مقالات

د. عبد القادر إبراهيم حمادالسامية بين المفهوم التاريخي والتضليل المعاصر جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء الشعب الفلسطيني قمة العداء للسامية

المسار الإخباري :أثار قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتَي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المقال يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب المتواصلة على قطاع غزة، غضباً إسرائيلياً واسعاً، وسارع العديد من مسؤولي دولة الاحتلال إلى تكرار مقولتهم المشهورة بأن ذلك معاداة للسامية.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها دولة الاحتلال اشخاص أو مؤسسات بأنها معادية للسامية، فلقد سبق واتهمت المظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة ودول أوربية بأنها معادية للسامية، وانساقت الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوربية وراء الرواية الإسرائيلية باتهام أي تصريح أو عمل لا يروق لدولة الاحتلال بأنه معاد للسامية.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه…ما مدى صحة هذه المقولة، وهل مصطلح السامية يشمل يهود أوروبا، أم أنه أصبح مجرد مصطلح سياسي تكرره دولة الاحتلال ومن يسير في فلكها خاصة الولايات المتحدة والدول الغربية؟؟؟

والغريب أن مصطلح “معاداة السامية” أصبح يستخدم كأداة سياسية لتبرير الجرائم التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي سواء في فلسطين أو خارجها، وتوجيه أصبع الاتهام لأي شخص أو مؤسسة تنتقد الممارسات الإسرائيلية وتصنفها بأنها معادية لليهود مما يكشف عن المغالطات الجسيمة المنشرة الان الخاصة بهذا المفهوم.

ويتضح زيف الادعاءات الإسرائيلية بهذا الخصوص بالعودة إلى المفهوم التاريخي لهذا المصطلح حيث يشير مفهوم هذا المصطلح من الناحية التاريخية إلى الشعوب التي تعود أصولها إلى سام بن نوح خاصة العرب والآراميين والأشوريين وغيرهم، والتي انتشرت في العديد من المناطق خاصة بلاد الرافدين والسواحل الشرقية للبحر المتوسط وشبه الجزيرة العربية، وكانوا يتحدثون اللغات التي باتت تُعرف اليوم باللغات السامية، مثل: العربية والعبرية والسريانية. ولكن في ظل بروز الحركة الاستعمارية في العصر الحديث ونشأة الحركة الصهيونية، أصبح هذا المفهوم يقتصر على اليهود فقط خدمة لأهداف سياسية خاصة منع أي إنتقاد لدولة الاحتلال وما ارتكبته ومازالت من جرائم خلال العقود الماضية.

وبالرغم من ذلك، فإن دمج يهود أوروبا الذين ينتمون الى قوميات مختلفة، ويتحدثون لغات عدة بهذا المصطلح يعد خطأً علمياً وتناقضًا تاريخيًا وإثنيًا الأمر الذي يجعل من هذا المصطلح مصطلحاً ليس لع علاقة بالواقع التاريخي أو الإثني سيما عند الإشارة إلى أي موقف أو سلوك يوجه ضد اليهود في اية بقعة من بقاع العالم.

مع قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، تم استغلال مصطلح “معاداة السامية” من قبل حكومات الاحتلال ومؤسساته المختلفة ومن يدور في فلكها من الدول الغربية كذريعة لتبرير سياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، الذين هم ساميون بالأصل، حيث أن أي سلوك أو أي نقد يوجه للسلوك أو الممارسات الإسرائيلية يوصف فورًا بأنه عداء لليهود والسامية، في الوقت الذي يتم فيه تجاهل الحقائق التاريخية الثابتة التي تُظهر أن السامية تشمل العديد من الشعوب، وليس اليهود فقط. فعلى سبيل المثال، تتهم الأبواق الإسرائيلية والغربية الفلسطينيين خاصة والشعوب العربية عامةً، وهم يمثلون جزءًا رئيسيًا من الشعوب السامية بالعداء للسامية في الوقت الذي يواجه فيه الفلسطينيين والعرب اعتداءات مباشرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مما يكشف عن التناقض الصارخ في استخدام هذا المصطلح للترويج لأغراض سياسية دون أي إلتزام أو حتى احترام لمعناه الحقيقي.

وعلى ضوء الحقائق التاريخية الراسخة، فإن ما قوم به الاحتلال الإسرائيلي من جرائم ومجازر بشعة بحق أبناء الشعب الفلسطيني وتشريد الشعب الفلسطيني الأعزل، وسلب أراضيه يمثل بما لا يقبل الشك قمة العداء للسامية، حيث يتم استهداف شعوبًا سامية تعود جذورها إلى نفس التاريخ إن لم يكن قبله الذي تدعي فيه سلطات الاحتلال الاحتلال انتماءها إليه.

إن إدراك الحقيقة التاريخية التي تفصل بين يهود أوروبا وبين السامية سيعيد للمصطلح معناه الحقيقي، ويكشف التناقضات المتعمدة في استخدامه، إذ أنه من الضروري أن يتم تبني فهماً أوسع وأدق لمفهوم لسامية بما يضمن حقوق جميع الشعوب السامية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، الذين يعاني من اضطهاد حقيقي على يد الاحتلال الإسرائيلي.

إن استعادة المفهوم الحقيقي للسامية يتطلب مواجهة هذا التلاعب السياسي من قبل دولة الاحتلال والكثير من المنظمات اليهودية والدول الغربية، وبيان حقيقة هذا المفهوم، حيث أن ما يتم هو أداة دعائية بُنيت على مغالطات تاريخية لتشويه الحقائق ليس إلا وإسكات المعارضين، مع التأكيد على أن حقوق الشعب الفلسطيني لا تقل أهمية عن أي حقوق أخرى تحت مظلة هذا المصطلح.