المسار الاخباري :في مشهد محزن، انفض حشد كبير جدا من السكان، سقط الكثير منهم على الأرض، وداسهم آخرون جياع، بسبب التدافع أمام أحد المخابز القليلة العامة في وسط القطاع، ليبدأ معها مشهد مؤلم يساوي تلك المشاهد التي تخلفها يوميا قوات الاحتلال في مجازرها المستمرة بقطاع غزة.
أثبت المشهد الجديد أن الفلسطيني في غزة يواجه الموت بشتى الطرق، ما دام السبب الرئيس موجودا وهو الاحتلال. فالموت أصبح محتوما إما بالصواريخ الفتاكة التي يطلقها الجيش الإسرائيلي، أو بالجوع جراء سياسات الحصار الممنهجة.
وفي المشهد الجديد الذي ينذر بمخاطر كبيرة قادمة مع ازدياد حالات الجوع وسوء التغذية، قضى ثلاثة فلسطينيين جراء التدافع أمام المخبز للحصول على كمية من الخبز، تكفي بالكاد الأسرة ما يسد جوعها في يوم واحد، وهم طفلان وسيدة.
وقال مواطنون تواجدوا في محيط المكان، إن الحادثة كانت ستودي بحياة آخرين بينهم أطفال، لولا تدارك بعض الشبان الذين شرعوا على الفور بوقف التدافع والمساعدة في رفع الضحايا الذين طرحوا أرضا جراء الزحام، ليتكشف في نهاية المشهد المؤلم، وجود ضحايا أسفل الكتلة البشرية التي تساقطت فوق بعضها البعض.
شهود عيان تواجدوا في المكان، قالوا إن الضحايا انتشلوا وقد لفظوا أنفاسهم الأخيرة. فيما كان آخرون يعانون من إصابات جراء التدافع، وبينهم من كاد يفقد حياته في مشهد مؤلم جدا، خاصة وأن الأطفال وصلوا للمخبز للحصول على القليل في ظل الظروف الصعبة وتفشي المجاعة.
وفي ذلك المكان، تعالى الصراخ في اللحظات الأولى من وقوع الحادثة، فيما زاد الأمر بعد اكتشاف الحادثة الأليمة، وأصيب الكثير من الأطفال هناك بحالات هلع، فيما هرع الأهالي بعد سماع الخبر للمكان لتفقد أطفالهم أو أفراد أسرهم الذين توجهوا لمهمة جلب الخبز.
والمعروف في قطاع غزة، أن العوائل تقسم مهمات العمل اليومي في ظل الحرب والنزوح والحصار على أفرادها، حيث توكل مهمة جلب المياه وحملها للرجال، كما توكل لهم مهمة البحث عن الطعام، فيما توكل مهام شراء الخبز إلى الأطفال والنساء أحيانا، حيث يضطرون للذهاب مبكرا في ساعات الفجر، للاصطفاف في طابور طويل أمام المخابز العاملة، للحصول على ربطة خبز بزنة نحو ثلاثة كيلوغرامات، وهي بالكاد تكفي أفراد الأسرة الذين باتوا يعتمدون على الخبز كوجبة أساسية، في ظل شح باقي المواد التموينية من الأسواق، وارتفاع أثمان أخرى.
هذا وسلطت الحادثة الضوء أكثر على واقع أزمة الدقيق في قطاع غزة، والتي سببها منع سلطات الاحتلال قوافل المساعدة من الدخول إلى القطاع بالكمية التي تكفي السكان، وعلى المواد التموينية التي تضع سلطات الاحتلال قيودا مشددة على دخولها.
ومؤخرا أعلنت منظمات إغاثية في غزة، أن المساعدات التي تسمح السلطات الإسرائيلية بدخولها للقطاع غير كافلة، وأن ما يدخل لا يلبي سوى 6% من حاجة السكان، وقد أصاب ذلك الكثير من السكان خاصة الأطفال بأمراض سوء التغذية.
ولذلك يواجه سكان قطاع غزة أزمة شديدة في الحصول على الدقيق، حيث لم تشرع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين منذ عدة أشهر في توزيع الدقيق على السكان. وفي هذا الوقت أصبح ثمن “كيس” الدقيق بوزن 25 كيلوغراما يباع بأكثر من 200 دولار أمريكي، بعد أن كان ثمنه أقل من 10 دولارات في السابق. ويفوق الثمن الجديد قدرة السكان المادية، في ظل معاناتهم جميعا من الفقر بسبب الحرب، وهو ما يضطرهم للاصطفاف في طوابير أمام المخابز، وقد يصل إليهم الدور بعد خمس ساعات من الانتظار.