الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 8/12/2024
سوريا بعد الأسد قد تصبح بلاد ميليشيات
بقلم: تسفي برئيل
صورة المشكال السورية تتغير تقريبا كل ساعة ومعها تتغير الوان خارطة السيطرة للقوات التي تقسم سوريا الى اجزاء. خلال عشرة ايام نجحت قوات المتمردين بقيادة هيئة تحرير الشام، بقيادة أبو محمد الجولاني، في السيطرة على مدينة حلب، المدينة الثانية من حيث الحجم في الدولة، وعلى مدينة حماة، ووصلت الذروة ليلة أمس عند احتلال حمص ودمشق واعتراف رئيس الحكومة السورية محمد غازي الجلالي، بأن نظام الرئيس بشار الاسد قد سقط.
في الجنوب سيطرت أمس قوات للمتمردين (غير تابعة لهيئة تحرير الشام) على مدينة السويداء وجزء من محافظة درعا، التي بدأت فيها الحرب الاهلية في 2011. وللمرة الاولى انسحبت قوات النظام من القنيطرة في هضبة الجولان السورية. في الشرق نشر عن سيطرة مليشيات محلية وكردية على اجزاء من مدينة دير الزور ومدينة بوكمال، الموجودة على المحور الرئيسي بين بغداد وسوريا.
المعركة الرئيسية التي شكلت بداية انهيار النظام في سوريا كانت على مدينة حمص، التي تشرف على طريقين، نحو الغرب الى مدينة اللاذقية التي تتركز فيها قوات الجيش السوري وفيها يوجد تجمع كبير من العلويين المؤيدين للنظام، والتي بالاساس في محيطها توجد قواعد روسية. ونحو الجنوب باتجاه العاصمة دمشق.
في الشبكات الاجتماعية، حسب المركز السوري لحقوق الانسان الذي مقره في لندن، وتقارير وموثوقة، فان قوات الجيش السوري وجدت صعوبة في صد الهجوم حتى ولو تلقت مساعدات عن طريق طلعات قصف للطائرات الروسية. اكثر من 300 ألف شخص تركوا بيوتهم حتى الآن، والجنود في الجيش الاسرائيلي هربوا بجموعهم والقوا السلاح، وفي بعض الافلام شوهد رجال مليشيا مؤيدة لايران وهم يتركون مواقعهم ويظهر أنهم يهربون الى منطقة الحدود مع العراق. مثلهم ايضا غادر سوريا ضباط كبار في حرس الثورة الايراني ورجال “قوة القدس”، في حين أن الاردن ولبنان اغلقا أمس المعابر الحدودية بعد سيطرة قوات المتمردين على الجانب السوري للمعابر.
اهداف المعركة العسكرية المخطط لها حسب الجولاني خلال اشهر، هي احتلال دمشق وعزل نظام الاسد. واذا كان ذلك قد ظهر قبل عشرة ايام كهدف طموح جدا – حيث لم يكن معروف في حينه اذا كان الجولاني سينجح في اثارة من جديد العصيان في جنوب سوريا وتنظيم حركة كماشة في الجنوب وفي الشمال وبدون معرفة كيفي سترد ايران وروسيا اللتان منحتا النظام الحزام الامني له وقامتا بالانقلاب الذي اعاد الى سيطرته 70 في المئة من اراضي الدولة – فان التطورات في اليوم الاخير على الارض والخطوات السياسية اثبتت أن هدف زعيم المتمردين المسلمين تحول بسرعة الى هدف واقعي.
ليس فقط أن ايران اخرجت من سوريا جزء من قواتها وقيادتها العليا، وزير الخارجية عباس عراقجي قال في يوم الجمعة بأن “مصير الاسد غير معروف”، بعد ذلك أوضح بأنه لا يوجد أي قرار لايران من اجل ارسال قوات الى سوريا، واذا طلب الاسد فان “ايران ستفحص ذلك”. هذه الصيغة بعيدة جدا عن التعهد السابق الذي نشر فقط قبل بضعة ايام، الذي يقول بأن “ايران ستقف دائما الى جانب سوريا وستدعمها اذا كانت حاجة لذلك”.
روسيا استخدمت سلاح الجو ضد اهداف للمتمردين، لكن ردها لم يقترب من حيث الحجم الى الذي بدأ في شهر ايلول 2015 عندما قررت الدخول في المعركة في سوريا بكامل القوة.
أمس التقى في الدوحة، عاصمة قطر، وزراء خارجية تركيا وايران وروسيا ودول “عملية الاستانة”، التي تم تشكيلها في 2017 بهدف صياغة حل سياسي متفق عليه بين النظام السوري والمعارضة في سوريا، من اجل اتخاذ قرار حول رد محتمل ومحاولة التوصل الى اتفاق لانهاء الحرب. هذه الدول اعلنت عن التطلع الى الحفاظ على “وحدة سوريا”، جغرافيا ونظاميا، ولكن كل واحدة منها يوجد لها تعريف مختلف لسوريا نفسها. بالاساس كل واحدة من دول الاستانة كانت تأمل في أن تحقق لنفسها انجازات سياسية، أو على الاقل اقل قدر من الخسائر. مع ذلك، في ظل غياب قوات مساعدة كبيرة، من ايران وروسيا، لمساعدة النظام السوري فان وتيرة الاحداث المتسارعة أملت واقع جديد على الارض، المتمردون فيه سيطروا على دمشق والاسد هرب من الدولة. اضافة الى ذلك ربما أنه لم يعد بالامكان وقف العملية التي بدأت والتي فيها تفككت سوريا الى محافظات حكم ذاتي، وحتى مستقلة، ستتم ادارتها على يد مليشيات متخاصمة وعصابات محلية.
الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، حاول في السنة الاخيرة تسويق للاسد، بدون نجاح، البدء في مفاوضات مع المتمردين لوقف عملية تفكك سوريا. وحتى بعد بدء هجوم المتمردين عاد اردوغان واقترح اجراء مفاوضات، ولكن مرة اخرى رفض ذلك عندما اشترط الاسد اجراءها بالانسحاب الكامل لتركيا من اراضي سوريا. يبدو أن اردوغان امسك بيده ورقة المساومة الاقوى بكونه حليف ومقدم الحماية والتمويل والتسليح لتحالفين اساسيين للمتمردين، “الجيش السوري الوطني” الذي في السابق عرف باسم “جيش سوريا الحر”، الذي دمج في صفوفه عدد من المليشيات الصغيرة، و”هيئة تحرير الشام” التي بادرت الى شن الهجوم. الرافعة التي توجد لديه تضم التهديد باغلاق قناة التمويل واغلاق المعابر بين تركيا وشمال سوريا، التي تشكل مصدر الدخل الاساسي لهذه المليشيات.
لكن تطورات الايام العشرة الاخيرة تغير وزن رافعة الضغط التركي. مليشيات الجولاني سيطرت على مخازن سلاح ووسائل قتالية ومعدات عسكرية للجيش السوري واعتمادها على السلاح من الخارج انخفض. ايضا خلال السنوات التي تركزت فيها في ادلب بدأت في انتاج السلاح بنفسها، مثل المسيرات والسيارات المصفحة. اضافة الى ذلك الانتصارات السريعة يحاول الجولاني ترجمتها الى مكاسب سياسية له، ولا يوجد أي تأكيد على أنه بعد ذلك سيكون جندي مطيع لتركيا.
الجولاني (42 سنة)، الذي بدأ طريقه كزعيم للقاعدة في سوريا، وفي 2016 انفصل عن المنظمة، اصبح يتحدث ويتصرف كـ “زعيم لكل السوريين”. في مقابلة مع “نيويورك تايمز” في يوم الجمعة قال، ضمن امور اخرى، أنه منفتح على كل الحلول السياسية، ” الآن ليس هو الوقت المناسب لذلك”. هذا الوقت المناسب كما يبدو جاء بعد أن سقطت دمشق والاسد. في غضون ذلك أمر قواته بـ “التعامل باحترام” مع الجنود السوريين الاسرى والمتعاونين معهم. وقد قال أمس إن المؤسسات ستبقى تحت اشراف رئيس الحكومة الجلالي الى حين نقل السلطة رسميا. رجاله ايضا وزعوا ايضا على الشخصيات الكبيرة في سوريا، التي عملت من قبل النظام، “بطاقات حماية” التي من شأنها منع المس بهم في حالة اعتقالهم، وذلك للاثبات بأنه لا يعمل بدافع الانتقام. وبكونه يدرك جيدا أنه مسلم راديكالي، يثير الخوف والقلق من نيته اقامة في سوريا دولة شريعة متشددة، فقد اطلق مؤخرا تصريحات تصالحية وتعهد باحترام الاقليات الدينية والعرقية.
كبديل للاسد الجولاني لا يمكنه الاستمرار في رؤية ايران وروسيا والمليشيات المتفرعة عنها شركاء محتملين، لكن ايضا الافتراض بأنه يوجد في جيب تركيا يحتاج الى دليل، حيث أنه كـ “زعيم للسوريين” فسيتعين عليه مواجهة خصوم اشداء في الداخل، مثل المليشيات المنافسة التي توجد في السويداء ودرعا، والتي في هذه الاثناء اتحدت معه في جهود اسقاط الاسد، ايضا مواجهة قوات الاكراد التي سارعت في نهاية الاسبوع الى السيطرة على المزيد من المناطق في شمال شرق الدولة. القوات الكردية، التي سيطرت على دير الزور وعلى معبر بوكمال، قامت بمواجهات شديدة مع القوات التركية التي بدورها حاولت السيطرة على مدينة منبج، وهي من المعاقل المهمة للاكراد في غرب نهر الفرات.
توحد قوات الاكراد وقوات هيئة تحرير الشام سيلزم الجولاني بايجاد تسوية بين رغبة الاكراد في الحفاظ على الحكم الذاتي وبين طموح تركيا بابعادهم 20 – 30 كم عن منطقة الحدود. فهل ستوافق تركيا على منح المليشيا الخاصة بها للاكراد انجازات على حساب ما تعتبره تهديد لامنها القومي؟ هل الجولاني، الذي يطمح الى احاطة نفسه بدعم وطني ساحق، سيوافق على مواصلة تركيا شن الحرب ضد الاكراد في حين أنه عمل على اقامة معهم تحالف حكومي؟.
إن انهيار نظام الاسد يعتبر ضربة استراتيجية غير مسبوقة، لم تتكبدها ايران منذ انتهاء الحرب بينها وبين العراق. مقابل تركيا، التي توجد لديها بدائل سياسية يمكن أن تمنحها في سوريا هامش نفوذ اوسع من الذي منحه الاسد، خيارات ايران يمكن أن تتبخر. ليس فقط أن مليارات الدولارات التي اعطتها ايران للاسد بخطوط اعتماد، النفط والسلاح، ذهبت هباء، ومكانة سوريا الاستراتيجية كانبوب الاوكسجين لامتداد ايران في لبنان (حزب الله) – ربما الامتداد الاكثر اهمية – ستكف عن الوجود.
سوريا حافظ الاسد، والد بشار الاسد، كانت الدولة العربية الوحيدة التي ايدت ايران، وليس العراق، في الحرب. ولكن الاسد الأب عرف دائما كيفية الحفاظ على مسافة آمنة من محاولة سيطرة طهران على دمشق، وايران ايضا لم تعتبر الزعيم السوري واحد من جماعتها. الزعيم الاعلى لايران في حينه، آية الله الخميني، قضى بان الاسد ليس شيعي حقيقي، بل هو علماني غير مؤمن. بشار اعتبر الذي حول سوريا الى “محافظة اخرى لايران”، كما صرح قبل سنوات احد فقهاء الشريعة الكبار في ايران، لكنه ايضا امتنع عن الانضمام الى “حلقة النار” ولم يشارك في “وحدة الساحات”، واوقف هجمات “قوة القدس” في حرس الثورة الايراني ضد اسرائيل من اراضي سوريا، وتجاهل هجمات اسرائيل على سوريا ضد الاهداف الايرانية ومنشآتها وقوافل السلاح لحزب الله. ايضا رغم المساعدات الكبيرة التي قدمتها ايران له في الحرب الاهلية، إلا أن نصيبها في المكاسب الاقتصادية اقل بكثير من نصيب روسيا. خلافا للنفوذ الايراني المشروط في سوريا فان لبنان قصة مختلفة. ففي لبنان حزب الله يعطي حتى الآن لايران سيطرة مباشرة وتقريبا غير محدودة.
الضربة التي حصل عليها حزب الله في لبنان اجبرت ايران على الموافقة على الشروط القاسية من ناحيتها في اتفاق وقف اطلاق النار. حتى الآن هذا الاتفاق ينص على أنه يجب على لبنان نزع سلاح حزب الله، لكن امكانية تنفيذ هذا البند ضئيلة اذا لم تكن معدومة. اضافة الى ذلك حزب الله كمنظمة وحركة وقوة تؤثر في سياسة لبنان ما زال قائما، وهكذا فهو يحافظ على اداة تأثير ايران في لبنان. ولكن اذا نجحت الحرب في سوريا في تقليص مكانة ايران، أو حتى طرد قواتها وقوات حزب الله، والفصل الجغرافي بين حزب الله ومصادره اللوجستية العسكرية، فسيكون هناك تأثير كبير على قدرته على اعادة ترميم نفسه كمنظمة عسكرية.
لكن امام الاحتمالية التي كانت قائمة لتحرير سوريا من نظام الاسد ومن التواجد الايراني فان الدول العربية، التي في معظمها عبرت حتى الآن عن دعمها للاسد وعرضت عليه المساعدة (ليس بالسلاح والجنود) تقلق بالاساس من البديل الذي سيأتي مكانه الآن. سيطرت المليشيات على الدولة، مهما كان طابعها الايديولوجي، يعتبر تهديد للانظمة التقليدية التي تعتمد على السيطرة الاستبدادية. هذا النجاح، كما يبدو في ثورة الربيع العربي، يوجد له تأثير معدٍ، يمكن أن يشجع منظمات وحركات متمردة. في بعض الدول نجحت في الحقيقة حركات التمرد في اسقاط النظام، فقط من اجل العودة الى نظام مستبد بعد ذلك، وفي بعضها مثلما في اليمن وليبيا والسودان تطورت حروب اهلية مزقتها الى شظايا.
التحدي والتهديد الفوري يكمن في طبيعة النظام الذي سيقوم في سوريا، وتجاه من سيوجه السلاح. ايضا العصيان المدني في 2011 مهد الطريق لسيطرة داعش على مناطق في سوريا والعراق، والآن حسب التقارير فان داعش في سوريا استأنف نشاطاته في عدد من المناطق التي انسحبت منها قوات النظام مثل مدينة تدمر ومنطقة الحدود الصحراوية. عندما يكون هذا هو البديل فان بقاء الاسد في السلطة كان يمكن أن يعتبر ثمن معقول.
———————————————
إسرائيل اليوم 8/12/2024
ترامب سيفهم قريبا بان التطورات في سوريا ستؤثر على المنطقة كلها
د. يوسي منشروف
باحث في شؤون ايران، حزب الله والميليشيات الشيعية في معهد مسغاف للامن القومي والاستراتيجية الصهيونية
اعلان الرئيس الأمريكي الوافد ترامب في أن ليس في نيته أن يتدخل في الحرب في سوريا لان “هذه ليست حربنا” يدل على نظرة ضيقة تستوجب انتقالا الى رؤية إقليمية واسعة.
حملة الاحتلالات التي تقوم بها جماعة المتمردين في سوريا بما في ذلك معاقل هامة لنظام الأسد، وصحيح حتى كتابة هذه السطور باتوا يتواجدون في بوابات دمشق ويطوقونها. إنجازات الثوار تمس بالذخائر الاستراتيجية لإيران في سوريا، بما في ذلك في احد معابر الحدود بين العراق وسوريا، في مدينة البوكمال، عمق زجاجة مركزي في المحور البري بين ايران وحزب الله. مسؤولون كبار في منظومة الارساليات الإيرانية صرحوا عن استعدادهم لان يصارعوا بتفانٍ لاجل الأسد، وامين عام حزب الله نعيم قاسم اعلن في خطابه يوم الخميس بان حزب الله سيقف الى جانب الأسد بقدر ما يستطيع. لكن في ذلك ما يغطي على المشاكل العويصة التي يوجد فيها الاسد. شهادات بارزة على ذلك يمكن ان نراها في اخلاء قادة فيلق القدس من سوريا الى لبنان والى العراق وفي اعلان الكرملين في ان ليس في نية موسكو انقاذ نظام الأسد. يبدو أن الأسد، اذا كان لا يزال يتبقى في دمشق لن تتمكن ايران وروسيا من إنقاذه مثلما في 2015. في هذه الساعات تتطلع العيون الى ايران، التي ترى في سوريا “حلقة أساسية” في المحور الممتد من طهران الى بيروت. ففي ذروة الحرب الاهلية في سوريا في صيغتها السابقة، سارع مهدي خزعلي، عضو طاقم التفكير الاستشاري لخامينئي في شباط 2013 بان طهران يمكنها أن تخسر اقليمها الجنوبي خوزستان (الغني بابار النفط) لا ان تخسر سوريا، لان سقوط سوريا معناه في نهاية الامر سقوط طهران. منذ استؤنفت الحرب في سوريا، اعلن مسؤولون في ايران ان هذه تشكل “مؤامرة أمريكية إسرائيلية” تتطلع للوصول بعد سوريا والعراق – الى ايران.
الوضع الصعب لحزب الله الذي يجعل من الصعب عليه مساعدة الأسد مفهوم في ضوء الضربة التي تلقاها من إسرائيل. لكن الظروف التي بسببها لا توجد ايران في “الوضع السابق” الذي كان يمكنها فيه ان تساعد نظام الأسد، مثلما شرح مسؤول امريكي في مقابلة مع “الجزيرة” لم تتضح بعد لكن يبدو أنا ستتضح في الأيام القريبة القادمة.
مهما يكن من أمر، سيفهم ترامب قريبا بان التطورات في سوريا ستؤثر على المنطقة كلها، واولا وقبل كل شيء على طهران. التغييرات الهامة في المنطقة في ظل حرب السيوف الحديدية واستئناف الحرب في سوريا تسرع تحديد مفهوم الامن وفقا للاحداث. في هذا الإطار تنطلق مزيد من الأصوات بين كبار المسؤولين، الأبواب ورجال الدعاية في النظام الإيراني ممن يدعون خامينئي الى تغيير عقيدة النووي الإيرانية وإنتاج سلاح نووي وذلك بهدف ترميم قوة الردع الإيرانية التي تضررت بشدة في ظل الاحداث والهجوم الإسرائيلي غير المسبوق في أكتوبر.
إسرائيل والإدارة الامريكية الوافدة ملزمتان بوضع خطة استراتيجية تستجيب للاحتياجات الأمنية للدولتين في ضوء الواقع المتغير في سوريا الذي يؤثر على المنطقة كلها.
———————————————
معاريف 8/12/2024
مطلوب ضغط أمريكي على إسرائيل لانهاء الحرب وإعادة المخطوفين
بقلم: ميخائيل هراري
الحرب في غزة تتواصل منذ اكثر من سنة ولا يوجد ما يؤشر الى أن إسرائيل تعرف كيف تستنفد إنجازاتها العسكرية، فما بالك إعادة المخطوفين. حان الوقت ان يشمر لاعبون خارجيون حاضرون اكمامهم ليرسموا لإسرائيل المسار لعمل ذلك.
في هذه الساعة يمكن الإشارة الى نشاط مصري لتصدر خطوة في هذا الاتجاه. الولايات المتحدة تنتظر دخول إدارة جديدة، ومن جهتها تسمع تلميحات بان الرئيس الجديد القديم يحذر من أنه “يجب تنظيف الطاولة” قبل دخوله الى البيت الأبيض. فهل هذا سيكفي لاجل الوصول الى وقف نار، وبعده انهاء الحرب وبالطبع إعادة المخطوفين؟ يبدو أن الجواب ليس إيجابيا.
من عموم الأفكار التي تصعد الى الجو في الأيام الأخيرة يمكن خلق منحى حديث يمكن لإسرائيل وينبغي لها ان توافق عليه. فماذا يتضمن؟
وقف نار من 60 يوما، في اثنائها تنتشر إسرائيل بشكل مختلف في القطاع. لا يدور الحديث عن انسحاب تام. اقتراحات مختلفة مطروحة، على ما يبدو، على الطاولة، بينها انسحاب من معبر رفح لاجل السماح بفتحه بتنسيق مع السلطة الفلسطينية أو باشرافها.
مساعدات إنسانية اكثر سخاء. من الصعب جدا فهم المنطق الإسرائيلي الذي يمنع، او يخلق تقنينا “ذكيا” للمساعدات التي تدخل الى القطاع. فبعد اكثر من سنة لم يثبت ان الامر يخلق ضغطا حقيقيا على حماس بل يخلق صور جموع جوع يتدفق على مراكز التوزيع والاتهامات تجاه إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. الجانب الأخلاقي جدير بان يوضع امام عيون أصحاب القرار في إسرائيل، وامام عيون الجمهور الغفير. الامر يشكل دليلا على قوة وليس العكس.
إعادة المخطوفين. واضح الان انه لا يمكن تحريرهم احياء دون صفقة. ينبغي الامل، او الافتراض بانه سيكون ممكنا احتمال الثمن الذي ينطوي على ذلك – تحرير عدد كبير من المخربين. على أي حال، تحرير المخطوفين يصرخ الى السماء وهام للمجتمع الإسرائيلي اكثر من انجاز عسكري هو أيضا موضع سؤال.
مظلة فلسطينية متفق عليها لادارة القطاع. يدور الحديث عن لجنة إدارة مشتركة، بقيادة السلطة الفلسطينية، تحظى بموافقة من جانب حماس وتتضمن تأييدا ان رقابة من جهة دولية مقبولة على إسرائيل كالولايات المتحدة.
لا يدور الحديث عن منحى طموح جدا في الظروف الحالية. الحجج ضده معروفة، لكن لا يوجد بديل مناسب، غير احتلال إسرائيل كامل، لزمن طويل، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من معنى، بما في ذلك، إعادة استيطان قطاع غزة باليهود. بديل كهذا يجب أن يوضع لاختبار الناخب. لا يوجد اليوم شك بان تعابير مثل “نصر مطلق” او “سحق حماس” ليست استراتيجية. في أفضل الأحوال، هي تمثل امنية، وفي الحالة الأقل جودة، تضليل واعٍ للرأي العام.
هل يكفي النشاط المصري الان، وبتلميحات من مزرعة الرئيس الوافد في فلوريدا؟ ليس مؤكدا. الساعة تدق، وإسرائيل، كعادتها منذ الازل، لا تتحرك في مسار سياسي دون ضغط أكثر حسما.
———————————————
هآرتس 8/12/2024
الثوار في سوريا سيطروا على دمشق، والرئيس اختفى
بقلم: جاكي خوري
54 سنة من حكم عائلة الاسد في سوريا وصلت الى النهاية: قوات المتمردين احتلت ليلة أمس العاصمة دمشق. ورئيس الحكومة السورية اعترف بأن النظام سقط، وقال بأنه مستعد للتعاون مع أي قيادة يختارها الشعب. ايضا ضابط في الجيش السوري قال لـ “رويترز” بأن القيادة ابلغت ضباط الجيش بسقوط النظام. مصادر امنية رفيعة في الدولة قالت لـ “رويترز” قالت بأن الرئيس بشار الاسد غادر الى مكان غير معروف.
قوات المعارضة قالت إن “الشعب السوري الحر اسقط نظام بشار الاسد”، واعلنت بأنها ستصدر في القريب بيان رسمي للشعب السوري في التلفزيون الرسمي. أبو محمد الجولاني، قائد تنظيم المتمردين “هيئة تحرير الشام” قال بأنه أمر قواته في دمشق بعدم الاقتراب من المؤسسات العامة في المدينة. فحسب قوله هذه المؤسسات ستبقى تحت اشراف رئيس الحكومة الجلالي الى حين النقل الرسمي للسلطة. قوات المتمردين قالت ايضا إنها سيطرت على سجن صدنايا في شمال المدينة، الذي استخدمه نظام الاسد لسجن السجناء السياسيين.
في الجيش الاسرائيلي اعلنوا بأنه يعزز قواته في هضبة الجولان، وحتى أن قوات الجيش دخلت الى المنطقة الفاصلة، التي حسب اتفاق فصل القوات بين اسرائيل وسوريا من العام 1974 يجب أن تكون خالية من قوات الجيش. في الجيش قالوا انهم ادخلوا القوات الى المنطقة كجزء من تعزيز القوات لصالح المهمات الدفاعية، حيث أنه في هذه المنطقة يوجد الكثير من المسلحين الذين ينتمون لتنظيمات لا تلتزم باتفاق فصل القوات بين الدولتين.
ليلة أمس هاجمت اسرائيل قافلة سيارات مصفحة لحزب الله، التي انسحبت من مدينة القصير في سوريا، هذا ما قالته لـ “رويترز” مصادر في الجيش السوري. وحسب هذه المصادر فان حوالي 150 سيارة مصفحة لحزب الله انسحبت من المدينة، التي تقع في المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان، بعد أن سيطرت قوات المتمردين عليها – القصير كانت المسار الرئيسي لحزب الله من اجل نقل السلاح والقوات الى سوريا ومنها منذ سيطر عليها في 2013.
المتحدث بلسان مجلس الامن القومي الامريكي، شون سفيت، قال إن الرئيس بايدن وطاقمه يتابعون عن كثب “الاحداث الاستثنائية في سوريا ويحافظون على علاقة متواصلة مع شركاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط”.
في وقت سابق مساء امس اعلن تنظيم المتمردين السوري هيئة تحرير الشام بأنه قواته سيطرت على مدينة حمص. وأمس نشر المتمردون بأنهم سيطروا على مدينة القنيطرة في هضبة الجولان السورية، قرب الحدود مع اسرائيل، وأنهم نجحوا في احتلال قاعدة عسكرية على الحدود بين سوريا والاردن. مصادر في الجيش السوري قالت بأن الاكراد احتلوا مدينة دير الزور في شرق الدولة. وأن معبر بوكمال بين سوريا والعراق يوجد الآن تحت سيطرة المتمردين. في جنوب سوريا، المتمردون، بما في ذلك مليشيات درزية، قالوا إنهم احتلوا مدينة درعا بعد التوصل الى اتفاق مع الجيش السوري. ايضا المركز السوري لحقوق الانسان نشر بأن مدينة السويداء القريبة تم احتلالها.
———————————————
يديعوت احرونوت 8/12/2024
في إسرائيل يستعدون لوصول الجهاديين الى الحدود في الجولان
بقلم: رون بن يشاي
هجوم الثوار الجهاديين السُنة، واساسا العجز الذي ابداه جيش النظام السوري أدى الى رد متسلسل لكل الجماعات الاثنية والدينية في سوريا التي تحاول في هذه اللحظة – وفي معظمها تنجح – السيطرة على مناطق عيشها. اذا نظرنا الان الى الصور كلها فهذا تطور جيد لإسرائيل.
اعلن الثوار السوريون أمس عن سيطرتهم على محافظة القنيطرة التي تقع على الحدود مع إسرائيل. يدور الحديث عن قرى كانت لنا علاقات معها ضمن أمور أمور لأننا ساعدناها بمعالجة الجرحى في اثناء الحرب الاهلية. ومع ذلك يوجد خطر ان يحتل الثوار الجهاديون السُنة المنطقة من ايدي القرويين الذين يسيطرون فيها الان. وعليه فان إسرائيل تجري كل الاستعدادات لحالة تغير الوضع.
من خلف الكواليس توجد تطورات مفاجئة. من يدعم الجماعتين الاساسيتين للثوار هو الجيش التركي والرئيس رجب اردوغان. ومع ذلك، يتبين ان إدارة بايدن والولايات المتحدة تجندتا لجهد هاديء، شبه سري، ليس فقط لصد تطلع اردوغان للسيطرة على الجيب الكردي في شمال سوريا، بل – وهذا ما هو اهم – لاجل السيطرة على معقل الميليشيات الشيعية الموالية لإيران على نهر الفرات.
هام لإسرائيل التأثير على الأمريكيين، الذين واصلوا دعم الاكراد كي لا يسمح اردوغان للثوار الجهاديين بالوصول الى منطقة الجولان: من جهة، لن يخرج الامريكيون قواتهم وسيواصلون دعم الاكراد، ومن جهة أخرى ستؤثر الولايات المتحدة على اردوغان كي يبقى الثوار الجهاديون في أماكنهم.
اذا تواصل هذا الوضع، فهذا من ناحية أمن إسرائيل تطور استراتيجي إيجابي اول في سموه. تطور استراتيجي إيجابي آخر من زاوية نظر إسرائيل هو سيطرة الثوار في منطقة درعا على جنوب غرب سوريا، التي تحد إسرائيل والأردن. وما هو أهم من كل هذا هو ان الثوار الذين سيطروا هم أبناء المكان: قرويون سُنة وقرويون دروز من محافظة السويداء المجاورة. وحسب منشورات أجنبية كانت لإسرائيل معهم علاقات طيبة في فترة الذروة للحرب الاهلية السورية ويمكن الافتراض بانهم لن يسارعوا الى العمل ضد إسرائيل، بل وربما العكس.
نشأ وضع سيطر فيه النظام والجيش السوري على المنطقة كجزء من ترتيب روسي – سوري اعد لانهاء الحرب الاهلية. وقضى الاتفاق ان يراقب عسكريون روس عودة الحياة الى طبيعتها ومنع العمليات ضد إسرائيل وضد سكان المنطقة من جانب الجيش السوري. هذه التسوية نجحت وكذا أيضا تسوية الاعمال الجوية في المنطقة التي يشرف عليها الروس ومنعوا في معظم الحالات الصدام بين سلاح الجو الإسرائيلي وبين الطائرات الروسية والسورية التي تطير على مقربة من الحدود. لكن الاستحكامات الروسية على الأرض، حسب تقارير في وسائل الاعلام العالمية فككت في الأيام الأخيرة والمعنى هو ان الروس لم يعودوا يراقبون الموقف، والمحافظة توجد تحت سيطرة الثوار المحليين، وغير الجهاديين في معظمهم.
ينبغي أن نأخذ بالحسبان انه اذا ما وصل الثوار السُنة الى قرب معين من منطقة دمشق، فسيكون تدفق كبير للاجئين نحو الحدود الإسرائيلية، بالضبط مثلما كان في العقد الماضي. في حينه تواجد عشرات الاف اللاجئين تماما على الجدار الحدودي مع إسرائيل في الجولان وإسرائيل استعدت لمنع اقتحامهم لاراضيها – في اعقاب محاولتهم الفرار من الخطر الذي شكله الثوار، ام للمس بإسرائيل بالهام الثوار. حاليا، لا يلحظ بعد لاجئون او جماعات جهادية مسلحة على خط الحدود في الجولان، لكن التهديد قائم. التطورات في سوريا سريعة بحيث ينبغي الاستعداد لكل تطور محتمل، حتى وان بدا الوضع حاليا إيجابيا من ناحيتنا في المناطق المجاورة لحدود إسرائيل في الجولان.
حاليا، الصورة من زاوية نظر إسرائيل ليست سيئة. لكن لما كانت الأمور تتغير بسرعة ولما كانت ايران وتركيا لم تقولا الكلمة الأخيرة، يحتمل كل تحول سريع. بعد الهجوم المفاجيء والمذبحة في 7 أكتوبر الماضي، إسرائيل ملزمة بان تكون في حالة تأهب على الأرض في الجولان، واساسا استخباريا وجويا لكل تطور غير مرتقب في سوريا. الأمور تتشكل ولم تصدر بعد الكلمة الأخيرة.
———————————————
يديعوت احرونوت 8/12/2024
انهيار الحلم الإيراني
بقلم: يوسي يهوشع
ما يحصل هذه الأيام في الشرق الأوسط لا يمكن ايجاده حتى في السيناريوهات الأكثر تفاؤلا التي أسمعت بعد الهجوم المفاجيء لـ 7 أكتوبر. بعد 14 شهرا، فان المحور الشيعي الذي أعد لخنق إسرائيل ينهار امام ناظرينا. رؤيا “طوق النار” لقاسم سليماني، الذي أُعد للسماح لإيران بالتقدم في البرنامج النووي وتعريض وجود إسرائيل للخطر بدأ يدفن مثل من فكر به. الزعيم الأعلى لإيران، علي خامينئي فقد بداية القائد الموهوب للحرب الثوري بعد ذلك حليفه المفضل حسن نصرالله والان نظام الأسد يتفكك هو الآخر. وحسب تقارير في الولايات المتحدة، تدعي الاستخبارات هناك بانه لا طريق للعودة: “جزار دمشق” يوشك على فقدان سيطرته في غضون أيام وفي اقصى الأحوال أسابيع.
مصادر في إسرائيل تتابع عن كثب ما يجري تتفاجأ بالسهولة التي يحتل بها الثوار المزيد فالمزيد من الأراضي المركزية. المفاجأت اكبر بكثير لان الأسد مدعوم من قوى عظمى كروسيا وايران، لكن كلتيهما تخليان من المنطقة مواطنين كانوا هناك وبينهم قادة كبار من الحرس الثوري الإيراني. بكلمات أخرى: كل من تجندوا قبل اقل من عقد لإنقاذ نظام الأسد يفهمون بان اللعبة انتهت.
الوضع الجديد يجلب الى عتبة إسرائيل سلسلة من المسائل تحتاج الى قرارات حادة وسريعة عديمة النشوى والفزع. من جهة سقوط الأسد معناه، كما اسلفنا، ضربة شديدة أخرى للمشروع الإيراني وعمليا قطع أنبوب التنفس الإيراني لحزب الله. في الجيش الإسرائيلي يوجد مسؤولون يشبهون هذا بسد سبل تعاظم قوة حماس في غزة في محور فيلادلفيا. إضافة الى ذلك، فان سيطرة كردية (بدعم امريكي) على حدود العراق – سوريا يمكنها أن تخلق استقرارا يمنع انتقال وسائل قتالية الى الميليشيات الشيعية. من جهة أخرى، ليس كل شيء ورديا حقا في الواقع الجديد المتحقق. أولا، يوجد أيضا ثوار جهاديون والان هم قريبون من حدود إسرائيل اكثر من أي وقت مضى. ثانيا، التقدير هو انه في سوريا تبقت مخزونات من السلاح الاستراتيجي بما في ذلك السلاح الكيماوي الذي من شأنه ان يقع في ايدي جماعات معادية لإسرائيل.
وفقا للتحليل آنف الذكر على إسرائيل أن تعزز جدا الدفاع في حدود هضبة الجولان والتركيز على السيناريو المقلق المتمثل بسيطرة الإرهابيين على سلاح محطم للتعادل. في الجيش الإسرائيلي تقرر منذ الان تعزيز القوات لمهام الدفاع قرب الحدود في هضبة الجولان بحجم بضع كتائب نظامية وبينها مشاة، مدرعات، هندسة ومدفعية. كما تعزز عمل جمع المعلومات الاستخبارية في سوريا انطلاقا من فهم واضح في أنه اذا ما وجد سلاح محطم للتعادل في ايدي جهات يمكنها أن توجهه ضد إسرائيل – فسيكون هجوم إسرائيلي. سنوات الحرب ما بين الحروب اثبتت بانه ليس لإسرائيل أي مشكلة في الهجوم في سوريا، وهذه المرة مشكوك أن تكون حاجة لتنسيق أي عمل كهذا مع الروس.
في الجيش سعوا أيضا لفحص مستوى القوات في ضوء سيناريوهات ارتفعت احتمالاتها جدا في الأيام الأخيرة: في مناورة اركان انتهت امس في شمال غور الأردن وجنوب هضبة الجولان تدرب قسم العمليات على الدفع بقوات تأهب اركانية في الجو والبر في نفس الوقت وشكل ردها على حدث متفجر. في هذه الاثناء، في الميدان، الأمور تحصل على الفور: الجيش الإسرائيلي ساعد في صد هجمة ثوار سوريين ضد استحكام للأمم المتحدة في منطقة قرية الحضر قرب مجدل شمس على مسافة مئات الأمتار عن حدود إسرائيل.
الى جانب سلسلة جلسات كابنت، يدل وصول رئيس الأركان الى حدود سوريا امس على أن إسرائيل تأخذ التطورات بجدية تامة. وقال الفريق هرتسي هليفي: “نحن نعمل على احباط ومنع التهديدات ولكننا لا نتدخل في الاحداث في سوريا. على كل هذه الاقوال من المهم ان نضيف الكلمات التالية: صحيح حتى الان. بالوتيرة التي تجري فيها الأمور من يدري اذا كان هذا سيبقى على هذا النحو.
———————————————
هآرتس 8/12/2024
الضمير الاسرائيلي في حالة مرض شديد، ربما يكون قد مات في هذه الحرب
بقلم: جدعون ليفي
ماذا يجب أن يحدث من اجل أن يستيقظ الجمهور في اسرائيل من اللامبالاة العنيدة؟ أي فظائع يجب أن تحدث من اجل أن تستطيع وسائل الاعلام الرئيسية القيام بدورها والابلاغ عن هذه الاحداث؟ ماذا يمكن أن يشرخ رواية 7 اكتوبر التي تتمرغ فيها اسرائيل بالادعاء الصادم، أن كل شيء بعد 7 اكتوبر هو مباح، وأنها هي فقط الضحية؟.
الآن يبدو أنه لم يعد هناك أي شيء يساعد. أي شيء لن يحطم سقف الزجاج الذي بنته اسرائيل لنفسها من اجل الهرب من البشرى السيئة، التي تأتي الآن بمرافقة ادلة حاسمة: اسرائيل تنفذ جرائم حرب بربرية في قطاع غزة. ليس بشكل استثنائي، بل هذه سياسة. ليست استثناء من القاعدة، بل بشكل روتيني. لم يعد يمكن نفي هذه الرواية مرة اخرى، رغم أن اسرائيل ما زالت تحاول. هل قتل عشرة آلاف طفل آخر سيهزها؟ هل الف فيلم قتل آخر سيؤثر في أي أحد؟ هل ربما اعدام الف رجل وهم مكبلون ووجوههم الى الحائط؟ يوجد شك كبير في ذلك.
الحصانة غير الاخلاقية التي احاطت اسرائيل نفسها بها غير قابلة للاختراق. هي محصنة ضد أي عمل فظيع. اذا خرجت الى حملة تدمير للكلاب في غزة، 100 كل يوم، فستهتز الاركان والضمير الوطني سيستيقظ فقط عندها. ليس بالصدفة أنه يوجد في الجيش أمر صريح لعدم قتل الكلاب، كما نشر الجندي في الاحتياط حاييم هار زهاف في شهادته المثالية، التي كان يجب أن تثير الضجة (“هآرتس”، 5/12). أي شيء آخر، باستثناء قتل الكلاب، الفظيع بحد ذاته، أي مس بالابرياء في غزة، سيتم تبريره ويتم نفيه من قبل جميع الاسرائيليين، الاخيار والاشرار. بهذا الضمير ايضا الترانسفير سيمر هنا بتثاؤب، ايضا مخيمات التجميع وحتى مخيمات التدمير ستجد المبرر لها، 7 اكتوبر.
شهادة هار زهاف الصادمة والواقعية والموضوعية يجب قراءتها، في الجيش والمدارس والكنس والمدارس الدينية والجامعات. هذا لن يحدث لأن اسرائيل لا تريد أن تعرف. اقوال هار زهاف لا أحد يمكنه نفيها. فهو غير كاره لاسرائيل، ايضا كان هناك في ممر نتساريم خلافا للاغلبية الساحقة لمن ينفون الفظائع. واذا لم تكن شهادة هار زهاف كافية، ففي اليوم التالي نشر مقال نير حسون عن مشروع توثيق المؤرخ الشجاع الدكتور لي مردخاي، الصادم اكثر. الدكتور مردخاي قدم قاعدة الادلة الاكثر منهجية وتفصيل حول جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في غزة (“هآرتس”، 6/12). حتى أن نير حسون المنضبط شهد بأن الغوص في بحر أدلة مردخاي كان تجربة مخيفة.
1140 عائلة تم تدميرها بالكامل؛ من بينهم 710 طفل اعمارهم اقل من سنة، وربما هذا هو العدد الاكثر فظاعة؛ 489 شخص من الطواقم الطبية، بينهم 55 طبيب؛ 100 بروفيسور؛ 243 رياضي؛ 4 من الخدج الذين اجبر الجيش الممرض الذي عالجهم على تركهم يموتون؛ 240 مريض ومصاب تم حبسهم في المستشفى بدون طعام.
ما الذي يفعلونه بعد النظر الى كل هذه الارقام؟ ماذا يوجد لقوله؟ فقط رجاء، تنازلوا عن ادارة الحسابات الصغيرة التي يقوم فيها اسرائيليون طيبون مثل نداف ايال (هذا ليس تقريرا… هذا كوكتيل). الارقام ليست موثوقة، وزارة الصحة لحماس، من قال لكم إن هذه هي الحقيقة. يجب انتظار لجنة التحقيق، التي لن يتم تشكيلها في أي يوم، كل هذه المبررات لم تعد سارية المفعول، لا بعدد القتلى المدهش هذا ولا امام الدلائل المتراكمة من كل اتجاه، الى أن يقول حتى موشيه يعلون: جرائم.
نحن لسنا بحاجة الى لجنة تحقيق، بل الى ضمير. ليس احصائيات دقيقة، بل عيون وقلب. انظروا الى كل قناة تلفزيون غير اسرائيلية وسترون. اذا لم ينجح الـ 700 طفل قتيل والذين عمرهم يوم واحد في اثارة قلوب الآباء الاسرائيليين الذين يحبون جدا اولادهم، عندها الضمير الاسرائيلي يكون في حالة مرض شديد. ربما يكون قد مات في هذه الحرب. البربرية هزمت اسرائيل. هي تحولت الى غير انسانية. وهذا من شأنه أن يرافقنا لاجيال قادمة.
———————————————
عن “N12” 8/12/2024
الظروف بدأت تنضج: نتنياهو جاهز لـ”خطوة كبيرة”
بقلم: دفنا ليئيل
بعد “7 تشرين الأول” بـ425 يوماً، يبدو أن الظروف بدأت بالنضوج في غزة والقدس بشكل يمكن أن يسمح بصفقة تبادُل إضافية. إن دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والتهديد الواضح الذي صدر عنه بتحويل الشرق الأوسط إلى جهنم، يهدف إلى تفعيل الضغوط على “حماس” من أجل أن تبدي مزيداً من الليونة. الحركة “الإرهابية” الغزية مستمرة في تلقّي الضربات الميدانية، وتراجعت آمالها بإشعال المنطقة، بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”.
وعلى صعيد سياسي أيضاً يبدو أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يرى أن الفرصة سانحة، بعد أن وسّع ائتلافه بضم جدعون ساعر وتقليص قوة بن غفير، وأيضاً سيصعّب دخول ترامب إلى البيت الأبيض على بن غفير وسموتريتش تفكيك حكومة اليمين.
لكن الأكثر تغيراً هي منظومة الحسابات الخاصة بنتنياهو نفسه. فبعكس جو بايدن، يفتح ترامب أمام نتنياهو فرصاً جديدة يمكن أن تعيد صوغ إرثه من جديد؛ لا يمكنه أن يمحو أحداث السابع من تشرين الأول، حتى لو أعاد المخطوفين، لكنه يمكن أن يصنع إرثه في المنطقة بطرق مختلفة – اتفاق تاريخي مع السعودية، أو تغيير ميزان القوى في مقابل إيران.
هذا لن يحدث، طبعاً، من دون تقدُّم في الساحة الغزية. يبدو أن ترامب لن يسمح بذلك، لا هو ولا شركاؤه الاستراتيجيون في المنطقة. لذلك، يسعى نتنياهو الآن لعقد صفقة موسعة أكثر، يمكن أن يكون اتفاق تبادُل الأسرى فيها أداة ضغط لتحقيق إنجازات كبيرة جداً في ساحات أُخرى. إن صفقة كهذه يمكن أن تسمح له أيضاً، ولشركائه في الائتلاف، بتسويق الصفقة التي يتحفظ الجمهور عليها. الأوقات المصيرية أكثر هي الأسابيع التي تفصلنا عن موعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض – خلال هذه الفترة، يمكن أن يقع كثير من المصائب، مثل أوامر الاعتقال الدولية، وأيضاً الفرص التي لم يحلم أيّ شخص بها، وتبدو الآن ممكنة.
إذاً، علامَ يدور الحديث الآن؟ الحديث الآن عن صفقة جزئية فقط. لا يزال نتنياهو يرفض وقف الحرب، ويفهم أنه من الصعب جداً، سياسياً، أن ينسحب كلياً من القطاع. وعلى الرغم من ذلك، فإنه سيكون من الصعب عليه تسويق صفقة جزئية للجمهور بعد 430 يوماً وأكثر من عام على الصفقة الأولى، لأنه من الصعب جداً ترك مخطوفين، بينهم جنود هناك، ويعتقد كثيرون أن هذا ما سيؤدي إلى هلاكهم.
وماذا يجري في الساحة الداخلية؟ لا يمكن القول، إن الإصلاحات القضائية عادت، لأنها أساساً لم تختفِ قط. ببساطة، إنها تتقدم بخطوات بطيئة أكثر وذكية أكثر، على طريقة الضفدع في المقلاة التي تسخن بالتدريج. الداعمون لها يعرفون جيداً أن المؤتمر الصحافي الذي عقده الوزير ياريف ليفين في كانون الثاني كان خطأً كبيراً. وبدلاً من الدخول من الباب الرئيسي، يدخلون الآن بصمت عبر الشبابيك الجانبية: قانون اختيار مفوض عام الشكاوى بحق القضاة سياسي، وتقليص ميزانيات نقابة المحامين، ورفض تعيين رئيس للمحكمة العليا استناداً إلى الخبرة، وقائمة طويلة من القوانين.
لا تخلو منظومة ضبط القانون من الأخطاء. هذا الأسبوع فقط، ارتكبت النيابة خطأين كلفّاها كثيراً في أوساط الجمهور – اتهام إيلي فدلشتاين بمحاولة الإضرار بأمن الدولة، وهو اتهام رفضه القاضي، والاعتقال الانتقامي الذي تعرّض له هو والضابط. وكذلك الأمر بالنسبة إلى محاولة اتهام المتهمين الأربعة بإلقاء قنبلة ضوئية بالقرب من بيت رئيس الحكومة بـ”القيام بعمل إرهابي وتعامُل متهاون مع النيران والاستهتار”، والإبقاء عليهم في السجن حتى انتهاء الإجراءات. هذه الملفات الحساسة، جعلت النيابة تصعد إلى شجرة عالية جداً، وحاولت المساواة، بشكل واهم، ما بين حقوق المتهمين، وهذا كله بعد فضيحة الملفات التي بدأت بصوت مرتفع جداً، وانتهت بصوت منخفض وضعيف.
هذا مؤسف جداً، لأن الأخطاء تُستغل سياسياً من أجل القيام بموجة قوننة بعيدة كل البعد عن أن تكون حلاً للمشكلة. الهدف من وراء هذه القوانين ليس مساعدة المواطن، إنما منح السياسيين مزيداً من القوة، بالإضافة إلى أنها وقود لحملات شعبوية تجعل الجميع متهمين، باستثناء الحكومة. هذه هي القضية بالمناسبة – يجب أن تتم التغييرات النظامية بمسؤولية، ومن خلال اتفاق واسع. فالائتلاف الذي فقد، بحسب الاستطلاعات، كثيراً من قوته، ولم ينجح في تشريع هذه القوانين قبل السابع من تشرين الأول، غير مخوّل بلورة النظام في إسرائيل من جديد.
لدى هذه الحكومة مهمة واحدة، يبدو أنها شارفت على النهاية أيضاً: إعادة السفينة إلى حالة الاستقرار، بعد الكارثة الكبيرة والدمار، ومن المؤكد أنها غير مخولة بإجراء تغييرات إشكالية، الهدف منها إزاحة السفينة عن مسارها وإبعادها عن التحديات الحقيقية، وإعادة فتح الجروح القديمة. إذا كانت هذه الحكومة تريد ترميم الوضع فعلاً، فيتوجب عليها أولاً تشكيل لجنة تحقيق مستقلة. لكنها بدلاً من ذلك، تحاول كسب الوقت بشكل لا يسمح بالتحقيق في الكارثة بشكل نزيه إطلاقاً.
———————————————
يديعوت 8/12/2024
يجب إنهاء الحرب وضرب “حجر الزاوية”
بقلم: آفي مزراحي
قبل 7 تشرين الأول كان المجتمع الإسرائيلي يعتقد أن وجوده مضمون. لم يكن يريد حروباً، وكان مستعداً لتحمّل عمليات إطلاق النار المتقطع نحو إسرائيل، وحتى الهجمات “الإرهابية” بين الحين والآخر، بشرط ألّا تندلع حرب شاملة.
جاءت الاستراتيجية، التي تبنّتها إسرائيل بشأن احتواء تصاعُد قوة جيوش “الإرهاب” في غزة ولبنان، لعدة أسباب: اعتقدت إسرائيل أنها قادرة على السيطرة على الوضع من الناحية الاستخباراتية، ومن حيث الردع (“الصواريخ ستصدأ”، كما قال يعَلون). كذلك، جاءت بناءً على توجيهات المستوى السياسي للفصل بين الضفة الغربية وغزة (لم يعارض الجيش الإسرائيلي ذلك لأن الأمر كان مريحاً له). وأيضاً بافتراض أن جيوش “الإرهاب” لا تشكل تهديداً وجودياً، وبالتالي، يمكن السماح لها بالتعاظم من دون خوض حرب لمنع ذلك. بالإضافة إلى الخشية من فتح جبهة ضد تعاظم قوة “حزب الله”، مع إدراك حجم الضرر الذي يمكن أن يسببه لنا. وأخيراً، بسبب غياب إجماع وطني واسع داعم للحرب في غزة ولبنان، إذ إن شن الحرب لم يكن يوماً مريحاً بسبب عدد من العوامل، مثل ازدهار الشمال، والأعياد والعطل. في ضوء هذا كله، يجب أن نقيّم وضعنا الراهن، بعد إخفاقنا الذريع في السابع من تشرين الأول، وبعد أكثر من عام على الحرب في غزة ولبنان.
جبهة غزة
لم تعد “حماس”، كقوة عسكرية ذات أهمية، موجودة فعلياً. إذ قُتل عناصرها بأعداد كبيرة، وتم القضاء على تسلسلها القيادي، ودُمّرت البنية التحتية العملياتية الضخمة التي كانت تشمل الأنفاق، ومنشآت التصنيع، ومستودعات الأسلحة، والأموال. في الواقع، حالياً، لا توجد حرب في غزة، بل عمليات حرب عصابات تشنها “حماس” ضد جيش كبير ومتراخٍ متمركز في القطاع في مواقع معروفة، ويدير روتيناً من النقاط العسكرية والمحاور والقواعد، بانتظار أوامر جديدة.
في ظل هذا الوضع القتالي، من المتوقع أن نتلقى ضربات مؤلمة بين الحين والآخر، تؤدي إلى وقوع قتلى وجرحى، لكن “حماس” لا تمتلك القدرة على إخراجنا من القطاع بالقتال، والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك يتمثل في التوصل إلى اتفاق. في الواقع، لا توجد أيّ أدوات ضغط عسكرية على “حماس” تجبرها على التوصل إلى تسوية تشمل تحرير المختطفين، إلا من خلال اتفاق على إنهاء الحرب والانسحاب من القطاع، بشكل أو بآخر، مع الإفراج عن أسرى فلسطينيين متورطين في عمليات قتل. وفي ظل غياب اتفاق مع “حماس”، سيستمر موت مختطفينا في الأسر، وسيظل وصمة عار لا تُمحى عن المجتمع الإسرائيلي، وعلى رأسه حكومة إسرائيل ورئيسها.
اليوم، لا يوجد مبرر لتعريض جنودنا للخطر في غزة. فأدواتنا للضغط العسكري الهادف إلى تحرير المختطفين انتهت، وكلّ مَن يدّعي عكس ذلك يخدع الجمهور. هذا لا يعني أنه لا يمكن تنفيذ عملية لتحرير بعض المختطفين، لكنني أشك في حدوث ذلك قريباً. لذلك، يجب الانتقال إلى مفاوضات جدية، من دون “ألاعيب وحيل”، لإنهاء القتال في غزة والعمل على تحرير جميع المختطفين، الأحياء منهم والقتلى، الآن. أمّا بالنسبة إلى كل مَن يدعو إلى إعادة الاستيطان في غزة، يمكن الرد بالقول: دعونا نعد سكان الجنوب والشمال إلى منازلهم، ونعد بناء المستوطنات التي تعرضت لأضرار جسيمة، ونؤسس مستوطنات جديدة في “غلاف غزة” والشمال داخل حدودنا، ونترك مسألة الاستيطان في لبنان وغزة لوقت آخر.
إن مقولة “الاستيطان يمنح الأمن” ليست قاطعة: فحتى عندما كنا نستوطن غزة، كان هناك هجمات، بعضها شديد القسوة، فضلاً عن إطلاق صواريخ “القسّام” نحو سديروت وعسقلان و”غلاف غزة”. كان الطلاب يذهبون إلى المدارس في الصباح بحماية الجيش، وبتأمين مسارات خاصة. أيضاً الاستيطان في الضفة الغربية لم يحُل دون وقوع الهجمات الشديدة، مثل هجوم “الدولفيناريوم”، أو هجوم فندق “بارك”، وغيرهما من الهجمات الكثيرة.
جبهة لبنان
الإنجازات العملياتية التي تحققت خلال حرب الاستنزاف الطويلة في لبنان تمنحنا الأمل بأن الأمور قد تكون مختلفة، هذه المرة، فـ”حزب الله” بات أضعف من أيّ وقت مضى، ويعاني جرّاء وجود قيادة ضعيفة تفتقر إلى الكاريزما، أو التهديد الذي كانت تتمتع به في عهد نصر الله. كما أن أيّ صحوة لبنانية، بدعم من الغرب والسعودية والإمارات، قد تؤدي إلى إحداث تغيير ملموس. وبالإضافة إلى ذلك، فإن فرض إسرائيل بنود الاتفاق بشكل صارم، بخلاف ما جرى في سنة 2006، يمكن أن يضمن لنا عشرين عاماً من الهدوء النسبي على الحدود اللبنانية. من المتوقع أن تحاول إيران إعادة بناء “حزب الله”، نظراً إلى غياب بدائل أفضل، لتحقيق أهدافها المتمثلة في الحصول على السلاح النووي وتدمير إسرائيل، ويجب علينا الحيلولة دون ذلك. وفي الوقت نفسه، ينبغي إعادة السكان إلى مستوطناتهم بقرار حكومي، وترميم الشمال، وتشجيع الاستيطان فيه.
الجبهة السورية
في ظل تجدُّد الحرب بين القوات السورية وحلفائها وبين المتمردين، وفي صفوفهم عناصر من “داعش” و”القاعدة” وغيرهما، يُطرح التساؤل عمّا يخدم مصلحة إسرائيل. لكن النقاش في هذه المسألة عديم الجدوى، فلا توجد لدى إسرائيل قدرة فعلية على التأثير في الوضع. ليقتلوا بعضهم، وعندما ينتهون، يمكننا النظر في طبيعة الأطراف التي سنتعامل معها. قد يبدو هذا الأمر تبسيطياً للغاية، لكنه يعكس الواقع.
الجبهة الإيرانية
من الواضح أن علينا مواجهة إيران، فهي حجر الزاوية في المحور المعادي لنا. علينا تغيير استراتيجيتنا تجاهها، فبدلاً من مطاردة البعوض، علينا تجفيف المستنقع. يجب أن نعمل مع الولايات المتحدة على إسقاط نظام الحكم الإيراني – وعندما يسقط النظام ستُحل جميع قضايا السلاح النووي و”الإرهاب” تلقائياً. نعم، هذا ممكن التحقق. في ضوء ذلك، يجب على المستوى السياسي الشروع في خطوات، مثل إنشاء مديرية مُمولة لمعالجة قضايا جنود الاحتياط، وعائلاتهم، ومصالحهم التجارية، وتنفيذ صارم لخطة خمسية لإعادة إعمار “غلاف غزة”، بما في ذلك إنشاء مستوطنات جديدة داخل حدود الدولة؛ وتنفيذ صارم لخطة خمسية لإعادة إعمار الشمال بالنهج نفسه، وتحديد ميزانية أمنية لخمس سنوات تتيح بناء الجيش الإسرائيلي ليواجه تحديات المستقبل، وإنشاء خطوط استراتيجية (للفولاذ والذخائر وغيرها) لضمان القدرة الذاتية على مواجهة التحديات المستقبلية، وتأجيل النظر في جميع المبادرات التشريعية الأُخرى، والعمل على توحيد المجتمع الإسرائيلي، بدلاً من تقسيمه.
———————————————
إسرائيل اليوم 8/12/2024
محاكمة نتنياهو.. “خبر هامشي” أم انفجار بين الساحتين القضائية والسياسية؟
بقلم: البروفيسور يوآف دوتان
اللحظة التي يقف فيها نتنياهو على منصة الشهود في محاكمته الجنائية، يفترض أن تكون لحظة ذروة في دراما محاكمته. سيكون من يقول، إنها إحدى لحظات الدرك الأسفل في تاريخ الدولة عندما يصعد رئيس وزراء قائم ليشهد في محكمة تعنى بلوائح اتهام رفعت ضده في قضايا فساد مختلفة.
كثير ممن يصلون لإنهاء حكم نتنياهو وسقوط حكومة الفشل والضلال التي يقف على رأسها، يدعون بأنها لحظة يخافها نتنياهو أكثر من أي لحظة أخرى”، أي اللحظة التي تشكل بداية نهاية حكمه الذي استمر أكثر من عقدين – أكثر من كل رئيس وزراء سبقه. ظاهراً، سلوك نتنياهو نفسه، الذي اتخذ عدداً من مناورات التملص المختلفة، يعزز هذا الانطباع الأولي.
لكن يخيل أن الواقع المرتقب عقب بدء شهادة نتنياهو، كفيل بأن يكون مختلفاً جوهرياً. عندما رفعت لوائح الاتهام ضد نتنياهو في العام 2019 كانت قضايا نتنياهو القضائية في رأس جدول الأعمال العام، والساحة السياسية في إسرائيل انقسمت، على مدى خمس حملات انتخابية، بين أولئك الذين كانوا مستعدين للتعاون معه رغم لوائح الاتهام وأولئك غير المستعدين. منذئذ، اجتازت الحياة الإسرائيلية العامة سلسلة من الأحداث الصادمة، وعلى رأسها مذبحة 7 أكتوبر، ومئات المخطوفين الذين أخذوا إلى غزة وقسم منهم لا يزال هناك، والحرب الضارية، وكثرة الإصابات التي اندلعت في الجبهتين الجنوبية والشمالية على حد سواء.
وأمام هذه الأحداث، يبدو أن الانشغال بمسألة عدد زجاجات الشمبانيا التي حولها ارنون ميلتشن إلى فيلا نتنياهو أو كم تقريراً صحفياً تغير في موقع “واللا” لإعجاب سارة – سيبدو في نظر الجمهور كأنه قصة شعبية أكثر منها موضوعاً يكمن في روح شعب إسرائيل.
والأهم من ذلك، أن المحاكمة وإن كانت تعنى باتهامات غير سهلة من ناحية جنائية، لكنها لا تعنى بالتهمة الأخطر: مسؤولية نتنياهو عن فشل 7 أكتوبر. مسؤولية يرفض نتنياهو بثبات وبوقاحة تحمل مسؤوليتها، بل يعمل لدحرجتها إلى العالم كله– باستثنائه.
من ناحية الكثيرين ممن يرون نتنياهو المسؤول الرئيس عن 7 أكتوبر – حتى لو بُرئت ساحته في المحاكمة، فسيبقى مذنباً إلى الأبد. أما من ناحية مؤيدي نتنياهو، المستعدين ليغفروا له ذاك الإخفاق الرهيب بل والسير أسرى خلف الألاعيب التي ينثرها لحرف المسؤولية نحو الآخرين – فلا تعد الاتهامات أكثر من تلفيق آخر من النيابة العامة و”الدولة العميقة” لإحباط “الإرادة الحقيقية للشعب” التي تؤيد زعامته.
لكل أولئك الذين يأملون بأن تشكل شهادة نتنياهو نقطة انعطافة لطالحه في العالم السياسي، أقترح أن ينظروا إلى الأحداث في الولايات المتحدة. قبل سنتين، جلس ترامب في مزرعته مهجوراً ومستاء. كان يعد خاسراً دون تأييد في الحزب الجمهوري وكمن مر زمنه. وعندها، قرر بعض المدعين النشطين من الحزب الديمقراطي أن يرفعوا ضد ترامب لوائح اتهام جنائية لذيذة وفتح محاكمة مغطاة إعلامياً ضده.
ما كنت أقترح على أولئك الذين يصلون حتى تنقذنا الإجراءات الديمقراطية أو تقلبات القدر من عقاب نتنياهو أن يعلقوا آمالهم على المحاكمة. في الحالة الأسوأ، ستصبح التحقيقات الطويلة والشهادات في المحاكمة نبأ دائماً في هوامش نشرات الأخبار في غضون وقت قصير. في الحالة الأكثر سوءاً، ربما تصبح الشهادة الشرارة التي تتسبب بانفجار شامل في العلاقات بين الساحة السياسية والساحة القضائية.
——————انتهت النشرة——————