افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 24/9/2024
هل ترامب جيد لاسرائيل؟ هو سيء لليهود ولاسرائيل ايضا
بقلم: عوزي برعام
دونالد ترامب هو شخص قاس وغير متطور. لا توجد له زلة لسان، جميع خطاباته هي مجموعة من زلة اللسان. تصريحاته هي تصريحات هاوي سياسي لم يكن ليجتاز امتحان التربية المدنية أو السياسة الحديثة في كلية نائبة في الاباما.
عندما يقوم بمهاجمة خصمته، كمالا هاريس، فانه لا يحاول تحدي قيمها التي تعارض القيم التي جاء ليمثلها. هو يريد تصويرها كمؤيدة لحماس والاسلام، وككارهة لاسرائيل. كل ذلك بأقوال “حازمة” لمرشح يمكن أن ينتخب كرئيس للولايات المتحدة في تشرين الثاني القادم.
ترامب يجد صعوبة في اختيار الكلمات. فهو يقول ما في قلبه. وبين حين وآخر، عندما يشعر بأنه يجتاز الخطوط الحمراء، يتوقف للحظة وبعد ذلك يواصل الاندفاع بسرعة. اذا كانت كمالا هاريس تقول بأنه اذا هزمت في هذه الانتخابات بسبب اليهود فان ابواق اليمين ستطلق هتافات الفرح وتتهمها بأنها استسلمت للتقدميين الذين يؤججون الجامعات. وهي ايضا مدانة بمعاداة السامية التي تنشأ من معاداة اسرائيل.
ترامب يقول هذه الاقوال لأنه هكذا يتحدث. هو يرضع من ثدي لاساميين يوجدون عميقا في اليمين الابيض، اليمين الذي يحب السلاح والذي تربى على كراهية اليهود واقام حزام من المنظمات اللاسامية المؤيدة لترامب. هم يؤمنون من اعماقهم بأن اليهود يسيطرون على كل المجالات في الولايات المتحدة.
ترامب يتظاهر بالغباء في الوقت الذي فيه معظم يهود امريكا يديرون ظهورهم له. فهو لا يمكنه معرفة لماذا يفضلون كمالا هاريس عليه، ولا يمكنه الاعتقاد بأن معظم اليهود موالين لدولتهم الليبرالية والتي تحترم القانون، وأنهم لن يصوتوا لمرشح يمثل كل ما يكرهونه.
نحن لم نستيقط بعد من اقواله حول خطيئة اليهود وهو يعلن بوجهه الاحمر وبشكل قاطع: اذا تم انتخاب كمالا هاريس فان دولة اسرائيل ستدمر. ومؤيدوه في اسرائيل يصمتون. هم لا ينبسون ببنت شفة في الوقت الذي يعرض فيه اسرائيل ليس كذخر استراتيجي، بل كعبء ثقيل يحتاج الى انعاش من قبله كالرئيس القادم.
ترامب جيد لاسرائيل في نظر الكثير من الاسرائيليين. هم لا يتعمقون في معنى اقواله لأنهم يشعرون أنه سيدعم اسرائيل بدون قيود. هو لن يدقق في المساعدات الانسانية لسكان قطاع غزة، ولن يهتم بالترتيبات الامنية. هو سيكون قوي وحازم في دعم اسرائيل. ولكن حزب ترامب يؤيد الانفصال. ومشكوك فيه أنه كان سيرسل حاملات الطائرات الى البحر المتوسط لردع ايران، لأنه في نهاية المطاف لا يريد تورط امريكا بشكل مباشر في أي نزاع دولي.
حتى الآن ما زال يطرح سؤال كيف لجمهور واسع يسير وراء مرشح يحاول تفسير اضرار الهجرة الى الولايات المتحدة بالقول إن المهاجرين يأكلون الحيوانات الاليفة الموجودة لدى جيرانهم. الابتذال والوحشية تجعل من المستحيل تأييد مثل هذا المرشح حتى لو كان من خريجي مدرسة دينية.
ترامب هو أمل الذين يؤمنون بالقوة الوحشية، ولا يستوعبون أننا لسنا أكثر من نقطة يهودية صغيرة في الشرق الاوسط العربي. لا توجد لنا أي احتمالية للوجود إلا باتفاقات سلام (مرفقة بقوة الردع)، والى جانب ذلك، كيف يمكن تأييد مرشح يقول “أنا الشخص الاكثر شعبية في امريكا، اكثر من الفيس بريسلي”.
——————————————–
هآرتس 24/9/2024
بدون تصريح عمل في إسرائيل العمال من الضفة بحاجة الى مصدر رزق
بقلم: جاكي خوري
خلال عشرين سنة اعتاد أبو صالح الذهاب كل صباح للعمل في اسرائيل والعودة في المساء الى بيته في قرية سالم قرب جنين. في السنوات الاخيرة عمل في شركة للصيانة في مركز البلاد، التي وفرت له ظروف اجتماعية وراتب جيد نسبيا مقارنة مع الراتب المتوسط في الضفة، 6 آلاف شيكل شهريا. يضاف الى هذا المبلغ مقابل اعمال البناء التي كان يعمل فيها بين حين وآخر، وهكذا قام باعالة زوجته واولاده الاربع ووالديه المسنين. هكذا كان الامر حتى 7 تشرين الاول الماضي. ولكن عندما هزت مذبحة حماس المجتمع الاسرائيلي، حياته تغيرت ايضا.
“في 8 تشرين الاول كل شيء توقف دفعة واحدة”، قال أبو صالح ووصف (49 سنة) ماذا حدث عندما منعت اسرائيل دخول العمال الفلسطينيين. ومنذ ذلك الحين هو لا يستطيع كسب الرزق، مثل عشرات آلاف الفلسطينيين الآخرين. هناك عمال يدخلون الى اسرائيل ويعملون بشكل غير قانوني. ولكن أبو صالح يقول بأنه لا يريد فعل ذلك. “في عمري أنا لا استطيع السماح لنفسي بارتكاب خطأ مثل الدخول الى اسرائيل بشكل غير قانوني”، قال. “اذا قاموا باعتقالي فسيسحبون تصريح العمل. وأنا يجب علي اعالة سبعة اشخاص”. في هذه الاثناء هو على صلة مع مشغله الاسرائيلي، ويسأله متى يمكنه العودة الى العمل. “أنا لا احصل على أي جواب. يقول لي انتظر”، قال.
فرصة أبو صالح في العثور على مصدر رزق بديل في الضفة الغربية هي فرصة ضئيلة بسبب سوق العمل المقلص ونسبة البطالة المرتفعة، والتي تفاقمت بسبب الغاء معظم تصاريح العمل في اسرائيل. نسبة البطالة في الضفة ارتفعت من 23 في المئة في السنة الماضي الى 42 في المئة الآن. “أنا لا أعرف ماذا سأعمل الآن وكيف سأواجه الوضع”، قال بقلق. “هنا وهناك أنجح في ايجاد عمل بأجرة 100 شيكل في اليوم. واحصل على مساعدة من صديق، احيانا نقوم ببيع خروف أو اثنين. كانت لي بعض التوفيرات ولكني استخدمتها. أنا في حالة يأس”، لخص وضعه.
حتى الحرب كان لـ 150 ألف فلسطيني في الضفة تصاريح عمل في اسرائيل. 110 آلاف من بينهم عملوا في اسرائيل و40 ألف في المستوطنات. اضافة اليهم، حسب التقديرات، عمل في اسرائيل بشكل غير قانوني حوالي 40 ألف فلسطيني، الى أن تم اغلاق الثغرات في جدار الفصل قبل سنة من الحرب. في 7 تشرين الاول منعت اسرائيل دخول العمال الفلسطينيين، ولكنها سمحت بدخول حوالي 8 آلاف فلسطيني للعمل في فروع حيوية مثل الغذاء والدفن والنظافة. حسب التقديرات فان حوالي 45 ألف فلسطيني من الضفة يعملون الآن في اسرائيل بدون تصاريح عمل.
خبير في الاقتصاد الفلسطيني، لم يرغب في ذكر اسمه لأنه غير مقبول في الاوساط الفلسطينية اجراء مقابلات مع وسائل الاعلام الاسرائيلية اثناء الحرب، شرح تأثير المنع على سكان الضفة. وحسب قوله فان حوالي 190 ألف من العمال الذين عملوا في اسرائيل اعالوا حوالي مليون شخص، حيث أنه في الضفة يوجد بالمتوسط خمسة افراد في العائلة. وحسب تقديره فان مداخيل عملهم التي دخلت الى السوق الفلسطينية بلغت 1.4 مليار شيكل في الشهر. حظر دخول العمال الى اسرائيل، كما يقول، زاد نسبة العاطلين عن العمل في الضفة بصورة ضعضعت كل الاقتصاد.
“الاقتصاد الفلسطيني في الاصل محدود جدا، واقتطاع مثل هذا المبلغ مرة واحدة يعتبر ضربة قاضية بكل المقاييس”، قال خبير الاقتصاد. وحسب قوله فان التأثيرات لا تضر فقط العامل الذي لا يحصل على راتب وابناء عائلته فقط، بل هي تضر بالجميع – بائع الخضار، اللحام وسائق التاكسي – الذين سيحصلون على دخل اقل لأنه لا يوجد لدى الجمهور اموال من اجل دفعها لهم. “هذا يؤثر حتى على القدرة على شراء البضائع من السوق الاسرائيلية. لأن معظم السوق الفلسطينية تعتمد على البضائع الاسرائيلية، وهكذا فان التجار الاسرائيليين يتضررون ايضا”، قال.
مصلحة امنية
منع دخول العمال الفلسطينيين اوجد نقص كبير في عمال فرع البناء في اسرائيل، الامر الذي أدى الى الضغط على المقاولين وشركات القوة البشرية من اجل استبدالهم بعمال من دول اخرى. محاولات فعل ذلك لا تثير القلق الحقيقي في اوساط الفلسطينيين الذين فقدوا اماكن عملهم. “هذه هراءات”، قال للصحيفة أبو احمد، وهو احد سكان نابلس في الاربعينيات ويعمل في البناء. “لا يوجد عمال لديهم خبرة مثل الفلسطينيين، الجميع يعرفون ذلك، حتى اصحاب الشركات والمقاولين الاسرائيليين. سيجلبون لشهر أو شهرين عمال من دول اخرى بتكلفة مرتفعة، وانتاج هؤلاء العمال سيكون منخفض وكل شيء سينهار”.
ايضا في اوساط الخبراء الفلسطينيين هناك من يعتقدون بأن محاولة استبدال العمال الفلسطينيين بعمال اجانب لن تنجح لفترة طويلة. موظف رفيع في السلطة الفلسطينية يربط تشغيل الفلسطينيين ايضا بالمصالح الامنية لاسرائيل. “ربما أن الحكومة الحالية ارادت التسبب بانهيار السلطة الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني، لكن عمليا كل حكومات اسرائيل حتى الآن اعتبرت تشغيل العمال الفلسطينيين قضية أمن وطني، لأن هذا يجلب للفلسطينيين مصدر رزق ويمنع الانهيار الاقتصادي، الامر الذي لا يفيد فقط العمال، بل كل السوق الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني”.
حسب نفس الموظف الرفيع في السابق حاولت اسرائيل استبدال العمال الفلسطينيين بعمال اجانب، لكن هذه المحاولة فشلت، بسبب التكلفة المرتفعة على المشغلين الاسرائيليين. واشار هذا المصدر الى أن “العمال الاجانب يريدون الحصول على رواتبهم بالدولار من اجل تحويله الى عائلاتهم في دول اخرى، في حين أن العمال الفلسطينيين يحصلون على الراتب بالشيكل، الذي يستخدمونه في مناطق السلطة الفلسطينية، وهكذا فان الاموال تبقى في نفس الدائرة”.
رغم التأكد من أن تشغيل العمال الفلسطينيين هو في مصلحة اسرائيل، إلا أن هناك من لا ينوون الانتظار الى أن تغير الحكومة الاسرائيلية سياستها. فقرروا محاولة اكتساب مهنة في مجال جديد. محمد ثابت من قرية بيت دجن في شرق نابلس قال إنه حتى اندلاع الحرب كان يدخل 250 – 300 عامل من سكان قريته الى اسرائيل، 50 في المئة من الرجال في القرية، التي عدد سكانها 4500 نسمة. منذ 7 تشرين الاول اضطر هؤلاء العمال الى ايجاد مصدر رزق بديل، وهناك من يحاولون العمل في الزراعة.
“نحن بدأنا في زراعة الخضراوات في دفيئات في القرية، وهذا الامر نجح. نحن نزرع الخيار والبندورة وخضراوات اخرى ونقوم ببيعها في سوق القرية أو في نابلس. هذا يجلب دخل جيد نسبيا، وهناك عدد غير قليل من العمال يريدون الحفاظ عليه حتى بعد ذلك ولن يتنازلوا عنه، لأن هذا الامر اثبت بأن الزراعة هي مصدر مهم للرزق”، قال ثابت. مع ذلك، ثابت اعترف بأن الحل الذي وجده سكان بيت دجن لا يناسب جميع العمال الذين فقدوا اماكن العمل في اسرائيل، لأنه لا يوجد للجميع اراضي زراعية أو قدرة على العمل في هذا الفرع.
الصعوبة في العمل بشكل منظم في الضفة تنبع ايضا من القيود على حركة الفلسطينيين ومن القرارات الاعتباطية للجنود في الحواجز، الذين احيانا يقومون بتأخير العمال حتى لو أنهم غير مشتبه فيهم. أبو يوسف، أحد سكان نابلس (53 سنة)، قال للصحيفة بأنه فقط قبل اسبوعين عندما اراد أن يخرج من نابلس فقد اضطر الى الانتظار ساعتين ونصف على الحاجز بعد أن قرر جنديان في الحاجز تأخير الجميع.
“لم تكن هناك أي حادثة أمنية أو أي شيء قبل ذلك. أنت ترى في عيون الجنود بأنه مجرد هم يريدون تجفيفنا تحت اشعة الشمس، أو أن هناك أحد ما طلب منهم فعل ذلك”، قال بغضب. “كيف يمكن التنقل بين المدن والتحدث عن العمل والتجارة في مثل هذا الوضع؟ الناس يشعرون أنه يتم اذلالهم وقمعهم اكثر. هل تعتقد أن هذا سيفيد أمن الاسرائيليين؟ اذا لم يكن عمل في اسرائيل، ولا يوجد عمل في الضفة، فانه لا يوجد لنا أي أفق، الامر الذي لا يساعد في أمن أي أحد”، لخص الوضع.
——————————————–
إسرائيل اليوم 24/9/2024
حرب في رقصة خطيرة: خطوة الى الامام، خطوتين الى الوراء
بقلم: تسفيكا حايموفيتش
سلسلة العمليات الهجومية للجيش الإسرائيلي ضد حزب الله – وبينها تصفية قادته، فؤاد شُكر وإبراهيم عقيل، في هجمات مركزة في قلب بيروت، وعمليتا الوعي/السايبر المركزتان على أجهزة اتصال نشطائه – أدت بنصرالله لان يعترف، في خطابه يوم الخميس الماضي بان منظمته تلقت ضربة اقسى منذ قيام حركة المقاومة.
إزالة تهديد الرد امس من قبل الجيش الإسرائيلي أعطت أيضا إشارة البدء لحزب الله، بخلاف نية الرد السابقة لديه في 25 آب. ينبغي القول ان إسرائيل دفعت المنظمة الى موقف كان الرد الذي نشهده في اليوم الأخير محتما.
رغم التدهور وبعض من “كسر المعادلات” غير المكتوبة التي رافقتنا هذه السنة يمكن وينبغي القول ان اليوم أيضا يحاول الطرفان، إسرائيل من هنا وحزب الله من هناك الحفاظ على حدود (جديدة) تمنع في هذه المرحلة الدخول الى حرب شاملة. إسرائيل تقيد الأغلبية الساحقة من هجماتها في منطقة جنوب لبنان، ورد حزب الله يبقى في مجال خط حيفا – طبريا شمالا (بالمناسبة مجال المواجهة إياه من حرب لبنان الثانية).
لا تعمل منظمة الإرهاب حتى الان في نطاقات القدرة التي لديها. لا في رشقات قوية جدا (في وسعها أن تطلق رشقات من مئات الصواريخ في الساعة) ولا بالسلاح الصاروخي الدقيق. بتقديري هذا هو السبب الذي لم يجعلها حتى امس تطلق الى جنوبي حيفا (غوش دان، بنى تحتية وطنية جنوب حيفا، الخضيرة وغيرها). هي تعرف أن عملا كهذا كفيل بان يؤدي الى اعلان حرب وخروج تام عن مسيرة متحكم بها، مثلما يبدو الحال في هذه النقطة الزمنية.
فتح العيون والقدرات
في حالة نتيجة لا يكون بوسع إسرائيل ان تمر عليها مرور الكرام، من شأن الواقع ان ينقلب دفعة واحدة. وبالتالي فان مهمة الدفاع الجوي في هذه الأيام الحرجة مزدوجة: من جهة احباط وتقليص الإصابات في أراضي إسرائيل، وحتى الان تم هذا بشكل باعث على التقدير. من جهة أخرى، السماح للمستوى السياسي بان يتحكم بمستويات التدهور انطلاقا من القوة وليس انطلاقا من الاضطرار او الضعف. هذه نقطة قوة هامة لدولة توجد لها هذه القدرات.
الى جانب ذلك يجدر بالذكر كل الوقت بان المعركة الجنوبية لا تزال جارية و “مفتوحة” – حتى في سياق منحى المخطوفين الذين توجد فيه في هذه اللحظة، وكذا في سياق التفضيل الذي قررته الحكومة ولم تغيره بين الساحات (في هذه اللحظة هذا عبء رسمي يجدر حله).
بغض النظر، في اليوم الأخير أيضا نشهد معنى الحرب متعددة الساحات، وحدة الساحات والتضامن بين ايران ووكلائها – حقيقة تستوجب من جهاز الامن فتح العيون وانعاش القدرات في الساحة الأخرى أيضا.
بتقديري، تحدي الساحات من الشرق ومن الجنوب سيستمر طالما تعمقت المعركة في لبنان. عندما نرى هجمات الجيش الإسرائيلي تتسع شمالا عن منطقة جنوب لبنان، وحزب الله يطلق ويفعل قدرات من جنوب مجال حيفا والسهول، سنعرف أننا في حرب شاملة. نأمل ان يكون المحتم لا يزال غير محتم، رغم أيام التصعيد والمعركة التي نشهدها.
——————————————–
هآرتس24/9/2024
بعد اشهر على الاقوال المتغطرسة الدولة تعرض حماس كمنظمة تدير قطاع غزة
بقلم: توم مهاجر
في هذا الوقت الاكثر مصيرية بالنسبة لدولة اسرائيل، لا يوجد لديها أي فكرة عن توجهها. الحكومة والجيش يوجدون في نوع من “ارض الحرام” من ناحية سياسية واستراتيجية، ولا يستطيعون توفير اهداف قابلة للتحقق في هذه الحرب التي لا نهاية لها. في ظل غياب اتخاذ قرارات جريئة، بالاساس صفقة لتحرير المخطوفين ووقف اطلاق النار، فان كل الحرب هي نوع من التجربة والخطأ في افضل الحالات، ولعبة روليت روسية في اسوأ الحالات.
مثال ممتع على ضياع اسرائيل يوجد في الرد الذي قدمته الدولة مؤخرا للمحكمة العليا ردا على التماس قدمته “غيشه” ومنظمات حقوق انسان اخرى، والذي طلب فيه من الدولة القيام بواجبها، تحويل المساعدات الانسانية للمدنيين في غزة. ومن اجل التملص من هذه المسؤولية فقد ابلغت الدولة المحكمة العليا بأن حماس الآن هي القوة الحاكمة والقوة العسكرية الناجعة في القطاع.
من ناحية القدرة المدنية لحماس فقد قالت الدولة: “الآن ايضا توجد لدى حماس قدرة على ممارسة سلطة حكومية في القطاع”. واضافت “هذا الامر ينعكس على عدد من المستويات، حيث المستويات الاساسية فيها تتمثل في وضع الخطوط العريضة للسياسة، تفعيل اجهزة الامن واقامة هيئات امن جديدة لمعالجة النظام العام، التي تهدف الى السيطرة على المساعدات وتوجيهها لاحتياجات الحركة وضخ الاموال الى القطاع وتوزيع الرواتب والمساعدات”. على الصعيد العسكري كتب أن “القدرات العسكرية لحماس لم يتم انهاءها حتى الآن، والمواجهات العنيفة تستمر، لا سيما ازاء عودة حماس الى العمل في المناطق التي انسحب منها الجيش الاسرائيلي واعادة بناء قدراتها في فضاء جديد”.
بعد اشهر كثيرة من الاقوال المتغطرسة عن “الانتصار المطلق” و”على بعد خطوة من الانتصار”، فان اسرائيل تعترف رسميا بأنه ليس فقط هي بعيدة عن هزيمة حماس، بل ان حماس تنجح في اعادة سيطرتها على المناطق التي انتهى فيها القتال. من يجب علينا أن نصدق، هل العناوين في وسائل الاعلام حول تصفية الكتائب وفقدان حماس لقدراتها، أو التقرير الذي تم تقديمه للمحكمة حول منظمة ما زالت تنشط عسكريا وتضع السياسة وتدفع الرواتب؟.
من غير المؤكد أنه يوجد أي جواب صحيح. ولكن مهم فهم مصدر التناقض بين الروايتين المختلفتين لاسرائيل، وعد الجمهور الواسع من قبل الحكومة والقيادة العسكرية العليا بأن “الضغط العسكري” سيؤدي الى صفقة التبادل، وأن حماس في طريقها الى الهزيمة في القطاع. ولكن اذا حدث ذلك ولم تعد قوة تحكم في القطاع فان اسرائيل ستسأل من هو المسؤول عن وقف الكارثة الانسانية. وبعد ذلك، بما أن اسرائيل تحاول التملص من المسؤولية عن الكارثة التي اوجدتها، ستقول للمحكمة العليا، لا سيما للمجتمع الدولي والمحكمة في لاهاي، بأن حماس ما زالت الهيئة الحاكمة والناجعة. وبالتالي، ما هو هدف الحرب في غزة اذا كانت اسرائيل بحاجة الى حماس في السلطة؟.
بسبب ذلك بالضبط فان الحديث يدور عن حرب زائدة. اسرائيل تجد نفسها متهمة بارتكاب الجرائم الاكثر خطورة، وهي اكثر من مرة كانت على شفا حرب اقليمية كارثية على خلفية قرار استخدام القوة الزائدة بدون أي قيود أو منطق أو خطة للخروج. في موازاة ذلك فان المخطوفين يموتون ويقتلون في الانفاق، واسرائيل تفقد مناطق في البلاد التي يتم قصفها واحراقها، وقتل المدنيين والجنود اصبح روتين. في هذا الوضع فانه كلما مر الوقت سنتعرض لاخطار آخذة في الازدياد.
هذه الورطة السياسية والعسكرية التي وجدت اسرائيل نفسها فيها يمكن الفهم منها كيف اصبحت حقوق الانسان والدفاع عنها (أو على الاقل خرقها الشديد) عامل مهم في النزاعات الدولية. في اعقاب السلوك الوحشي لاسرائيل فقد اصبحت امام ثلاثة اجراءات قانونية في المحاكم في لاهاي: دعوى جنوب افريقيا في محكمة العدل الدولية، الرأي الاستشاري لهذه المحكمة في موضوع عدم قانونية سياسة اسرائيل في المناطق المحتلة وبما في ذلك قطاع غزة، طلب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، كريم خان، اصدار أوامر اعتقال لبنيامين نتنياهو ويوآف غالنت.
من المحتمل أن هذه الخطوات ستؤدي الى فرض عقوبات دولية. ورد الدولة على المحكمة العليا يولد الانطباع بأن الحكومة في اسرائيل تدرك ذلك. لذلك، النيابة العامة مضطرة الى اطلاق ادعاءات سخيفة بهدف التملص من المسؤولية عن الكارثة الانسانية. في الساحة الاسرائيلية ربما ينجح ذلك، لكن مشكوك فيه أن هذه الادعاءات ستصدقها الجهات الدولية.
رئيس الحكومة السابق ورئيس حكومة الاستطلاعات الحالية نفتالي بينيت اقترح في السابق “التعايش مع المشكلة الفلسطينية مثل شظية في المؤخرة”. الطريق المسدود الحالي يثبت أنه اضافة الى الجانب الاخلاقي فان السيطرة العسكرية على شعب آخر وخروقات حقوق الانسان الشديدة، توجد لها تداعيات استراتيجية ثقيلة الوزن.
——————————————–
يديعوت احرونوت 24/9/2024،
في الطريق الى حرب اللاخيار
بقلم: افي يسخاروف
ينبغي أن تقال الحقيقة القاسية: حزب الله ورئيسه، حتى بعد سلسلة الضربات القاضية التي تلقاها، لا يعتزم رفع علم أبيض. العكس هو الصحيح. حزب الله سيكون مصمما الان على أن يثبت بانه لا يزال يقف على قدميه وقادر على ان يضرب العدو الإسرائيلي حتى بعد أن أصيب الالاف من نشطائه وصفي رئيسا أركانه الأخيرين الى جانب قيادة قوة الرضوان. حسن نصرالله ليس فقط مفعما بالثأر بل اكثر من كل شيء يبحث عن سبيل لإنقاذ شرفه الضائع وفي الشرق الأوسط كما تعلمنا يوجد معنى للشرف. ومن هنا فان النار نحو إسرائيل لن تتوقف بل العكس ستشتد، وبالتأكيد بعد اكثر من 350 قتيل في لبنان أمس. كما أنها من المتوقع أن تنتقل جنوبا باتجاه المركز.
غير أن هنا نصرالله، ذاك الذي يتباهى بانه يعرف إسرائيل جيدا، يلعب نصرالله لعبة خطيرة واشكالية وهو أيضا يعرف هذا. امين عام حزب الله ما كان يريد حربا شاملة الان، حربا تهز كل لبنان بما في ذلك بيروت، حربا تدفع ايران لان تفقد الأداة الأهم لها في ردع إسرائيل حيال إمكانية ان تهاجم هذه منشآتها النووية. وهو يعرف ان نارا فتاكة اكثر مما ينبغي من شأنها ان تؤدي الى عملية برية واسعة احد لا يعرف كيف ستنتهي، ولا الجانب الإسرائيلي أيضا. نصرالله كان يريد أن يرى إسرائيل توقف النار وتصل الى صفقة مع حماس، لكن في اسرائيل قرروا ان يوضحوا لحزب الله بانه سيدفع ثمنا باهظا جدا، وحتى باهظا اكثر مما ينبغي على أنه ربط مصير حزب الله بمصير يحيى السنوار.
ان الضغط على نصرالله وحزب الله من داخل لبنان في الا يقود الدولة الى احتلال إسرائيلي، كبير. فقد شاهد اللبنانيون مثل كل سكان المنطقة الصور القاسية التي وصلت من غزة في اعقاب الحرب الأخيرة وكانوا يريدون الامتناع عن صور دمار مشابهة. ودولة لبنان على أي حال تقف منذ سنين امام انهيار اقتصادي والان حرب قاسية أخرى، بدأت بعامة بسبب “الاخوان من حماس”، لا تعد شرعية في لبنان. ومنذ أمس بدأ مئات الاف اللبنانيين يفرون شمالا من جنوب لبنان وهكذا أيضا سكان البقاع. لكن الرأي العام في لبنان ليس هاما لنصرالله بهذا القدر. فهو يتعين عليه أن يثبت للشيعة في العالم بعامة وفي لبنان بخاصة بانه لا يتردد في قتال إسرائيل حتى الموت. الوحيدون الذين يمكنهم ان ينزلوه عن الشجرة هم الإيرانيون وهم أيضا يفهمون بانهم لا يمكنهم ان يطلبوا منه الانسحاب الى ما وراء الليطاني، كما تطالب إسرائيل.
الاستنتاج من جملة التطورات الأخيرة، هو انه اذا لم نشهد مفاجآت كبرى، ومثل هذه توجد كل الوقت في الشرق الأوسط، فانه لاجل دفع حزب الله بالانسحاب الى شمال الليطاني ووقف النار على سكان الشمال، ستضطر إسرائيل لان تعمل بريا في لبنان وان تحتل هناك ارضا واسعة. عملية كهذه أيضا لن تؤدي بالضرورة الى وقف تام للنار، لكن يحتمل أن تؤدي بنصرالله لان يفكر في ترتيب كهذا او ذاك. لعملية برية سيكون ثمن باهظ في الجانب الإسرائيلي، بما في ذلك في أوساط القوات المقاتلة في الجبهة وفي الجبهة الداخلية أيضا، حيث سيحاول نصرالله مرة أخرى أن يثبت بانه يواصل اطلاق الصواريخ طالما يستطيع. حرب كهذه من شأنها أيضا أن تورط إسرائيل في وحل لبناني لاشهر طويلة، دون الوصول الى حل. ولا يزال لا يبدو في هذه اللحظة انه يوجد امام إسرائيل خيار آخر. ربما باستثناء واحد. نصرالله الذي سارع كل الوقت لان يدعي بانه يقاتل من اجل الفلسطينيين، كفيل بان يفكر بالانسحاب الى ما وراء الليطاني، اذا ما توصلت إسرائيل الى وقف نار في الجنوب وهكذا تنشأ معادلة جديدة – تنازل نصرالله ظاهرا أدى الى وقف نار في الجنوب او الى منع “النكبة” لغزة. لا يوجد أي يقين في أن تنجح هذه الصيغة، لكن يحتمل أن يكون هذا هو المخرج الأخير قبل حرب برية طويلة وقاسية.
——————————————–
هآرتس 24/9/2024
حرب شاملة، بدون حملة برية حاليا
بقلم: عاموس هرئيلِ
حتى بدون اعلانات رسمية، في هذه الاثناء، فان اسرائيل وحزب الله انتقلا في يوم الاثنين فعليا الى مرحلة الحرب الشاملة. هذه الاقوال تبدو صحيحة حتى لو كان حتى الآن لا يظهر جنود اسرائيليون يجتازون الحدود نحو لبنان، وكذلك حتى وإن لم يطبق حزب الله حتى الآن تهديداته باطلاق صواريخ نحو تل ابيب الكبرى.
التغير الرئيسي في الوضع تبشر به موجة هجمات اوسع لسلاح الجو منذ صباح أمس. حتى الساعة التاسعة مساء نشر من لبنان عن 350 قتيل تقريبا، ومئات المصابين وعدد كبير من مخازن القذائف والصواريخ لحزب الله التي دمرت في عمليات القصف.
هذه ليست ارقام يمكن لحزب الله استيعابها، ايضا الكثير من القتلى هم من المواطنين، وفي المساء هاجم سلاح الجو بيروت في محاولة لتصفية قائد كبير في حزب الله، قائد الجبهة الجنوبية علي الكركي. حزب الله رد باطلاق النار على محيط حيفا، وبعد ذلك على المدينة نفسها ووادي عارة ومستوطنات في الضفة الغربية. ولكن من المرجح الافتراض بأنه سينجر بعد ذلك الى اطلاق صليات اشد في عمق اراضي الدولة. كثيرون في الجانب الاسرائيلي يأملون ذلك ويعتقدون أن هذه بالضبط هي الفرصة لهزيمة حزب الله. في الملخص نحن صعدنا على المسار السريع للحرب حتى لو يبلغونا عن ذلك بشكل رسمي.
في وقت قريب من بداية الهجمات صباح أمس اعلن المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي، دانييل هجاري، بأن سلاح الجو يقصف اهداف عسكرية نشرها حزب الله في القرى في جنوب لبنان، وطلب من السكان الذين يعيشون قربها الاخلاء. في الظهيرة وجه هاجري تحذير مشابه للسكان في البقاع اللبناني. في مرمى الهدف يوجد مشروع بدأ فيه حزب الله قبل حرب لبنان الثانية في 2006 (تعرض لضربة اولى في حينه في عملية “وزن نوعي”) – نشر منهجي لصواريخ المدى المتوسط والبعيد، بعضها دقيق ويعود الى المخزون الاستراتيجي الاهم لحزب الله في قرى في ارجاء الدولة. منصات اطلاق هذه الصواريخ تم وضعها على الشرفات وفي اقبية البيوت استعدادا لاحتمالية الاضطرار الى تشغيلها. الاستخبارات الاسرائيلية جمعت بجهد كبير معلومات عنها، ويبدو أنه منذ صباح أمس تم ضرب هذه الاهداف. وزير الدفاع يوآف غالنت قال مساء أمس بأنه تم تدمير عشرات آلاف الصواريخ والصواريخ الدقيقة.
صدى الانفجارات وتحذيرات هجاري فعلت فعلها. في الظهيرة بدأت حركة جماعية للسكان من جنوب لبنان ومن البقاع نحو منطقة بيروت. الشارع الرئيسي بين صور وبيروت احتلته السيارات التي تتحرك نحو الشمال كل المسارات الستة حتى على حساب المسارات التي تتجه نحو الجنوب. موجة الهجمات الكثيفة التي لم يشاهد مثلها في لبنان منذ الحرب السابقة قبل 18 سنة جاءت استمرارا لاحداث الاسبوع الماضي، هجوم البيجرات المتفجرة واجهزة الاتصال وبعد ذلك تصفية القائد الكبير في حزب الله ابراهيم عقيل و15 قائد في قوة النخبة الرضوان في بيروت.
إن زيادة الضغط العسكري الاسرائيلي تزيد من تخبط رئيس حزب الله، حسن نصر الله. اسرائيل تعلن بأنها تريد الفصل بين جبهة لبنان وما يحدث في قطاع غزة، واجبار حسن نصر الله على وقف النار دون صلة بما يحدث في المواجهة مع حماس. وهي ايضا معنية بابعاد رجال حزب الله الى شمال نهر الليطاني والمس بشكل كبير بالقدرات العسكرية التي راكمها حزب الله لمدة عشرين سنة وعلى رأسها قدرات الاطلاق.
حسن نصر الله في خطابه في الاسبوع الماضي اعلن بأنه لا ينوي التوقف عن الهجمات على طول الحدود، لكن الآن الوضع مختلف، وهو يجب عليه التقرير اذا كان سيستخدم كل ترسانة السلاح الموجودة في حوزته واطلاق صليات ايضا نحو مركز البلاد. مايكل يانغ، محلل في مركز “كارنيغي” في بيروت كتب أمس بأن اسرائيل تريد التسبب في مغادرة جماعية للسكان من جنوب لبنان ومن البقاع. وحسب قوله فان حزب الله قدر بالخطأ أن الاطلاق أمس نحو الكريوت كان خطوة تهديدية بما فيه الكفاية لردع اسرائيل عن مواصلة التصعيد. ولكن تبين أن هذا كان تقدير خاطيء.
“في كل عملية تصعيد فان اسرائيل تصعد اكثر وتخلق معضلة امام حزب الله. واذا استخدم حزب الله الصواريخ الدقيقة فهذا سيقود الى حرب شاملة وتدمير لبنان، وحسن نصر الله سيعتبر المسؤول عن ذلك. حزب الله ومحور المقاومة يجب عليهم اعادة فحص استراتيجية وحدة الساحات المتبعة، والتي سيتم تحييدها اذا تمكنت اسرائيل في كل مرة من التصعيد الى مستوى اعلى”، كتب يانغ. اسرائيل في هذه الاثناء تظهر وكأنها غير مستعجلة للقيام بعملية برية في جنوب لبنان. وحتى الآن لم يتم الاعلان عن تجنيد واسع للاحتياط. الجهود الهجومية هي لسلاح الجو بالاساس. القوات البرية تعمل على الدفاع الى جانب منظومة الدفاع الجوي. هذا بالطبع يمكن أن يتغير لاحقا.
المفاجيء بشكل خاص في هذه الاثناء هو الصمت الامريكي الى مستوى اللامبالاة. مساء أمس اعلن البنتاغون عن ارسال قوات اخرى الى الشرق الاوسط ازاء التصعيد في لبنان. ولكن من غير المفهوم لماذا لا تحاول الادارة الامريكية اطلاق مبادرة سياسية مستعجلة وملحة في الوقت الذي فيه كل المنطقة على شفا الاشتعال. ربما أن واشنطن تقول لنفسها بأنه طالما أنه لا توجد عملية برية اسرائيلية فان الامور تحت السيطرة. هذا خاطيء. فحصاد الدماء مرتفع جدا الى درجة أنه سيكون من الصعب جدا السيطرة على ارتفاع اللهب حتى بدون دخول الجيش الاسرائيلي الى الاراضي اللبنانية.
غطرسة في القيادة العليا
بصورة استثنائية توجد الآن مقاربة موحدة في القيادة السياسية – الامنية في اسرائيل. قبل اسبوعين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اجرى نقاش شديد مع غالنت وقيادة الجيش حول سلم الاولويات بين لبنان وقطاع غزة. في الوقت الذي توسل فيه غالنت والجيش من اجل انهاء القتال في قطاع غزة والسعي الى صفقة تبادل ووقف اطلاق النار، نتنياهو رفض ذلك. وهو ايضا عارض اقتراحهم بالتركيز على القتال في لبنان. وعندما غير نتنياهو موقفه فقد قام بانعطافة حادة (ابواقه تساوقت وفق ذلك). محور فيلادلفيا، اساس وجودنا، تم نسيانه (حتى لو ان القوات لم تنسحب منه)، الآن نتنياهو يريد تصعيد واضح مع حزب الله. غالنت ورئيس الاركان تحفظا، لكن في نهاية المطاف اقتنعا بالتساوق معه. الآن هؤلاء الثلاثة مستعدون للمخاطرة بحرب شاملة استمرارا للخطوات الهجومية التي تتبعها اسرائيل.
وحدة الآراء في القيادة العليا هي أمر مشروع. المقطع الاكثر خطرا هو الغطرسة، الى درجة النشوة التي تسيطر منذ أمس على المستوى السياسي الاعلى. بصورة مقلقة اصداء مشابهة تسمع في الجيش الاسرائيلي وكأن مذبحة 7 اكتوبر والمفاجأة التي انطوت عليها لم تحدث أبدا. نتنياهو يستمع الى دائرة صغيرة من المستشارين، الذين هم ضباط كبار سابقين في الجيش ولديهم مواقف صقورية. هذه المجموعة تعتقد أنه فقط بواسطة استخدام القوة الزائدة فانه سيكون بالامكان فرض اتفاق على حزب الله. هذا ايضا من حقها. الامر الذي يفضل تجنبه هو التفكير بأن النجاحات غير المسبوقة التي راكمها الجيش الاسرائيلي وجهاز الاستخبارات الاسرائيلية في الهجوم ستؤدي بالضرورة الى وضع مشابه في حالة الدفاع.
الحرب ليست مباراة كرة قدم. فلا توجد انتصارات يمكن للعدو أن يحقق فيها صفر اهداف. حزب الله يوجد في هذه الاثناء في وضع متدن، لكن مثلما نشر هنا لفترة طويلة فانه من الافضل عدم الاستخفاف بقدرته على ضرب الجبهة الداخلية في اسرائيل، وحتى في نقاط مؤلمة وفي اماكن لم نستعد لها من البداية. ونفس الامر يجب أن يقال ايضا حول القرار، اذا تم اتخاذه، بشأن حملة برية للجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان.
——————————————–
إسرائيل اليوم 24/9/2024
توجد إنجازات تكتيكية لكن الى اين تؤدي الاستراتيجية
بقلم: هيرشون هكوهن
رغم الإنجازات الهامة لقوات الامن في القتال حيال حزب الله في الأسبوع الأخير، لا يزال يوجد خبراء أمن يدعون بانه وان كانت لدولة إسرائيل إنجازات تكتيكية، لكنها لا تزال تعمل بدون استراتيجية.
في السطر الأخير تندرج مسألة الاستراتيجية الإسرائيلية في الساحة اللبنانية في سؤالين أساسيين: الأول، كيف تؤدي كل الإنجازات التكتيكية الى تحقيق هدف إعادة سكان الشمال الى بيوتهم بامان؟ السؤال الثاني كيف يمكن لكل الإنجازات ان تؤدي الى انهاء الحرب في غياب التخطيط لالية انهاء استراتيجية؟
السؤالان بالطبع مرتبطان الواحد بالاخر، وقبل البحث فيهما يجدر الايضاح بان غياب خطة وآلية انهاء جاهزتين منذ الان للوصول بالحرب الى النهاية، ينبع بقدر كبير من مفهوم الحرب الذي وضعوه في طهران وفي بيروت والذي عن قصد واعٍ افترضوا بان عوامل القوة المؤثرة كالولايات المتحدة – لا توجد اليوم في وضع قادرا على املاء نهاية للحرب بضمان مستقبل من الاستقرار.
بين إسرائيل وحزب الله توجد فجوة استراتيجية في أساس التطلعات التي توجه إدارة الحرب. هذه فجوة كلاسيكية بين التطلع الجهادي – الراديكالي لاقامة اضطراب وانعدام للاستقرار في إسرائيل في وضع دائم، وبين التطلع الإسرائيلي والامريكي الذي غايته معاكسة تماما، لاقامة واقع امني واقتصادي من النظام والاستقرار. في هذه الفجوة، استراتيجية حزب الله تتركز على الجهد للإبقاء على زخم الاستنزاف الموجود في يديها، وهو يمكنه أن يبقى في يديها حتى لو عمل الجيش الإسرائيلي بريا ووقف على الليطاني. كل ما يحتاجه نصرالله للإبقاء على الاستنزاف هو مخزون كبير كاف من الصواريخ، المقذوفات الصاروخية والمُسيرات – والذي يوجد بالفعل لديه، وببساطة مواصلة اطلاقها نحو إسرائيل.
هذه استراتيجية تقيم ربطا بسيطا بين العمل وبين الهدف والغاية. اما الاستراتيجية الإسرائيلية بالمقابل فملتزمة بتحقيق هدف بسيط على الفهم لكنه معقد على التحقق – إعادة سكان الشمال الى بيوتهم في ظروف أمن مرضية. في الجهاد لتحقيق هذا الهدف فان العلاقة بين الإنجاز التكتيكي المتراكم وبين تحقيق الهدف الاستراتيجي هي علاقة مركبة حقا وليس بسبب غياب التخطيط الاستراتيجي.
تغيير في الرأي العام
ان الإبداعية في تخطيط وتفعيل ضربة التفجيرات الالكترونية في قلب بيروت عرضت مبادرة هجومية استجابت بمنطقها مع الاضطرارات الامريكية: موجة التفجيرات لم تحدث في بيروت وفي مراكز مدينية أخرى دمارا محيطيا، وكادت لا تمس بمدنيين غير مشاركين. هكذا أيضا ارتفاع الدرجة في يوم الجمعة في الغارة في قلب الضاحية لتصفية إبراهيم عقيل وعصبة قيادة قوة الرضوان.
كما أنه في ارتفاع الدرجة الأخرى الذي حصل صباح امس، سيكون من الصعب منع الشرعية عن إسرائيل في عملها حين هاجمت بشكل مركز وبعد تحذير المدنيين على صواريخ ومخازن ذخيرة كانت توجد في بيوت المدنيين ووجهت ضد مواطني إسرائيل.
ان التعبير البسيط عن حيوية ومبرر العملية الإسرائيلية قدمته عضو المزرعة التعاونية بيت شعاريم التي فقدت في صباح الاحد في هجوم صاروخي 25 بقرة في حظيرتها وحظيرة جارها. فقد سألت ببساطة كيف يمكن لدولة سيادية على مدى نحو سنة الا تكون قادرة على ان تحمي حياة مواطنيها وممتلكاتهم. حكومة إسرائيل والقيادة الأمنية استوعبت على ما يبدو التغيير الذي طرأ في الرأي العام الإسرائيلي والذي لم يعد مستعدا لان يتحمل آلية قتال الاستنزاف التي ليس فيها بالنسبة لمواطنيها أي افق من الامل.
من هذا المكان، وبعد أسبوع من إنجازات ذات مغزى فان المعركة الإسرائيلية ملزمة بان تتطور حتى تحقيق الهدف الواضح الكامن في التطلع بظروف أمن ونظام جديد في مقدمة الحدود تتيح عودة السكان.
المعركة ستكون طويلة ومركبة في وعي الحاجة الإسرائيلية لحرب اللاخيار.
——————————————–
هآرتس 24/9/2024
بوعد الرب ونهج “البيجر الرحيم!”.. إسرائيل للعالم: لا نريد سوى دولة.. من النيل إلى الفرات
بقلم: ب. ميخائيل
العفو، هل من أحد مستعد ليشرح الفرق بين إطلاق 5 آلاف عبوة ناسفة على 5 آلاف منزل في لبنان، وبين زرع عبوة ناسفة في حافلة أو إلقاء قنابل عنقودية على أحياء فيها مجرمون أيضاً؟
كيف نقارن؟ سيوبخونني بالطبع. 5 آلاف جهاز بيجر أعطيت لنشطاء حزب الله الأوغاد، في حين أن حافلة مفخخة أو قنبلة عنقودية تستهدف المس بكل شخص عشوائياً.
“العفو”، سأرد على المنتقدين. “من أرسلوا أجهزة البيجر لم تكن لديهم فكرة عن المكان الذي ستنفجر فيه العبوة، ولدى من سيكون الجهاز وأين هو موجود، وكم عدد الأشخاص الذين سيكونون في المحيط، في بقالة أم في يد طفل يحب الاستطلاع، أم في سيارة في محطة وقود أم في يد الزوج أو الزوجة؟”.
من هو الذي خطرت بباله هذه الفكرة، وضع عبوات ناسفة في أجهزة تشغيلها سيتسبب بإعاقات؟ هكذا وبكل قصد وتعمد كي يصابوا بالعمى وتمزق أمعاؤهم وتبتر أطرافهم. هل كان هذا قلقاً رحيماً على حياة المصاب أم استهدف القضاء على حياته بالألم؟ العفو مرة أخرى. هل تشرحون لي الفرق بين صرخات فرح رعاع الغزيين عند مشاهدتهم مسيرة الأسرى والمخطوفين في شوارع القطاع، وبين النكات المقرفة وصرخات الرعاع الإسرائيليين عند سماع وصف الإصابات في لبنان؟ ربما لم يأت ذلك كله إلا ليعلمنا بأن الرعاع هم رعاع، سواء اختاره الله أو لا. عند سماع صرخات الفرح هذه، يخطر بالبال أن أجهزة بيجر تفجرت فينا، وأننا أصبنا بالعمى ولم نعد نرى إلى أين نذهب؟ ألم تتعلم إسرائيل بعد بأن كل هذه الألعاب النارية القاتلة وكل نوبات القتل وبهجة التصفيات المضادة، لا تفيد ولا تغير شيئاً؟ كل ذلك، بما في ذلك أجهزة البيجر المتفجرة، لا يؤدي إلا إلى غليان الدماء وتأجيج الكراهية وتعميق سفك الدماء.
للأسف الشديد وللخجل، لا مناص من القول إن إسرائيل سارت خطوة كبيرة نحو شرعنة إرهاب الدولة. فرض الرعب والمعاناة على سكان بوسائل عنيفة وبدون كوابح، مثلما في غزة والضفة المحتلة، والآن في لبنان أيضاً.
“هم يريدون تدميرنا!”، هكذا سنبرر لأنفسنا. ونحن ماذا نريد بالإجمال؟ ليس الكثير. ليس سوى البلاد كلها، من الفرات إلى النيل. بالطبع فقط لليهود. هذا كل ما نريده. هل هذا مبالغ فيه؟ هذا ما قاله الله! بصراحة، هذا ما يقوله من يمسكون بدفة القيادة.
ما هي المرحلة القادمة في إرهاب الدولة الذي تمت شرعنته؟ مخربون انتحاريون؟ هذا ليس خيالياً. ففي السابق كان واحد كهذا، وأتباعه يحكمون الآن. تسميم الآبار؟ بالتأكيد. فهذه عادة جميلة وعادية في حقول الضفة المحتلة. تقييد الولادات؟ لا مشكلة. فجميع المستشفيات وأقسام الولادة في غزة تقريباً أصبحت أنقاضاً.
بعد ذلك ستأتي خطة غيورا آيلاند “احتلال لبنان”. سيطلب من اللبنانيين الذهاب إلى الشاطئ خلال أسبوعين. لن يبقى في المنطقة إلا من يحمل بطاقة عضوية في حزب الله. بعد انسحاب المدنيين الذين ليسوا أعضاء مسجلين في حزب الله، سنعرف أن كل الذين بقوا مخربون، ثم ستبدأ على الفور عملية قتلهم. بدون غذاء، سيستغرق الأمر أشهراً. وإذا حرصنا على التعطيش، فسننهي العملية في أسبوع.
——————————————–
هآرتس 24/9/2024
في صراعه مع القضاة.. طلبوا من “قزم العدل” مرشحين لرئاسة “العليا”.. فأجاب بخبث: كلكم
بقلم: أسرة التحرير
إسرائيل على شفا حرب شاملة مع لبنان، الحرب في غزة في ذروتها، والمخطوفون يذوون منذ نحو سنة في أسر حماس، لكن شيئاً من كل هذا لا يوقظ وزير العدل يريف لفين من نومه العميق، ويحطم حلمه الطموح الذي يلعب فيه دور النجم كإصلاح عظيم ينقذ دولة إسرائيل.
في إطار محاولته العنيدة لإحباط تعيين القاضي إسحق عميت رئيساً للمحكمة العليا، أنتج لفين أول أمس مناورة غريبة تنم عن عمره العقلي. قبل أسبوعين، أمر قضاة محكمة العدل العليا لفين بنشر أسماء المرشحين لرئاسة العليا في غضون 14 يوماً، وعقد لجنة انتخاب القضاة بعد 45 يوماً من النشر. فاقترح وزير العدل – بشدة ذكائه – كل قضاة المحكمة العليا كمرشحين للرئاسة.
يدور الحديث عن حيلة لن تؤثر على عملية انتخاب رئيس العليا. الهدف سرقة الوقت وتصعيد الإجراء بدعوى وجوب إجراء فحص لكل واحد من القضاة الذين اقترحهم الوزير كمرشحين. وحسب مستوى الذكاء الذي أبداه لفين، ربما يحاول إقفال المراحيض على أعضاء اللجنة لانتخاب القضاة، وتخريب ساعة توقيت الإيقاظ في يوم التصويت.
كل القضاة، باستثناء عميت ويوسف ألرون، سيعلنون بأنهم غير معنيين بالمنصب. لكن في اقتراح لفين أن ليس في نيته التنازل عن الدفع قدماً بالانقلاب النظامي.
أضيف دافع راهن لحرب وزير العدل ضد القاضي عميت ونهج الأقدمية: رئيس المحكمة العليا هو المخول حسب القانون، بتقرير تركيبة لجنة التحقيق الرسمية. لفين وسيده نتنياهو، غير معنيين بأن يقرر عميت تركيبة اللجنة التي ستحقق في إخفاقات 7 أكتوبر، إذا ما تشكلت، وذلك كما يتناسب وحكومة التسيب، ماذا تساوي لجنة تحقيق رسمية إذا لم نتحكم بها؟
لقد سبق أن أعلن لفين بأن ليس في نيته التعاون مع عميت حين ينتخب رئيساً حسب نهج الأقدمية وهو يفكر في إمكانية مقاطعة التصويت على انتخاب الرئيس.
محظور السماح للسخرية التي يثيرها لفين في خطواته الشوهاء التي تنسينا الخطر الكامن فيها. فوزير العدل مصمم على إخضاع السلطة القضائية للساحة السياسية وتخريب أساسات مبنى النظام. محظور أن نشيح النظر ولو للحظة عن خطواته أو أن يغرينا وهم أنه تعلم من الكارثة التي أوقعها هو وشركاؤه على إسرائيل.
——————————————–
عن “N12” 24/9/2024
إسرائيل عالقة في غزة ولبنان: لا نهاية في الأفق
بقلم: إيتان بن إليهو
إذا كان صحيحاً ما نُشر فإن الدرجة الأولى من الضغط على “حزب الله” بدأت، الثلاثاء الماضي، عند الساعة 3:30 بعد الظهر. فخلال نصف ساعة انفجرت آلاف أجهزة البيجر التي كانت في حوزة “مخربي حزب الله” في شتى أنحاء لبنان وسورية، وأُصيب الآلاف بجروح، وغصت المستشفيات بأعداد كبيرة من الجرحى، فاقت قدرتها على الاستيعاب.
أمّا الدرجة الثانية، فقد حدثت، الأربعاء الماضي، عند الساعة الخامسة، عندما انفجر عدد كبير من أجهزة الاتصال. ومنذ ذلك الحين، و”حزب الله” في دوامة، والصورة غير واضحة له، والطائرات مُلئت بالجرحى وهم في طريقهم إلى المعالجة في المستشفيات في إيران.
ودخلت الدرجة الثالثة ضد “حزب الله” حيز التنفيذ بعد ظهر الجمعة؛ إذ أدى هجوم مركّز على ضاحية بيروت الجنوبية إلى تدمير مبنى سكني اختبأ في طبقاته السفلية رئيس هيئة أركان “حزب الله”، إبراهيم عقيل، وطاقم قيادة قوة “الرضوان” من قوات النخبة في الحزب. وعلى ما يبدو، فإن سلاح الجو عمل بثقة وفاعلية وضمن أوضاع منحته تفوقاً.
وكان من الأجدى بعد تفجير أجهزة الاتصال، وعندما كان “حزب الله” في حالة من الاضطراب، وبعد شل وسائل الرقابة والتحكم لديه، أن يستغل الجيش الإسرائيلي الفرصة للبدء بهجوم واسع النطاق، جوي وبري وبحري، ما لم يحدث.
وفي هجوم عادي فإن هذه الأحداث كلها، أو كل واحد منها على حدة، يمكن أن تشعل حرباً شاملة في مواجهة لبنان، مع إمكانية كبيرة لأن تؤدي إلى تدخّل وكلاء إيران الآخرين، وحتى إيران نفسها. وحتى الآن، فإن الأطراف تحافظ على ضبط النفس، وألسنة النيران تزداد ارتفاعاً، لكن باستثناء هجوم الضاحية، فإن مدى النيران لا يزال ينحصر ضمن خط مدينة صفد في الجنوب، وخط مدينة صيدا في الشمال.
كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث تترافق مع إرسال رسائل عبر جميع القنوات السياسية، وعبر تصريحات واضحة بشأن نية إسرائيل توسيع ما يجري إلى حرب شاملة.
في الجبهتين؛ غزة ولبنان، إسرائيل عالقة في عملية غير مكتملة؛ ففي غزة لم يتم العثور على طريقة لإقامة سلطة بدلاً من “حماس” وإنهاء القتال لمصلحة إعادة المخطوفين، أمّا في الشمال، فمنذ 11 شهراً وهناك 90,000 شخص نازح من منزله، ولا يوجد حل سياسي ولا حرب.
تأمل الحكومة الإسرائيلية أن يؤدي الضغط العسكري في غزة إلى تحرير الأسرى، وأن يؤدي الضغط العسكري المتدرج في لبنان إلى إبعاد قوة “الرضوان” عن الحدود، وإعادة النازحين إلى منازلهم في الشمال، لكن مع الأسف الشديد فإنه في هذه الأثناء، وعلى الجبهتين، لم يحقق الهدف السياسي، ونحن في حالة استنزاف مستمرة من غير المعروف متى تنتهي.
قبل أشهر معدودة تركَّز الجهد العسكري للقتال في غزة على إعادة المخطوفين، وتسوية إقليمية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، والصحيح حتى الآن أن هذا المشروع تبدد.
لقد صرح وزير الدفاع، هذا الأسبوع، أن مركز الثقل العسكري انتقل إلى الشمال، والافتراض هو أن التهديدات والعمليات العسكرية المتدرجة الخطورة ستدفع نصر الله إلى توقيع اتفاق انسحاب، لكن لا يمكن الاكتفاء بنقل مركز الثقل إلى الشمال وإهمال الارتباط السياسي بالوضع في غزة.
يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تعيد تحديد خطواتها عبر المحافظة على الصلة الوثيقة بين جبهة غزة وجبهة لبنان. كما يجب عليها في هذه الأثناء الاكتفاء بالإنجازات في غزة، وإعادة المخطوفين، وتمهيد الطريق لأن تكون الحرب المتدرجة كافية للتوصل إلى تسوية سياسية في الشمال.
——————————————–
عن “N12” 24/9/2024
أهداف إسرائيل من المواجهة في الشمال
بقلم: عاموس يادلين
بعد الضربات المؤلمة والجدية التي تلقّاها “حزب الله”، الأسبوع الماضي، كان يجب عليه أن يرد، وقد جاء هذا الرد على شكل توسيع نطاق إطلاق النار، وضرب أهداف في منطقة حيفا ومرج ابن عامر.
وصرح الحزب بأن ما جرى هو رد أولي على هجوم البيجر وأجهزة الاتصال، ويبدو أنه يحاول المحافظة على نظرية المعادلات: استهداف أهداف عسكرية – أمنية (قاعدة رامات دافيد ومصنع أمني في الكريوت)، لكنه في الوقت ذاته كان يحافظ على عدم الانجرار إلى تصعيد لا يمكن السيطرة عليه، ما يبدو أنه غير معني به في هذه المرحلة.
هل لا تزال معادلة بيروت – تل أبيب صالحة؟ ستحمل الأيام القادمة الإجابة، وهناك كثير من الأمور تتعلق بالاستراتيجية الإسرائيلية.
هذا التصعيد يوجب من الحكومة أن تنظر نظرة واسعة إلى لبنان، تتضمن عدة أبعاد أساسية لوضعنا في ساحة الحرب، وساحات أُخرى:
يبدو أن إمكانية التوصل إلى صفقة شاملة تعيد الرهائن من غزة، وتضمن أن “حزب الله” سيبقى شمال نهر الليطاني، لم تعد ممكنة الآن. ولم يكن السنوار يريد هذه الصفقة قبل التصعيد الحالي، وطبعاً لن يكون مستعداً للتنازلات بعدها، في الوقت الذي يتطلع فيه إلى حرب متعددة الجبهات، وهو الحلم الذي لم ينجح في تحقيقه في 7 تشرين الأول.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أجهزة الأمن تعتقد أنه لا يزال من الممكن إيصال رسالة إلى السنوار، فحواها أنه لا توجد إمكانية لحرب إقليمية.
ويجب أيضاً التذكير بالتزام إسرائيل الأخلاقي، في الدرجة الأولى، القيام بكل الجهود اللازمة الدبلوماسية والعسكرية من أجل استعادة المخطوفين من غزة.
توجد درجة وسط واسعة جداً بين حرب الاستنزاف التي تدور منذ 11 شهراً ماضية، وبين الحرب الشاملة في مقابل “حزب الله”؛ فنصر الله ليس السنوار، وهو يتخوف من الإسقاطات الهدامة لحرب كهذه على لبنان عموماً، وبصورة خاصة على المجتمع الشيعي في الضاحية وجنوب لبنان، كما أنه يفهم أيضاً أن الحرب في الشمال هي حرب تجهَّز لها الجيش جيداً خلال الأعوام الماضية، ولذلك فهو يشير بوضوح إلى أنه يفضل الامتناع من هذه المواجهة الشاملة الآن.
يبدو أنه بالنسبة إلى إيران أيضاً، فإن سيناريو الحرب الشاملة ليس مرغوباً فيه؛ فالإيرانيون قلقون بشأن قدرتهم المحدودة على إلحاق الضرر بإسرائيل، وهو ما بدا واضحاً في الهجوم ليلة 13 نيسان.
بالإضافة إلى وجود الولايات المتحدة عسكرياً في المنطقة، ووقوفها إلى جانب إسرائيل – حتى لو كانت مترددة بعض الشيء – وهو ما يعزز التخوف الإيراني من الانجرار إلى الحرب التي ستضر بإيران نفسها، وأصولها المركزية التي بنتها خلال السنوات الماضية – “حزب الله”.
لم تُعلم إسرائيل الولايات المتحدة بخطتها العسكرية، وتعمل في لبنان على الرغم من امتعاض الإدارة التي تتخوف من حرب في الشرق الأوسط من شأنها أن تضر بإمكانات انتصار هاريس في تشرين الثاني.
وعلى الرغم من ذلك، فالأميركيون أيضاً يفهمون أن إسرائيل هي دولة سيادية، ومن المهم بالنسبة إليها أن تعمل ضد “حزب الله” الذي يهاجمها منذ 8 تشرين الأول من دون أي استفزاز.
وهذا استنتاج جيد لمن يدّعون أن إسرائيل لا تستطيع العودة والعمل في غزة أو استعادة المواقع الاستراتيجية (كمعبر رفح ومحور فيلادلفيا) بسبب الضغط الأميركي والدولي الثقيل.
استهدف “حزب الله” أهدافاً عسكرية، وأصاب مدنيين. وهذه الحقيقة تمنح إسرائيل الحق في إلحاق الضرر بأهداف عسكرية للحزب يقيمها بصورة ممنهجة في مناطق مأهولة، كبنى التصنيع والتخزين للصواريخ الدقيقة الخاصة به.
تلقت منظومة العمليات والتنسيق الخاصة بنصر الله ضربة صعبة، وبقي وحيداً بكل ما يخص قدرته على الاستشارة مع الضباط الكبار وأصحاب الخبرة في الحزب، إذ تم اغتيال أبرزهم.
وعلى الرغم من ذلك، فلدى “حزب الله” القدرة على الرد بصورة فاعلة، والاستمرار في إطلاق الصواريخ والقذائف والمسيّرات ضد إسرائيل، حتى لو تمت إصابة قدرته على الرد بصورة فاعلة للخطوات الإسرائيلية السريعة والقوية.
عملياً، قامت إسرائيل بتنفيذ عمليات يمكن استعمالها كضربة استباقية للحرب، ويجب ضمان أن تحقق هذه العمليات النتيجة الاستراتيجية المطلوبة، إمّا كعمليات بحد ذاتها، وإمّا كنقطة افتتاح لحرب واسعة أكثر.
يجب تفصيل هدف حكومة إسرائيل إلى 3 أمور:
– فصل العلاقة التي بناها نصر الله بين لبنان وغزة، أي وقف الضربات من طرف “حزب الله” ضد إسرائيل دون علاقة ذلك بعمليات الجيش في غزة.
وهنا يدور الحديث بشأن إنجاز ضروري للسنوات المقبلة، وذلك لأنه من المتوقع أن تعود إسرائيل إلى العمل في غزة لسنوات، لذلك، فإنه من الممنوع قبول واقع تكون فيه كل حملة إسرائيلية في غزة مترافقة مع صواريخ على بلدات الشمال.
– إلحاق الضرر بالمنظومات الاستراتيجية لـ”حزب الله”؛ فعلى إسرائيل أن تعمق الضرر اللاحق بالحزب وقدراته.
وحتى الآن، فقد عملت إسرائيل أساساً من أجل إلحاق الضرر بقوة “الرضوان”، وبالصواريخ للمدى المتوسط والمسيّرات.
وفي الأيام القريبة، يجب على إسرائيل أن تلحق الضرر بالأمور الغالية على نصر الله؛ مشروع الصواريخ الدقيقة الذي يهدف إلى تهديد الأرصدة الاستراتيجية لإسرائيل.
بالإضافة إلى أنه من المفضل لإسرائيل أن تناقش من اليوم السؤال بشأن إذا ما حان الوقت لاغتيال نصر الله من أجل إصابة الحزب إصابة حرجة، واستغلال الاشتباك لتدفيع “حزب الله” وإيران ثمناً دراماتيكياً.
– القيام بتغيير في الواقع الأمني ما قبل 7 تشرين الأول. تستند بعض الادّعاءات الداعمة للحرب الشاملة مع “حزب الله” إلى افتراض أن إسرائيل ستعود إلى السياسة غير الفاعلة بعد الحرب، لذلك يجب القول إنه بصرف النظر عما سيكون عليه عمق الإنجاز العسكري في لبنان، فإنه سيجب على إسرائيل أن تغير سياساتها، حتى بعد وقف إطلاق النار.
ومعنى ذلك أنه بصرف النظر عما إذا كانت هناك تفاهمات بشأن الحدود تضمن وجود مساحة داخل الأراضي اللبنانية لا تدخلها قوات “حزب الله”، أو كانت هناك تفاهمات فقط مع دولة لبنان، فمن المهم المحافظة على شرعية لعمل الجيش ضد كل اختراق من طرف “حزب الله”، وهذا دون الانجرار في كل مرة إلى تصعيد واسع، ومحاولة إشعال معركة مستمرة كما يحدث في سورية، تكون مرتكزة إلى تغيير ميزان الردع.
يجب على إسرائيل أن تضيف هدفاً آخر: استغلال الإنجازات في الشمال للوصول إلى صفقة تبادل، كما يجب عليها أن تسعى لأن تكون إنجازاتها السريعة في لبنان عاملاً مساعداً لوقف المعركة في الجنوب بعد أن يفهم السنوار أن الحرب المتعددة الجبهات التي ستؤدي إلى إبادة إسرائيل لن تحدث.
وفي هذه اللحظة، فمن المهم أن تطرح الولايات المتحدة على الطاولة خطة محدّثة لصفقة ما، وأن توافق عليها إسرائيل.
وبعكس الجنوب، حيث الهدف هو تفكيك “حماس” كتنظيم عسكري وسلطة حاكمة وإعادة الرهائن، فإن الهدف في الشمال أكثر تواضعاً؛ إعادة الأمان إلى سكان الشمال، وتغيير قواعد اللعبة.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف يجب على إسرائيل أن تستغل المنطقة الوسطية الموجودة في سياسة التصعيد المتدرج، وضربات متبادلة ومتصاعدة ضد مراكز قوة “حزب الله”، من أجل إثبات أن إسرائيل جاهزة للتصعيد طالما “حزب الله” يربط نفسه بغزة.
ومن المهم القيام بهذه الخطوات بالتدريج، وذلك للسماح لنصر الله في كل لحظة بأن يقرر التوقف والامتناع عن دخول حرب واسعة، حتى لو كان لا يريدها.
وعلى الرغم من ذلك، فمن المهم التوضيح أن إسرائيل جاهزة للحرب، وتلحق الضرر بتجهيزات “حزب الله”، وهذه رسالة مهمة ليس فقط لنصر الله، بل أيضاً لإيران والولايات المتحدة والمجتمع الدولي برمّته.
نحن نريد أن نحقق السلام للجليل، وليس أن نشعل حرباً ثالثة مع لبنان، لكن علينا أن نكون جاهزين لحرب كهذه إذا صمم “حزب الله” وإيران على منع سلام الجليل، وفي الوقت نفسه لبنان أيضاً.
——————انتهت النشرة——————