
المسار الاخباري: تطرقت مجلة “بوليتيكو” إلى المأزق الذي وُضِع فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عندما خرج عن النص في لقائه بالمكتب البيضاوي مع الرئيس دونالد ترامب وفريقه.
ولعل السبب في خروج الزعيم الأوكراني عما خُطّط له يعود إلى جيه دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي الذي دفعه إلى هذا، ولهذا غادر واشنطن خاوي الوفاض مخلفاً وراءه علاقة يُرثى لها مع أمريكا.
وجاء في المقال، الذي أعده جيمي ديتمر، محرر طبعة “بوليتيكو” الأوروبية، أن المشادة أفرحت اليمين الأمريكي، وبخاصة دعاة “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” (ماغا)، وبخاصة المستشار الإستراتيجي السابق لترامب، ستيفن بانون، الذي أخبر “بوليتيكو”: “لقد كانت نتيجة مثالية، ويمكننا الآن أن نغسل أيدينا منه”.
ومع ذلك، أُصيب الأوكرانيون بالذهول من المشهد، ولا يزالون منزعجين بشدة مما يرون أنه فشل ترامب وفانس في فهم أنهم الطرف المظلوم الذي عانى بشدة على أيدي روسيا المنتقمة، حتى أنهم تحمّلوا جرائم حرب موثقة.
العلاقات السيئة بين ترامب وزيلينسكي تعود إلى عام 2019، عندما رفض الزعيم الأوكراني الاستجابة لمطلب ترامب بإجراء تحقيق مع نجل الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن
وكان زيلينسكي حريصاً، حسب نصيحة أصدقائه ومستشاريه الأمريكيين، وكذلك رئيس أركانه القوي أندريه يرماك، على تجنّب استعداء الرئيس الأمريكي الشائك دونالد ترامب منذ إعادة انتخابه.
وكانت النصيحة التي قدّمها ترامب لزيلينسكي هي “اللعب معاً”، ونظراً للعلاقات السيئة بين ترامب وزيلينسكي، التي تعود إلى عام 2019، عندما رفض الزعيم الأوكراني الاستجابة لمطلب ترامب بإجراء تحقيق مع نجل الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، فإن اتباع هذه النصيحة كان أمراً بالغ الأهمية.
وحتى يوم الجمعة، كانت الإستراتيجية واضحة: كان على الزعيم الأوكراني أن يظهر باعتباره عنصراً بناءً، ما يترك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عرضة لغضب ترامب في حالة تمرد وقال “لا” لترامب. ولكن الالتزام بهذه الإستراتيجية كان دائماً أمراً صعباً، على الرغم من أنه لم يكن لأحد أن يتنبأ بمدى سقوطه المذهل.
والسؤال هو، هل يمكن التراجع عن الضرر؟
ويقول الكاتب إنه في كييف، يتم تحميل جيه دي فانس مسؤولية المشادة السريالية والعاصفة، فهو منتقد قديم لتورط الولايات المتحدة في أوكرانيا. ويُتهم بأنه تعمد استفزاز زيلينسكي، ربما لإغراق صفقة من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بقدر أكبر من الوصول إلى معادن أوكرانيا.
وعلّق خبير جمهوري في الشؤون الخارجية للمجلة، بشرط عدم الكشف عن هويته، قائلاً إن فانس كان يريد قتل صفقة المعادن لاعتقاده أنها “ستقوي اللوبي المؤيد لأوكرانيا في الإدارة، وقد ابتلع زيلينسكي الطعم”.
لكن الخبير الجمهوري اعتبر الزعيم الأوكراني مخطئاً لعدم تركيزه على الصفقة فقط، “حيث فشل زيلينسكي قبل يوم الجمعة في إدراك أهمية صفقة المعادن، إنها مهمة ليس بسبب المعادن، بل تتعلق بمنح ترامب فوزاً سياسياً”.
وأصر مسؤولو البيت الأبيض، منذ ذلك الحين، وصراحة، على عدم وجود مخطط لشن هجوم على زيلينسكي، أو تعطيل صفقة المعادن.
بل وزعموا خلافاً لهذا، بأن ترامب وفانس شعرا بالإحباط من تشكيك زيلينسكي في جدوى التفاوض مع بوتين، وشعرا أنه كان يحاول تدمير المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي النقطة التي أكد عليها وزير الخارجية ماركو روبيو في مقابلة يوم الأحد.
وفي أعقاب الحادث، تُبذل جهود شاقة لمحاولة إصلاح بعض الأضرار وترتيب مكالمة هاتفية بين زيلينسكي وترامب لمحاولة إنقاذ العلاقة.
ويعمل القادة الأوروبيون ويسعون إلى هندسة مكالمة بين الرجلين، حيث يعرب الرئيس الأوكراني عن أسفه لكيفية خروج اللقاء عن السيطرة بدون أن يقدم اعتذاراً.
وكتب جوناثان إيال من تشاتام هاوس في لندن: “كانت الرحلة إلى واشنطن، وهي الأولى لزيلينسكي منذ أن تولى الرئيس ترامب منصبه، مهمة صعبة دائماً”. ومع ذلك، لا تزال هناك آمال في أن كل شيء قد ينتهي على ما يرام، مع التباشير التي ظهرت من رحلات سابقة قام بها إيمانويل ماكرون من فرنسا وكير ستارمر من بريطانيا، من المؤكد أنهما تمكّنا من تمهيد الطريق.
وأضاف إيال قائلاً: “لقد افترض الدبلوماسيون أن مضيفه الأمريكي لن يكون شائكاً بشكل كبير، عندما قام الرئيس زيلينسكي بنفس الرحلة إلى واشنطن”.
وكانت تصريحات ترامب للصحافيين أنه لا يتذكر وصف زيلينسكي بأنه “ديكتاتور” علامة أخرى تبعث على الأمل. ومع ذلك، كانت هناك مخاوف قبل أن يسقط زيلينسكي في واشنطن: فمن ناحية، بدا أن التداعيات المستمرة من لقاء في أوائل شباط/ فبراير بين زيلينسكي ووزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت قد أزعج ترامب، الذي اشتكى علناً من أن زيلينسكي لم يحترم بيسنت من خلال محاضرته حول عبثية التفاوض مع بوتين. وعلاوة على ذلك، كان المؤثرون السياسيون من الخارج وأتباع “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” (ماغا) يثيرون الشغب حول استمرار تورط الولايات المتحدة في أوكرانيا ويريدون وقف جميع المساعدات كلياً.
وتحدث زيلينسكي قبل لقائه مع ترامب وفانس، مع عدد من المشرعين في واشنطن وأخبرهم بأنه سيضغط على ترامب بمنح أوكرانيا ضمانات أمنية لمرحلة ما بعد الحرب. إلا أن السناتور الجمهوري عن ساوث كارولينا، ليندزي غراهام، حذره وطلب منه أن يسير على مهل في أي خلافات، وبعبارة أخرى منح ترامب انتصاراً.
وحث وزير الدفاع الأوكراني يرماك زيلينسكي على التركيز على صفقة المعادن، حيث سيتم طرح الضمانات الأمنية فيما بعد. لكن زيلينسكي، الذي استفزه فانس، حاد عن الطريق، ما قاد إلى “كارثة” حسب وصف المشرع الأوكراني أوليسكي كونتشارينكو.
وكان زعيم المعارضة الروسية، الذي لديه خبرة في التعامل والجلوس مع رجل قوي، ميخائيل كودروسفكي منزعجاً أيضاً من الأحداث التي شاهدها عن بعد: “أنا أفهم ألم الرئيس زيلينسكي، إحباطه من عجزه في مواجهة معتدٍ متفوق. لكن العمل يعلم درساً قاسياً: مشاكلك هي مشاكلك، وإذا كنت تريد من الطرف الآخر أن يتفاعل، فانسَ مشاكلك وركز على مشاكلهم، وليس كما تراها أنت، بل كما يرونها هم. أظهر لهم أنك الحل لمشاكلهم”، حسب قوله لمجلة “بوليتيكو”. وأضاف: “فشل الرئيس زيلينسكي في هذا، وتحدث عن العدالة وأوروبا، متجاهلاً الطريقة التي ينظر فيها ناخبو ترامب للوضع. وأمل أن يكون لدى الرئيس الأمريكي الحكمة ليرد على الأحداث بوضوح وبراغماتية”.
زعيم المعارضة الروسية: مشاكلك هي مشاكلك، وإذا كنت تريد من الطرف الآخر أن يتفاعل، فانسَ مشاكلك وركز على مشاكلهم، وليس كما تراها أنت، بل كما يرونها هم
ورغم ما تركته المشادة من حالة عدم اليقين على العلاقات الأوكرانية- الأمريكية، إلا أن زيلينسكي يحظى بدعم داخلي لموقفه الثابت. وحتى النواب الأوكرانيين الذين انتقدوا قيادته، احتشدوا حوله، مع أنهم يقولون في ما بينهم إن الرئيس فشل في تكييف لغته مع لغة الإدارة الجديدة. لكن الجميع يرون أنه عكس بأمانة الرأي العام الأوكراني، ودافع بحماس عن أمتهم التي تعرضت لاعتداء وحشي وعبّر عن القلق الذي يشعر به سكان البلاد بشأن احتمال وقف إطلاق النار الذي يجعلهم عرضة للعدوان الروسي المتكرر.
وقالت النائبة المعارضة ليسيا فاسيلنكو: “لقد كان الأمر في الحقيقة بمثابة ضرب رجل واحد من قبل زعيم دولة أكبر بكثير، دولة يفترض أنها صديقة. لقد كان ذلك تنمراً، وخرج زيلينسكي قوياً جداً”.
وتأسف النائب ميكولا كنياجيستكي للحادث، وقال للمجلة: “كان ينبغي ألا يفشل الاجتماع بين زيلينسكي وترامب. نحن ملتزمون بالتعاون مع أمريكا ونأمل أن تهدأ المشاعر، ما يسمح للحوار بالعودة إلى مسار بناء. يريد الأوكرانيون، أكثر من أي شخص آخر، السلام. نحن مستعدون للمفاوضات، ولكن يجب أن تأتي من موقف القوة، وليس الاستسلام”.
والسؤال الكبير هو ما إذا كان الضرر لا يمكن إصلاحه؟
يعلق البعض على الجانب الأوكراني آمالهم على رد فعل ترامب اللاحق وهو يتجه إلى منتجعه في فلوريدا. وقال خبير السياسة الخارجية الجمهوري لـ “بوليتيكو”: “لم يكن يزبد ويرعد، وقد أشار إليّ بعض الأشخاص في الإدارة إلى ذلك. يبدو أن شعور ترامب هو أن زيلينسكي ليس في حالة نفسية مواتية بسبب ضغوط السنوات الثلاث الماضية”، و”أستطيع القول لك، مع ذلك، فبدون اتفاقية المعادن، فلا طريق إلى الجحيم يذهب فيه ترامب إلى الكونغرس ويطلب المزيد من المال لأوكرانيا، وهذا هو الهدف من كل هذا، وبدونه فإن احتمالية حدوث هذا ستظل صفراً”.