد رهانه مع كل خسارة.

من هنا فان على حكومة مسؤولة ان تنظر جيدا فيما اذا كانت ستفتح الان حرب لبنان الثانية. السياسة الحالية، سياسة الامتصاص، الاحتواء الجزئي والرد المقنون ولكن القوي، هي المرغوب فيها. هي تستشرف المستقبل وتتناسب مع احتياجات إسرائيل – بشرط أن توفر الدولة بسخاء ونجاعة كل المساعدات المادية والاجتماعية – التعليمية لسكان المخلين غصبا وطوعا. بالمقابل فان الدخول الى حرب في لبنان بحجم كامل سيكون باهظا جدا بالمقدرات (الولايات المتحدة لن تمولها لنا) وهدامة للشمال الإسرائيلي بلا مقايسة مع الوضع الصعب الحالي. كما ستؤدي الى ضرر كبير بالعلاقات مع هذه الإدارة الامريكية او تلك، ستعظم صورتنا الدولية السلبية، ستسحق قدرة الجيش القتالية في غزة ومن شأنها ان تؤدي الى تجديد “الحزام الأمني” اللعين في جنوب لبنان.

في الحساب العام في الكلفة مقابل المنفعة ليس مجيدا وليس صحيحا ان تعود إسرائيل ان تحكم لا عسكريا ولا مدنيا – في جنوب لبنان وفي غزة. اذا كان الغزيون مستعدين لان يعيشوا تحت نظام الرعب لحماس واللبنانيون تحت نظام الفساد لحزب الله، فهذه مشكلتهم وليست مشكلتنا.

مرغوب فيه بالتالي التخلي عن الاحلام الهاذية والخطيرة عن إقامة من جديد الإمبراطورية الإسرائيلية من الليطاني حتى فيلادلفيا والتركيز على إعادة المخطوفين الى الديار بلا تأجيل آخر من شأنه أن يكون فتاكا بالنسبة لهم.

——————————————–

هآرتس 16/9/2024

والآن بانتظار حرب لبنان الثالثة

بقلم: عاموس هرئيلِ

اطلاق الصاروخ البالستي من اليمن نحو اسرائيل كان متوقعا، حتى أنه جاء بعد تحذير مسبق اطلقه وزير الخارجية الحوثي أول أمس. ورغم ذلك فان منظومات الدفاع الجوي فشلت هذه المرة في مهمة الاعتراض. وحسب بيان المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي فان الصاروخ انفجر في الجو، الشظايا سقطت في منطقة مفتوحة قرب موشاف كفار دانيال. لم تكن اصابات، لكن مجرد الانفجار، على بعد بضع كيلومترات عن مطار بن غوريون، يمكن أن يشير الى ثغرة في الدفاع الاسرائيلي ويشكل سبب للقلق. ايضا شركات الطيران الاجنبية الغت في الشهر الماضي معظم الرحلات التي عملت حتى الآن الى اسرائيل ومنها على خلفية التوتر مع ايران وحزب الله.

اذا تبين ان الحوثيين استهدفوا مطار بن غوريون بشكل ثابت فانه ستنشأ لدينا ازمة طيران وسياحة واسعة حتى اكثر من الازمة الحالية، رغم جهود الاعتراض الكبيرة للجيش الاسرائيلي. في بيان الحوثيين قيل إن الامر يتعلق بصاروخ فرط – صوتي متقدم نجح في تضليل المنظومات الاسرائيلية. القسم الاول في البيان لا اساس له من الصحة. أما بخصوص القسم الثاني فانه من تحقيق سلاح الجو أمس تبين أن الامر يتعلق كما يبدو باعتراض جزئي فقط – احدى الاعتراضات التي اطلقت اصابت الصاروخ ولكنها لم تدمره بالكامل.

اذا كان هناك حقا فشل في الاعتراض فهذه ستكون المرة الثانية التي ينجح فيها الحوثيون في اختراق الدفاع الاسرائيلي. في تموز الماضي اطلقوا مسيرة انفجرت في تل ابيب في مبنى قرب الشاطيء وقتل مواطن اسرائيلي. المسيرة اطلقت في حينه في مسار اتجه شمالا فوق الاراضي المصرية وبعد ذلك شرقا فوق البحر المتوسط باتجاه شواطيء اسرائيل. في هذه المرة حركة الصاروخ كانت من اتجاه جنوب – شرق. ويبدو أن الاستهداف كان مطار بن غوريون. من المرجح أن المدى المخطط للهدف لامس الحد الاعلى لمدى الصاروخ، 2000 كيلومتر، وربما أن ذلك مس بفعاليته.

مدة تحليق صاروخ كهذا هي حوالي 15 دقيقة. الصاروخ وبحق تم تشخيصه في مرحلة مبكرة، لكن عندما يكون الامر يتعلق بهذه المسافة وفي منطقة غير معروفة فانهم في الجيش الاسرائيلي لا يتحملون المخاطرة، لذلك تم نشر الانذارات في مناطق واسعة نسبيا وعدد كبير من السكان في منطقة الساحل طلب منهم الدخول الى الملاجيء. الاكتشاف والانذار عمل كما هو مطلوب ولكن يبدو أن الاعتراض حظي بنجاح جزئي فقط.

بعد تفجير المسيرة في تل ابيب هاجمت اسرائيل بشكل كثيف اهداف للحوثيين في مينائهم الرئيسي في الحديدة. الحكومة الحوثية اعلنت في حينه بأنها ستنتقم، واليوم ايضا يقولون في اليمن بأن الحساب ما زال مفتوح وأنه يتوقع أن يكون هناك رد شديد آخر قبل 7 اكتوبر القادم. فشل الاعتراض على التهديد من اليمن جاء على خلفية نجاح اسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة ودول عربية صديقة، في احباط هجوم كبير للصواريخ والمسيرات من ايران في نيسان الماضي واعتراض هجوم مسيرات حزب الله من لبنان في الشهر الماضي.

الضغط يزداد

الازعاج المتجدد من اليمن يندمج بالتوتر في الساحات الاخرى – استمرار الحرب في قطاع غزة، وبالاساس تبادل اللكمات المتزايد على الحدود مع لبنان. هذا يزيد الضغط على الحكومة من اجل العمل بشدة اكبر ضد حزب الله، الى درجة الدعوة الى شن حرب شاملة. من تصريحات رئيس الحكومة الاخيرة يتبين بوضوح أنه لا يسعى الى صفقة تبادل ووقف لاطلاق النار مع حماس في الفترة القريبة، رغم حشود المتظاهرين ضده.

في هذه الاثناء حسب الادارة الامريكية فان العائق الرئيسي امام عقد الصفقة هو رئيس حماس يحيى السنوار، الذي تشدد مؤخرا في مواقفه في المفاوضات. ولكن نتنياهو ايضا يوجد لديه الوقت، وقد بدد بشكل متعمد فرص سنحت لاسرائيل خلال اشهر المفاوضات الطويلة. رئيس الحكومة لا يدفع قدما بالصفقة في الوقت الذي فيه ماكنة سمه تؤشر على عائلات المخطوفين، التي تعمل على اعادة اعزائها. خلال ذلك المشاركين في الاحتجاج يواجهون بعنف متزايد من قبل مؤيدي نتنياهو، وبشكل مقلق اكثر بتنكيل الشرطة العنيف.

في الخلفية تجري مشاورات في القيادة السياسية والامنية العليا حول العملية المطلوبة. نتنياهو يحث الجيش على العمل بصورة اكثر شدة واوسع، سواء في لبنان أو في مناطق اخرى في القطاع (النشاطات هناك تتركز الآن على ممر نتساريم ومحور فيلادلفيا وفي قطاع عرضه كيلومتر في عمق المنطقة الفلسطينية خلف الجدار على الحدود. ولكن من غير الواضح من تصريحات رئيس الحكومة العلنية أو اقواله في النقاشات مع الجيش الاسرائيلي اذا كان توجهه هو المواجهة الشاملة أو أنه يعتقد أنه يمكن زيادة الهجمات ضد حزب الله وتحقيق نتائج دون الوصول الى حرب.

القيادة العليا توجد في موقف غير مريح. في الوقت الذي يتنصل فيه نتنياهو من كل مسؤولية عن الاخفاقات في مذبحة 7 اكتوبر فان رئيس الاركان هرتسي هليفي والجنرالات تحملوا المسؤولية علنا. ولكن معظمهم لم يطبقوا تحمل المسؤولية حتى الآن. كلما اقتربت الذكرى السنوية الاولى للمذبحة يزداد الضغط عليهم من اجل الاستقالة، الذي في جزء منه يأتي بشكل سخيف من قبل نتنياهو نفسه. في هذه الاثناء وازاء اخفاقاتها في اندلاع الحرب وانخفاض ثقة الجمهور بها فان هيئة الاركان تجد صعوبة في مواصلة اتخاذ موقف مستقل في كل النقاشات.

في منتهى السبت الماضي نشر يارون ابراهام في “اخبار 12” اقتباسات من محادثة اجراها هليفي قبل يوم مع عائلات المخطوفين، تحدث فيها بشدة نسبية لصالح عقد الصفقة وحذر من موت جميع المخطوفين اذا لم تدفع الحكومة قدما بالمفاوضات. السؤال هو هل هليفي يمكنه التحدث بهذا الشكل ايضا في الكابنت؟ هل يمكنه قول ذلك لنتنياهو ووزراء الكابنت عندما يطلبون رد صهيوني مناسب على الاطلاق المستمر نحو الجليل؟ هل رئيس الاركان يمكنه عرض وضع الاستعداد والجاهزية في وحدات الجيش الاسرائيلي كما هو وعند الحاجة التوصية باسلوب عمل مختلف؟.

هناك موعدا هدف يجب اخذهما في الحسبان عند محاولة توقع اذا كانت ستندلع حرب. في نهاية الشهر نتنياهو سيلقي خطاب في اجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك. اضافة الى ذلك في نهاية السنة سيحل الشتاء، حيث شروط الاحوال الجوية القاسية تعمل دائما في صالح العصابات التي تدخل الصواريخ من داخل مناطق محمية وتصعب العمل على سلاح الجو، مهما كان متطور وتكنولوجي. نافذة الفرص لحرب شاملة ليست غير محدودة بالنسبة لاسرائيل، إلا اذا أملى حزب الله موعد البدء في الحرب.

في بداية جلسة الحكومة صباح أمس قال نتنياهو إنه “يسمع صراخ” سكان الشمال، “الوضع القائم لن يستمر”، هكذا وعد. “هذا يقتضي تغيير ميزان القوى على الحدود الشمالية. نحن سنفعل كل ما مطلوب من اجل اعادة سكان الشمال بأمان الى بيوتهم. أنا ملتزم بذلك. نحن سنفعل ذلك بفضل بطولة الجنود ومن خلال وحدتنا، كشف متماسك انبرى لعدوه”. وطوال هذا الوقت ماكنة السم تواصل بشكل محموم العمل.

——————————————–

معاريف 16/9/2024

يقفزون بين الساحات

بقلم: افي اشكنازي

بين غزة، بيروت، طهران والحُديدة، إسرائيل تقاتل نحو سنة والسؤال الأكبر هو: الى أين المسير؟ المستوى السياسي يؤشر الى أنه يستهدف تنفيذ قلبا للجرة بالنسبة للقتال متعدد الساحات، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يستهدف عقد جلسة كابنت والاعلان عن إعادة سكان الشمال الى بيوتهم كأحد اهداف الحرب.

في هذه الاثناء ثارت في إسرائيل أصوات صافرات سمعت في كل منطقة الوسط – وكله بسبب صاروخ إيراني اجتاز رفعا للمستوى وأطلقه الحوثيون الى إسرائيل. الصاروخ تفكك/اعترض من قبل سلاح الجو، لكنه نجح في أن يخلق دراما حقيقية. حكم غوش دان لا يشبه نهاريا، كريات شمونا وسدروت وعسقلان أيضا – وعليه فقد هرع رئيس الوزراء أيضا لان يطلق في مستهل جلسة الحكومة تهديدا لليمن بان الحدث لن يمر مرور الكرام. هذا في الوقت الذي في الشمال ينتظرون – بعد نحو سنة، الاف الصواريخ وعشرات القتلى والجرحى – بان يتغير الواقع، تتوقف النار، ان يكون ممكنا العودة الى هذا الإقليم الذي هجرته الحكومة.

حرب السيوف الحديدية فرضت على إسرائيل. صحيح فعلت الحكومة التي قررت بان قطاع غزة هي الساحة الأساس والشمال ساحة فرعية. التهديد الفوري الوجودي جاء في 7 أكتوبر من غزة. كان صحيحا تحديد اهداف الحرب بانها: إبادة القدرات السلطوية والعسكرية لحماس وتحرير مخطوفين. ليس صحيحا كيف ادارت الحكومة الحرب. الأهداف الواضحة ضاعت بفضل جملة أسباب.

وصلت إسرائيل قبل بضعة أسابيع الى مفترق T. الحاجة للاختيار هل نسير الى صفقة لتحرير عموم المخطوفين ووقف الحرب ام نواصل الغرق في الوحل الغزي والدوران حول محورنا نفسنا. من جهة، لا ندخل الى قتال في المناطق التي توجد فيها معلومات عن مخطوفين. بالمقابل – لا نخلق بديلا سلطويا لحماس. إضافة الى ذلك لا نبني روافع ثقيلة على حماس تؤدب بها الى الزحف لوقف النار.

إسرائيل تتصرف بتردد، بشكل جامد، ببطء وبانعدام طاقة في الحرب في الجنوب. الجيش الإسرائيلي حقق إنجازات عسكرية مبهرة جدا، لم تترجم الى خطوات سياسية. في جهاز الامن تسمع المزيد فالمزيد من الاقوال التي تفيد بان نتنياهو غير معني بصفقة مع حماس. المزيد فالمزيد من المحافل في جهاز الامن تعتقد بانه يفضل وحدة الائتلاف في هذا الوقت، غير ان ساعة رمل المخطوفين آخذة في النفاذ. وهكذا أيضا الاحابيل الإعلامية. بعد رفح، محور فيلادلفيا وتهريب المخطوفين الى ايران واليمن مشوق ان نرى ما هي الاحبولة التالية.

الان، بعد نحو سنة، حكومة إسرائيل تريد أن تغير وجه الساحة في الشمال: تركيز كل القوة حيال لبنان، حيال حزب الله، بما في ذلك نقل الفرق المناورة في صالح مناورة في الشمال، وبالتوازي – مرابطة فرق احتياط في الجولان وفي شمال الضفة أيضا. هذا يعني ان في غزة سيبقون المخطوفين جانبا والمهام المفتوحة. في قيادة المنطقة الشمالية يخوضون معركة دفاع مبهرة ويضربون حزب الله بشكل منهاجي. في الجيش الإسرائيلي يقولون ان القتال ضد حزب الله يتم بتصميم، دون الارتداع من رد حزب الله بالنار على الشمال. حزب الله يفهم الوضع الإسرائيلي الداخلي. وهو يتلقى التعليمات والمساعدات من طهران. النار أمس لصاروخ من اليمن هي جزء من الخطوة الشاملة من جانب طهران لممارسة ضغط على إسرائيل. وبالتالي على حكومة إسرائيل أن تجري بحثا استراتيجيا حقيقيا، ان تدفع لاغلاق ساحة غزة وتحرير المخطوفين – وفقط بعد ذلك احتساب العملية في لبنان وبلورة الائتلاف الدولي حيال ايران. اما القفز بين الساحات ومحاولات خلق معادلات جديدة – فيجب أن تتم بتفكير مسبق.

——————————————–

يديعوت احرونوت 16/9/2024

انسوا الشرطي ازولاي

بقلم: ناحوم برنياع

إعصار كاترينا، في آب 2005 عمل العجب في مدن الشاطيء في الولايات المتحدة.  السدود التي حمت نيو اورلينز انهارت ومياه البحر غطت جزءا كبيرا من المدينة. الصورة التي رأيتها حين وصلت الى ضاحية في المدينة أذهلتني: كانت سيارات الشرطة تُسير الدوريات في الشوارع المهجورة فيما كان شرطيان يجلسان في خلفية السيارة بباب مفتوح. فوهات البنادق كانت موجهة نحو المواطنين: من يشتبه بالسلب والنهب، هرب من بيته الغارق او اشتبه بلون جلدة غير صحيحة كان يطلق عليه النار في المكان. ذهلت لان الشرطة تعتبر في نظري دوما كجسم ودي، منظومة غايتها هي انفاذ القانون وحماية المواطن من الجريمة. اما في الأنظمة غير الديمقراطية فتوجد لها مهام أخرى – خدمة الحاكم السياسي تخويف وقمع المواطن، اعتقال الأبرياء، التفريق والافساد. للشرطة يوجد الكثير من القوة.

في كل ما يتعلق بالعلاقات بين الشرطة والمواطن، يوجد المجتمع الأمريكي في أزمة عميقة. الامريكيون يصعب عليهم التعايش مع شرطتهم، لكنهم لا يمكنهم ان يعيشوا بدونها. الويل لمجتمع يرى مواطنوه العاديون في شرطته عدوا. محظور ان تقع ظاهرة مشابهة هنا، في ذروة حرب. على الرغم من ذلك فانها تقع امام ناظرينا.

بن غفير أخذ شرطة فاشلة، ضعيفة، مفزوعة وفي أجزاء كبيرة منها لا تؤدي مهامها، وجعلها شرطة فاشلة، ضعيفة، عنيفة وسياسية. في البداية هذا مضحك: مثل لوي دي بينس في مسلسل الأفلام الفرنسية “الشرطي من سان تروباز” مثل ليزلي نيلسان في مسلسل الأفلام الأمريكي “المسدس مات من الضحك”، شرطة إسرائيل تنشغل بملاحقات لا جدوى منها وراء المجرمين غير الصحيحين. الكثير من الطاقة، الكثير من الاعصاب، الكثير من القوة، القليل جدا من العقل.

الى أن يتوقف هذا عن إثارة الضحك.

في السنتين الأخيرتين، حيال حكومة لم يشهد لها مثيل في الـ 76 سنة دولة، يجري في مركز الساحة السياسية سياقان متضاربان: الأول يسعى الى كبح الحكومة واستبدالها؛ الثاني يسعى لتطبيع جملة ظواهر حتى الحكومة الحالية اعتبرت غير شرعية، غير ممكنة، مجنونة. بن غفير تسلق الى القمة ليس بفضل العصبة الكهانية من تل روميده التي ترعرع فيها، بل بفضل سلسلة مطبعين من الوسط السياسي. نبدأ بمطبعين سمحوا للمجرم المدان ان يتعلم القانون ويحصل على رخصة محامٍ؛ ننتقل الى افضل الصحافيين الذين سرهم أن يحصلوا منه على قصة وان ينشروه في التلفزيون؛ نواصل الى نتنياهو الذي عمل معه في الخفاء، جنده لالة سمه ورفعه الى قمة الحكومة؛ ننهي ببيني غانتس وآخرين في المعارضة ممن يفكرون بان مصافحة مجرم إرهاب هو مؤشر ودليل على الرسمية.

هذه ليست رسمية، بل انبطاح. من يطبع بن غفير يشهد على أن ليس له عمود فقري؛ والاهم من هذا – ليس له إحساس تاريخي. “اعتقدت انه سيعتدل”، قال نتنياهو في احدى المرات التي ناكفه فيها بن غفير علنا. الناس من نوع بن غفير لا يعتدلون: هم ينتفخون. وهذا بالضبط ما حصل في الشرطة.

في غضون اقل من سنتين غير شرطة إسرائيل من الأساس. في الأيام الأخيرة اغلق الدائرة، في الاستقالة الطوعية او الاجبارية لمعظم قيادة الشرطة وبتعيين ضباط مشكوك فيهم من حيث سجلهم المهني، لكنهم موالون لروح القائد. الشرطة أصبحت من الكتائب، ميليشيا، تحولت من فارضة نظام الى خارقة نظام: ما حصل في أوروبا في الثلاثينيات يحصل الان هنا.

انسوا “الشرطي ازولاي” الحبيب، الحلو، البريء، مع الدمعة في العين الذي مثل دوره في الفيلم شايكا اوفير.

حاضر الشرطة واضح. وهو يلقى تعبيره في مناورات عابثة غبية مثل اعتقال النساء الثلاثة اللواتي وضعن منشورات بريئة تدعو الى تحرير المخطوفين على كراسي كنيس في هرتسيليا (الشرطة لم تسمع بعد عن مناشير التحريض والكذب التي توزع في الاف الكنس في البلاد)؛ او مثل اعتقال نوعا غولدنبرغ التي رشقت او لم ترشق حفنة رمال نحو بن غفير على شاطيء البحر.

يقلقني اكثر المستقبل. الشرطة توجد الان في زخم تجنيد: بن غفير رتب لها يوم فضي. قلة المعلومات التي نشرت تدل على تخفيض المقاييس وتقليص الدورات: الشرطة عطشى للقوة البشرية.

فكروا للحظة من يتجند ومن لا يتجند لشرطة بن غفير: يتجند شبان وشابات يرون فيه وفي عقيدته نموذج قدوة. ليست خدمة الجمهور في رأس اهتمامهم بل الحرية في استخدام القوة، الاحتكاك بالناس دون دفع ثمن. هؤلاء هم شرطة الغد وضباط ما بعد الغد. من يكون احترام القانون في رأس اهتمامه لن يتجند: هذه ليست شرطته.

حتى لو تخلصنا بشكل ما من بن غفير، البن غفيرية سيتبقى تتواجد في داخل الشرطة وستواصل تسميمها. توجد أمور محظور تطبيعها؛ يوجد وزراء محظور تطبيعهم.

——————————————–

إسرائيل اليوم 16/9/2024

هجوم في الشمال الان

بقلم: آفي برئيلي

“صفقة المخطوفين”، لم تكن الا محاولة لاخضاع إسرائيل – لفرض عليها التسليم ببقاء ولاحقا إعادة بناء الوحش الحماسي في غزة، الذي سيكون مرتبطا عبر الصحراء ببؤر الشر في العالم الإسلامي والعربي وبخاصة مع ايران، وتحوز في يديها معظم المخطوفين وتستخدمهم لكسر روح إسرائيل.

“الوسطاء” مصر وقطر تريدان اخضاع إسرائيل. اما أمريكا بقيادة الحزب الديمقراطي فتريد اضعاف إسرائيل كي تمنع حربا بينها وبين ايران ووكلائها الاخرين. هذا هو تفسير ارتباطهم بالخطوة التي تسمى “صفقة مخطوفين” بتلاعب عاطفي. هذه ليست الا خطوة وحشية ستبقي معظم المخطوفين لدى منظمة نازية وتنزل إسرائيل على ركبتيها في “وقف النار”. في النقب وفي الجليل سينتشر الخراب، حين يتبين للسكان ان إسرائيل اخضعت.

ينبغي الامل أن يخيب ظن “الوسطاء” وعلى رأسهم الولايات المتحدة. فالغباء الاستراتيجي العميق لقيادة الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة، والمظاهرات اللاسامية للجناح الراديكالي في الحزب زادت على ما يبدو الشهوات الهدامة في قلب السنوار. الولايات المتحدة هي التي افشلت نفسها اكثر مما احبط رئيس الوزراء نتنياهو خططها، ودفعت السنوار للتمترس في المواقف التي لا يمكن للإدارة الامريكية ان تفرضها على نتنياهو.

ان تشوش خطة الاضعاف الامريكية تؤثر مباشرة على المعركة الشمالية ضد ايران وجيش حزب الله التابع لها. لقد سعى الامريكيون لان يعيدوا الشيطان الحماسي في القطاع الى القمقم، كي يتمكن حزب الله من أن يوقف من طرف واحد حرب الاستنزاف التي اضطر لان يخرج اليها في الوقت الذي تقاتل فيه حماس في سبيل حياتها.

الامريكيون يقترحون على ايران وحزب الله طريق خروج من مواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل – والتي بوضوح لا يريدونها الان، مثلما نتعرف نحن من امتناعهم عن رد ناجع على تصفية قائد حزب الله شُكر في بيروت وزعيم حماس هنية في طهران. لكن طريق الخروج هذا سد في وجه الولايات المتحدة وحزب الله – ايران حين تكون إسرائيل تواصل الدوس على رقبة حماس في القطاع بغياب وقف نار. وإسرائيل مضطرة لان تواصل هذا الدوس بل وان تشدده: مثلا اخلاء شمال القطاع ممَ تبقى من سكان فيه، وتوسيع اعمال الهدم والكشف وحظر البقاء حول محور نتساريم وفي المجال الممتد من الشمال الى الشرق لمحور فيلادلفيا. فالتنكيل بالمخطوفين، غياب “صفقة” والاضطرار لاقتلاع وحش الشر من القطاع – هذه دوافع حيوية ومصادر شرعية لإسرائيل لمواصلة الضغط في القطاع بل وتشديده دون زيادة حجم القوات هناك.

وضع الأمور هذا يبقي حزب الله عالقا في حرب الاستنزاف التي لا يمكنه ان يحسم فيها، وهو يخشى توسيعها. اما إسرائيل بالمقابل فيمكنها أن تحسم فيها – اذا ما خرجت الى هجوم شامل في الشمال. المصلحة الإسرائيلية معاكسة للمصلحة الامريكية كما تراها قيادة الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة. فلغرض بقائه كدولة سيادية لشعب حر في بلاده فان إسرائيل ملزمة بكسر جيوش الإرهاب لإيران حولها – اقتلاع حماس من القطاع. اقتلاع حزب الله من جنوب لبنان حتى الأولي وتحييد جيش صواريخه من خلال احتلال مؤقت وابادة قدرة.

هذه ستكون حرب ضروس لكن حيوية لبقاء إسرائيل. بخاصة في ضوء البديل أن تكتسب ايران قدرة هجوم نووي، وبرعايته تواصل او تستأنف هجمات استنزاف فتاكة ضد إسرائيل من الشمال، من الجنوب الغربي ومن الشرق، على اعتاب المراكز السكانية لإسرائيل. هذه رؤيا من شأنها أن تدفعنا الى الانهيار، تهرب السكان بل وتتسبب بهجرة الإسرائيليين، مثلما حصل في الحروب في سوريا وفي لبنان.

محظور أن نغفو، مثلما غفونا حيال حماس وباقي الإرهابيين في المناطق. هجوم شامل في الشمال الان، قبل لحظة من تحول ايران الى نووية، سيكون حربا وقائية وجودية. كما أنه سيفتح امامنا إمكانيات لإحباط المشروع النووي الايراني.

——————————————–

 هآرتس 16/9/2024

“الفاغنر المحلي”.. إسرائيل للأفارقة: كونوا كلابنا في غزة لتحصلوا على “الإقامة”

بقلم: أسرة التحرير

لا يمكن لأي إسرائيلي ذي ضمير ألا يصدم بنبأ عن استخدام جهاز الأمن لطالبي لجوء من إفريقيا لتنفيذ مهام مختلفة ومتنوعة في قطاع غزة مقابل مساعدة لتلقي مكانة إقامة دائمة في إسرائيل. المعنى واضح: إسرائيل تقيم فيلق فاغنر خاصاً بها. روسيا استخدمت جيش مرتزقة من آلاف السجناء ممن تلقوا العفو وتحرروا من السجن مقابل خدمة عسكرية على نحو خاص. في إسرائيل الابتزاز الإجرامي موجه إلى الفئة السكانية الأضعف، وهم طالبو اللجوء من إفريقيا: “نفذوا مهام خطرة على الحياة في جيش ليس جيشكم، في حرب ليست حربكم، وستنالون إقامة دائمة”.

ينضم هذا النبأ إلى ما كشف عن استخدام الجيش الإسرائيلي لمدنيين فلسطينيين يختطفونهم عشوائياً لتمشيط أنفاق في غزة. هؤلاء الفلسطينيون البائسون يرسلون إلى الأنفاق مقيدي الأيدي، بعد أن ألصق الجيش الإسرائيلي كاميرات بأجسادهم، وهكذا “يعثرون” على الفتحات بدلاً من كلاب وحدة “عوكتس” الذين قتل الكثير منهم في الحرب. قتل فلسطيني واحد على الأقل فيما يشبه هذه العملية الانتحارية. “حياتنا أهم من حياتهم”، قال أحد قادة الجيش الإسرائيلي. ويفهم من التقرير بأن القيادة العليا تعرف بهذا السلوك.

الحرب في قطاع غزة تصبح رافعة تدهور الدولة إلى هوات وتشويهات لم تشهدها قط. وقوف قيادة الجيش الإسرائيلي ومحافل أمن أخرى خلف هذه الأعمال، التي لا توجد جرائم حرب أخطر منها، تجعلها خطيرة على نحو خاص. الدروع البشرية محظورة حسب ميثاق جنيف. كما أن محكمة العدل العليا قضت بهذا بشكل صريح في موقفها من “نظام الجار”. لكن ليس في ذلك ما يردع قادة الجيش الإسرائيلي. جيش ادعى “عبثاً” بأنه “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”، وبعد سنة من الحرب في قطاع غزة لم يعد يمكنه حتى محاولة تغطية هذا الادعاء العليل دون أن يكون موضع هزء مرير.

الآن اتخذ جهاز الأمن خطوة أخرى في المنحدر السلس: استغلال وحشي لضعف بني البشر من أجل إجبارهم على تعريض حياتهم للخطر بدلاً من الجنود. من الصعب التعبير بالكلمات عن عمق هذا الدرك الأسفل الذي قد يتدهور حتى أكثر من ذلك. اليوم يبتزون طالبي اللجوء، وغداً سيكون هؤلاء السجناء الجنائيون الذين لا يوجد لهم أيضاً الكثير مما يخسرونه مثلما في روسيا.

ليس كل شيء متاحاً للنشر في هذه القضية، لكن يكفي ما نشرته “هآرتس” كي يدعو رئيس الأركان وهيئة الأركان فوراً للوقف الفوري من كل نوع من الأعمال الحربية التي تقوم على أساس الابتزاز بالتهديد. وحتى الجيش البعيد عن أن يكون “الأكثر أخلاقية في العالم” لا يمكنه أن يواصل استخدام أساليب قتالية حقيرة بهذه الدرجة.

——————انتهت النشرة—-