إسرائيليات

هآرتس : بلا أخلاق.. استقبال الإسرائيليين لخطة “تشات جي بي تي”: حلوى ترامب اللذيذة

بقلم: عاموس هرئيل

خلال فترة الحرب، طلب ممثلو إدارة بايدن زيارة غزة أكثر من مرة، للاطلاع على حجم الدمار الذي تسبب به الجيش الإسرائيلي هناك، وعلى الصعوبات في توفير المساعدات الإنسانية. الدمار في غزة، يقول رجال استخبارات في إسرائيل، هو من الأخطر، إذا لم يكن الأكبر، من حيث قوته وحجمه، الذي شوهد في حروب العقود الأخيرة في العالم.

عندما وصلت الطلبات في القنوات الدبلوماسية، اعتاد الجيش الإسرائيلي بتوجيه من المستوى السياسي على التهرب والتأجيل. في النهاية، عندما لم يبق خيار، تم نقل الأمريكيين في سيارات مصفحة وبدون نوافذ، لرؤية أقل قدر من التدمير. في نهاية الشهر الماضي، بعد أن استدعي ويتكوف نفسه، مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط، لجولة مشابهة، كانت هناك تعليمات مختلفة كلياً. أخذه الضباط إلى مناطق بدا فيها الدمار واضحاً بشكل مطلق. عندما يقول ترامب، بدرجة من الصدق، بأن القطاع في الوضع الحالي غير قابل لسكن البشر، فرسائل إسرائيل حثته على التوصل إلى هذه النتيجة.

الفجوة بين الزيارات في الفترتين تعكس القليل من التناقض في السياسة الخارجية الأمريكية. عرضت الإدارة السابقة أكثر من مرة أفكاراً اعتبرت منطقية، مع إمكانية كامنة مفيدة. ولكن قدرتها على فرضها على الطرفين كانت ضئيلة. وزير الدفاع السابق يوآف غالنت، قدر في الربيع الماضي أن رئيس الحكومة نتنياهو يلعب على الوقت ويؤخر عملية سياسية مهمة، في انتظار قدوم ترامب. الرئيس الأمريكي الحالي عند عودته إلى البيت الأبيض، يبدو كصاحب قدرة على المساومة أكثر من سلفه. الموضوع أنه باستثناء نجاحه الجدير بالثناء في المصادقة على صفقة المخطوفين، فإنه يطرح أفكاراً متطرفة بعيدة المدى، خطرها كبير.

المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب مع نتنياهو مساء الثلاثاء، كان استثنائياً حتى بمفاهيم المستضيف. سلسلة القنابل التي ألقاها الرئيس، على رأسها اقتراح تهجير شامل للغزيين وإلى الأبد، وتولي أمريكا المسؤولية عن القطاع، أثارت انفعالاً إعلامياً كبيراً واستقبلت بنشوة صبيانية بدرجة ما في الحكومة وفي الأحزاب اليمينية في إسرائيل. وظهر نتنياهو نفسه متفاجئاً من بعض تصريحات ترامب. ولكن عملياً، كان هذا تهديداً مخططاً له جيداً. ترامب بعودته إلى البيت الأبيض، يفعل ما فعله دائماً، ولكن بصورة أكبر. يلقي مواد متفجرة في غرفة مكتظة وينتظر رؤية ما سيحدث. المتحدثة بلسانه، اضطرت للاعتراف بأن الخطة كانت تكتب في الوقت الذي كان يتحدث فيه. من يدري، ربما أحد ما في المكتب كان يلعب بالضبط في “تشات جي.بي.تي”.

منذ اللحظة التي طرح فيها فكرة متطرفة وصعبة على التنفيذ، ويبدو أنها غير قابلة للهضم من قبل العالم العربي، يأمل الرئيس الأمريكي إجبار الفلسطينيين والدول العربية على الخروج عن أطوارهم لطرح شيء ما يكون مقبولاً عليه. عملياً، يبدو من المعقول أن يعود النقاش في النهاية إلى الأفكار الأصلية التي نوقشت في فترة بايدن: إعادة إعمار القطاع، مع بقاء معظم سكانه فيه، وتدخل مالي عميق من دول الخليج، وإيجاد تسوية سياسية فلسطينية تمكن ترامب ونتنياهو من الادعاء بأن حماس تم إبعادها عن دفة القيادة في القطاع.

إجمالي الردود في إسرائيل، المتحمسة في معظمها، غاب عنها التطرق إلى العامل الأخلاقي – الطرد الفعلي لمليوني شخص، الذين عاش أجدادهم وآباؤهم هنا- ليس في دولة وصاية في شرق إفريقيا. اليمين تحمس من إمكانية اختفاء الفلسطينيين فجأة من أفق القطاع. الوسط في إسرائيل، بقدر ما بقي منه، غير بعيد عنه. يصعب التفريق بين رد نتنياهو ورد رئيس المعسكر الرسمي، عضو الكنيست بني غانتس، على اقتراح ترامب. هذا جزء من الصدمة التي تسببت بها فظائع المذبحة في 7 أكتوبر، لكن الردود تعكس أيضاً انغلاقاً متزايداً للرأي العام هنا تجاه خطوات جارفة تريد تغيير حياة الملايين بشكل قسري.

الرئيس بمنطق العقارات، يعرف أن إخلاء الأنقاض سيستغرق عقداً على الأقل، ناهيك عن الحاجة إلى تحييد مئات القنابل الإسرائيلية التي لم تنفجر. البنى التحتية التي بقيت في القطاع لا تسمح بحياة سليمة. في القطاع انتظروا بصبر إخلاء إسرائيل لممر نتساريم بهدف السماح لمئات آلاف السكان بالعودة من الجنوب إلى الشمال، إلى بلداتهم المدمرة. ولكن عندما تم إخلاء الممر، عاد كثيرون إلى الجنوب بعد بضعة أيام بعد أن تبين لهم بأنه لا يوجد في الشمال حتى تزويد معقول لمياه الشرب. مع ذلك، ادعاء نتنياهو وترامب بأن الحل البديل موجود في إفريقيا، هو ادعاء غير منطقي في أي حال من الأحوال. الفلسطينيون سيكونون هناك نبتة غريبة، حتى لو كانوا يعتنقون الدين الإسلامي الذي يعتنقه سكان تلك الدولة التي لم يسمع أحد عنها، الصومال.

الشريك المطلوب لخطوة ترامب، السعودية، سارعت إلى إصدار بيان يتحفظ من وهم التهجير، والتأكيد على الحاجة إلى إقامة الدولة الفلسطينية. الأردن ومصر، اللتان تم ذكرهما في البداية كهدف محتمل لاستيعاب المهاجرين من غزة، مذهولتان. والنظام في عمان متأرجح، والحكومة المصرية تناضل من أجل إطعام مليون فم جائع كل يوم.

وزير الدفاع يسرائيل كاتس، أمر أمس الجيش الإسرائيلي بإعداد خطة لخروج سكان غزة، واتهم دولاً مثل فرنسا وأيرلندا والنرويج، التي انتقدت خطوات إسرائيل في الحرب، بالنفاق إذا لم توافق على استيعاب المهاجرين الفلسطينيين. حتى الآن، احتمالية تطبيق فكرة ترامب الجديد ضعيفة جداً. المعنى الفوري والأساسي للعملية يمكن الشعور به في الملعب البيتي. ليس عبثاً أنه تم إرسال ويتكوف للتحدث مع الوزير سموتريتش لساعات. الأمريكيون يريدون تعزيز ائتلاف نتنياهو قبيل الخطوات القادمة. الأمر الهام والمستعجل من بينها هو ما يعارضه اليمين المتطرف، وهو استكمال المرحلة الأولى في صفقة المخطوفين (التي ستتم فيها إعادة 12 مخطوفاً أحياء و8 جثامين)، والانتقال إلى المرحلة الثانية التي ستتم فيها إعادة 59 مخطوفاً، أقل من نصفهم على قيد الحياة.

إن وهم الطرد قطعة حلوى مغرية جداً لسموتريتش كي لا ينسحب الآن؛ صحيح أن بن غفير يريد العودة أيضاً. ترامب في الواقع تحدث عن إمكانية ضم الضفة الغربية (هو يقلق من الحجم المتواضع لإسرائيل، التي قارنها بـ “هذا القلم المدهش”، والشرق الأوسط بـ “طاولة الكتابة الكبيرة التي في مكتبه”). عندما وعد بمناقشة الضم في غضون شهر، فإن التوقيت لا يبدو صدفياً، بل هو مندمج مع المرحلة الثانية في صفقة التبادل. المانحة المليارديرة ماريام أدلسون، تستمر في الضغط على ترامب لإعادة آخر المخطوفين، ويبدو أن ويتكوف على الأقل يلتزم بذلك، أخلاقياً وعاطفياً.

ربما أن العائق الكبير الآن هو حماس مرة أخرى. إذا أعلن ترامب بأن حماس لن تحكم في قطاع غزة، واقترح هجرة واسعة منه، فهل يبقى دافع لحماس للتقدم في الصفقة، وحتى تنفيذ المرحلة الأولى؟ في هذه الأثناء، ما زالت حماس متمسكة بالصفقة، وحتى إنها تفحص إظهار مرونة ما لصالح نبضات أكبر، التي سيتم في إطارها تحرير عدد أكبر من المخطوفين. وثمة شكوك إذا كانت تصريحات ترامب تشجعها على التقدم أكثر من ذلك. الأجندة التي تم تحديدها في الصفقة تصعب على الحكومة، بدون صلة بحلم ترامب. لقد بقيت ثلاثة أسابيع تقريباً على انتهاء المرحلة الأولى. بعد ذلك، في ظل غياب الاتفاق، فإن الطرفين يمكنهما الاستمرار في مناقشة الحل خلال وقف إطلاق النار. محيط نتنياهو بات يسرب الآن بأنه سيطلب تمديد المرحلة الأولى بواسطة نبضات إطلاق سراح صغيرة أخرى، كما يبدو من أجل عدم الوصول إلى المرحلة الثانية التي تنص على إطلاق سراح عدد كبير من السجناء الفلسطينيين مقابل المخطوفين الباقين وإخلاء محور فيلادلفيا والانسحاب الشامل من القطاع.