الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

بقلم: جان عزيز

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل.

في 16 أيلول، كان وفدٌ آخر من القيادة الأميركية العسكرية نفسها يزور إسرائيل أيضاً برئاسة نائب قائد “المنطقة الوسطى” ذاتها، الأدميرال المساعد براد كوبر.

في اليومين التاليين نُفّذت “موقعة البايجر واللاسلكي” في لبنان.

مجرّد مصادفات زمنيّة؟!

تقاريرُ غربية عدّة تشير إلى غير ذلك، وتكشف أنّ سرَّ الحرب كلّها يكمن ههنا. والتفاصيل كثيرة مثيرة وخطيرة.

تبدأ المعطيات الغربية بالإشارة إلى أنّ قلة انتبهت إلى إجراء عسكري عاديّ، حصل قبل ثلاثة أعوام ونيّف، منذ كانون الثاني 2021، وقضى بتعديل وجود “دولة إسرائيل” ضمن نطاق وصلاحيات هيئة الأركان العامة للجيوش الأميركية، بحيث انتقلت من اعتبارها أميركيّاً ضمن “القيادة الأوروبية الأميركية” (EUCOM)، لتصبح ضمن “منطقة مسؤولية” (AOR) “القيادة الوسطى” (CENTCOM).

[[ المعنى: نقل إسرائيل من منطقة عمليات القيادة الأوروبية للقوات الأمريكية إلى منطقة عمليات القيادة المركزية ، ويَعِد هذا التحول بتسهيل التعاون الأمني الثنائي والإقليمي وتقاسم الأعباء]]

ماذا يعني ذلك؟

بكلّ بساطة، ومنذ لحظة صدور هذا القرار عن البنتاغون، بات الجيش الإسرائيلي جزءاً لا يتجزّأ من شراكة عسكرية ضخمة.

تلخّصها التقارير الغربية بالتالي:

إنّها “منطقة مسؤولية” ممتدّة على مساحة 10 ملايين كيلومتر مربّع. سكّانها أكثر من 560 مليون نسمة في 20 دولة. باتت إسرائيل الواحدة والعشرين فيها. تعمل تحت قيادتها القوات الجوّية التاسعة الأميركية، والأسطول الخامس ومقرّه البحرين.

بالإضافة إلى قوّات بحريّة وبرّية غرف عمليّاتها الدائمة في الولايات المتحدة. وهو ما يعني تلقّيها معطياتٍ كاملة من كلّ ما يتجمّع في واشنطن من معلومات.

أمّا مركز قيادتها الرئيسي ففي قاعدة ماكديل الجوّية في تامبا في ولاية فلوريدا. مع بقاء مقرّها المتقدّم في قاعدة العديد الجوّية في قطر.

يشير الخبراء الغربيون إلى علّة وجود تلك القيادة. فهي أُنشئت في عهد الرئيس رونالد ريغان سنة 1983، بعد قيام نظام الملالي في طهران واجتياح موسكو السوفيتية لكابول.

وهي واحدة من سبع قيادات للجيوش الأميركية، تحت قيادة رئيس الولايات المتحدة، القائد الأعلى، وطبعاً عبر البنتاغون ووزير الدفاع.

وهي تغطّي العالم بأسره مع تحديد كلّ “منطقة مسؤولية” وترسيمها جغرافيّاً: *فإلى القيادة الوسطى هناك القيادات الشمالية، الأوروبية، الهندية، الباسيفيكية، الجنوبية والإفريقية. ثمّ أضيفت إليها قيادة الفضاء. والأهمّ بالنسبة إلينا راهناً المجال السيبراني!.

أمّا البيان الأساسي للمهمّة الرئيسية لهذه القيادة، فيحدّد التالي: *“ردع إيران. مكافحة المنظّمات المتطرّفة العنيفة. التنافس الاستراتيجي مع الهياكل الإقليمية والدفاع الجوّي والصاروخي المتكامل وأنظمة مكافحة الطائرات بدون طيّار”.

وليكتمل فهمُ تأثير هذا الحدث على موازين المعركة القائمة منذ تشرين الأول، نقرأ في البيان أنّ لهذه القيادة بكلّ مقدّراتها، “أربع هيئات وظيفية: *العمليات الخاصة، النقل، الاستراتيجية، والمجال السيبراني”.

إسرائيل تستفيد من كلّ شيء.

في الواقع العملي يكشف الخبراء الغربيون أنّ انتقال إسرائيل إلى قيادة المنطقة الوسطى جعلها تستفيد من كلّ ما سبق.

لا بل أكثر من ذلك، جعلها تتلقّى المعطيات الاستخبارية الشاملة من الدول العشرين المشاركة في هذه القيادة. وهي دول أساسية في منطقتها. وذلك طبعاً عبر القيادة الأميركية، التي تصبّ لديها مشاركات الدول الأعضاء كافّة، وتنتقل تلك المعطيات إلى إسرائيل خلال دقائق.

ذلك أنّ بروتوكول عمل هذه القيادة يقضي بتواصل ثلاثة جنرالات من هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، بشكل يومي ومباشر، وعبر خطوط هاتفية آمنة، مع نظرائهم في القيادة الوسطى الأميركية، كما مع قادة جيوش دولٍ أخرى ضمن القيادة نفسها. وهو ما يقوم به حالياً من الجانب الاسرائيلي، كلّ من مدير العمليات عوديد بسيوك، وقائد سلاح الجوّ الإسرائيلي تومر بار، وقائد البحرية ديفيد ساعر سلامة.

لكن ماذا لتلك المعطيات أن تتضمّن؟

يقول الخبراء الغربيون:

تصوّروا النتاج اليومي، أو حتى الآني، لمخابرات 20 جيشاً ودولة، مضافاً إلى عمل نحو 2,500 متعامل مع وكالة المخابرات المركزية، وموظّفي المنظمات الإدارية الأخرى، إلى جانب مستشارين مدنيين، بما في ذلك أفراد شركات الأمن الخاصة، كما في العراق مثلاً، علاوة على 900 عنصر منتشر عبر قواعد أصغر في شمال سوريا وشرقها، وآلافٍ آخرين في دول أخرى، بالإضافة إلى القيادة الأمامية في قطر والأسطول الخامس في البحرين.

لاستثمار هذا الكمّ من المعلومات، أقامت “القيادة الوسطى” قواعد مخصّصة لها داخل قاعدة جوّية إسرائيلية وتمّ تصميمها لإيواء وإدارة العمليات الدفاعية المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة.

أكثر من ذلك، لا يقتصر أثر هذا الواقع العسكري الإداري على المستويات الميدانية والعملياتية والمعلوماتية، على الرغم من الأهمّية الكبرى لهذه المستويات، لكنّه يتعدّاها إلى مستوى التأثير السياسي. ذلك أنّ وجود إسرائيل ضمن “القيادة الوسطى” فتح قناة اتّصال دائم بين وزير دفاعها ونظيره الأميركي، كما بين رئيس أركان جيشها وقائد هذه القيادة، الجنرال كوريللا حاليّاً.

لهذا الأمر مفاعيلُ سياسية كبيرة وحاسمة جداً في واشنطن، لما لأركان هذه القيادة من حضور ووزن وتأثير في مؤسّسات القرار الأميركي كافّة.

الوجود في كلّ مكان.

يكفي أن نذكر ونتذكّر أنّ معظم الأسماء التي مرّت في “القيادة الوسطى” انتقلت بشكل أو بآخر إلى مؤسّسات القرار الأميركي العليا.

اثنان من قادتها الثلاثة الأخيرين تولّيا وزارة الدفاع. وهما لويد أوستن حاليّاً، وجيمس ماتيس مع الرئيس ترامب. وعلى جدارها صورٌ لأعلام عسكريين كبار مثل شوارزكوف، زيني، بترايوس، ابن بلدنا أبي زيد… وآخرين. وهو ما يشي بالتأثير السياسي لهذه القيادة على تفكير وسلوك واشنطن، وما يفسّر أن يكون تحت قيادتها أسطولٌ لا ينتهي تعداد قطعه وعتاده. وهو القوة الضاربة المتّصلة على مدار الساعة بشبكة أقمار اصطناعية تغطّي المنطقة كاملة، مع أنظمة إنذار مبكر وتحكّم إلكتروني وسيبراني (مجدّداً!!) وطائرات “إف 35” الفائقة التطوّر، في مهمّة مراقبة لسماء منطقة عمليّاتها كلّ ثانية.

وللسجلّات الرسمية فقط، يجب أن نضيف إليها نتاج قاعدة أكروتيري البريطانية في قبرص، وقوة جوّية فرنسية، وأخرى ألمانية لوجستية.

كلّ هذه القوى كانت موجودة في مصياف في 8 أيلول. وفي الضاحية الجنوبية ومناطق انتشار “الحزب” في 17 و18 منه.

والأخطر أنّها موجودة حيث لا يتوقّع أحد أن تكون.

يكفي خبرٌ عابرٌ هامشيّ أخير: *قبل نحو شهر كشفت وكالات أنباء غربية أنّ وزارة الدفاع الأميركية، بالتنسيق مع “القيادة الوسطى”. نفّذت “عمليات نفسية” (PSYOPS) في لبنان، عبر تطبيق Tinder المخصّص للمواعدة، للتأثير على آراء الشباب حيال مسائل الحرب والصراع. وطبعاً، رفض البنتاغون، كما القيادة المقصودة، التعليق على الخبر.

“موقعة بايجرز” ولاسلكيّ؟!.

يقول الخبراء إنّ الإمكانات أكبر بكثير. ولذلك لا يحمي لبنان إلّا لبنانيّته.

——————————————–

تايمز أوف إسرائيل 22/9/2024

نتنياهو نقل الحرب إلى الجبهة الشمالية لإنقاذ الائتلاف الحكومي

بقلم: أمير بار- شالوم

على مدار أسبوع كامل، تقريباً، جرت مناقشات محمومة في المجلس الأمني ​​بشأن العملية البرية للجيش الإسرائيلي.

وفقاً لعدة مصادر شاركت فيها، طالب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بالمزيد من التفاصيل حول العملية: فكرة العملية، واتجاهات التسلل، ووضع الجبهة الداخلية، ونطاق إطلاق الصواريخ من “حماس”، وأكثر من ذلك.

وعندما انتقل المشاركون للحديث عن عدد القتلى والمصابين في الجانب الإسرائيلي قال رئيس الوزراء، الذي كان لا يزال في حالة صدمة من 7 تشرين الأول: “سيكون هناك آلاف القتلى”، فأجابه وزير الدفاع: “لهذا السبب الجيش موجود، لن يكون هناك آلاف القتلى”.

لم يجرِ هذا النقاش، مؤخراً، في ما يتعلق بلبنان، بل جرى قبل 11 شهراً، عشية الدخول البري إلى قطاع غزة، وبعد أيام قليلة من قرار مجلس الوزراء عدم الموافقة على المخطط الذي اقترحه وزير الدفاع للشمال، الذي وصفه الوزير يوآف غالانت بأنه “فرصة عملية نادرة لتغيير وجه الحملة”.

استدعى رئيس الوزراء أرييه درعي وبيني غانتس وغادي آيزنكوت، الذين انضموا إلى الحكومة على عجل، وتم تأجيل العملية المخطط لها في الشمال.

اليوم يمكن القول إن الطيارين كانوا في الجو بالفعل، وتم تحديد الأهداف للصواريخ والقنابل، وما تبقى هو إصدار الأمر بإطلاق النار. أمرهم وزير الدفاع بالإقلاع والانتظار في مكان ما لأنه لا يريد أن تضيع هذه الفرصة العملياتية بسبب تجنب رئيس الوزراء لاتصالاته.

ولم يتراجع هذا التوتر بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع منذ ذلك الحين.

في الحقيقة ـ التوترات بين الاثنين قائمة منذ آذار 2023، عندما أقيل غالانت في خضم الانقلاب القضائي. واشتعلت الشوارع بعد ذلك، واضطر نتنياهو إلى التراجع عن الإقالة.

لكن السابع من تشرين الأول كشف مرة أخرى عن الحساسيات بينهما.

لم يكن إلغاء الهجوم في لبنان سوى المقدمة. فمنذ بداية الحرب يصطف غالانت مع رئيس الأركان ورئيس “الشاباك”، وهو صوتهما للتعبير عن الأمور التي لا يمكنهما قولها بحكم واجباتهما الرسمية.

ولهذا السبب، ومن أجل دفع المفاوضات العالقة قدماً، قرر وزير الدفاع في أيار الماضي وضع إحدى أهم أوراق إسرائيل على الطاولة في غزة، إخلاء محور “نتساريم” الذي يقسم القطاع إلى قسمين ويسمح لإسرائيل بمنع عودة السكان الفلسطينيين إلى الشمال.

غالانت أدرى بتداعيات الانسحاب من المحور، لكنه كان مستعداً للانسحاب منه من أجل الدفع بصفقة مع “حماس” خوفاً على حياة الرهائن.

اعترض رئيس الوزراء على ذلك خوفاً من انهيار الائتلاف، ولكن الاقتراح أصبح حقيقة في المفاوضات بعد نشره، ولذلك تم إنشاء بند لا يمكن لإسرائيل التراجع عنه.

محاولات نتنياهو المتكررة لاستخدام بند “محور نتساريم” لإحباط الصفقة لم تنجح، وحتى الأميركيون أدركوا أن الصفقة مغلقة، ولم يتطرقوا إلى بند نتساريم في إدارة الأزمة الأخيرة مع “حماس”.

الأزمة التالية كانت محور فيلادلفيا. اصطف غالانت مرة أخرى مع الجيش الإسرائيلي و”الشاباك”، وأعلن أنه من الممكن الانسحاب منه وإبقاؤه مغلقاً من بعيد.

وهنا أيضاً أعلن نتنياهو معارضته، بخطاب وعرض باللغتين. وتم فصل مراسل “جويش كرونيكل” في أعقاب مزاعم غامضة بأن يحيى السنوار كان يعتزم الفرار إلى سيناء مع الرهائن عبر نفق تحت المحور.

وتبين أن الاقتباس غير صحيح، وأثار العديد من الأسئلة حول التوقيت، وقربه بالصدفة من مؤتمر رئيس الوزراء الصحافي بشأن محور فيلادلفيا. لكن هذا لم يكن الضرر الوحيد لذلك المؤتمر الصحافي. فتسببت العروض بشأن فيلادلفيا في أزمة سياسية مع القاهرة.

الإشارة إلى مصر في الخرائط والتلميحات بأنها لا تسيطر على الحدود رسم علامات استفهام حول العلاقات مع حكومة السيسي، التي سارعت إلى إرسال رئيس الأركان المصري إلى الحدود المشتركة مع إسرائيل وقطاع غزة لإثبات السيادة المصرية في المنطقة، وعلاوة على ذلك للتلميح بأن أي تفكير بوجود إسرائيلي على معبر رفح سيواجه مقاومة مصرية شديدة.

وبالذات فيما يتعلق بمسألة التعامل مع “حزب الله” في الشمال، كان نتنياهو وغالانت متفقين لزمن طويل.

وحتى تموز الماضي اعتبر كلاهما الجبهة الشمالية ثانوية. وذلك إلى جانب محاولة من وراء الكواليس للتوصل إلى اتفاق مع لبنان عبر المبعوث عاموس هوكستين.

وكان رئيس الوزراء حذراً جداً في ذكر المسار الدبلوماسي، ربما لأنه كان يخشى إثارة غضب إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. فهو لم يذكر صراحة “اتفاقاً مع حزب الله”، لكنه كان يلمح له دائماً في التصريحات ويتابع الأفعال.

وزار في حزيران الماضي مقر اللواء 769 بعد تعرضه لصاروخ ثقيل من “حزب الله”، وهناك قال: “بطريقة أو بأخرى سنعيد الأمن إلى الشمال”. كل شخص فسر هذه الجملة كما يشاء.

في الشهر الماضي أدرك غالانت أن إسرائيل أمام الفرضة الأخيرة للتوصل إلى صفقة رهائن، ولذلك صاغ عبارة “المفترق الاستراتيجي”، ما أثار استياء رئيس الوزراء، الذي اعتبرها بمثابة تقويض له.

لقد فعل غالانت في الواقع ما فعله نتنياهو: خلق خيارين، كما يحب نتنياهو أن يفعل. لكن لم تكن خيارات غالانت “نحن أو هم” – الخيار الثنائي الذي ميز سيرة نتنياهو المهنية، بل خياران سيئان ولكنهما ضروريان في مجال السياسة الأمنية.

الأول: صفقة تعيد الرهائن ولكن تطلق سراح مئات الأسرى الأمنيين وتخلق وضعاً غامضاً بشأن مستقبل “حماس” والقطاع نفسه. والثاني، البديل: استمرار القتال في غزة كساحة ثانوية ونقل مركز الثقل للحرب مع “حزب الله”، على الرغم من كل التداعيات الاستراتيجية لهذه الخطوة.

نتنياهو، الذي يحب التقاعس في اتخاذ القرارات المصيرية، اتهم “حماس” بعرقلة الصفقة (ادعاء صحيح جزئياً لأن السنوار شدد بالفعل بعض الشروط، ولكن هذا حدث بعد أن شدد نتنياهو الشروط هو نفسه).

لقد فهم غالانت أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق، ولذلك تحدث خلال الأسبوعين الماضيين عن التركيز على الشمال.

وأمضى الأيام الأخيرة في قيادة المنطقة الشمالية للمصادقة على الخطط ولقاء القوات التي تدربت على القتال ضد “حزب الله” في مرتفعات الجولان.

الدوافع السياسية وحدها يمكن أن تفسر التحول الحاد في موقف نتنياهو بشأن قضية لبنان. وقد بدأ يتحدث بشكل مختلف، الأسبوع الماضي. ففي أيار الماضي قال في اجتماع لمجلس الوزراء بخصوص السكان الذين تم إجلاؤهم في الشمال: “ماذا سيحدث إذا عادوا بعد أشهر قليلة من الأول من أيلول؟”

في المقابل، قال، أول من أمس – في خضم الأزمة السياسية – للمبعوث الخاص هوكستين: “لا يمكن إعادة السكان إلى الشمال دون حدوث تغيير جوهري في الوضع الأمني”.

يمكن تفسير “التغيير الجذري” بعدة طرق، ويمكن لكل طرف أن يفسرها كما يريد.

يمكن لبن غفير وسموترتش تفسيرها كعزم، وسكان الشمال كبشرى، وغالانت كتهديد لمستقبله.

يبدو أن تأكيد عضو الكنيست، موشيه سعدة، على هذه العبارة عدة مرات، أول من أمس، في القناة 12 لم يكن صدفة، ولم يكن الوحيد.

ولم نذكر بعد كلمة واحدة عن المهر الذي من المفترض أن يحضره جدعون ساعر معه إلى وزارة الدفاع، ربما في شكل الموافقة على قانون التجنيد الجديد، الذي يرضي اليهود الحريديم.

وألمح مراسل موقع “كيكار هشبات”، يشاي كوهين، إلى ذلك، أول من أمس، وسط موجة الشائعات عن إقالة غالانت واستبداله بساعر.

ولكن في هذه الحالة يبدو أن نتنياهو، بكل حكمته السياسية، لا يقيّم بشكل صحيح الغضب بين جنود الاحتياط الذين سيتعين عليهم أن يتحملوا عبء جبهتي قتال عند اندلاع الحرب في لبنان. ومعظم الغضب، بالمناسبة، هو بين القوميين الدينيين الذين يخدمون في الجيش، فقد تصاعد الخلاف بينهم وبين اليهود الحريديم منذ بداية الحرب.

في الوقت الحالي، الإحباط محصور في مجموعات الواتساب وفي المحادثات الشخصية، ولكن إذا تم إقرار قانون تجنيد يعطي الأولوية للبقاء السياسي، فسوف ينفجر هذا الغضب. تنتظر منظمات جنود الاحتياط ما سيأتي به اليوم السياسي، لكنها بدأت تنظم صفوفها لساحة معركة أخرى، ليس في غزة، وليس في لبنان، بل في إسرائيل.

——————————————–

عن “N12” 22/9/2024

الانتصار على «حزب الله» من خلال وقف الحرب في غزة

بقلم: عوفر شيلح

مساء 12 تموز 2006، وفي طريقه إلى الجلسة التي سيناقش فيها الخطوات التي ستتخذها إسرائيل، بعد عملية الخطف في مزارع شبعا، ويوم القتال الذي تلاها، اتصل شمعون بيريس بإيهود باراك، المتخصص في الخروج من لجان التحقيق بسلام، وسأله: ما الذي يجب القيام به؟ كان لدى باراك إجابة جاهزة: بعد أن ينتهي رئيس هيئة الأركان، دان حالوتس، من عرض الخطة، اسأله عن ردّ “حزب الله”.

سيعرض الجيش بعدها سيناريوهَين، أو ثلاثة ممكنة. وبعدها اسأل مرة أُخرى عن الخطوة المقبلة التي سيقوم بها الجيش، وكيف يمكن لهذه الخطوات تحقيق أهداف الحملة.

فعل بيريس ما قاله باراك، وكان لدى حالوتس إجابة جاهزة أيضاً: لا أستطيع طرح سيناريو 3 – 4 خطوات إلى الأمام.

وتابع: “مَن يعرف، عليه عرض السيناريو الخاص به على الطاولة، وأنا جاهز للنقاش”.

قال أحد المشاركين في هذه الجلسة في أحد الأيام: لم نصادق يوماً على الخروج إلى حرب. صادقنا على عملية، ثم على عملية أُخرى، وبعدها عملية ثالثة، لمدة 33 يوماً.

هذه الاقتباسات من كتاب كتبته مع يوآف ليمور بشأن حرب لبنان الثانية. لا أملك تفاصيل مشابهة عن جلسات “الكابينت” في الأيام الماضية، لكن من المثير للاهتمام معرفة إذا ما كان هناك مَن قام بما قام به بيريس، والمثير للاهتمام أيضاً الإجابة.

حتى لو شاركنا في اللعبة، ولم نتطرق إلى هوية مَن يقف خلف العملية الرهيبة التي أدت إلى إصابة الآلاف من رجال “حزب الله” في الوقت نفسه، هناك شيء واحد واضح: خلال الأسابيع الأخيرة سحبت إسرائيل من ترسانتها أدوات تم تجهيزها بدقة لحرب كبيرة مع لبنان. لا يوجد لدى العدو طريقة لتفسير هذا إلا بأنه حرب كبيرة، وأن يتصرف استناداً إلى هذا الواقع.

ومَن يبادر إلى حرب كهذه سيدفع ثمناً باهظاً على الجبهة، وأيضاً في الجبهة الداخلية، وعليه أن يسأل: ماذا بعد، وأن يمنح نفسه، ويمنحنا إجابة جيدة.

ويزداد الأمر سوءاً عندما يتعلق الأمر بتصعيد كبير في لبنان، وهو ما امتنعت إسرائيل عن القيام به حتى الآن، لأن الإجابة عن السؤال: هل سيكون لهذا التصعيد نتيجة إيجابية، هي كلا، وهي مرتبطة باستمرار الحرب في غزة. وهي تقترب كل يوم من وضع ستصبح فيه إسرائيل هي المسيطرة على قطاع غزة فعلياً، وفي نهايته، ننجر إلى سيناريو حلم بتسلئيل سموتريتش، وهو سيناريو الرعب نفسه، بالنسبة إلى أغلبية مواطني إسرائيل، وبحسبه، سنكون مسؤولين عن مصير مليونَي غزي، والجيش غارق هناك حتى الرقبة (قدّر وزير الدفاع، يوآف غالانت، أن حجم القوات التي سيحتاج إليها الجيش لفرض حكم عسكري على القطاع هو 4 ألوية)، بالإضافة إلى الضرر الدولي والاقتصادي الذي لا يمكن التكهن به، ولن يكون هناك نصر.

الجمهور أيضاً يفهم ذلك: في استطلاع رأي نشره معهد أبحاث الأمن القومي، الثلاثاء الماضي، كان هناك تعادُل بين مَن يعتقدون أن أهداف الحرب في غزة سيتم تحقيقها جزئياً، أو لن تتحقق قط، وبين الذين يعتقدون أنه سيتم تحقيقها كاملة، أو إلى حد بعيد.

وماذا مع سؤال “ماذا بعد؟” في لبنان؟ ماذا سيحدث بعد أن نوجّه ضربة كبيرة إلى “حزب الله” ولبنان، ونتلقى ضربة غير مسبوقة في الجبهة الداخلية، وهل سنناور حتى الليطاني، براً، أم لا ؟ ما هو الوضع القائم الذي سيسمح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم، وهو الهدف الذي أُضيفَ، وبحق، إلى أهداف الحرب الإسرائيلية ؟ فمن أجل التوصل إلى حسم عسكري ووقف إطلاق النار بالقوة، يجب احتلال أغلبية الأراضي اللبنانية، وإقامة حزام أمني، ما يدعمه، علناً على الأقل، زعماء الأحزاب في إسرائيل، في معظمهم، وبينهم أفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر ويائير غولان. وإذا كنا نحتاج إلى 4 ألوية في غزة، فسنحتاج إلى أكثر منها في لبنان. هل لدينا جيش للقيام بهذا ؟ هل لدينا اقتصاد لهذا ؟ وهل لدينا رصيد دولي لهذا؟ أيضاً قال حالوتس: مَن لديه إجابات، فليتفضل يضعها على الطاولة، وأنا جاهز للنقاش.

يجب القول بوضوح ما هو البديل، وهناك بديل واحد: الاستعداد لإعلان وقف القتال في صورته الحالية في غزة، والتجهيز للدفاع في خطوط جديدة، لنأمل أن تقود إلى صفقة تحرير رهائن، وباحتمالات عالية، ستقود إلى وقف القتال في الشمال وترتيبات يدفع إليها الأميركيون، مع وجود قوات دولية قوية جداً في الجنوب اللبناني.

وبالمناسبة، إذا حدث هذا، فستحقق إسرائيل انتصاراً مهماً في النقاط في حرب الاستنزاف ضد “حزب الله”، حتى لو لم يكن بالضربة القاضية.

يمكن أن يخرج يحيى السنوار من مخبئه ويعلن النصر. سيكون هذا المشهد مؤلماً. لكن اتخاذ خطوة دبلوماسية استكمالية يدفع الرئيس بايدن في اتجاهها، يمكن أن تؤدي إلى إيجاد بديل لـ “حماس” في غزة، وتطبيع مع السعودية، وتقوية العلاقات مع مصر والأردن، وخلق مركز ثقل مقابل قوي جداً لـ”محور المقاومة”، بقيادة إيران، وهي العدو الحقيقي.

إذا حدث هذا، فسيكون إنجازاً استراتيجياً. طالبت في مقال نشرته هنا، قبل نصف عام تقريباً، بـ”وقف الحرب الصغيرة لربح الحرب الكبيرة”. هذا خيار من خيارات غير بسيطة، لكن لا توجد خيارات أُخرى.

هذا كله يترافق مع الطعم المر المرافق لكل خطوات بنيامين نتنياهو، وبات الهدف الحقيقي من الحرب، بالنسبة إليه، تحصين حُكمه وضمان استمرار حكومته على قاب قوسين، أو أدنى من التحقق، مع انضمام جدعون ساعر قريباً إليها.

عندما يتم اتخاذ هذه القرارات في ظل معركة ظلال سياسية يديرها رئيس الحكومة، فإن كل خطوة مشتبه فيها، وكل دافع مشكوك في أمره؛ وعندما يتطرق هذا إلى قرارات يمكن أن تقودنا إلى حرب، سيكون الضرر منها كبيراً جداً، وإنجازاتها مشكوكاً فيها، أضعاف الأضعاف.

لكن هذا لا يتعلق فقط بنتنياهو. الاندفاع إلى استغلال فرصة عملياتية دون طرح السؤال “ماذا بعد؟” هو بمثابة ميزة إسرائيلية واضحة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإيمان بأن العملية ليست أداة للوصول إلى هدف سياسي، بل هي هدف بحد ذاته.

يوم 9 آب 2006، وبعد 4 أسابيع من الحرب، اجتمع “كابينت” أولمرت لنقاش العملية البرية الكبيرة التي طرحها الجيش على الطاولة. اعتقد الوزراء، في أغلبيتهم، أنه يوجد لديهم بديل أفضل، وكانوا يعلمون أن هناك جلسة أيضاً في الأمم المتحدة، وفعلاً، أدت إلى قرار وقف إطلاق النار، بعد ذلك بأيام.

وعندما سُئل حالوتس عن إنجازات الحملة، كان جوابه طويلاً وملتفاً، واختصر، قائلاً إن “الجيش يستطيع العمل على الأرض والانتصار. سيكون لهذا ثمن، لكن الأثمان يُنظر إليها نظرة استراتيجية، مع كامل الأسف”. وسألته الوزيرة تسيبي ليفني: ما هو النصر؟ فأجاب رئيس هيئة الأركان: التوصل إلى مفاوضات في وضع أفضل؟

صوّت 9 وزراء مع المصادقة على الخطة العسكرية، وامتنع 3. هذه خاصية إسرائيلية. أولاً، الجهد، وهو اسم آخر للحرب مع جميع التضحيات التي تنطوي عليها، وبعد ذلك، نسأل ماذا حققنا أصلاً، وماذا كان يمكن أن نحقق؟

إن المطروح اليوم على الطاولة أكبر بأضعاف الأضعاف مما كان مطروحاً في آب 2006. فالانتصار الذي سيتيح للسكان العودة إلى منازلهم، وتحسين وضع إسرائيل الاستراتيجي، وحتى إعادة الرهائن، لن يتحقق بوساطة ما سمّاه حالوتس “الجهد”. وهذا كله يجب أن نتذكره في الوقت الذي نتفاخر، بحق، بأكبر عملية إحباط في التاريخ.

——————————————–

 معاريف 22/9/2024

فُتحة لخطوة عسكرية واسعة

بقلم: افي اشكنازي

الاحداث الأخيرة في الساحة الشمالية يجب أن تعزى فقط للمستوى الأمني – ذاك الذي في اثناء السنة الماضية عملت آلة السم على تنفيذ احباط مركز لصورته. من رئيس الأركان عبر هيئة الأركان، شعبة الاستخبارات، شعبة العمليات، سلاح الجو، الشباك وغيره وغيره. صحيح ان المستوى العسكري والأمني فشلا جدا في 7 أكتوبر – لكنهما عرفا كيف يستجيبا ويعودا الى الفعل الناجع في غضون ساعات، ردا الحرب على حماس وانتقلا الى الهجوم بقوة عظيمة.

في الشمال أيضا كانت إعادة انتظام للجيش الإسرائيلي سريعة وناجعة. بفضل قوات الاحتياط لقيادة المنطقة الشمالية، منعوا حزب الله من التفكير، التخطيط أو التنفيذ لاجتياح مكثف لاراضي إسرائيل. حزب الله خلق معادلات قتال إشكالية لإسرائيل، فقط بسبب حقيقة أن المستوى السياسي قيد الجيش في قوة القتال وحدد على مدى اكثر من 11 شهرا مدى الحرب في الشمال.

لقد كان قرار المستوى السياسي صحيحا. من حيث المبدأ مرغوب فيه الامتناع عن فتح عدة جبهات بالتوازي. لكن المستوى السياسي اخطأ مرتين. أولا، في أنه لم يعمل على تنفيذ اتفاق واحد متواصل لتحرير عموم المخطوفين، مما كان سيزيل عنه القيود. وفي المرة الثانية، حين لم يلتزم بالجداول الزمنية لخطة الحرب في غزة. كما عرض الجيش في الخطط التي اقرت.

يأتي الجيش الإسرائيلي الى المعركة في الشمال جاهزا. كل الوحدات المناورة كانت في قتال قوي في غزة في الأشهر الأخيرة. كل الوحدات وجدت على مدى اشهر في الاعمال وكلها اجتازت تدريبات عملياتية في جبهة الشمال، ما خلق وحدة ورفعا أيضا لمستوى الأسلحة من حيث الأشخاص والوحدات. ان حقيقة ان الجيش الإسرائيلي عمل في غزة في طواقم قتالية لوائية خلقت خطابا صحيحا ومعافى بين القادة وأنظمة عمل منسقة بين الوحدات المختلفة.

الجيش الإسرائيلي في نهاية أيلول 2024 لا يشبه الجيش الإسرائيلي في 6 أكتوبر 2023 ولا الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان الثانية في 2006 – وحزب الله يفهم هذا جيدا في الفترة الأخيرة. صحيح ان الكثير من نشطاء فقدوا قدرة الرؤيا لديهم، لكن المنظمة لم تفقد باقي الاحاسيس وبالتالي تشعر جيدا بالالم في كل الجسد.

من اللحظة التي تلقى فيها الجيش الإسرائيلي، حاليا، الضوء الأصفر قبل أن يتلقى الضوء الأخضر، فانه يعرض جزءا صغيرا من قدراته.

تصفية عقيل، رقم اثنين في حزب الله هي مثال على قدرات الجيش الإسرائيلي المتراكمة – لكن أيضا على المشكلة الخطيرة التي يعيشها حزب الله. عندما لا تكون منظومة اتصال، والاتصالات الهاتفية مكشوفة، لا يتبقى للقيادة الا الاجتماعات وجها لوجه، ما يجعل هذا العمل مخترقا استخباريا. أي من اللحظة التي تحتاج فيها الى جميع كمية من الأشخاص، في هذه الحالة قادة، بعضهم كبار، في مكان واحد فانك تنكشف هنا. والان كل ما يتبقى للجيش الإسرائيلي هو اطلاق طائرة قتالية الى الجو، اطلاق بضعة صواريخ دقيقة، والباقي تاريخ.

على إسرائيل الان ان تقرر ما الذي تريده من نفسها. هل هي تسير الى تغيير الوضع في الشرق الأوسط: مواصلة تفكيك حماس، تدمير قدرات حزب الله، تفكيك الميليشيات الإيرانية في سوريا في ظل ضعضعة كرسي الرئيس السوري بشار الأسد؟ ام انها تكتفي بهدوء مؤقت في كل الجبهات على مدى سنة، سنتين، وربما عقد، فيما تبقي لحزب الله مخزونات السلاح التي لا تنتهي لديه وقدرة الترميم برعاية ايران؟

صحيح، لخطوة عسكرية واسعة يوجد ثمن باهظ، باهظ جدا. الجيش الإسرائيلي يوجد في هذه اللحظة في ذروة كفاءته. ايران وحزب الله يترنحان، مشوشان مؤقتا. إسرائيل يمكنها أن تقرر في هذه اللحظة المستقبل. السؤال هو هل المستوى السياسي ناضج بما يكفي للقرار. هل يختلف في التفكير، في الجرأة وفي الفكر عن المستوى السياسي عشية 7 أكتوبر.

——————————————–

معاريف 22/9/2024

بين طهران وبيروت

بقلم: بروفيسور اماتسيا برعم

نحو 4 الاف من رجال حزب الله أصيبوا في تفجير أجهزة الاستدعاء، لكن الضرر اكبر بكثير. منذئذ وحزب الله يتصل مرة أخرى بالهواتف الخلوية التي تعرض المتصل للخطر، وباجهزة راديو يمكن الاستماع اليها، لكن أساسا في اتصالات خطية هي أيضا مكشوفة للتنصت. والنتيجة في المدى القصير هي ان المنظمة غير قادرة على ان تخوض حربا مثل جيش منسق. مواقف القيادتين – في بيروت وفي طهران تلمح الى أن تفجير أجهزة الاستدعاء وتصفية القادة في الضاحية لن تدفع حزب الله وايران الى حرب كاملة.

لقد وجهت تصفية إسماعيل هنية صفعة مدوية لنظام ايات الله. وكانت الأجواء في طهران غاضبة اكثر بكثير مما بعد تصفية الجنرال الإيراني في دمشق والتي أدت الى هجوم الصواريخ والمُسيرات في ليل 14 نيسان. سطحيا لم يكن أي شك في ان ايران سترد ضد إسرائيل بشكل مباشر، فورا وبقوة هائلة. غير أنه تحت السطح دار نقاش في مثل هذا الرد، وفي بداية آب تسرب موقف الرئيس الجديد فزشكيان، وبموجبه فان عملا مباشرا ضد إسرائيل سيمس بشدة بالاقتصاد الإيراني. وبالضبط لهذا الغرض هندس خامينئي انتخابه. فخامينئي كان بحاجة لرئيس وتحته حكومة براغماتية ليضغطوا باتجاه سياسة براغماتية مقابل المتطرفين. وهكذا يجد نفسه في موقف وسط يحبه، ويكون قراره كمحكم اكثر مما كدكتاتور.

منتصف أيلول والوعد برد إيراني قاسٍ لا يزال يسمع من كل صوب، ولكن بمرافقة التفسير بان ايران ستجد الزمان، المكان والشكل الصحيح. يوجد فهم بان في هذه اللحظة رد عسكري مباشر يتعارض والمصالح الاستراتيجية لإيران. من التلميحات التي ينثرها الناطقون الكبار تتبين ثلاثة أسباب أساسية. أولا، بانه يوجد خطر للمس بميناء النفط بندر عباس، وبالتالي لمعظم مداخيل الحكومة. ثانيا، لان العلاقات مع الجيران العرب الذين ساعدوا لحماية إسرائيل في نيسان من شأنها أن تتدهور. وثالثا، واحدة من حاملات الطائرات الامريكية خرجت من المنطقة لكن الثانية لا تزال هنا، ومواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة ليست ذكية.

ان تصفية إبراهيم عقيل في الضاحية، قائد قوة الرضوان، تزيد جدا انعدام اليقين. ومع ذلك، ايران الرسمية لا تزال حذرة. خامينئي يعلن بان “الورم السرطاني” – إسرائيل – ستباد، لكنهم لا يلتزمون بعد بعمل إيراني مباشر فورا.

إضافة الى ذلك منذ سنين ويوجد تفاهم بين حزب الله وطهران بان ما يحصل في لبنان يبقى في لبنان. الاستثنائي هو وضع يكون فيه مجرد وجود حزب الله في خطر، وهذا ليس الوضع اليوم.

بالنسبة لحزب الله، الإحساس هو أن اسرائيل ليست معفية من العقاب، لكن ليس بمستوى فتح حرب كاملة. هم يمكنهم أن يلحقوا ضررا هائلا بإسرائيل، لكنهم يفهمون بانه في حرب كاملة يكون الحال اكثر امانا في حيفا مما في بيروت وجنوب لبنان. معقول ان يحدث اغتيال قائد قوة الرضوان ضغوطا متزايدة من جانب القادة على نصرالله للرد بنار مكثفة على كل إسرائيل لكن نصرالله من جهته سيبقى يحاول الامتناع عن ذلك. حزب الله يريد وقف نار في غزة يسمح له أيضا في وقف النار. اذا كان وقف للنار في غزة، فانه سيكون لتهديد حقيقي بهجوم إسرائيلي بدعم امريكي احتمال جيد لاقناعه بالانسحاب الى ما وراء الليطاني. من هذه اللحظة تكون هذه المسؤولية الشخصية لرئيس وزراء إسرائيل لتعزيز حضور دائم للجيش الإسرائيلي في الشمال للمنع بالنار عودة قوة الرضوان الى الحدود. هكذا فقط معظم السكان سيعودون.

——————————————–

 هآرتس 22/9/2024

في هذه المرة سننتصر عليهم مرة والى الأبد، حتى المرة القادمة

بقلم: جدعون ليفي

بعد استنفاد الفرصة الكبيرة في غزة تتوجه اسرائيل الى استنفاد الفرصة الكبيرة القادمة، الحرب في لبنان. عندما يتعلق الامر بالحروب فان اسرائيل هي ارض الفرص غير المحدودة. أي حرب هي فرصة، وكل فرصة هي حرب. هل توجد مشكلة في غزة؟ اذا حرب. هل توجد مشكلة على الحدود الشمالية؟ حرب اخرى. الكثير من الاسرائيليين متحمسين لأنهم انتظروا هذه الفرصة لسنوات. آخرون يؤيدون بصمت وألم. والجميع تقريبا على قناعة بأنه لا يوجد خيار آخر.

رؤية الحرب كرعب ضروري هي شيء ورؤيتها كفرصة هي شيء آخر. فرصة لعالم جديد، واقع مختلف وافضل. حماس سيتم تدميرها. المخطوفون سيتم تحريرهم. حزب الله سيتم التنكيل به. سكان الشمال سيعودون. الجليل سيزدهر ومعه شقائق النعمان. والغلاف ايضا. أي فرصة مدهشة تمثلها الحرب. اسرائيل لم تقم في أي يوم في تاريخها بشن حرب عملت على تحسين وضعها وحل مشكلاتها. بعضها مثل حرب الايام الستة اساءت لوضعها بشكل كبير، لكن هذه الحقيقة لا تقنع أي أحد. انتظروا الحرب القادمة. فهي ستحل المشكلات مرة والى الأبد.

“مرة والى الأبد”، هو النصر المطلق الذي كان ذات يوم. بعد أن ضربة حماس كما يبدو، مرة والى الأبد، ستضرب اسرائيل ايضا حزب الله، مرة والى الأبد. ولكن هذه المرة والى الأبد انتهت دائما ببضع سنوات من الهدوء. وبعدها جاءت حرب اسوأ من سابقتها. الآن من يؤيدون الحرب الكبيرة في لبنان يبررون التوق الى أن يروا مرة اخرى الجيش الاسرائيلي على مداخل بيروت بذريعة أنه سنحت لاسرائيل الفرصة الكبيرة. في نهاية الاسبوع حتى أنهم قاموا بحث متخذي القرارات، الـ 500 شخص اعمى جديد في لبنان في اعقاب تفجير اجهزة البيجر، هذه فرصة ذهبية لن تتكرر في القريب. اذاً متى ستقومون بشن الحرب، بربكم؟.

رؤية الحرب كفرصة هي بحد ذاتها اشارة الى عملية تفكير مرضي. اعتبار الحرب كوسيلة اولى ووحيدة لحل المشكلات هو وسيلة للتشوه النفسي. ولكن في الدولة التي فيها كاتبة الاعمدة في صحيفة “اسرائيل اليوم”، كارني الداد، تسمي عشرات القتلى وآلاف المصابين ومئات المصابين بالعمى بسبب تفجير البيجرات في لبنان “هدية كبيرة لهذا الشعب الاكثر استحقاقا في العالم، قبل السنة الجديدة”، لا يجب الاستغراب من أي شيء. “الضربات المدهشة التي تلقاها العدو في الشمال هي بالضبط ما كان يحتاجه هذا الشعب: الاناقة، الدقة، الاهانة، التفكير مليون خطوة الى الامام”، قالت الداد بشماتة. مليون خطوة الى الامام. ولكن بالنسبة للجمهور العقلاني فان الحرب لا تعتبر فرصة لأي شيء، باستثناء سفك الدماء والخراب والضياع.

مدرسة “مرة والى الأبد” تظهر بصورة غبية، لا سيما بعد غزة. لأن الحرب الفظيعة هناك استهدفت حل المشكلات مرة والى الأبد؛ لم يتم حل أي مشكلة بعد سنة قتال صعبة. عشرات آلاف القتلى والدمار الكامل. اسرائيل ستخرج من الحرب في غزة بوضع اسوأ بكثير من الوضع الذي دخلت فيه اليها. كيف بشكل عام يمكن التصديق بأن حرب ضد منظمة اقوى بكثير، وفي ظروف ميدانية اكثر صعوبة، مع جيش متعب وازدراء دولي، ستؤدي الى نتيجة افضل من الفشل الذريع في غزة. هم لم يصلوا الى الاستنتاج المطلوب الذي يقول بأنه كان من الافضل لاسرائيل عدم شن حرب هناك. ولكنهم يسرعون الخطى نحو صيدا، مثلما في حالة رفح بدون معارضة. احتجاج، نعم، لكن ليس ضد الحرب.

يصعب التفكير بصدفة لا يمكن تصورها كهذه: في الوقت الذي يقتل فيه الجنود ويُقتلون ويدمرون في غزة بدون أي هدف أو جدوى، فان الجيش يشق الطريق الى الشمال نحو حرب ملعونة اكثر، التي هي ايضا تستهدف حل المشكلات مرة والى الأبد. والجميع يسمعون الاصوات ويصدقون الاكاذيب. بعد لبنان سنذهب الى ايران، ايضا هناك ستكون فرصة، وهناك ايضا سنحل المشكلات، مرة والى الأبد.

——————————————–

جيش الاحتلال: سلسلة القيادات العسكرية لحزب الله التي تم تصفيتها

 

موقع جيش الاحتلال 21-9-2024: سلسلة القيادات العسكرية لحزب الله التي تم تصفيتها

استعرض الجيش الإسرائيلي، سلسلة القيادات العسكرية لحزب الله، وعلى رأسها أمين عام الحزب حسن نصرالله، موضحا أنه قضى على 6 منهم من أصل 9، فيما أكد أنه قضى على هرم قيادة “قوة الرضوان”.

وفي بيانات نشرها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، تحت عنوان “تحت الأرض وفي قلب معقل حزب الله في بيروت: جيش الدفاع قضى على هرم قيادة “قوة الرضوان” في حزب الله”، قال الجيش الإسرائيلي إنه “في غارة دقيقة مساء أمس الجمعة، هاجمت طائرات حربية تابعة لسلاح الجو بتوجيه استخباراتي من هيئة الاستخبارات، وقضت على رئيس منظومة العمليات وقائد “قوة الرضوان” التابعة لحزب الله المدعو إبراهيم عقيل خلال اجتماع مع قادة في قوة الرضوان في الضاحية الجنوبية”.

وأضاف: “إلى جانب إبراهيم عقيل، تم القضاء في الغارة على 15 إرهابيا آخر من حزب الله ومن بينهم قادة كبار في هرم قيادة قوة الرضوان، من بينهم: أحمد محمود وهبي (أبو حسين سمير) الذي شغل منصب رئيس وحدة التدريب في قوة الرضوان. وقد شغل عدة مناصب في حزب الله ومن بينها منصب قائد قوة الرضوان خلال العقد الأخير حتى بداية عام 2024. وكان وهبي من المخططين الرئيسيين لخطة الهجوم “احتلال الجليل” وشارك في تعزيز تموضع حزب الله في جنوب لبنان إلى جانب محاولاته تطوير القتال البري للتنظيم. على مدى السنوات وخلال الأشهر الأولى من الحرب خطط وهبي وأشرف على تنفيذ عمليات التسلل وإطلاق القذائف الصاروخية نحو أراضي دولة إسرائيل”.

وأضاف بيان الجيش الإسرائيلي أن “الجيش قضى على قادة من وحدة الهجوم التابعة لقوة الرضوان وهم: سامر عبد الحليم حلاوي (حمزة الغربية) – قائد منطقة الهجوم لقطاع الساحل، عباس سامي مسلماني (سراج علي) – قائد منطقة الهجوم لمنطقة قانا، عبدالله عباس حجازي (بلال) – قائد منطقة الهجوم على جبال راميم، محمد أحمد رضا (نينوى) قائد منطقة الهجوم في منطقة الخيام، حسن حسين ماضي (أبو هادي ميدون) – قائد منطقة الهجوم في جبل روس (هار دوف)، هؤلاء القادة أشرفوا وخططوا على مدار سنوات لعملية الهجوم واقتحام أراضي دولة إسرائيل في وقت الحرب”.

وأضاف أنه “تم القضاء على قادة بارزين في حزب الله وفي ركن قيادة قوة الرضوان: حسن يوسف عبد الساتر (باقر)- مسؤول العمليات في قوة الرضوان الذي قاد وأشرف على كافة مخططات إطلاق القذائف للوحدة، وحسين أحمد حدرج (سراج) – مسؤول ركن قوة الرضوان الذي كان ضالعًا في عمليات نقل الأسلحة وتعزيز قوة التنظيم”.

وختم بيان الجيش الإسرائيلي بالإشارة إلى أن “عقيل والقادة الذين تم القضاء عليهم في الغارة كانوا مسؤولين عن تخطيط، وتنسيق، وتنفيذ مئات من المخططات الارهابية ضد دولة إسرائيل، بما في ذلك الخطة الدموية الهمجية لاقتحام بلدات الجليل”.

——————————————–

إسرائيل اليوم 22/9/2024

لبنان: ليس انتصارا بالنقاط بل حسم

بقلم: ايال زيسر

مع نهاية حرب لبنان الثانية التي أوقعت على لبنان دمارا وخرابا، اعتذر زعيم حزب الله حسن نصرالله لابناء الطائفة الشيعية عن المصيبة التي اوقعها على رؤوسهم واعترف بانه لو كان يعرف ان هذه ستكون النتيجة – لما كان أمر باختطاف الجنديين الإسرائيليين اهود غولدفاسر والداد ريغف الذي أدى الى نشوب الحرب.

نصرالله لن يعترف بذلك، لكن لا شك أنه اليوم أيضا يأسف على أنه جر لبنان الى مواجهة طويلة مع إسرائيل لا يمكنه ان ينتصر فيها، ولو أنه كان يعرف بانه هكذا كانت ستتدحرج الأمور – لما كان امر رجاله بان ينضموا الى هجمة حماس في أكتوبر 2023.

مثل يحيى السنوار استعد نصرالله لمواجهة قصيرة من أيام او أسابيع قليلة، لكنه وجد نفسه في طريق بلا مخرج، اسير معادلات الرد التي اخذ بها تجاه إسرائيل وفي الارتباط الذي أقامه بين وضع الشمال وبين الحرب في غزة. وهكذا يتدهور نحو حرب شاملة ستكون سيئة لإسرائيل لكنها محملة بالمصيبة للبنان.

الأسابيع الأخيرة لم تكن سهلة على حسن نصرالله. فالرد على تصفية رئيس اركان حزب الله فؤاد شُكر تبين كجبل تمخص فولد خم دجاج – والان جاء تفجير أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال الذي احدث ارباكا بل واهانة للمنظمة التي عرضت نفسها كـ “درع لبنان” وكمن بوسعها أن ترعب وتردع إسرائيل.

كما أن هذه كانت ضربة لقدرة المنظمة العملياتية، حين يكون عُشر مخربيه وقادته أصيبوا بشكل مباشر او غير مباشر في موجة التفجيرات التي ضربت لبنان. عدد القتلى ليس عاليا، لكن أيضا من فقد يد أو عين شطب من سجل القوة المقاتلة لحزب الله. وبعد كل هذا، فان قدرة المنظمة على الرد على الحدث محدودة، إذ أي شرعية ستكون لنصرالله ان يخرج الى حرب شاملة بسبب تفجير أجهزة بيجر المنظمة نفسها هي التي وزعتها على مقاتليها وإسرائيل تمتنع عن أخذ المسؤولية عنه؟

عمليا، القرار الى ان المسير من هنا لاحقا لا يوجد في يد نصرالله، بل في يد يحيى السنوار، اذا ما قرر هذا وقف النار والسير الى صفقة تؤثر على لبنان أيضا، وكبديل – في يد حكومة إسرائيل، اذا قررت هذه بانها تريد أن تغير من الأساس الوضع في الحدود الشمالية.

لكن من الأفضل لنا أن نترك لنصرالله معالجة مشاكله ونركز على التحديات التي توجد على عتبة إسرائيل. فهذه امتنعت عن اخذ المسؤولية عن موجة التفجيرات لكن بلا شك هذه عملية مبهرة، من يقف خلفها اثبت قدرة استخبارية وقدرة عملياتية جديرة بالإشارة تذكر بأحد شعارات الموساد: “بالاحابيل تصنع لك حربا”.

غير أنه مع كل الاحترام للنجاح العملياتي المدوي من المهم ان نتذكر ونذكر باننا منذ أكتوبر لم نعد في معركة بين الحروب حيال حزب الله، بل في حرب؛ وفيها المصلحة الإسرائيلية هي ليست مراكمة النقاط في صراع استنزاف لا نهائي بل ضرب العدو، هزيمته وخلق واقع أمني افضل في حدود الشمال.

مبادئ إدارة الحرب لدى الجيش الإسرائيلي لم ننساها بعد. ركزوا على المبادرة، الهجوم والمناورة، وأخيرا، بمثابة، بتواصل وباستمرار القتال ضد العدو لاجل الوصول الى هزيمته السريعة. من هنا، واضح أنه لا تكفي خطوة موضعية، مهما كانت مبهرة، والتي هي في أساسها ذات مغزى تكتيكي عابر، اذا لم تكن جزءا من معركة شاملة، مصممة ومتواصلة نديرها ضد العدو.

مبدأ آخر هو التمسك بالمهمة في ضوء الهدف. غير أنه يبدو انه لم يعرض بعد على الجيش الإسرائيلي إنجاز عملياتي مطلوب في المعركة ضد حزب الله باستثناء كبح ودفاع. فاعادة سكان الشمال الى بيوتهم هو هدف هام وجدير، لكنه ليس هدفا عملياتيا ملموسا يمكن منه استخلاص امر حملة للقوات.

نصرالله مقيد بالتزامه بمواصلة حرب الاستنزاف. هذه هي المصلحة الإيرانية، وبالتالي هذه أيضا مصلحته، لكن هذه ليست مصلحة إسرائيل، ويجب تطبيق شعار آخر من شعارات الموساد: “حين لا تكون احابيل يسقط شعب، والخلاص في معظم الاستشارة”.

——————————————–

هآرتس 22/9/2024

الدولة تعهدت بالسماح لعودة فلسطينيين الى قريتهم، أما هم تركوها بسبب تهديدات المستوطنين

بقلم: هاجر شيزاف

معظم سكان قرية زنوتا في جنوب جبل الخليل تركوا القرية مرة اخرى في اعقاب تنكيل المستوطنين وبسبب القيود على البناء من قبل الادارة المدنية، هذا رغم أن الدولة تعهدت للمحكمة العليا بالسماح للسكان بالعودة الى القرية، ورغم قرار القضاة بأنه يجب على السلطات تطبيق القانون على المستوطنين في المكان. في اعقاب تعهد الدولة عاد سكان القرية الى بيوتهم في نهاية شهر آب الماضي. ومنذ ذلك الحين، حسب دعوى باهانة المحكمة تم تقديمها في يوم الاربعاء، فان المستوطنين هاجموا السكان وقاموا بتهديدهم دون أن تحرك الشرطة ساكنا ضدهم.

المحامية قمر مشرقي اسعد من جمعية “حقل” قامت بتقديم الدعوى بذريعة أن الدولة تخرق تعهدها بالسماح للسكان بالعودة الى مساكنهم وحمايتهم، الامر الذي أدى الى “ترانسفير ثاني” حسب قولها. في هذا الطلب كتب أنه منذ عودة السكان الى زنوتا جاء مستوطنون مسلحون الى القرية وقاموا بتطيير حوامات ومنعوا السكان من الرعي. رجال الشرطة الذين وصلوا الى المكان، كتب في الطلب، رفضوا اخلاء المستوطنين من المكان وقالوا بأنه مسموح لهم التواجد هناك.

اضافة الى ذلك فان الادارة المدنية لا تسمح للسكان بترميم المباني التي تم تدميرها بعد مغادرتهم للقرية في المرة السابقة. والادارة تمنع السكان ايضا من اقامة في القرية عرائش للظل بذريعة أنه محظور البناء هناك لأن المكان هو موقع اثري. مؤخرا اقترحت الادارة المدنية على سكان القرية الانتقال الى منطقة تبعد 2 كم شمالا، مكان سيتم اعداده من اجلهم. الادارة ابلغت السكان بأنهم اذا لم يوافقوا على هذا العرض ولم يعرضوا أي بديل فان المباني في زنوتا سيتم هدمها.

الرأي القانوني لخبراء في القانون الدولي، الذي تم تقديمه في اطار الدعوى ضد اهانة المحكمة، ينص على أنه بسلوكها فان الدولة تقوم بخرق القانون الدولي. رجال القانون البروفيسور ايال بنفنستي والبروفيسور آرنا بن نفتالي والبروفيسور الياف ليبليخ والبروفيسور دافيد كرمنتسر والبروفيسور يوفال شني، كتبوا في الرأي القانوني بأن الدولة خلقوا ظروف اجبرت السكان على المغادرة. وبذلك فقد شرحوا بأن الدولة قامت بخرق حظر الانتقال بالاكراه في ميثاق جنيف الرابع. رجال القانون اشاروا ايضا بأن الانتقال بالقوة لا يتم فقط باستخدام القوة، بل من خلال خلق ظروف تجبر الناس على المغادرة. وحسب رجال القانون توجد خشية من أن الانتقال بالاكراه هو جريمة حرب. وقد حذروا من أن رفض المحكمة العمل على منع طرد السكان يمكن أن يوفر سببا لتقديم المسؤولين للمحاكمة في محكمة العدل الدولية في لاهاي.

في شهر شباط الماضي فرضت الادارة الامريكية عقوبة على المستوطن يانون ليفي من البؤرة الاستيطانية حفات متاريم، قرب قرية زنوتا، بذريعة أنه قام بقيادة مجموعة من المستوطنين هددت وهاجمت تجمعات فلسطينية في المنطقة من اجل ترك بيوتهم. وفي الدعوى التي قدمت للمحكمة في يوم الاربعاء جاء بأن ليفي استمر في ازعاج السكان عندما عادوا الى المكان. في نهاية شهر آب الماضي فرضت الولايات المتحدة عقوبات ايضا على جمعية “حارس يهودا والسامرة”. ضمن امور اخرى تم الادعاء في القرار الامريكي بأنه بعد أن تم طرد الـ 250 شخص، سكان زنوتا، قام المتطوعون في “حارس يهودا والسامرة” بوضع اسلاك شائكة حول القرية بهدف منع السكان من العودة.

من المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي جاء: “خربة زنوتا هي بؤرة فلسطينية اقيمت بشكل غير قانوني فوق موقع تاريخي هام. في وقت لاحق بعد اندلاع الحرب ترك سكان البؤرة غير القانونية بيوتهم بذريعة أنه تم طردهم من هناك من قبل اسرائيليين يعيشون في المنطقة. في الاجراءات القانونية التي جرت من قبل السكان في المحكمة العليا ابلغت الدولة بأن المنطقة مدار الحديث غير مغلقة، وأنه اذا عادوا الى المكان فان الجيش الاسرائيلي سيكون مستعد لحماية نظامهم وأمنهم وحماية النظام والامن في كل المنطقة. في نفس الوقت صممت السلطات في المنطقة على عدم قانونية البناء في المكان، وأنها تنوي العمل على تطبيق قوانين البناء في المكان حسب القانون، استمرارا للبيانات التي تم تقديمها للمحكمة في جلسات سابقة حول هذا الموضوع.

“منذ عودة السكان الفلسطينيين الى المكان فانهم في الجيش الاسرائيلي وفي الادارة المدنية يعملون على الحفاظ على الامن والنظام، بالتعاون مع شرطة اسرائيل، وهي الجهة المسؤولة عن معالجة الشكاوى حول خرق القانون من قبل اسرائيليين. في حالات العنف يمكن التوجه الى الجهات المسؤولة وسيتم فحص الموضوع”.

——————————————–

هآرتس 22/9/2024

الوساطة الامريكية هي أمر حيوي لمنع اندلاع حرب شاملة

بقلم: عاموس هرئيلِ

اغتيال كبار قادة حزب الله ابراهيم عقيل وقيادة وحدة النخبة “الرضوان” أول أمس في بيروت، توقع ضربة قاسية ثالثة على التنظيم خلال بضعة ايام. يبدو أن اسرائيل تزيد الضغط على حزب الله في محاولة للفصل بين ما يحدث في الساحة اللبنانية وبين مواصلة الحرب ضد حماس في قطاع غزة. هي تريد أن تفرض على رئيس الحزب، حسن نصر الله، انسحاب رجاله الى ما وراء نهر الليطاني مع التهديد بمواصلة تدمير قواته العسكرية اذا لم يتوقف عن اطلاق النار، وحسن نصر الله دفع الى الزاوية بصورة يمكن أن تؤدي الى حرب شاملة. كثيرون في القيادة العليا في اسرائيل لا يعارضون بالضرورة هذا السيناريو بعد سنة احباط وبدون حسم في الشمال.

بالنسبة لحزب الله فان الاسبوع الاخير الذي شاهده يساوي في قيمته المفاجأة والفشل العسكري الذي تكبدته اسرائيل في 7 اكتوبر في الهجوم المفاجيء لحماس. وقتل المدنيين في الهجومين غير قابل للمقارنة. اسرائيل، بقدر مسؤوليتها عن هذه العملية، حرصت على توجيه هجماتها نحو نشطاء حزب الله، لذلك فان عدد القتلى المدنيين في لبنان كان قليل جدا اذا اخذنا في الحسبان حجم الهجمات. هذا في الوقت الذي عملت فيه حماس بشكل متعمد على قتل جماعي للمدنيين. ولكن حزب الله نفسه تبين أنه مخترق تماما للاستخبارات الاسرائيلية ومعرض للضرب المنهجي خلافا لصورته في نظر اعضائه.

غداة هجوم البيجرات المتفجرة جاء هجوم اجهزة الاتصال، وبعد يومين جاء اغتيال عقيل و15 من رجاله، قادة رئيسيين في قوة الرضوان، من بينهم خمسة من قادة المناطق. هذه ضربة شديدة للثقة على كل المستويات: ثقة الطائفة الشيعية في لبنان بحزب الله باعتباره يحافظ على مصالحها بقوة الذراع، وثقة نشطاء التنظيم بقيادتهم التي بالفعل وفرت لهم الاجهزة التي قتلتهم وجرحتهم، وثقة حسن نصر الله نفسه بمنظومات اتصال التنظيم.

حزب الله اضطر الى أن يغير كل يوم طريقة الاتصال بين رجاله بعد أن تبين بأن الشبكات اخترقت من قبل الاستخبارات الاسرائيلية. هو لا يستطيع أن يكون على ثقة بأن تفعيل منظوماته الاستراتيجية ضد اسرائيل، اذا صعد القتال، لن تعرضه لعمليات تخريب اخرى. عقيل، الذي بعد اغتيال قائد وحدة الرضوان وسام الطويل في كانون الثاني تحمل المسؤولية عن الوحدة (الى جانب منصبه كرئيس قسم العمليات في الحزب)، وعقد اجتماع لقيادة الرضوان في المكان الذي اعتقد بأنه آمن، في ملجأ تحت مبنى متعدد الطوابق في الضاحية. مع ذلك، وجد هناك موته، 24 سنة بعد أن تملص بالكاد من محاولات اغتيال اسرائيلية سابقة.

اغتيال عقيل يبقي نصر الله تقريبا وحده في القيادة العسكرية القديمة للحزب. عماد مغنية تمت تصفيته حسب التقارير على يد اسرائيل في دمشق في 2008، وتصفية من جاء بعده، مصطفى بدر الدين، قررها حسن نصر الله وايران في 2016 بعد مواجهة داخلية صعبة في قيادة الحزب. رئيس الاركان الحالي لحزب الله، فؤاد شكر، وعقيل وثلاثة من القادة الاربعة في الوحدات التنفيذية الكبيرة في الحزب قتلوا في هجمات اسرائيلية في الحرب الحالية. من المجموعة العليا بقي فقط علي كركي، قائد الجبهة الجنوبية، وطلال حمية رئيس جهاز العمليات الخارجية. جزء من المخضرمين ساروا مع حسن نصر الله مدة اربعين سنة بمجموعة مقلصة تبلورت عند انشاء المنظمة. بعضهم شغلوا مناصبهم الاخيرة لسنوات كثيرة. اضافة الى المشكلات الاخرى فانه الآن يجب على رئيس الحزب التقرير هل يذهب الى حرب شاملة، حيث الى جانبه ستكون قيادة عديمة التجربة.

الهجمات المتزايدة ادت بوضوح الى ضغط كبير في قيادة حزب الله واخطاء في السلوك اليومي، واسرائيل تستغل هذه الفوضى من اجل ايقاع ضربات اخرى. الى جانب الاحداث البارزة – الصحافة البريطانية مثلا خصصت يومين من العناوين الرئيسية لهجمات الاجهزة المتفجرة – هناك جهود متواصلة للمس بقواعد الاطلاق ومنظومة الصواريخ، بهدف المس بموارد حزب الله الهجومية قبل البدء في الحرب. مع ذلك، هناك شك في أن يستطيع حسن نصر الله أن يؤجل لفترة طويلة رده أو الاكتفاء بعمليات مقلصة يتم تسويقها على انها انجاز كاذب (كما فعل في قضية اطلاق المسيرات نحو غاليلوت في الشهر الماضي).

اسلوب المعادلات للزعيم الشيعي لفظ انفاسه تماما. من المرجح أنه سيرى أنه ملزم بالرد بقوة على اهداف في مركز البلاد ومنطقة حيفا، ولن يكتفي طوال الوقت باطلاق النار نحو الجليل فقط. مع ذلك، خط احمر لم يتم تجاوزه بعد هو اطلاق يهدف الى قتل جماعي للمدنيين. حسن نصر الله يعرف أن معنى ذلك سيكون كما يبدو حرب شاملة، من هنا فانه اذا فعل ذلك فهو سيصل الى هذه النتيجة بصورة متعمدة تماما. هو سيضطر ايضا الى أن يأخذ في الحسبان احتمالية أنه في حالة اطلاق نيران تتجاوز حدود القطاع السابقة للمناوشات فان اسرائيل سترد من الجو بهجوم شديد بشكل خاص. مساء أمس بدأ هجوم كثيف لسلاح الجو تجاه مناطق اطلاق في لبنان. قائد سلاح الجو، تومر بار، قال أمس إن سلاح الجو “يواصل الوقوف في اقصى حالات الاستعداد التي يمكن أن نضع السلاح فيها”.

المبادرة الى اغتيال عقيل جاءت من الجيش الاسرائيلي بعد تشخيص فرصة عملياتية نادرة. عمليا، خلافا لما تحاول حاشية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تسويقه فان التوجيه الذي املاه الكابنت على الجيش قبل بضعة ايام لم يتحدث عن تصعيد آخر، بل عن عمليات هجومية محدودة، بانتظار فهم ماذا سيكون تأثير هذه الخطوات على حسن نصر الله. في هذه المرة الجيش هو الذي قاد خط الهجوم، لكن فعليا هناك في الفترة الاخيرة خلاف بين الرتب والتشكيلات حول مسألة الى أي قدر يمكن استغلال وضع الضعف الذي وصل اليه حزب الله، وهل من اجل زيادة المس بقدراته الهجومية، التي يمكن لاسرائيل أن تتضرر منها في المستقبل، يمكن المخاطرة ايضا بحرب اقليمية؟.

المواقف مختلفة ايضا في هيئة الاركان، حيث أن قائد سلاح الجو بار وقائد قيادة المنطقة الشمالية اوري غوردن يسعيان الى خطوات حاسمة اكثر. ولعبة البوكر تجري ليس فقط مع حزب الله، بل في داخل المنظومات فيما بينها. هنا علاقات القوى تميل بوضوح لصالح نتنياهو، الشخص الوحيد في القيادة الذي لم يظهر أي ندم حول مسؤوليته عن اخفاقات 7 اكتوبر. نتنياهو قلص حرية عمل وزير الدفاع يوآف غالنت عندما سرب ضده وكأنه يضع عقبات امام القيام بخطوات هجومية في لبنان. في حين أن قيادة الجيش، بخلاف تام لنتنياهو، ما زالت ملاحقة في الشعور بالذنب حول المذبحة في غلاف غزة، وهو الشعور الذي سيزداد كلما اقتربت الذكرى السنوية الاولى للكارثة. يمارس ضدهم هجوم مسموم، موجه من قبل نتنياهو وحاشيته، لكنه يحصل على الدعم ايضا من عائلات المخطوفين والقتلى التي تطالب باستقالة الضباط الكبار.

في هذه الظروف المطلوب هو بالاساس جهود امريكية جديدة لعقد صفقة، في الشمال وفي الجنوب، في نقطة فيها القدرة على المساومة لحزب الله تضررت ازاء اخفاقاته على الارض. الادارة الامريكية باركت تصفية عقيل، القاتل الارهابي المسؤول عن قتل مئات الامريكيين والاسرائيليين، حيث وضعت الولايات المتحدة جائزة بمبلغ 7 ملايين دولار لرأسه. ولكن واشنطن التي اظهرت قدرة وساطة متدنية جدا طوال الحرب غاضبة مما يبدو من هناك كمحاولة لاسرائيل لتصعيد المواجهة مع حزب الله، وربما توريط الادارة الامريكية في حرب اقليمية عشية الانتخابات الرئاسية الامريكية.

فشل امريكي آخر يعني ضربة قاضية لصفقة المخطوفين التي بدون ذلك المفاوضات حولها جمدت تماما ازاء رفض نتنياهو ورئيس حماس يحيى السنوار. من خطابات نتنياهو الاخيرة ومن تصريحاته في محادثات مع كبار قادة الجيش من الواضح أنه لا توجد له أي مصلحة بالدفع قدما بالصفقة، في الوقت الذي فيه شركاءه في اليمين المتطرف يعارضونها. مصيره الشخصي اكثر اهمية من مصير المخطوفين. وقد قرر الرهان على كل الصندوق أو على معظمه على الاقل، وبدلا من التركيز على الصفقة مع حماس هو يحاول القيام بعملية طموحة اكثر، التي ستضر بحزب الله وربما ستؤثر بشكل غير مباشر على حماس.

لعبة البوكر الدموية

في ايار 1982، قبل ثلاثة اسابيع على اندلاع حرب لبنان الاولى، نشر يوئيل ماركوس مقال في “هآرتس” بعنوان “لعبة البوكر الدموية”. وقد حذر ماركوس، استنادا الى الاستعدادات في الجيش الاسرائيلي قبل الحرب ضد م.ت.ف، بأن حكومة بيغن – شارون “تنوي الخروج عن الوعي السياسي”. وقال إنه في ظل غياب التهديد الوجودي فانه لا يوجد مبرر لشن حرب ضد لبنان.

الظروف في هذه المرة مختلفة. فاسرائيل تورطت بدرجة كبيرة في اعقاب هجوم حماس الارهابي. في الحقيقة هي انزلت عليها ضربة قاسية في القطاع، لكنها لم تنجح في هزمتها. هي تجد صعوبة في ايجاد مخرج سياسي من الوضع بسبب الرفض الحازم للحكومة لأي تسوية تشمل مشاركة السلطة الفلسطينية. في الشمال، تقريبا خلال سنة، ازعاج حزب الله المتكرر، الذي بدأ بدون أي استفزاز من قبل اسرائيل، ابعد 60 ألف مواطن في الجليل عن بيوتهم وهنا لا يلوح أي حل في الافق. خلافا للوضع في 1982 يصعب الحديث هنا عن حرب مارقة. ولكن الامر البارز هو عدم ثقة الجمهور، المبررة، باعتبارات رئيس الحكومة. عندما تكون متورطا في ثلاث مخالفات جنائية واكثر من نصف الجمهور لا يصدق أي كلمة تقولها فانه يصعب عليك الاقناع بأن القرارات المصيرية يتم اتخاذها بشكل نظيف.

——————————————–

يديعوت احرونوت 22/9/2024

غارقون في حرب استنزاف

بقلم: ميخائيل ميلشتاين

كان الأسبوع الماضي احد الأسابيع الأكثر نجاحا من ناحية عسكرية بالنسبة لإسرائيل منذ بداية الحرب فيما كان في مركز حدث أجهزة البيجر المنسوب لها وتصفية إبراهيم عقيل في بيروت. هذه الخطوات تمس بشكل عملي وبصورة العدو الأكثر تهديدا من ناحية إسرائيل اليوم، وتساعد بقدر كبير على ترميم الردع الذي تضرر في 7 أكتوبر.

ومع ذلك، من وراء الإنجازات يتأكد شرك تتميز به العديد من المواجهات بين محافل غربية وغير غربية. فالتفوق التكنولوجي يتيح ضربة شديدة للعدو، لكن جملة الإنجازات لا تنجح في الغالب في أن تترجم الى انعطافة دراماتيكية. وينبع الامر من انعدام الفهم لمزايا العدو الخاصة، لكن أساسا من انعدام استراتيجية مرتبة للمدى البعيد.

منذ 7 أكتوبر وإسرائيل تعيش في تشوش فكري. فهي تدير معارك عسكرية واسعة، لكنها تعمل في ضوء منطق المعركة ما بين الحروب، أي السعي الى هزيمة الأعداء من خلال ضرب متواصل لـ “نقاط الثقل”  – واساسا القادة والبنى التحتية – تستهدف نزع قوتهم ودوافعهم، وفي حالة حماس – الوصول الى تقويض كامل.

هذا قرار واع بالاستنزاف، ينبع في قسم منه من فهم مغلوط للواقع لدى أصحاب القرار وفي قسم آخر منه من اعتبارات سياسية داخلية. بالنسبة لغزة، تبنت إسرائيل في بداية 2024 “استراتيجية المرحلة الثالثة”، التي التركيز على هجمات موضعية واجتياحات. في اعقاب ذلك، وان كانت حماس تتلقى ضربات غير مسبوقة (أساسا تصفية زعماء، وعلى رأسهم ضيف) لكنها تنجو، تواصل الإبقاء على قوة عسكرية – وتشكل عنصر القوة السائدة في غزة.

في لبنان الهدف ليس تقويض العدو مثلما في القطاع، لكن الواقع مشابه: تصفية واسعة للقادة الى جانب قتل مئات النشطاء يمس بشدة بحزب الله ويطرح امامه معاضل حادة بالنسبة للرد ضد إسرائيل، لكنه لا ينقص جدا من قدرته العسكرية، وبالتأكيد لا يدفعه لان يرفع علما أبيض. في الضفة يتثبت بالتدريج وضع مشابه: إسرائيل تحقق إنجازات مبهرة ضد شبكات الإرهاب، لكن التهديد الأساس يتعاظم ويستدعي حملات اكثر تواترا واتساعا.

نظرة الى التاريخ تساعد على التعرف على ان الحديث يدور عن فهم “مثقب” من أساسه. هكذا مثلا الصراع المتواصل ضد البرنامج النووي الإيراني في العقود الأخيرة، الذي تضمن تصفية مسؤولن كبار في المشروع (على رأسهم فخري زادا، رئيس البرنامج العسكري)، السيطرة على أرشيف المشروع، بل وتدمير خفي لالاف أجهزة الطرد المركزي   – هي كلها خطوات مبهرة، لكنها لم تمنع تقدم ايران الى مكانة دولة حافة نووية. تعبير قدم اكثر للشركة إياه ينعكس في حرب الاستنزاف وفي عقدين من بقاء الجيش الإسرائيلي في لبنان، المعارك التي كانت مفعمة بنجاحات عسكرية، لكن غابت عنها غاية واضحة وانتهت بدون حسم.

بعد سنة من بداية الحرب الأكثر شذوذا في تاريخ إسرائيل، تواصل إسرائيل الى أساليب ومفاهيم من الماضي لا تتلاءم وطبيعة العدو والمعركة اليوم. الجهات المقاومة التي تقاتل إسرائيل ضدها اقتنت قوة جيوش نظامية لكنها تتصرف بشكل مختلف وتبدي قدرة تغير وامتصاص طويل. فلا يمكن الحق الهزيمة بها من خلال نموذج القتال القائم، بل من خلال احتلال كل قطعة ارض تسيطر عليها. السيناريو الذي لا يبدو ان لإسرائيل في هذه اللحظة القدرة او الرغبة في تحقيقه. ولكن حتى في هذه الحالة، مثلما تعلم الامريكيون في العراق وإسرائيل نفسها في لبنان في 1982 من الموصى به الامتناع عن خيالات تتعلق بخلق واقع جديد وجيد بل الاستعداد لتطور تهديدات جديدة.

إسرائيل تغرق في معارك استنزاف من شأنها ان تجبي ثمنا امنيا، سياسيات واقتصاديا باهظا وتعمق التوتر الداخلي العميق أيضا في داخل المجتمع. لاجل الخلاص من ذاك المستنقع المغرق يجب بلورة استراتيجية مركبة، الهدف المسؤول عنه المستوى السياسي.  ان الفجوة في الموضوع تجسد أيضا لماذا من الحيوي الدفع قدما بتحقيق واسع وثاقب. وذلك ليس كـ “عمود عار” موجه نحو المسؤولين عن اخفاق 7 أكتوبر بل كاداة وطنية لاستيضاح الخلل الفكري، الامر الذي يسمح بالبدء بإصلاح داخلي متعدد الابعاد. وبدون خطوات كهذه ستواصل إسرائيل خوض حروب الحاضر وفقا لاساليب الماضي وحصد إنجازات عسكرية – لكن الغرق في معارك استنزاف هدامة.

——————————————–

إسرائيل اليوم 22/9/2024

على مسافة خطوة من حرب لبنان الثالثة

بقلم: يوآف ليمور

المحاولة الإسرائيلية لاخراج حزب الله عن التوازن بهدف تغيير الواقع في الشمال توقع ضربات قاسية بالمنظمة في الأيام الأخيرة لكنها لم تؤدي بعد الى الانعطافة الاستراتيجية المرجوة. يبدو أنه رغم الضربة التي تلقاها حزب الله بانه متمسك بسياسته ويبقي المعضلة اذا ما وبأي قدر يشدد الاعمال في الجانب الإسرائيلي في ظل خطر دائم للتدهور الى معركة شاملة لا يزال الطرفان يسعيان للامتناع عنها.

فتصفية إبراهيم عقيل اول امس استمرارا لهجمة أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال المنسوبة لإسرائيل تدل على قدرة استخبارية وعملياتية مبهرة وعلى استعداد إسرائيلي لاخذ مخاطر كبيرة بمجرد الهجوم في بيروت. في المرة الأخيرة التي هاجمت فيها إسرائيل العاصمة اللبنانية، في تموز الماضي، في تصفية فؤاد شكر الذي كان الشخصية العسكرية الأعلى في المنظمة، كانت ردا على قتل 12 طفلا في مجدل شمس وليس كجزء من تغيير السياسة كما يجري الان.

واضح أن إسرائيل ترفع عن قصد الرهان إزاء حزب الله وتسعى الى حشره في الزاوية كي يصل الى اتفاق يسمح بابعاد رجاله عن الحدود وإعادة سكان الشمال الى بيوتهم. هذا خط كفاحي يختلف جوهريا عن الطريقة المنضبطة والحذرة التي اتبعتها إسرائيل حتى الان وتنطوي على فضائل ونواقص على حد سواء.

فضائلها البارزة هي استعادة إسرائيل للمبادرة، في الغاء سياسة المعادلات في الشمال للمناطق وطرق العمل المحددة والمحصورة وفي نزع ذخائر ذات مغزى من ايدي حزب الله. اما نواقصها فهي في إضاعة أوراق كان يفترض ان تستخدمها إسرائيل في الحرب، واساسا في إمكانية ان تحشر المنظمة في الزاوية وتبدأ حربا شاملة تكون اثمانها جسيمة في الجانب الإسرائيلي أيضا.

يبدو أن نصرالله في هذه الاثناء يمتنع عن ذلك. الإحساس الفوري هو رؤية عدم الرد الفوري من جانبه علامة ضعف. لكن يمكن تفسير الأمور بشكل مختلف أيضا. فبينما تبحث إسرائيل عن نتائج هنا والان كي تغير الواقع في الشمال، مريح لحزب الله بالذات ان يبقي الواقع كما هو – بمعنى ان يحتمل ثمن الضربة القاسية بالرجال وبالممتلكات والتي تفسر لديه كضرر تكتيكي أليم لكن محتمل على أن يبقي الإنجاز الاستراتيجي المتمثل بـ “احتلال” الجليل الذي يعد من ناحية إسرائيل امرا لا يطاق.

وكان نصرالله قال هذا بطريقته في الخطاب الذي القاه يوم الجمعة وأوضح فيه بان حزب الله سيواصل العمل على اسناد غزة، أي ان المحاولة الإسرائيلية لفصل الساحات لن تنجح. وحتى الهجمات المكثفة التي تلقاها الجليل في اثناء السبت كانت محاولة واضحة للاظهار بان اعمال إسرائيل الأخيرة لم تحرف حزب الله عن طريقه. ومع ذلك قرر نصرالله ان يرفع قليلا مبلغ الرهان من جانبه أيضا، حين استعدت منظمته لتوسيع النار الى منطقة حيفا والخليج – ما أدى امس الى تغيير في تعليمات الدفاع لسكان المنطقة.

وبذلك، ومع أنه يوجد في حالة دفاع واضحة في الأيام الأخيرة على خلفية الضربات التي تلقاها، يبقى حزب الله يده هي العليا وإسرائيل مطالبة بان تقرر كيف ستعمل لاحقا. وذلك بينما في الخلفية معركة لا تزال تجري في غزة وعمليات مكثفة في الضفة، وبينما تمارس عليها ضغط دولية شديدة – وأساسا من جانب الولايات المتحدة وفرنسا – للامتناع عن التصعيد في الشمال.

اتفاق او تصعيد

يخيل أن التهديد الأكثر فاعلية الذي يمكن لإسرائيل أن تستخدمه الان هو اجتياح بري لجنوب لبنان ينزع من حزب الله لقبه الاغلى: “درع لبنان”. صحيح أن الجيش الإسرائيلي ألمح في الأيام الأخيرة في سلسلة منشورات رسمية بان الاستعدادات للمعركة البرية استكملت لكن المعضلة هنا واضحة على خلفية اثمان الحرب (التي استعد حزب الله لها على مدى سنين في ظل تحصين المجال القروي في شمالي الحدود)، التخوف من الشتاء المقترب وبالطبع الامكانية الواقعية في أن عملية برية ستخرج حزب الله عن التوازن وتؤدي الى معركة شاملة، ترتبط بها ايران والميليشيات التي تعمل بتكليف منها في سوريا، في العراق وفي اليمن أيضا.

في قيادة المنطقة الشمالية يدفعون منذ بضعة اشهر لمثل هذه الخطوة، التي كبحها حتى الان المستوى السياسي. يخيل أن إسرائيل لا تزال تمارس اعمالا مضادة لا تتضمن أرجل واضحة على الأرض، أي انها ستواصل محاولات نزع ذخائر ذات مغزى بالرجال وبالسلاح من حزب الله.

محظور الاستخفاف بهذه الضربات التي وزنها ثقيل في منظمة مركزية جدا كحزب الله. فقد تولى عقيل منصبه الحالي نحو 20 سنة وشكل بؤرة معرفة ذات مغزى والانبوب الذي عبره فعّل حزب الله نشاطه العملياتي. ولا بد ان تصفيته تصعب الأمور على المنظمة في سياقات التخطيط والتنفيذ للعمليات بل وتنزع من نصر الله مستشارا قريبا ومخلصا، لكن هذه ليست خطوة محطمة للتوازن.

ومع ذلك، من المسلي أن نفكر بنصرالله المغرور والواثق بنفسه ينظر حوله بقلق على خلفية هجمة البيجر التي أحرقت أيضا محيطه القريب وعلى خلفية تصفية كبار رجالات منظمته. معقول انه يفحص الان كل شيء وكل شخص بتخوف وباشتباه وذلك أيضا بقلق عما ستكون الخطوة الإسرائيلية التالية وانطلاقا أيضا من نظرة انانية الى نفسه كمن كفيل بان يتعرض في وقت ما الى هجمة مشابهة. افضل خبراء علم النفس في الموساد وشعبة الاستخبارات ينشغلون الان في تحليل تأثير هذه الاحداث عليه في محاولة للفهم اذا كان ستشجعه على الاتفاق او التصعيد.

 

 

العودة للاهتمام بالامر الأساس

في هوامش هذه الأمور، ثلاث ملاحظات واجبة: الأولى هي عن طريقة اتخاذ القرارات. فالخطوات الأخيرة لإسرائيل، الكفيلة بان تؤدي الى حرب شاملة تستوجب منظومة اتخاذ قرارات أوسع في القيادة السياسية من منظومة الثنائي نتنياهو – غالنت (مع ضم رون ديرمر وبشكل جزئي إسرائيل كاتس). حسب القانون، فان المخول في أن يأمر بشن الحرب هي الحكومة، التي حرمت من صلاحياتها ومن مسؤوليتها أيضا.

الملاحظة الثانية هي عن وزير الدفاع. مدهش التفكير بان في الأسبوع الماضي فقط كان نتنياهو يوشك على ان يأمر بإقالة غالنت كي يعين محله جدعون ساعر في خلطة سياسية. مدهش اكثر التفكير انه من ناحية نتنياهو التنحية والتعيين لا يزالان على جدول الاعمال في نهاية الأسبوع. خير فعل ساعر حين صفى امس الفكرة وخير تفعل إسرائيل الان اذا ما عادت للاهتمام بالامر الأساس – الحرب ضد حزب الله – وليس بالخلطات السياسية وبالمناورات النتنة.

الملاحظة الثالثة هي عن المخطوفين. 101 إسرائيلي احياء واموال لا يزالون محتجزين في غزة، دون حل في الأفق. دخول الولايات المتحدة الى المصاف الأخير في السباق المتلاصق للانتخابات يقلص بشكل طبيعي مدى الانتباه الذي للإدارة للعمل على صفقة، فيما أن مصر وقطر أيضا تجران الارجل احباطا أو يأسا – إسرائيل بقيت وحدها بدون جواب على التحدي الأهم الذي تقف امامه: كيف تعيد المخطوفين الى الديار.

——————————————–

حركة “الهيكل الثالث” ستقضي على “إسرائيل”

بقلم: غايلز فريزر

إيتمار بن غفير وآخرون يُخطّطون سراً لبناء هيكل ثالث، ولديهم هدف طويل الأجل هو تسوية المسجد الأقصى بالأرض وبناء هيكل يهودي مكانه. وهؤلاء هم شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي ويديرون “إسرائيل” سوياً.

موقع “Unherd” البريطاني ينشر مقالاً للكاتب غايلز فريزر، يتحدث فيه عن خطة حركة “الهيكل الثالث” الإسرائيلية، لبناء هيكل في مدينة القدس، والتي وصفها بأنّها ستدمّر “إسرائيل”.

قد تكون البلدة القديمة في مدينة القدس أخطر قطعة أرض في العالم. ساحة مُرتفعة في الفضاء المفتوح يُسمّيها سُكّانها من المسلمين الحرم الشريف، فيما يطلق عليها اليهود المستوطنون اسم جبل الهيكل، والغارقون في خرافات تاريخية تستغلها مجموعات من المتطرّفين اليهود لأهداف كارثية حتماً.

زادت قداسة المدينة مع الفتح العربي للقدس، حيث تمّ بناء المسجد الأقصى قبل 13 قرناً، وكان المسلمون يديرون التلّ، إلى أن احتلّها الإسرائيليون خلال حرب العام 1967، ورفعوا العلم فوق الحرم القدسي، إلى أن أمر وزير الدفاع موشيه ديان جنوده بإنزال العلم، وأعلن ذلك بوسائل الإعلام خوفاً من إشعال النار في المنطقة، وعرف ديان أنّ خطوة السيطرة الكاملة على القدس بعيدة المنال، لأنّها تعد أقدس موقع على وجه الأرض للمسلمين، ولا يمكن ابتلاعه بمزاعم توراتية.

حتّى يومنا هذا، تُدار البلدة القديمة في القدس من قبل الأردن. حتّى الحاخامات كانوا قانعين بمنع اليهود من تسلّق التلّ. فالمكان المقدّس للغاية بالنسبة لهم، لا بدّ من تطهيره بشكل صحيح وفقاً للعادات القديمة، فإنّ فعل المشي في الموقع يُشكّل عملاً من أعمال التدنيس. وفي الأسبوع الماضي، أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بياناً مباشراً جدّاً لمجلس الوزراء الأمني بأنّه لم يحدث أيّ تغيير في الوضع الراهن في ما يتعلّق بالحرم القدسي ولن يحصل. فحتّى نتنياهو يُدرك جيّداً مدى خطورة هذا الأمر، لكن حقيقة أنّ رئيس الوزراء شعر بأنّه مضطر لتوضيح موقف “إسرائيل” فالأمر مُقلق بما فيه الكفاية بالنسبة إليه.

لقد كان هناك دائماً يهود يعتقدون أنّه حتّى يُعاد بناء الهيكل، الله لن يتصرف بإحسان تُجاههم. وهؤلاء يشكّلون حركة تحت اسم “حركة الهيكل الثالث”، وهي مُوجودة مُنذ فترة طويلة كهامش مُتطرّف، لكنّها نشطت في السنوات الأخيرة بشكل متزايد.

الحاخام المولود في الولايات المتّحدة يهودا غليك والبارز بين زعماء الحركة المتطرّفة، اعتُقل سابقاً لمحاولته الصعود إلى الحرم القدسي للصلاة، لكن الآن هو يسير هناك بحرّية مع مجموعات من المستوطنين، تحميهم الشرطة نفسها التي كانت ستعتقلهم ذات مرّة، وتُشجّعهم على أعمالهم الشائنة من أعلى مُستوى في الحكومة. ويصرخ هؤلاء الآن بشعارات كانوا يُتمتمونها بهدوء من قبل. وكما قال عضو الكنيست إسحق بيندرس في وقت سابق من هذا العام: “نأمل أن يتمّ بناء الهيكل الثالث قريباً، وأن نكون قادرين على تناول الطعام هناك من ذبائح عيد الفصح”.

الوقح بين هؤلاء هو إيتمار بن غفير، الوزير في حكومة نتنياهو ورئيس حزب عُنصري مُتطرّف، يُوزّع السلاح على المستوطنين، ويضع خلف مكتبه صُورة للقاتل الجماعي باروخ غولدشتاين على جداره، ويعمل بالوسائل كلّها كي يضع العلم الإسرائيلي على الحرم القدسي. ومُنذ تولّيه منصبه، زار بن غفير الموقع 6 مرّات على الأقلّ، وبعد سؤاله بتكرار عمّا إذا كان يُريد بناء كنيس يهودي مكان الحرم، اعترف بن غفير بأنّه سيفعل ذلك، لكنّ أعضاء في الحكومة أقلّ تطرّفاً منه سارعوا إلى مُعارضته. وقال وزير الدفاع يُوآف غالانت إنّ “تحدّي الوضع الراهن في الحرم القدسي هو عمل خطير وغير ضروري وغير مسؤول، وتصرّفات بن غفير تعرّض الأمن القومي للدولة للخطر”. ووصف الأمر رئيس جهاز “الشاباك” بأنّ “تصرّفات بن غفير ستؤدّي إلى الكثير من إراقة الدماء، وستغيّر وجه دولة إسرائيل إلى درجة لا يمكن التعرّف عليه بعدها”.

ومع ذلك، أفاد مقال في صحيفة “هآرتس” بأنّ بن غفير وآخرين يُخطّطون سراً لبناء هيكل ثالث، وفقاً لتعليمات دينية كما يزعمون، وكلّ ما يتطلبه الأمر شخص يتمتّع بالطهارة كي يتّجه إلى بدء مُهمّة إعادة بناء الهيكل. وقد كان حفل التطهّرِ القديم يستوجب حرق بقرة حمراء، أمّا اليَوْمَ فتربّى العجول ويُبنى المذبح، ويجنّد الكهنة، حيث يتجمّع المتطرّفون أوّلاً للصلاة، وبهدف طويل الأجل هو تسوية الأقصى بالأرض وبناء هيكل يهودي مكانه. وهؤلاء هم شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي يديرون “الدولة” معاً.

———-