
الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 28/1/2025
قطر في الطريق لتكون صاحبة البيت في غزة وسموتريتش غارق في الأوهام
بقلم: حاييم لفنسون
توجد فجوة لا يمكن تفسيرها بين ما يحدث في عقل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وبين الوضع في قطاع غزة، كما يتشكل أمام ناظرينا. إما أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يقود خدعة القرن للولايات المتحدة وقطر ومصر ودولة الامارات، أو أن سموتريتش سيحصل على صفعة القرن. في جلسة قائمته أمس تحدث أمس وكأنه في الغد مئير كهانا سيخرج من قبره ويتم تعيينه كرئيس للاركان، ويأتي مع قادة جيوش الرب الستين لطرد جميع سكان قطاع غزة العرب.
“الآن يجب تعيين رئيس اركان هجومي ينفذ بشكل كامل، بدون نفاق وتردد، المهمة الواضحة التي سيحددها له المستوى السياسي – احتلال قطاع غزة ومنع سيطرة حماس على المساعدات الانسانية من اجل هزيمتها والانتصار في الحرب”، قال سموتريتش. “أنا اعمال مع رئيس الحكومة والكابنت لاعداد خطة عمل وضمان تحقيق حلم الرئيس ترامب على ارض الواقع. لا يوجد ما يجب التأثر منه لمعارضة مصر والاردن الخفيفة لهذه الخطة. نحن شاهدنا أمس كيف أن ترامب قام بقيادة عملية ضد كولومبيا لطرد المهاجرين رغم معارضتها”.
لو أن سموتريتش وحزبه لم يكونوا عوامل اساسية في الائتلاف، لما كانت له اغلبية بدونهم – هذا كان تقريبا سيكون مهزلة. للاسف الشديد، الحديث يدور عن مأساة. صوت نتنياهو لم يسمع أمس يتحدث عن الشؤون السياسية. لقد قام بقضاء النهار في المحاكمة، والوقت المتبقي في الألم. نتنياهو ضعيف جدا منذ العملية الجراحية التي اجريت له في الشهر الماضي. وهو يجد صعوبة في التعافي. الناس الذي يأتون الى مكتبه ويخرجون منه يتحدثون عن شخص متعب، يغير وضعية جلوسه طوال الوقت، ولا يحصل على راحة مناسبة المطلوبة في حالته. قوته القليلة يكرسها للمواضيع الحاسمة جدا، ولا يوجد لديه الوقت لاجراء محادثات تلطيف مع وزير المالية، المتحمس للانسحاب من الحكومة.
علامة تشير الى درجة كم سموتريتش مقطوع عن الواقع يمكن رؤيتها في قضية اربيل يهود. من تدير الحدث هي قطر. رئيس الحكومة القطرية محمد آل ثاني اجرى مقابلة أمس مع “اخبار 12” من اجل اظهار من هو صاحب البيت الجديد. هو لم يقل الكثير. مجرد اجراء المقابلة يعتبر رسالة. ما هي بالضبط أداة قوة قطر على حماس – لا أحد يعرف في هذه المرحلة – لكن توجد لها اداة ضغط. في واشنطن ارتفعت قيمتها، مثل اللوبي اليهودي الذي كان ذات يوم، وهي متموضعة جيدا. “مبعوث ترامب عقد صفقات مع قطر. يجب الانتباه. وقد تذمر أمس شمعون ريكلين بتباكي في قناة الدعاية، “وضعت المسدس على الطاولة”.
المفاوضات حول يهود تم تضخيمها من قبل مكتب نتنياهو لاسباب دعائية، والحاجة الى اظهار “موقف مصمم”. عمليا، في قطر كانوا سعداء جدا بالمساعدة، لم تكن أي مفاوضات حقيقية ولم يكن مطلوب أي وقوف حازم، صهيوني، وطني، واثق ومتفاخر من قبل زعمائنا. قطر ارسلت طوال الوقت رسائل بأن كل شيء على ما يرام. لم تكن أي حاجة الى اشراك الولايات المتحدة. هي بادرت الى نبضة اطلاق سراح اخرى لا توجد في الاتفاق. بالنسبة لنتنياهو هذا انجاز، وبالنسبة لحماس هو انجاز ايضا. في اسرائيل لا يقومون ببث احتفالات تحرير الاسرى في غزة. في قناة “الجزيرة” يبثونها مرة تلو الاخرى. هذا استعراض معنويات قوية لحماس، وهم سعداء بهذه المناسبة، لأنهم يحاربون من اجل رواية الحرب في غزة، ونشر المزيد من صور النصر.
في هذا الوضع الاستراتيجي فان الحديث عن استئناف الحرب هو خيالي. في القناة 14 وصفوا أمس “سيناريو”، بحسبه سيقول نتنياهو لترامب بأنه توجد له ولاية لاربع سنوات من اجل صنع السلام مع السعودية، وعندها سيعطيه اربعة اشهر لانهاء المهمة في غزة. هذه المرة “مع السلاح” و”الدعم” الذي لم تقدمه له ادارة جو بايدن. هذه خدعة يمكنه بيعها لقاعدته. لكن الواقع مختلف، نحو مليون نازح يشقون الطريق نحو شمال القطاع. اخلاءهم كان يمكن القيام به بمرة واحدة في ظل صدمة 7 اكتوبر. أما اخلاءهم الآن من اجل حلم سموتريتش، الهجرة الطوعية، فقد اصبح مشكلة مختلفة. في المستوى السياسي في اسرائيل يتساءل كثيرون حول استراتيجية قطر في هذا الحدث. في نهاية المطاف هذا حدث هزلي، لمصالح اقتصادية، مع كل الاحترام لقلق العالم على رفاه سكان غزة.
في اسرائيل يقدرون أن قطر تريد مستعمرة في الشرق الاوسط، وبواسطة علاقاتها مع ادارة ترامب، واللعب بشكل ذكي بالاوراق الاقليمية، فانها ستصبح صاحبة البيت في غزة. في هذه الاثناء الحديث يدور عن مبنى تعرض لهزة ارضية، حريق، واخلاء وبناء في نفس الوقت، لكن نظريا قطاع غزة هو موطيء قدم في البحر المتوسط، يوجد فيه حقل صغير للغاز، ولكنه بحتاج الى التطوير. وهناك خطة قديمة لبناء ميناء في غزة. بشكل عام مستعمرة محتملة لقطر بمساحة صغيرة وطموحات كثيرة. يوجد لقطر، خلافا لسموتريتش، تفكير استراتيجي، وكل مواردها مخصصة لصالح انجاح المشروع الغزي.
—————————————–
هآرتس 28/1/2025
تحرير المخطوفين جاء مبكرا لكن وهم النصر المطلق تحطم في نتساريم
بقلم: عاموس هرئيلِ
صور جمهور الفلسطينيين الذين يجتازون سيرا على الاقدام ممر نتساريم في الطريق الى ما تبقى من بيوتهم في شمال قطاع عزة، تعكس بدرجة كبيرة نهاية الحرب بين اسرائيل وحماس. الصور التي تم تصويرها أمس ايضا تحطم وهم النصر المطلق الذي نثره رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومؤيديه خلال اشهر كثيرة. خلال معظم فترة الحرب رفض نتنياهو مناقشة ترتيبات اليوم التالي في القطاع، ولم يوافق على السماح بثغرة لتدخل السلطة الفلسطينية في غزة واستمر في الدفع قدما بسيناريو خيالي لهزيمة حماس بشكل شامل. الآن يمكن الافتراض أنه اضطر الى التنازل والموافقة على أقل بكثير من ذلك.
في هذا الاسبوع حقق رئيس الحكومة طلبه. حماس وضعت عقبات امام تنفيذ النبضات التالية في المرحلة الاولى لصفقة التبادل، لكن نتنياهو نجح في التغلب عليها. حتى منتصف ليل يوم الاحد قام بتأخير المصادقة على انتقال مئات آلاف الفلسطينيين الى الشمال بعد أن تراجعت حماس عن وعد اطلاق سراح المواطنة المخطوفة اربيل يهود من نير عوز. في نهاية المطاف اضطرت حماس الى التراجع أمام تهديد نتنياهو وضغط الجمهور على الارض. حماس وعدت، وايضا دول الوساطة العربية، بأن اربيل يهود ستتم اعادتها بعد غد مع المراقبة المخطوفة الاخيرة اغام بيرغر ومخطوف آخر. النبضة الثالثة التي تشمل ثلاثة مخطوفين سيتم تنفيذها في يوم السبت القادم. وبناء على ذلك فان تصلب نتنياهو أدى الى تبكير اطلاق سراح ثلاثة مخطوفين اسرائيليين بأسبوع، وهذا ليس بالامر القليل.
لكن في الصورة الكبيرة حماس قدمت تنازل تكتيكي لاستكمال عملية استراتيجية – عودة السكان الى شمال القطاع. بعد عودتهم الى بلداتهم المدمرة سيكون من الصعب على اسرائيل استئناف الحرب واخلاء المدنيين مرة اخرى من المناطق التي ستقوم باقتحامها، حتى لو انهار الاتفاق بعد انتهاء الستة اسابيع للمرحلة الاولى. اضافة الى ذلك رغم نشر متعهدين امريكيين من قبل البنتاغون في ممر نتساريم، الذين سيقومون بفحص والتأكد من أنه لم يتم تهريب سلاح في السيارات، إلا أنه لا توجد رقابة على الجمهور الذي يسير مشيا على الاقدام. من المرجح أن حماس يمكنها تهريب بذلك عدد غير قليل من السلاح. ايضا الذراع العسكري لحماس، الذي لم ينسحب في أي يوم بالكامل من شمال القطاع، يمكنه استئناف بالتدريج كادره التنفيذي.
كل ذلك هو قيود عملياتية جوهرية تقف بين اسرائيل وبين استئناف القتال. الى جانب ذلك لا يوجد أي سبب لتصديق الرواية الكاذبة التي تقول بأن حماس تحاول تسويق موضوع الانتصار في الحرب. “الصمود” والتمسك بالارض في الحقيقة تتغلب حتى الآن على التهديد بالطرد و”النكبة” الاسرائيلية. ولكن كل من تجول في شمال القطاع في الاشهر الاخيرة يعرف ما سيكتشفه الآن الفلسطينيون: هذه منطقة اجزاء كبيرة منها تم تدميرها بشكل كامل. الوضع في خانيونس ورفح وجنوب القطاع ليس افضل بكثير. رسميا الفلسطينيون تكبدوا اكثر من 46 ألف قتيل، ولكنهم في الجيش الاسرائيلي يقدرون أن العدد اكبر من ذلك، لأن آلاف الجثث ما زالت تحت الانقاض. وهكذا لا يظهر أن هناك نصر للفلسطينيين.
اخلاء المباني والبنى التحتية المدمرة يمكن أن يستغرق سنوات كثيرة. وهذا احد اسباب أن الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، بدأ في التحدث فجأة وبصوت عال عن اخلاء سكان القطاع في فترة اعادة الاعمار – الفكرة التي زعماء الدول العربية المعتدلة، التي يتم انتظار منها تمويل هذه العملية الضخمة، يتحفظون منها جدا. في حماس يعرفون أنه طالما أن قيادة حماس هي صاحبة البيت في القطاع فهي ستجد صعوبة في جعل السعودية والامارات وحتى قطر توقع على الشيكات. في مثل هذه الحالة تزداد المخاطرة بأن تقوم حماس باستفزاز اسرائيل، الامر الذي سيؤدي الى حرب اخرى، ستجلب الدمار للقطاع. حتى الاموال من دول النفط محدودة.
حماس تكبدت في هذه الحرب ضربة عسكرية كبيرة، يبدو أنها الاقوى من بين الضربات التي اوقعها الجيش الاسرائيلي على أحد اعداء اسرائيل. مع ذلك، لا توجد هزيمة هنا (كما يكرر المذيعون في القناة 14 منذ بداية الحرب). هذا هو مصدر الوعود التي يطلقها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي ما زال يجلس على الكرسي رغم معارضة صفقة التبادل، بشأن العودة بسرعة الى الحرب التي ستحل المشكلة بمرة واحدة. الحقيقة بعيدة عن ذلك. فاستئناف الحرب تقريبا لا يتعلق بنتنياهو، وبالتأكيد شركائه في اليمين المتطرف. القرار النهائي يوجد كما يبدو في يد ترامب، الذي يتوقع أن يستضيف في القريب رئيس الحكومة نتنياهو في واشنطن للقاء، الذي لا يمكن وصفه في هذه المرة إلا بأنه لقاء مصيري.
ترامب يعشق الضبابية وعدم الوضوح الى حين اتخاذ القرار. لذلك، يصعب جدا توقع سلوكه. ولكن حسب الدلائل التي تركها في الاسابيع الاخيرة فان اساس اهتمامه ليس باستئناف الحرب، بل بانهائيها. في هذه الاثناء يبدو أن هذا هو الضغط الذي سيستخدمه على نتنياهو لاستكمال الصفقة، وصفقة كبيرة بين السعودية واسرائيل، وربما الاعتراف، بضريبة كلامية على الاقل، بحلم مستقبلي لاقامة الدولة الفلسطينية.
نتنياهو الذي صمم خلال السنين على أنه مستعد لادارة الدولة والامتثال للمحاكمة، انجر أمس مرة اخرى لتقديم شهادته في المحكمة المركزية، رغم أنه كان واضحا بأنه لم يتعافى من العملية التي اجريت له في بداية الشهر. هو استغل الفرصة لنفي الشائعات بأنه يعاني من مرض عضال. ولكنه لم يشرح علنا عن حالته الصحية. الآن بسبب ضائقة شخصية وضائقة صحية وجنائية وسياسية ربما يجب عليه الصمود امام الضغط الاكبر الذي يستخدمه رئيس امريكي على رئيس حكومة اسرائيلي.
—————————————–
هآرتس 28/1/2025
مصر وتركيا يروا في اعمار قطاع غزة فرصة لإنقاذ الاقتصاد من الركود
بقلم: تسفي برئيل
رحلة عودة سكان غزة الى الشمال، بادارة واشراف حماس، توفر الاجابة على الاقتراح الخيالي للرئيس الامريكي، اخلاء القطاع من السكان، “لتنظيفه” كي يمكن البدء في اعادة اعماره وبنائه من جديد فيه. منطق رجل العقارات، الذي يتحدث بالمفاهيم المعروفة “الاخلاء والبناء” والتي حتى حصلت على تأييد عدد من مقربيه، لا يأخذ في الحسبان المفهوم الوطني “الصمود” – التصميم الذي ينعكس في الصمود على الارض، حتى لو كانت هذه الارض ارض محروقة ومليئة بالدمار وبقايا القذائف.
بالنسبة للمليون نازح، الخائفين والذين يشاهدون للمرة الاولى الدمار الذي خلفته الحرب، فان السؤال هو من الذي تسبب بهذا الدمار أو من هو المتهم، بل هل يمكن تشخيص في هذه الانقاض العنوان وانقاذ غرض أو دمية لطفل، وبالاساس العثور على بقايا جثث اعزائهم الذين بقوا تحت الانقاض. التقدير الحذر يتحدث عن 10 آلاف قتيل ستتم اضافتهم لـ 46 ألف قتيل تقريبا تم احصاءهم حتى الآن، وبالحذر المطلوب سيحاول ابناء عائلاتهم في الفترة القادمة انقاذهم من بين الطوب وقضبان الحديد ودفنهم بسرعة لأنه من غير المعروف كم سيستمر وقف اطلاق النار.
حسب تقرير الامم المتحدة فان حوالي 1.8 مليون مدني هم بدون مأوى، والحاجة الملحة هي توفير المأوى لهم، وتنظيم توزيع المساعدات الانسانية التي بدأت تتدفق حسب الشروط التي تم تحديدها في اتفاق وقف اطلاق النار، وربط شبكات المياه وبعد ذلك شبكة الكهرباء. حماس التي تدير الآن التنظيم وتشغل اكثر من 5 آلاف ناشط يساعدون النازحين في عودتهم، تطالب المجتمع الدولي ومنظمات الاغاثة بتوفير لشمال القطاع 135 ألف خيمة وكرفان، التي بعضها مثلما في الشجاعية تم وضعها على الارض واعدادها للسكن.
حسب تقدير الامم المتحدة فان حجم الضرر المباشر للبنى التحتية في القطاع يقدر بـ 18.5 مليار دولار. تكلفة الاخلاء لحوالي 50 طن من الانقاض قدر بـ 1.2 مليار دولار. واعادة اعمار القطاع تحتاج الى 40 مليار دولار، وهي يمكن أن تستمر حتى العام 2040 وربما أبعد من ذلك بكثير.
بيان السلطة الفلسطينية الذي بحسبه “غرفة العمليات” الحكومية التي شكلتها للمساعدة في عملية عودة سكان القطاع الى بيوتهم اصبحت جاهزة للعمل، هو بيان غريب على الاقل. لأنه ليس فقط اسرائيل تواصل معارضة أي تدخل للسلطة رسميا، بل حماس هي التي تسيطر بشكل كامل على مشروع العودة، والسلطة ربما سيكون لها مكان للعمل فقط في اطار اعادة فتح معبر رفح.
حسب التفاهمات التي تم التوصل اليها مع الولايات المتحدة ومصر فان المعبر سيعمل في اطار مشابه، لكنه ليس بالضبط مثل الذي تم وضعه حسب اتفاق المعابر الذي وقع عليه في 2005 بين اسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية في اعقاب قرار الانفصال عن غزة. “غرفة العمليات” الاكثر اهمية هي التي تمت اقامتها في مصر والتي تشارك فيها اسرائيل وامريكا وممثلون فلسطينيون وقطر من اجل التنسيق والرقابة على تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار وعلاج ترتيبات عودة سكان شمال القطاع واعادة المخطوفين واطلاق سراح السجناء الفلسطينيين ووضع قواعد لفتح معبر رفح وادارته. مهمة الغرفة الاساسية هي ازالة العقبات المحتملة قبل تنفيذ المرحلة الثانية للاتفاق، وبعد ذلك الانتقال الى المرحلة الثالثة التي ستشمل اعادة اعمار قطاع غزة. بالصيغة الضئيلة للاتفاق الذي تم نشره في اسرائيل، بدون البروتوكولات، حصلت المرحلة الثالثة على الذكر في سطر ونصف.
لكن في الوقت الذي يتركز فيه النقاش العام والسياسي في اسرائيل حول قضية استئناف الحرب المحتمل بعد انتهاء المرحلة الاولى من اعادة المخطوفين، فان اعادة اعمار القطاع هي التي تشغل مصر ودول الوساطة العربية التي يتوقع أن تمول هذا المشروع الضخم. مصر، والاردن ايضا، اوضحت اول امس بأنها تعارض اقتراح ترامب، استيعاب سكان من القطاع في اراضيها، “لفترة قصيرة أو فترة طويلة”، من اجل السماح باعادة اعمار القطاع.
مع ذلك، في مصر يذكرون بأن حلم “صفقة القرن” لترامب تشمل، ضمن امور اخرى، اعادة اعمار القطاع وبناء مطار وميناء في العريش واقامة منطقة صناعية كبيرة في شبه جزيرة سيناء، يتم تشغيل العمال الغزيين فيها، الذين سيعودون الى بيوتهم كل يوم. في مصر يعتقدون أن اقتراح ترامب الاخير، بعد شطب ترحيل الفلسطينيين منه، يدل على الاقل بأنه يعطي اهمية لاعادة اعمار القطاع، وعلى ذلك يعتمد الآن رجال اقتصاد ومقاولون ورجال اعمال من مصر.
مدير شركة بناء في مصر قال لموقع “الشرق” الاماراتي بأنه “الآن اصبح يمكن اقامة في رفح المصرية مشروع للبيوت المؤقتة، توفر السكن لآلاف سكان غزة، بعد ذلك اقامة مصانع اخرى للاسمنت ومواد البناء”. هكذا، البدء في تطبيق الفكرة التي طرحها ترامب قبل ست سنوات. مدراء شركات بناء كبيرة في مصر واصحاب مصانع لمواد البناء مثل الاسمنت والحديد والزجاج والاخشاب، ومقاولون بناء واصحاب معدات هندسية ثقيلة، يعتبرون غزة “ارض الفرص”، التي يمكن أن تنقذهم من فترة الركود الطويلة والبطالة، وهم ينتظرون بصبر تعليمات الدخول الى قطاع غزة، شريطة أن يكون هناك من يقوم بتمويل الاعمال وضمان تنفيذ الدفع.
هذه الشركات قامت بشراء معدات هندسية كثيرة عندما بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي في المبادرة الى اقامة مشاريع بناء ضخمة، منها اقامة العاصمة الادارية الجديدة. ولكن الازمة الاقتصادية الشديدة التي اوصلت مصر الى شفا الافلاس والاصلاحات الاقتصادية في اعقابها، من بينها تذبذب سعر الجنيه المصري الذي انخفضت قيمته، وقوة الشراء في مصر وارتفاع الاسعار بشكل كبير، وتقليص الدعم الحكومي للطحين والوقود، وفقدان المداخيل من قناة السويس في اعقاب هجمات الحوثيين في البحر الاحمر، والدين الوطني الكبير الذي يبلغ 168 مليار دولار – كل ذلك أدى الى تأخير، وحتى تجميد والغاء، الكثير من المشاريع. شركات البناء والبنى التحتية وجدت نفسها في اعقاب ذلك مع معدات كثيرة وقوة بشرية مهنية كبيرة، لكن بدون مشاريع توفر العمل. بعض هذه الشركات جربت العمل في غزة، بعد أن خصصت مصر في 2021، في اطار اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه عند انتهاء عملية “حارس الاسوار”، نصف مليار دولار لاعادة اعمار قطاع غزة بتنفيذ شركات مصرية.
مصر ليست الدولة الوحيدة التي تنتظر “الضوء الاخضر”. ايضا تركيا اوضحت بأنها معنية بمشاركتها في المشروع، ومثلها قطر واتحاد الامارات. دبلوماسي تركي قال أمس للصحيفة بأنهم في انقرة يدركون جيدا بأنه من اجل المشاركة في قناة الاستثمار في غزة فانه ستكون حاجة الى “تحسين العلاقات مع اسرائيل”. ربما اذا اصبح وقف اطلاق النار دائم والحرب توقفت بالفعل، فان تركيا يمكنها الاعلان عن استئناف تجارتها مع اسرائيل. اقوال بنفس الروحية قالها في الاسبوع الماضي نايل اولفاك، رئيس المجلس التركي للعلاقات الاقتصادية. اسرائيل تعارض اشراك تركيا وقطر في اعادة اعمار القطاع. ولكن لا يوجد أي تأكيد على أن هذا القرار سيكون فقط في يدها. العلاقات الوثيقة بين السعودية وتركيا، وبين قطر وتركيا، وبينها جميعا وبين الرئيس ترامب وابناء عائلته، يمكن أن تأخذ من يد اسرائيل احتكار تحديد مستقبل القطاع.
—————————————–
معاريف 28/1/2025
في ملعب ترامب
بقلم: زلمان شوفال
بعد نحو أسبوع فقط من أداء الرئيس ترامب اليمين القانونية نشهد منذ الان ولايات متحدة مختلفة – مختلفة عنها برئاسة بايدن ومختلفة أيضا عن تلك التي عرفناها تحت رؤساء جمهوريين سابقين. في عدد لا يحصى من المراسيم الرئاسية التي وقع عليها، في التعيينات التي اجراها وفي تعيينات سابقة ألغاها، أشار ترامب الى الأمريكيين والى العالم كله: هذا ليس فقط تغييرا بين ادارتين، هذا تحول، وبخاصة في المواضيع الداخلية، الهجرة، الصحة، الثقافة وما شابه.
في موضوع السياسة الخارجية لا يزال من الصعب التحدث عن التحولات الثورية. ففي مواضيع معينة، كالصين، كفيل الامر بان يكون استمرارية اكثر مما هو تغيير. في مواضيع أخرى، في سياقات دولية مختلفة، يتوقع ترامب تبادلية اكبر، وفي موضوع الناتو سيشترط استمرار التزام أمريكا بالمنظمة بمشاركة مالية اكبر من الأعضاء الاخرين فيها. في خطاب كفاحي مصور امام المؤتمر الاقتصادي السنوي في دافوس، لم يوفر ترامب التحذيرات لروسيا، لكندا، لبنما وللدانمارك – لكن لسبب ما غاب عن أقواله تطرق لإيران، وهذه نقطة يجب أن تثير الاهتمام بإسرائيل، التي يقف الموضوع الإيراني في مركز جدول اعمالها السياسي والأمني.
السؤال هو هل الولايات المتحدة ترامب، فضلا عن التصريحات ستكون شريكة إسرائيل في حالة توصل هذه الى الاستنتاج بوجوب العمل عسكريا ضد طهران لاجل سد طريقها الى القنبلة وكبح توسع هيمنتها. ايران في الولاية الحالية لترامب ليست تلك التي كانت في ولايته السابقة. خططها الإقليمية الأمنية تحطمت كنتيجة للانجازات العسكرية والاستخبارية لإسرائيل ضد حزب الله ووكلاء ايران الاخرين وكذا في أراضي ايران نفسها. ومثلما يعتقد مثلا أريك ادلمان، الخبير الأمني الشهير في الموضوع الإيراني، وموظف كبير في إدارة الرئيس بوش، فان الإيرانيين اكثر هشاشة اليوم مما كانوا في الماضي. وكنتيجة لذلك، وعلى خلفية وضعهم الاقتصادي المتهالك سيكون ممكنا كبح ميولهم العدوانية حتى بدون عملية عسكرية، من خلال ضغط اقتصادي وسياسي مركز.
في كل حال، يتعين على الرئيس ترامب ان يقرر قريبا الخط السياسي الأمني الذي سيتخذه: فهل، مثلما سبق أن قال في شهر أيلول، “سيكون علينا أن نعقد صفقة” لان “نتائج التحول النووي الإيراني ليست ممكنة” ام ربما سيحاول التوصل مع ايران الى اتفاق نووي جديد واوسع بدلا من اتفاق أوباما المليء بالثقوب والذي الغاه ترامب في ولايته الأولى. أم ربما سيسير الرئيس في طريق ضغط شامل في كل المجالات، بما في ذلك إمكانية العمل العسكري”؟
جواب ترامب على سؤال صحفي اذا كان سيؤيد هجوما إسرائيليا على المنشآت النووية لإيران كان انه “يامل الا تكون حاجة لذلك”. وان كان هذا الجواب يمكنه أن يفسر كتهديد على ايران، لكن أيضا كاشارة ثنائية القيم لإسرائيل. بعض الجهات السياسية والإعلامية في إسرائيل كادت تخرج عن اطوارها في توقعاتها من إدارة ترامب في الأشهر الأخيرة. وفقا لمعظم المؤشرات، فان ترامب وفريقه هم بالفعل مؤيدون أقوياء لإسرائيل وسبق أن اثبتوا هذا في عدة قرارات إيجابية. تحرير القنابل الثقيلة التي اخرها بايدن هو أهمها وهو أيضا تهديد واضح على ايران. لكن ينبغي ان نتذكر أيضا بان ترامب هو من يقرر الأمور، واذا ما غير رأيه في مثل هذا الموضوع او ذاك، فان أحدا في فريقه لن ينبس ببنت شفه.
في إسرائيل ينصب الاهتمام الأساس هذه الأيام بشكل طبيعي على مصير المخطوفين والثمن الباهظ للصفقة مع حماس. لكن ردود أفعال إسرائيل على المأساة في 7 أكتوبر أنشأت لها نصرا استراتيجيا على ايران ووكلائها وكنتيجة لذلك تحظى مكانتها كقوة عظمى عسكرية وسياسية في الشرق الأوسط باعتراف عام متجدد، سواء من جانب اعدائها ام من جانب اصدقائها.
لقد ضغط ترامب لاقرار صفقة المخطوفين ووقف النار ليس فقط، كما يهمسون في محيطه، لانه يريد أن يحصل على جائزة نوبل للسلام (الامر الذي يستحقه نتنياهو ووزير خارجية الامارات عبدالله بن زايد بسبب تقديرات سياسية للقضاة النرويجيون). هو يريد ذلك أساسا كي يدفع قدما باتفاق إقليمي شامل بين إسرائيل، السعودية وأجزاء أخرى في العالم العربي والإسلامي، تحت المظلة الأمنية الامريكية. لهذا ستوجه الجهود السياسية العملية للرئيس في الفترة القريبة القادمة. كما ان هذا هو هدف إسرائيل، وبخاصة هدف رئيس وزرائها.
كنتيجة للخليط بين إنجازات الجيش الإسرائيلي وعودة ترامب، تقف إسرائيل بالفعل امام إمكانية تحول سياسي، أمنى واقتصادي، حيوي وواسع النطاق. يحتمل أن يفترض هذا رفع درجة حتى في مواضيع سياسية أخرى.
—————————————–
هآرتس 28/1/2025
اهانة النساء الفلسطينيات على أيدي جنودنا ستظهر في البيت، العمل والموعد القادم
بقلم: يوعنا غونين
هذا الحدث اصبح معروفا لدرجة مقرفة. الجنود الاسرائيليون يتسلون بالملابس الداخلية لنساء فلسطينيات. في فيلم الفيديو الاخير الذي نشر أمس ظهر سبعة جنود في بيت فلسطيني خاص. أحد هؤلاء الجنود يذهب الى غرفة النوم وهو يرتدي الزي العسكري وتحت ملابس حريرية وصدرية، ربما تكون لامرأة تعيش هناك، ويقوم بتمثيل عرض تعري هزلي امام الجنود الآخرين.
نحن شاهدنا عشرات الافلام والصور كهذه. جنود يلوحون باستهزاء بالملابس الداخلية لنساء من غزة، اللواتي اصبحت نازحات أو تم قتلهن. بعضهم يرتدون هذه الملابس ويتفاخرون بأنوثة مبالغ فيها، آخرون يشرحون بابتسام أن “النساء العربيات هن الاكثر زنا”. الجديد في الفيلم الحالي هو أن ذلك يحدث في الضفة الغربية وليس في قطاع غزة. ومثل اسلوب الحرب، ايضا اسلوب الاهانة، يتسرب من غزة الى الضفة. ولا تتفاجأوا اذا تسرب بعد ذلك الى داخل الخط الاخضر، بشكل مباشر أو غير مباشر. مئات الرجال الذين تعلموا في السنة الماضية بأنه من المضحك استخدام الجنس والملابس الداخلية للنساء العاجزات من اجل الاهانة علنا، لن ينسوا ذلك فجأة عندما سيخلعون الزي العسكري. والمجتمع الذي يصمت على هذه المشاهد المقرفة لا يعتبر مجتمع جيد للنساء، وحتى للنساء اللواتي يعشن في داخله.
جرائم الحرب هذه ليست مجرد “نزوة” كما يسميها البعض. على مدى التاريخ استخدم جسد المرأة في الحروب كرمز على السيطرة على العدو واهانته. في هذا الوضع فان تدنيس الجسد الخاص يمثل تدنيس لكل الامة. وهكذا العنف الجندري يصبح سلاح تكتيكي، يستهدف تخويف السكان وسلب كرامتهم وانسانيتهم.
اللعبة الهزلية بالملابس الداخلية للنساء تتغذى على نفس المنطق المسمم. وليس بالصدفة أنه اصبح نوع من الاحتفال الذي يجب المرور فيه من قبل الجنود الاسرائيليين في الحرب الحالية. قدرة الجنود على الوصول الى درج الملابس الداخلية للنساء الفلسطينيان، وفعل ما يريدون بها، ترمز الى سيطرتهم المطلقة على حياة ومصير الفلسطينيين، في غزة وفي الضفة الغربية، السيطرة ايضا على الساحة الاكثر حميمية، في حين أن سحق الخصوصية العلني كوسيلة لتسلية الجمهور، يشجع على سلب انسانية الفلسطينيين والتعامل معهم كاشياء ليس لها حقوق واستقلالية.
التناقض بين الحميمية النسوية والرجولة العسكرية صارخ جدا في الفيلم الذي يدور الحديث عنه. يمكن تقريبا الاعتقاد بأن كاتب سيناريو فاشل هو الذي قام بكتابته، وبالغ في الرمزية فيه من اجل الرسالة التي يريد ارسالها. الفيلم يبدأ في غرفة نوم في مكان معين في الضفة: ارضية تلمع من النظافة، سجادة دافئة موضوعة على الارض، مرآة كبيرة، مكيف صغير وروب حمام وردي معلق على الباب. في هذه المساحة، الغريبة والمعروفة في نفس الوقت، يقف جندي يحمل السلاح، يرتدي سترة عسكرية وواقيات على ركبتيه. في البيت تنتشر علامات على الحياة، مكشوفة للعين: سلة غسيل فيها ملابس غير مطوية، منشفة معلقة على الحائط، واقع برجوازي هاديء تم اختراقه دفعة واحدة، صالون عائلي معياري، تلفزيون معلق على الحائط وكنبايات لونها فاتح، تركته عائلته وامتلأ بالجنود الذين كانوا على وشك التقاط الصور للملابس الداخلية لربة المنزل.
في اعقاب 7 اكتوبر انتشر في اسرائيل سؤال “أين هي منظمات النساء الدولية؟”، لماذا لا تقوم بادانة جرائم الجنس التي نفذتها حماس؟ بنفس الطريقة يمكن سؤال أين هي منظمات النساء في اسرائيل، ولماذا تصمت على افلام ارتداء الملابس الداخلية للفلسطينيات – التي تهين النساء الفلسطينيات، والنساء بشكل عام. في هذه الحالة التجاهل هو أمر غريب اكثر، سواء لأن جرائم جنود الجيش الاسرائيلي هي من مسؤوليتنا المباشرة كاسرائيليين أو لأن العنف الجندري الذي تعودوا على ممارسته يمكن أن يرفع رأسه ايضا في البيت، العمل والمواعدة القادمة. رئيسة جمعية “نعمات” قالت قبل سنة عن المنظمات النسوية في العالم: “أي خيبة أمل هذه؟ ببساطة هذا نفاق كبير”.
—————————————–
معاريف 28/1/2025
من “أمر” إلى “رزمة إغراء”.. بم سيعود نتنياهو عقب لقائه المرتقب مع ترامب؟
بقلم: آنا برسكي
“التوافقات بشأن تحرير المخطوفين تبدو أمراً رائعاً. تحدثت عن هذا مع ترامب، وتأثر. ذرفت دموعاً كثيرة حين رأيت المخطوفات عائدات، فكرت بابني الذي فقدته وبالأهالي الذين يرون أولادهم مرة أخرى. سيتضمن هذا الأسبوع يوماً طيباً آخر كهذا. آمل”.
هكذا قال المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، للصحافيين ليلة أول أمس. ويعتزم ويتكوف متابعة ما يجري والإشراف على تنفيذ الصفقة من بعيد، بل سيكون متابعاً مباشراً ميدانياً وفي الزمن الحقيقي، حتى يتأكد أن أياً من الأطراف لا يحيد عن المسار، وجلب أيام طيبة أخرى كذاك اليوم الذي ذكره.
عندما زار “شريف ترامب” إسرائيل في المرة السابقة، انتهت زيارته بـ “نعم” من نتنياهو. الـ “نعم” قيلت داخل الغرفة، بعد حديث قاس بين الاثنين. وهكذا شق الطريق للتوقيع على الاتفاق وتحرير أول المخطوفات الثلاث، وبتوقيت ترامب أيضاً؛ أي عشية احتفال تنصيبه رئيساً.
ما يهم الرئيس الأمريكي الآن، أن يرى الاتفاق الهش يصل إلى خط النهاية بسلام – ما يشكل دليلاً آخر على التأثير الحاسم للرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط.
مهمة ويتكوف لا تنتهي بالرقابة على تنفيذ الاتفاقات المتحققة. فزيارته إلى إسرائيل هذه المرة هي أيضاً إعداد لزيارة نتنياهو إلى واشنطن.
مصلحة رئيس الوزراء واضحة: على ويتكوف أن يعود للولايات المتحدة راضياً مما رآه وسمعه في إسرائيل. في حالة ترامب، المزاج الإيجابي عنصر ضروري قبيل الحديث الذي سيجرى قريباً بينه وبين نتنياهو في البيت الأبيض.
سيسافر نتنياهو إلى الولايات المتحدة في بداية شباط. لم يتحدد الموعد الدقيق بعد، وسيتقرر قريباً وفقاً للجدول الزمني الرئاسي. في مكتب رئيس الوزراء يتحدثون عن خيارات تتمثل بالأسبوع الأول أو الثاني من شباط.
إذا كان نتنياهو سيلتقي ترامب الأسبوع القادم، فسيكون هذا موعد بدء المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، عبر الوسطاء على المرحلة الثانية من الاتفاق. إذا تقرر اللقاء في الأسبوع الثاني من شباط، فستكون المفاوضات في ذروتها.
مهما يكن من أمر، سيصل نتنياهو إلى البيت الأبيض فيما الفهم السائد في إسرائيل – في الساحة السياسية، وفي الائتلاف وفي الحكومة – أن احتمال نجاح المفاوضات للمرحلة الثانية من الصفقة طفيفة بل صفرية، في الوضع القائم.
تتوجه إسرائيل إلى المفاوضات فيما لها خياران لعرضهما على حماس: الموافقة على انصرافها العسكري والسلطوي من القطاع، أو العودة إلى الحرب. وليس المقصود هذه المرة حرب اجتياحات بقوة متدنية، بل قتال مختلف ومكثف، مع رئيس أركان جديد وقيادة عسكرية متجددة.
يعي طاقم ترامب هذا المزاج، ويعمل الآن على الحلول. ترامب نفسه مشارك في الرغبة الإسرائيلية لطرد منظمة الإرهاب من غزة. لكن الرئيس الأمريكي، في الوقت نفسه، معني بإنهاء الصفقة بكل مراحلها، بما فيها المرحلة الثانية. بكلمات أخرى – إعادة كل المخطوفين وإنهاء تام للحرب في غزة. لهذا الغرض، حسب التقديرات، ستعرض على نتنياهو “رزمة تعويض” أو ربما الأدق، “رزمة إغراء”. صعب حتى متعذر الضغط على نتنياهو، مثلما في المرحلة الأولى من الصفقة، دون عرض بدائل.
وعليه، سيحاول ترامب هذه المرة ألا يطلب، بل يقنع. ثمة سلسلة من المسائل موجودة في القائمة التي سيحملها نتنياهو معه إلى البيت الأبيض، وفي رأسها النووي الإيراني. ترامب، كما يبدو، ليس متحمساً للخيار العسكري، بل يفضل الضغط الشديد للعقوبات.
وثمة ورقة أخرى ستمتشق، وهي اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية. وربما مع دول عربية أخرى.
إذا ما تبلورت تلك الرزمة التي سيوافق نتنياهو على قبولها مقابل إنهاء الصفقة، فستكون المرحلة التالية تسويقها للشركاء الائتلافيين بعد العودة إلى البلاد، وهذه مهمة متحدية بقدر لا يقل عن اللقاء مع ترامب.
—————————————–
هآرتس 28/1/2025
بعد سنة و3 أشهر.. “الأقدمية” تنتصر على أطماع اليمين: هل يستسلم “لفين الأزعر”؟
بقلم: أسرة التحرير
بفضل موقف صلب أبداه أعضاء لجنة انتخاب القضاة إلى جانب القانون وبإسناد محكمة العدل العليا، فشل وزير العدل يريف لفين في مهمته لإحباط تعيين القاضي إسحق عميت لمنصب رئيس المحكمة العليا. فقد عينت اللجنة عميت، الأحد، وفقاً لنهج الأقدمية، وهو سيتولى المنصب حتى خروجه إلى التقاعد في أكتوبر 2028.
في ضوء محاولة لفين الأخيرة لإحباط التعيين بوسائل مختلفة ومتنوعة، عديمة الأساس، أوضح عميت بأن ليس في نيته الاستسلام لحملة التشهير المنظم الجارية ضده. لقد فهم عميت بأن “هذا هدف تحدد مسبقاً” وأوضح بأن “ترشيحي لا يزال قائماً”، قال وأوفى. محظور الانحناء أمام زعرنة اليمين.
لفين نفسه، بصبيانية هي توأم زعرنته البيروقراطية، قاطع الجلسة وأفاد بعدها بأنه لا يعترف بعميت رئيساً للعليا. فلفين غير قادر على الانتصار في المعركة ولا يعرف كيف يخسرها.
انتخب عميت للمنصب بعد سنة وثلاثة أشهر لاعتزال الرئيسة السابقة إستر حايوت. سنة وثلاثة أشهر، لأول مرة في تاريخ إسرائيل، عملت المحكمة العليا بدون رئيس دائم، وكل هذا لأن الأزعر لفين رفض إجراء تصويت في هذا الشأن.
ليس هذا فقط، بل تعمل المحكمة العليا بتركيبة ناقصة من 12 قاضياً من أصل 15 منصباً؛ لأن لفين لا يتفق مع باقي أعضاء اللجنة لانتخاب القضاة على تعيين بدائل للقاضية عنات برون، وللقائم بأعمال الرئيس عوزي فوغلمان.
لا يمكن التقليل من شدة الضرر الذي ألحقه لفين بالدولة في ملاحقته المهووسة لعميت وبمحاولته الثابتة لإضعاف جهاز القضاء وإخضاعه للحكومة. لم يهمه الشرخ الذي خلقه في الشعب أو الإخطارات الأمنية، بل واصل كعادته. وحتى مذبحة 7 أكتوبر، والحرب متعددة الجبهات والمخطوفون والضحايا، لم تضعف يديه اللتين بقيتا مصممتين على التخريب والتخريب والتخريب.
قاطع المداولات إلى جانب لفين كل من الوزيرة أوريت ستروك، والنائب إسحق كرويزر، ورفيقاه في ائتلاف السائبين المسيبين. وبعد التعيين، شرع لفين وستروك وكرويزر ورئيس الكنيست أمير أوحنا والوزيران نير بركات وسموتريتش في هجمة ردود فعل على التعيين.
القاضي عميت وإن انتصر في المعركة، لكن الحرب لم تنته بعد. عليه أن يقود المحكمة العليا أمام ائتلاف معاد ومصمم على مواصلة محاولاته السيطرة على المحكمة العليا وأمام وزير عدل لا يعترف بتعيينه ولا ينوي التعاون معه. على عميت الوقوف على أهبة الاستعداد للدفاع عن استقلالية المحكمة بأي ثمن.
—————————————–
يديعوت أحرنوت 28/1/2025
لماذا أبدت حماس و”الجهاد الإسلامي” مرونة في قضية أربيل يهود؟
بقلم: رون بن يشاي
الانعطافة الإيجابية التي بدأت ليلة الأحد – الاثنين لتحرير المخطوفين وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان جاءت نتيجة تضافر عدة عوامل رئيسية، على رأسها نية تدخل قوي من إدارة ترامب والموقف الإسرائيلي الذي أثبت لحماس وحزب الله بأن إسرائيل تنوي تطبيق الاتفاقات بحذافيرها، بدون تنازل وبدون “استيعاب” أي خروقات من الطرف الثاني.
موافقة حماس والجهاد الإسلامي المفاجئة على نبضة إطلاق سراح “استثنائي” آخر، إضافة للتي تم تحديدها، نوع من صفقة صغيرة طبخها رئيس حكومة قطر للضغط على كل الأطراف، وبالأساس على حماس. سيتم الخميس في إطارها إطلاق سراح أربيل يهود، والمراقبة أغام بيرغر، ومخطوف آخر ربما يكون كيت سيغل، هذا دون صلة بإطلاق سراح مخطوفين في النبضة المخطط لها بعد يومين من ذلك، أي يوم السبت.
سبب موافقة حماس هو رغبتها والجهاد الإسلامي في الوصول إلى المرحلة الثانية للصفقة، التي ستتعهد بها إسرائيل، بضمانات أمريكية، بوقف شامل للحرب. هذا هو الهدف النهائي الذي تسعى إليه حماس، التي تخشى من تهديدات الحكومة باستئناف القتال. بالنسبة لها، كل يوم تتأجل فيه المفاوضات على المرحلة الثانية هو خسارة خطيرة.
المفاوضات على المرحلة الثانية قد تبدأ الثلاثاء القادم، اليوم الـ 16 منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ. لو أصرت حماس والجهاد الإسلامي على إطلاق سراح أربيل يهود السبت، لتم تأجيل الموعد. يجب التذكر بأن المرحلة الأولى، “الإنسانية”، استهدفت -حسب رؤية المخربين الغزيين- فتح الطريق للهدف الرئيسي، وهو وقف الحرب.
ثمة سبب آخر لإظهار المرونة من قبل حماس والجهاد الإسلامي، وهو ضغط السكان الغزيين، تقريباً مليون شخص، الذين يريدون الانتقال إلى شمال القطاع ورؤية ما إذا كان بإمكانهم العودة إلى بيوتهم أو ما بقي منها. هذا الضغط كبير جداً، وأدركت حماس أنها قد تقف أمام عصيان. وثمة سبب آخر، وهو أن حماس والجهاد الإسلامي تريدان إخراج مصابين إلى مصر ودول عربية أخرى للعلاج، وأوضحت إسرائيل أن ذلك لن يتم إلا بعد الوفاء بتعهداتهما.
تأثير ترامب
أدارت إسرائيل الأزمة بشكل صحيح وحققت نبضة إطلاق سراح استثنائية، تدفع قدماً بتنفيذ المرحلة الإنسانية كاملة. من المحتمل أننا لا نعرف حتى الآن تفاصيل ما تم الاتفاق عليه في اليوم السابق. الجهاد الإسلامي وتنظيم سلفي جهادي آخر، الذي يحتجز أربيل يهود، بررا رفضهما تسليمها لحماس بأنها “جندية” ولأنها تعمل في برنامج الفضاء الإسرائيلي. كان لهذا الادعاء المدحوض هدف عملي: أرادوا الحصول مقابلها على 50 سجيناً من السجون الإسرائيلية حسب مفتاح “المجندات”، بدلاً من 30 حسب مفتاح “النساء المدنيات”.
هذا الخليط، الذي سيتضمن الخميس تحرير امرأة مدنية ومواطن مدني مسن ومجندة، يخلق إمكانية لإسرائيل لتنفيذ عملية إطلاق سراح استثنائية لعدد من السجناء الفلسطينيين، كما يبدو من رجال الجهاد الإسلامي، وهكذا سيتم تنفيذ جزء من طلبات التنظيم.
ثمة تقدير بأن المرونة المفاجئة التي أظهرها وفد حماس في الدوحة ووفد الجهاد الإسلامي في القاهرة، كانت نابعة من الخوف من الرئيس ترامب، أو للدقة، خوف الفلسطينيين من نية الرئيس الأمريكي الجديد – القديم، إبعاد نصف سكان القطاع، وتحويل مئات الآلاف إلى لاجئين لسنوات كثيرة في الأردن ومصر.
“تأثير ترامب” عمل في هذه الحالة لصالح إسرائيل. التنازل الوحيد الذي قدمه رئيس الحكومة نتنياهو هو فتح قنوات تصريف المياه في ممر نتساريم بصورة تمكن من انتقال السكان الغزيين إلى الشمال. عودة النازحين لا تعتبر أداة الضغط الوحيدة الهامة التي بيد إسرائيل في المرحلة الحالية. كما قلنا، هناك أيضاً فتح معبر رفح من أجل انتقال المصابين، وهناك المساعدات الإنسانية التي تسيطر إسرائيل على وتيرة إدخالها إلى القطاع. وإذا حدثت خروقات فظة للاتفاق، فالجيش الإسرائيلي في وضع يستطيع فيه الوصول إلى أي مكان بدون صعوبة، (لم نتحدث بعد عن إعادة إعمار القطاع التي هي موضوع المرحلة الثالثة والتسوية السياسية).
بدءاً من هذا الأسبوع، في حال بدأت المفاوضات حول المرحلة الثانية للصفقة، فعلى إسرائيل الرد على سؤال من يسيطر مدنياً في القطاع بدلاً من حماس في اليوم التالي. هذه هي المرحلة الحاسمة في الصفقة، وبعد ذلك سيعرف مواطنو إسرائيل إذا كانوا سيرون جميع المخطوفين قد عادوا، أم حكم عليهم بشد أعصاب.
في هذه الأثناء لتثبيت رواية النصر، تضع حماس أعضاءها على الطريق المؤدية إلى شمال القطاع، قبل موقع صرف المياه الإسرائيلي، وتلتقط لهم الصور وهم يصافحون النازحين العائدين إلى بيوتهم. وتحاول بذلك تحويل التسوية التي فرضت عليها إلى انتصار معنوي يحميها من غضب السكان.
بدأت الصور تخرج
من المهم التوضيح: ما زال الجيش الإسرائيلي موجوداً في شرق ووسط ممر نتساريم، وفي محور فيلادلفيا وفي الشريط الأمني في أراضي القطاع القريبة من الحدود مع إسرائيل. المعنى، أن طواقم قتالية بمستوى ألوية وفرق، التابعة للجيش الإسرائيلي، يمكنها الوصول إلى أي مكان في القطاع خلال بضع ساعات، ما يعتبر أداة ضغط مهمة. الجيش الإسرائيلي أيضاً يمكنه، عند الحاجة، أن يأمر سكان جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا بالعودة إلى الجنوب إذا اقتضى الأمر. هكذا، من خلال طرق العمل الممكنة، فإن كل ما كان مفتوحاً أمام الجيش الإسرائيلي قبل عودة النازحين الغزيين إلى شمال القطاع، سيكون مفتوحاً الآن أيضاً.
ستكون المشكلة في مجال المعنويات. المشاهد التي يقابلها الغزيون العائدون إلى الشمال قاسية. هم يشاهدون الدمار والخراب. وقلائل منهم يمكنهم العودة وإعادة حياتهم في المباني غير المدمرة، أو أنها شبه مدمرة. وسائل الإعلام العالمية ستغطي ذلك، وستتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. ومن المرجح إصابة غزيين بسبب بقايا أو عبوات مفخخة لحماس، وسيتم اتهام إسرائيل بذلك أيضاً. هكذا، يجب أن ترافق عودة الغزيين إلى الشمال خطوات تعبوية سريعة من الحكومة بحيث توازن الانطباع القاسي ولو قليلاً.
المشكلة أنه لا يوجد في محور الشاطئ، أي شارع الرشيد، نقطة مراقبة تفحص النازحين الذاهبين إلى الشمال، إذا تبين أن هناك خرقاً للاتفاق.
—————————————–
لا تنخدعوا.. قادة “إسرائيل” يخططون لغزة بلا فلسطينيين
على الرغم من وقف إطلاق النار، يستسلم بنيامين نتنياهو للمتطرّفين الذين لا يجدون أيّ مشكلة في التطهير العرقي، وقد وجدوا داعماً وهو دونالد ترامب.
بقلم: بن ريف
مقال رأي في صحيفة “الغارديان” البريطانية للكاتب بن ريف، يرجّح أن يستأنف رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب على غزّة بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، وذلك لأغراض سياسية وشخصية. كاتب المقال دعم رأيه بما حدث في لبنان، حيث إنّ نتنياهو لم يلتزم ببنود الاتفاق وخرقه بالبقاء في جزء من الأراضي اللبنانية.
الآن دخلت اتفاقية وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس أسبوعها الثاني. وعلى مدى عطلتَي نهاية الأسبوع الماضيتين، سلّمت حماس سبعة أسرى إسرائيليين في مقابل إطلاق سراح ما يقرب من 300 فلسطيني معتقلين في السجون الإسرائيلية، كما بدأت الاستعدادات بالفعل لتبادل مزدوج في نهاية الأسبوع المقبل. ولكن الأمر لم يكن خالياً من العقبات.
وبعد يومين من وقف إطلاق النار، أطلق جنود إسرائيليون النار على مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة إلى منازلهم بالقرب من الحدود الجنوبية لقطاع غزة، مما أسفر عن مقتل طفل.
حصلت بعض الانتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار بسرعة. ولكن لا ينبغي أن تكون هناك أوهام حول المسار الذي يتجه إليه هذا الاتفاق. إذ لا ينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يمضي به إلى وقف إطلاق نار دائم؛ ولا ينوي سحب القوات الإسرائيلية بالكامل من قطاع غزة. ولن يمنعه دونالد ترامب، الذي سارع كثيرون إلى إعطائه الفضل في إجبار نتنياهو على الموافقة على وقف إطلاق النار في المقام الأول، من نسفه أيضاً.
أولاً، لنعُدْ إلى سياق الأحداث. لا جدال في أنّ نتنياهو عرقل عمداً المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في غزة على مدار العام الماضي. والواقع أنّ نتنياهو متهم بتأخير الاتفاق، وتسريب معلومات سرية من المحادثات إلى الصحافة، وتجاوز مجلس الحرب لتقليص تفويض المفاوضين الإسرائيليين، والتراجع عن الاتفاقات التي تمّ التوصّل إليها خلال اجتماعات مجلس الوزراء، وغزو معقل المدنيين الأخير في غزة، رفح، عندما كانت الصفقة على الطاولة، وتضخيم الفجوات بين مواقف “إسرائيل” وحماس وإضافة “خطوط حمر” جديدة بشكل تعسفي بعد أن قبلت حماس شروط “إسرائيل” السابقة. والآن بعد أن وافق في النهاية على وقف إطلاق النار، سواء بسبب ضغوط من ترامب أو حساباته السياسية الخاصة، تخشى عائلات الأسرى الإسرائيليين أن يتخلّى نتنياهو عن أحبّائهم من أجل استئناف الحرب.
ولكنْ هناك أسباب وجيهة للخوف. فحتى قبل أن توافق الحكومة الإسرائيلية رسمياً على اتفاق وقف إطلاق النار في 18 كانون الثاني/يناير، ظهرت تقارير تلقي بظلال من الشك على التزام نتنياهو بتحقيقه بالكامل. ويبدو أنّ رئيس الوزراء وافق على مطلب وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرّف بتسلئيل سموتريتش باستئناف القتال بعد انقضاء المرحلة الأولى من مراحل وقف إطلاق النار الثلاث. ورغم أنّ نتنياهو امتنع عن الاعتراف بهذا علناً، فإنّ المصادر الحاضرة في تلك المناقشات وكذلك الصحافيون المقرّبون من نتنياهو أكّدوا أنّ فرص وصول الاتفاق إلى مرحلته الثانية تقترب من الصفر.
ولكن لماذا استسلم نتنياهو لسموتريتش؟ على ما يبدو للسبب نفسه الذي جعله متردّداً في الموافقة على وقف إطلاق النار في المقام الأول: كان سموتريتش يهدّد بإسقاط الحكومة. وبعد أن انسحب إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي اليميني المتطرّف، من الائتلاف الحاكم ردّاً على موافقة مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على الاتفاق، لم يتبقّ لنتنياهو سوى أغلبية ضئيلة في البرلمان.
وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة بشكل ساحق إلى أنّ رئيس الوزراء سيواجه صعوبة في العودة إلى السلطة إذا أجريت الانتخابات اليوم. وعلى هذا فإنّ بقاءه السياسي وقدرته على صدّ استكمال محاكمته بتهمة الفساد والمساءلة عن الإخفاقات المحتملة في الفترة التي سبقت هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أصبح الآن بين يدي رجل تتلخّص رؤيته لغزة في السيطرة الإسرائيلية الدائمة والتطهير العرقي للفلسطينيين.
وفي إطار هذا الطموح، يبدو أنّ سموتريتش وجد حليفاً في البيت الأبيض. في نهاية الأسبوع الماضي، قال ترامب للصحافيين: “أنت تتحدّث عن مليون ونصف المليون شخص على الأرجح، ونحن سنقوم بتطهير هذا الأمر برمّته”، مقترحاً نقل سكان غزة بشكل دائم إلى مصر أو الأردن. ووفقاً لكبار المسؤولين الإسرائيليين، لم يكن هذا زلّة لسان. والواقع أنّ بعض أعضاء حكومة نتنياهو ينظرون إلى الفكرة بشكل إيجابي، وقد طرح أحد مسؤولي انتقال ترامب بالفعل إمكانية نقل الناس مؤقتاً من غزة إلى إندونيسيا.
كان ترامب غير ملتزم إلى حد كبير بالاتفاق نفسه. في يوم تنصيبه، اعترف بأنه “غير واثق” من أنه سيصمد، مضيفاً أنّ “هذه ليست حربنا، إنها حربهم”. يزعم نتنياهو نفسه أنّه تلقّى تأكيدات من ترامب وجو بايدن بأنّ الولايات المتحدة ستمنح “إسرائيل” دعمها الكامل لاستئناف هجومها على غزة إذا انهارت المفاوضات قبل المرحلة الثانية (رفض مبعوث ترامب الجديد إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، تأكيد أو نفي ذلك).
كما استأنف ترامب إمداد “إسرائيل” بقنابل تزن 2000 رطل والتي أوقفتها إدارة بايدن بسبب مخاوف بشأن كيفيّة استخدامها في غزة. وفي الوقت نفسه، أعرب مايك هاكابي، سفير ترامب لدى “إسرائيل”، سابقاً عن وجهة نظر مفادها أنّه “لا يوجد حقاً شيء اسمه فلسطيني”. هذا هو الرجل الذي ينتظر الكثيرون منه إجبار نتنياهو على الالتزام بوقف إطلاق النار وتمكين إعادة إعمار غزة في ظلّ الحكم الذاتي الفلسطيني.
في 3 شباط/فبراير، من المقرّر أن يبدأ المفاوضون من “إسرائيل” وحماس في تسوية التفاصيل قبل المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار. وهذا من شأنه أن يمنح نتنياهو الفرصة المثالية لانهيار المحادثات، وإلقاء اللوم على حماس، واستئناف الحرب إذا اختار ذلك. ويتعيّن على المجتمع الدولي، الذي وقف متفرّجاً لمدة خمسة عشر شهراً بينما كانت “إسرائيل” تسحق غزة وسكانها، أن يستغلّ كلّ أداة في ترسانته لضمان صمود الاتفاق.
في الأسبوع الماضي، تراجع نتنياهو عن التزام حكومته بسحب القوات الإسرائيلية من لبنان في غضون ستين يوماً، رغم أنّه ألقى باللوم على لبنان. ويبدو أنّ هناك القليل جداً من الأسباب التي تمنعه من القيام بالشيء نفسه، بل وربما أسوأ، في غزة. وسوف تكون العواقب وخيمة على مليوني فلسطيني بدأوا للتو في لملمة شتات حياتهم المحطّمة.
—————–انتهت النشرة—————–