هآرتس :
المسار : ماذا يجب أن يحدث من اجل أن يستيقظ الجمهور في اسرائيل من اللامبالاة العنيدة؟ أي فظائع يجب أن تحدث من اجل أن تستطيع وسائل الاعلام الرئيسية القيام بدورها والابلاغ عن هذه الاحداث؟ ماذا يمكن أن يشرخ رواية 7 اكتوبر التي تتمرغ فيها اسرائيل بالادعاء الصادم، أن كل شيء بعد 7 اكتوبر هو مباح، وأنها هي فقط الضحية؟.
الآن يبدو أنه لم يعد هناك أي شيء يساعد. أي شيء لن يحطم سقف الزجاج الذي بنته اسرائيل لنفسها من اجل الهرب من البشرى السيئة، التي تأتي الآن بمرافقة ادلة حاسمة: اسرائيل تنفذ جرائم حرب بربرية في قطاع غزة. ليس بشكل استثنائي، بل هذه سياسة. ليست استثناء من القاعدة، بل بشكل روتيني. لم يعد يمكن نفي هذه الرواية مرة اخرى، رغم أن اسرائيل ما زالت تحاول. هل قتل عشرة آلاف طفل آخر سيهزها؟ هل الف فيلم قتل آخر سيؤثر في أي أحد؟ هل ربما اعدام الف رجل وهم مكبلون ووجوههم الى الحائط؟ يوجد شك كبير في ذلك.
الحصانة غير الاخلاقية التي احاطت اسرائيل نفسها بها غير قابلة للاختراق. هي محصنة ضد أي عمل فظيع. اذا خرجت الى حملة تدمير للكلاب في غزة، 100 كل يوم، فستهتز الاركان والضمير الوطني سيستيقظ فقط عندها. ليس بالصدفة أنه يوجد في الجيش أمر صريح لعدم قتل الكلاب، كما نشر الجندي في الاحتياط حاييم هار زهاف في شهادته المثالية، التي كان يجب أن تثير الضجة (“هآرتس”، 5/12). أي شيء آخر، باستثناء قتل الكلاب، الفظيع بحد ذاته، أي مس بالابرياء في غزة، سيتم تبريره ويتم نفيه من قبل جميع الاسرائيليين، الاخيار والاشرار. بهذا الضمير ايضا الترانسفير سيمر هنا بتثاؤب، ايضا مخيمات التجميع وحتى مخيمات التدمير ستجد المبرر لها، 7 اكتوبر.
شهادة هار زهاف الصادمة والواقعية والموضوعية يجب قراءتها، في الجيش والمدارس والكنس والمدارس الدينية والجامعات. هذا لن يحدث لأن اسرائيل لا تريد أن تعرف. اقوال هار زهاف لا أحد يمكنه نفيها. فهو غير كاره لاسرائيل، ايضا كان هناك في ممر نتساريم خلافا للاغلبية الساحقة لمن ينفون الفظائع. واذا لم تكن شهادة هار زهاف كافية، ففي اليوم التالي نشر مقال نير حسون عن مشروع توثيق المؤرخ الشجاع الدكتور لي مردخاي، الصادم اكثر. الدكتور مردخاي قدم قاعدة الادلة الاكثر منهجية وتفصيل حول جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في غزة (“هآرتس”، 6/12). حتى أن نير حسون المنضبط شهد بأن الغوص في بحر أدلة مردخاي كان تجربة مخيفة.
1140 عائلة تم تدميرها بالكامل؛ من بينهم 710 طفل اعمارهم اقل من سنة، وربما هذا هو العدد الاكثر فظاعة؛ 489 شخص من الطواقم الطبية، بينهم 55 طبيب؛ 100 بروفيسور؛ 243 رياضي؛ 4 من الخدج الذين اجبر الجيش الممرض الذي عالجهم على تركهم يموتون؛ 240 مريض ومصاب تم حبسهم في المستشفى بدون طعام.
ما الذي يفعلونه بعد النظر الى كل هذه الارقام؟ ماذا يوجد لقوله؟ فقط رجاء، تنازلوا عن ادارة الحسابات الصغيرة التي يقوم فيها اسرائيليون طيبون مثل نداف ايال (هذا ليس تقريرا… هذا كوكتيل). الارقام ليست موثوقة، وزارة الصحة لحماس، من قال لكم إن هذه هي الحقيقة. يجب انتظار لجنة التحقيق، التي لن يتم تشكيلها في أي يوم، كل هذه المبررات لم تعد سارية المفعول، لا بعدد القتلى المدهش هذا ولا امام الدلائل المتراكمة من كل اتجاه، الى أن يقول حتى موشيه يعلون: جرائم.
نحن لسنا بحاجة الى لجنة تحقيق، بل الى ضمير. ليس احصائيات دقيقة، بل عيون وقلب. انظروا الى كل قناة تلفزيون غير اسرائيلية وسترون. اذا لم ينجح الـ 700 طفل قتيل والذين عمرهم يوم واحد في اثارة قلوب الآباء الاسرائيليين الذين يحبون جدا اولادهم، عندها الضمير الاسرائيلي يكون في حالة مرض شديد. ربما يكون قد مات في هذه الحرب. البربرية هزمت اسرائيل. هي تحولت الى غير انسانية. وهذا من شأنه أن يرافقنا لاجيال قادمة.