
شبكه المسار الاخباري….
منذ أن حازت حكومة بنيامين نتنياهو ثقة الكنيسيت الإسرائيلي أواخر العام 2022، والوقائع على الأرض تشير إلى أنّها أكثر الحكومات تطرفًا وعنصرية في تاريخ “إسرائيل”، من حيث سياساتها تجاه كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية من بشر وحجر وأرض ومقدسات.
وكان الاستيطان اليهودي الذي يُسابق الزمن في الأراضي الفلسطينية المحتلة من أبرز ملامح هذا التطرف الذي يسعى عبره الائتلاف الحكومي إلى ضم الضفة الغربية وبسط “السيادة” الإسرائيلية على كامل أراضيها عبر قرارات مصادرة أراضي وممتلكات الفلسطينيين وهدمها، مقابل منح تسهيلات للبناء الاستيطاني هناك.
وفي هذا الإطار كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” قبل أيام عن اعتزام وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، حلّ ما يُسمى “الإدارة المدنية” المسؤول عنها في الضفة الغربية، كجزء من خطّته لتطبيق “السيادة” الإسرائيلية على الضفة.
ووصف “سموتريتش” خلال حديث مع مسؤولين كبار في “الإدارة المدنية” التابعة لجيش الاحتلال، هذه الخطوة بـ “الفرصة التاريخية” التي يأمل أنّ يكون هو من ينفّذها.
وخطة “سموتريتش” بهذا الشأن جرى مناقشتها مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأكد أنّ الحكومة تأخذ هذا الأمر بـ “جديّة كبيرة”، فالهدف منها منع تحويل الضفة الغربية إلى جزء من دولة فلسطينية مستقبلية، وفق تسريب صوتي له في أحد المؤتمرات.
تزامن ذلك مع إعلان سلطات الاحتلال تخصيص 24 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية كـ “أراضي دولة”، في خطوة جديدة تقودها حكومة الاحتلال لتعزيز مشروعها الاستيطاني والاستيلاء على المزيد من أراضي الفلسطينيين.
ماذا يعني إلغاء الإدارة المدنية؟
و”الإدارة المدنية” التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي مسؤولة عن جميع جوانب الحياة المدنية في الضفة الغربية، ابتداءً من الموافقة على خطط البناء في المستوطنات، والبلدات الفلسطينية الواقعة في المنطقة المصنفة (ج) بحسب اتفاق اوسلو، وتشييد البنية التحتية، وشق الطرق والقضايا المتعلقة بالزراعة والمياه، ويقع على عاتقها تنفيذ أوامر الهدم للمباني الفلسطينية غير المرخّصة والوحدات الاستيطانية غير المرخصة، وتشمل صلاحيات الإدارة أيضًا إصدار تصاريح دخول إلى “إسرائيل” للفلسطينيين.
وقرار حلّها يعني أنّ الجيش لم يعد هو المسؤول المباشر عن أمور السكان في الأراضي الفلسطينية، وأنه سيتم التعامل معها من الوزارات المختصة؛ وهذا يعني أنها خطوة عملية في إطار مشروع الضم، وفق ما جاء على لسان رئيس لجنة مجابهة الاستيطان في المجلس الوطني الفلسطيني وليد عساف.
وقال عساف في تصريح له ، إنّ هذا القرار يعني تسهيلات كبيرة في إنشاء مستوطنات إسرائيلية ومنح تراخيص بناء بؤر استيطانية أخرى؛ في وقتٍ لم يحصل فيه الفلسطيني على أي تراخيص بناء طيلة العقدين الماضيين في مناطق (ج).
وأشار إلى أنّ الفلسطينيين في الضفة الغربية لن تفرق لديهم؛ سوى أن هذا القرار سيُساهم في تسريع عمليات الهدم؛ ومضاعفتها.
وأوضح أنّ الدوائر الحكومية ستعترف بكل المباني ما تم تشييده من مستوطنات وبؤر استيطانية؛ وستُسهّل بناء المزيد منها، وتُشكل نافذة للتحكم والسيطرة على الأراضي، وهذا يعني “تقنين” مصادر 60% من الأراضي في الضفة الغربية.
وتابعأنّ “30 ألف دونم لا تزال مسجلة بأسماء الفلسطينيين في مناطق (ج) ولا نعرف ماذا سيكون مصيرها والتصرف بها في المرحلة القادمة؛ خاصة أن الضم يشمل الأرض وليس السكان؛ فالأرض ستصبح إسرائيلية، وهذا يشكل مخاطر كبيرة على السكان”.
تعبير عن خطوط عريضة متفق عليها..
من جانبه قال الباحث والخبير في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية علي الأعور، إنّ المشهد السياسي في الأراضي المحتلة ليس مجرد قرارات عبثية إنما يُعبّر عن خطوط عريضة متفق عليها في الائتلاف الحكومي منذ تشكيله لتعزيز الاستيطان وبسط “السيادة” الإسرائيلية على الضفة الغربية.
وأضاف الأعور في حديثه أنّ الوزراء المتطرفين اشترطوا قبل موافقتهم الانضمام للحكومة الحصول على صلاحيات واسعة تُمكنّهم من شطب الوجود الفلسطيني، على حساب التوسع الاستيطاني.
ورأى إن عملية الضم التي يسعى لتحقيقها المتطرف”سموتريتش”، هدفها إلغاء مفهوم احتلال أراضي الفلسطينيين سنة 1967، والذي اعتبره العالم أجمع احتلالاً، بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة وطالبت بإنهائه.
وإنهاء هذا المفهوم يعني بسط سيادة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، وبالتالي تصبح تابعة بشكل مباشر لسلطة الوزارات في “تل أبيب” بدلا من “الإدارة المدنية”، وفق الباحث الأعور، مشيرًا إلى أنّ كل شبر تمت سرقته بعد 1967 من خلال عملية الضم سيصبح حقًا لـ “إسرائيل” وهنا تكمن خطورة الضم.
وأوضح أنّ إلغاء “الإدارة المدنية” يعني أن الدوائر الحكومية في تل أبيب ستكون مسؤولة عن تقديم الخدمات للمستوطنين في الضفة من بنى تحتية وشق طرق وتمديد شبكات كهرباء ومياه وغيرها.
لكنه يعتقد أنّ خطط “سموتريتش” في السياقات والنتائج التي يتحدث بها قد تكون حالمة، رغم أنه جرى تطبيق جزء منها من خلال مصادرة أكثر من 24 ألف دنمًابالضفة لأغراض تنفيذ هذا المشروع.
ولفت أنّ أبرز العوائق التي تقف أمام هذه الخطة، هو رفض الإدارة الأمريكية لمشاريع تصفية الضفة أو السلطة الفلسطينية بشكل كامل، كما أن السعودية ما تزال تشترط إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967،لإتمام صفقة التطبيع مع الاحتلالوهذا بحد ذاته يعد تحديًا لخطة “سموتريتش”.
عدا عن ذلك، فهناك أصوات أمنية داخل “إسرائيل” بمن فيهم جهاز”الشاباك”تُحذر من تداعيات تلك الخطط، كما أن الإقليم اليوم يفرض نسق مختلف تماما عما يطمح له اليمين المتطرف في حكومة بنياميننتنياهو، بحسب الباحث الأعور.
مرحلة هي الأصعب في تاريخ الضفة..
في السياق اعتبر الباحث في شؤون الاستيطان بشار قريوتي قرار إلغاء “الإدارة المدنية كانت تدير مناطق الضفةبموجب اتفاقيات أوسلو، يمثّل إعلانًا فعليًا عن إلغاء الاتفاقيات الدولية المعترف بها.
وتابع قريوتي في حديثٍ قائلا أنّ “إسرائيل” تسعى إلى فرض سيطرتها الكاملة على المناطق المصنفة (ج) أمنيًا وعسكريًا، مع استهداف المناطق (ب) بالهيمنة الأمنية، فيما يتم اقتحام وتدمير المناطق المصنفة (أ) يوميًا، بما في ذلك البنية التحتية في المخيمات الفلسطينية.
هذا دفع قريوتي لوصف واقع الضفة الغربية بأنه “الأصعب في تاريخها” إذ تسعى حكومة الاحتلال لتنفيذ مخطط يهدف إلى القضاء على كل أشكال المقاومة الفلسطينية وتصفية القضية بشكل ممنهج.
يترافق هذا الإعلان مع تسارع باكورة الاستيطان من خلال فرض وقائع جديدة على الأرض سمتها توسعة المستوطنات لتتحول لمدن استيطانية كبيرة داخل الضفة مدعومة بأمن وحماية مشددين، وفي الوقت نفسه، يتم هدم ومصادرة أراضٍ واسعة تحت ذرائع أمنية هدفها تهجير الفلسطينيين قسرًا، لا سيما في الأغوار والقدس.
وأشار قريوتي إلى أنه ضمن إجراءات التضييق على الفلسطينيين، عمل الاحتلال على عزل الشوارع الفلسطينية عن تلك التي يستخدمها المستوطنون، بهدف منع أي تأثيرات قد تنجم عن عمليات الإغلاق أو المواجهات، كما فرضسياسة “الكنتونات” المغلقة، حيث تعيش القرى الفلسطينية خلف بوابات عسكرية تُفتح وتُغلق وفقًا لمزاج الجنود.
وحذر من أنّ غياب التدخل الدولي الفاعل يُشجع الاحتلال على تجاهل القانون الدولي، حيث لا تُقبل أي قضايا قانونية ضد المستوطنين، بينما تُصنّف الأراضي القريبة من المستوطنات على أنها “مناطق استيطانية”.
وأكدّ أن هذه التطورات تشير إلى مستقبل مظلم للضفة، حيث تتسارع عمليات الاستيطان والسيطرة الكاملة على الأرض والحياة الفلسطينية، ومع غياب الضغط الدولي والحقوقي لإنقاذ القضية الفلسطينية، تستمر الانتهاكات الممنهجة التي تستهدف وجود الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة.
ورأى الباحث في شؤون الاستيطان، أنه أمام هذا التصعيد الخطير، تبرز الحاجة لتحرك دولي حقوقي وإنساني لوقف السياسات الإسرائيلية العدوانية، وإنقاذ الشعب الفلسطيني من كارثة وشيكة تهدد وجوده على أرضه.