أهم الاخبارفلسطيني

المصالحة الفتحاوية: ” العفو العام ” هل خطوة جادة أم مناورة سياسية؟

المسار:  لطالما عانت حركة فتح من هزّات داخلية أضعفت تماسكها وأفرزت انشقاقات وتيارات جديدة، كان الخلاف حول البرنامج السياسي واجهتها، لكنه في جوهره لم يكن السبب الوحيد، إذ تداخلت معه أبعاد تنظيمية وقانونية، وربما شخصية وكيدية حسبما يرى مراقبون بأنها انعكست مترجمةً في مئات قرارات الفصل التي طالت كوادر وقيادات على مدار تاريخ الحركة. وكانت ذروتها قد تجلّت بوضوح بعد عام 2011 عندما شهدت فتح انشقاقًا واسعًا عقب فصل عضو لجنتها المركزية محمد دحلان، بتهمة الفساد والاختلاس، وهو القرار الذي أفرز لاحقًا بتأسيس ما يسمّى بـ “تيار الإصلاح الديمقراطي” عام 2017 والذي ضمّ المئات من المفصولين والمتهمين بـ “التجنّح”.

ومنذ عام 2009 عامًا بدأت قرارات الفصل تصدر دون توقف داخل حركة فتح، وبحقّ من شارك في انتخابات نقابية أو محلّية ضمن قوائم غير رسمية لحركة فتح، وبحقّ من شاركوا بقوائم لم تشكّلها حركة فتح في الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة عام 2021 والتي ألغاها الرئيس عباس، حيث فصل على أعقابها عضو اللجنة المركزية ناصر القدوة الذي شكّل قائمة موازية بالتعاون مع عضو اللجنة المركزية مروان البرغوثي وزوجته فدوى البرغوثي التي تشغل عضوية مجلس فتح الثوري والتي لم يتم فصلها، لكن يتم التعامل معها بتهمة “التجنّح” ولا يتم دعوتها للمشاركة في الأطر التنظيمية والقيادية، وكذا حال قادة آخرين مثل فخري البرغوثي، وجمال حويل، وأحمد غنيم، وآخرين.

وفي ذورة كلّ خلاف تطفوا على السطح مطالبات برأب الصدع بين تيّار فتح الرسمي، وبين المفصولين أو المتهمين بالتجنّح، غير أن سيل التصريحات والاتهامات بين الطرفين كان يحول دون إتمام أي مصالحة، حيث وصلت الاتهامات حدّ التخوين خاصّة بين تيّار الرئيس عباس، وتيار دحلان. إلا أن مراقبون ومتابعون يرون أن حركة فتح الرسمية بقيادة الرئيس عباس وصلت إلى قناعة بأن لا مفرّ من لملمة شؤون الحركة بعد تراجع طال قاعدتها الجماهيرية وقبولها العربي وما تبعه من انعكاسات داخلية وفجوات وعدم الاستقرار المالي.

وعلى غير العادة، جاءت كلمة الرئيس محمود عباس في القمّة العربية التي عقدت بالعاصمة المصرية، القاهرة في الرابع من الشهر الجاري، غير متوقّعة في بعض مضامينها، حيث تطرق الرئيس عباس بصفته رئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس حركة فتح إلى أمرين، أولهما قرار استحداث منصب “نائب رئيس منظمة التحرير ودولة فلسطين”. إلا أن القرار الآخر الذي بدا لافتًا ومفاجئًا بشكل أكبر، هو إعلانه “إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة فتح واتخاذ الإجراءات التنظيمية الواجبة لذلك”.

ويشوب قرار العفو ضبابية في المعنى والمقصد والتوقيت. حيث أكّد مصدر قيادي من حركة فتح  أن التوقيت مرتبط بضغوط عربية خاصّة من دول الخليج. ويقول المصدر: “الإمارات تضع فيتو على السلطة وحركة فتح من حيث الدعم المالي ما لم تتم مصالح فتحاوية داخلية، أما السعودية تطالب بإصلاحات داخلية في المؤسسات الرسمية، وقطر تتحفظ على الدعم بحجج الفساد”. في المقابل جاءت تصريحات الرئيس عباس في محاولة لإرضاء جميع الأطراف وإثبات حسن نوايا مقابل تلقي الدعم المطلوب عربيًا.

غير أن الناطق باسم حركة فتح في قطاع غزة، منذر الحايك يردّ قائلًا : “لم تواجه فتح ضغوطًا، بل تلقينا نصائح عريبة بضرورة إجراء إصلاحات داخلية ومصالحات فتحاوية وترتيب البيت الفلسطيني في المنظمة التحرير، والنصائح أخذت بعين الاعتبار.. ومنذ نحو 6 أشهر جرت حوارات عديدة بين الأخ سمير المشهراوي (المقرب من تيّار دحلان)، وعضو اللجنة المركزية للحركة حسين الشيخ في الإمارات؛ لتذليل العقبات أمام من فصلتهم الحركة، والوصول إلى مصالحة فتحاوية داخلية”.

في المقابل، اعتبر مصدر قيادي في تيّار الإصلاح الديمقراطي لحركة فتح “تيار دحلان” أن تصريحات الرئيس عباس حول “العفو العام عن المفصولين” غير لائقة من حيث التعبير، ومفاجئة كونها لم تسبق تمهيدًا أو تصريحًا أو تعقيبًا يخصّ السياق، لا سيّما وأن حوار “الشيخ ومشهراوي” طرأ عليه تقدمًا خلال الحوارات، لكن “الكرة كانت خلال الأسابيع الماضية في ملعب الرئيس عباس، الذي رماها في ساحة القمة العربية بشكل مفاجئ”، وفق تعبير المصدر الذي أشار إلى أن التيّار لم يكن على علمٍ مسبق بإعلان الرئيس في القمّة. فيما اعتبر الحايك أن الأولى هو التركيز على جزئية ترتيب البيت الفتحاوي بمعزل عند الوقوف عند كلمة “عفو”.

وتابع المصدر القيادي في تيار الإصلاح الديمقراطي: “لدينا تعليمات بعدم اتخاذ أي موقف قبل صدور توضيح رسمي من الرئيس عباس حول مدى جدّيته في هذا الإعلان، وما إذا كان مستعدًا للالتزام بما تم التوافق عليه في حوارات الشيخ ومشهراوي، والتي تستند إلى العودة للقانون الحركي الداخلي وجعله الفيصل في قرارات الفصل والتعيين.

 أما إذا كان التصريح مجرد محاولة لإرضاء بعض الأطراف العربية، فإن موقفنا سيبقى ثابتًا، خاصة وأن أبناء التيار لا يعتبرون أنفسهم خارج إطار حركة فتح”. وفي هذا السياق، أوضح الحايك أن “حركة فتح ستكشف خلال الأيام المقبلة عن آلية عودة المفصولين والحاصلين على العفو العام، حيث سيتم إصدار بيان رسمي يوضح إجراءات العودة والترتيبات التنظيمية المتعلقة بها”.

وبالنظر إلى حجم الفجوة بين حركة فتح الرسمية، وتيّار دحلان، يُرى استحالة إجراء مصالحة بين الطرفين، لا سيّما وأن الرئيس عبّاس اتهم سابقًا زعيم تيّار الإصلاح الديمقراطي، محمد دحلان بأنه متورط في اغتيال قادة من حماس، وعليه قضايا اختلاس مالي وفساد وذكر معه قادة آخرون من التيّار، كما اعتبرت تصريحات عديدة سابقة لقادة حركة فتح والناطقين باسمها بأن “لا عودة للمفصول محمد دحلان ولا لمن سار خلفه”. ورغم ذلك كله فقد بات الرئيس مضطرًا للتوجه نحو مصالحة متناقضة. ويقول مصدر قيادي في تيّار دحلان: “الدول العربية أبلغت الرئيس عباس أن دعمه السياسي تراجع، وأنه خسر الدعم المالي، والمرحلة القادمة في غزة تطلب كيانًا يملك مالًا ونفوذًا سياسيًا، في إشارة واضحة إلى ضرورة إجراء مصالحة مع دحلان”.

لكن التحفظات التي تحول إتمام المصالحة لدى طرفي الانقسام الفتحاوي عديدة، إذ تقول فتح إن لا عودة لمجموعات بل للأفراد، فيما يطالب تيّار دحلان بأن يعود كل من فصل إلى مسمّاه التنظيمي ورتبته حال كان مفرغًا في الأجهزة الأمنية أو وظيفة عمومية.

يقول أحد من صدر بحقّهم قرارات فصل من حركة فتح سابقًا، جمال الطيراوي إنه كان الأولى على الرئيس عباس عدم طرح قضايا فتح الداخلية في القمّة العربية، وأن يناقش ذلك في أطر ومؤسسات الحركة الرسمية كونه شأن فتحاوي فلسطيني داخلي.

 وأشار الطيراوي إلى أن فتح مرّت بمرحلة إقصاء لعديد من القيادات المتأصلة بالحركة والتي لها دور وباع طويل، وبالتالي هم لم يخرجوا من فتح، بل تم إخراجهم، والتعبير بأنهم حصلوا على قرار عفو غير مناسب لأن القضية خلافية في الأمور التنظيمية.

وكانت حركة فتح في أكتوبر 2016 قد أصدرت قرارات فصل طالت عدد من قياداتها الذين كانوا نوابًا في المجلس التشريعي، لحقه قرار برفع الحصانة النيابية عنهم، ومنهم “شامي الشامي، جهاد طملية، جمال الطيراوي، نجاة أبو بكر، وآخرين”.

 وذلك بتهم التجنح، والتواصل مع النائب محمد دحلان، إضافة لتهم اختلاس أموال واستغلال نفوذ وتجارة أسلحة والإساء إلى قامات وطنية فلسطينية. وبحسب ما جاء في تصريحات سابقة لحركة فتح فإن العودة ستكون لمن فصلوا بعد إجراء لقاءات فردية مع كل واحدٍ منهم، ومناقشة وضعه التنظيمي.

وينفي الطيراوي أن يكون أحد قد تواصل معه للاحتكام إلى لجان تناقش وضعه التنظيمي. قائلًا: “نسمّع في الإعلام عن لجان شكّلت في المجلس الثوري وأخرى في اللجنة المركزية لمتابعة الأمر، لكن هذه اللجان يبدو أنها لم تلتقِ بأحد، وعلى أرض الواقع لم يحدث شيء في هذا الموضوع”.

وتابع: “ما قاله الرئيس مجرد تصريح، لم نلمس له أي تداعيات للآن، وهي ليست مسألة عابرة في القمّة العربية، هذا أمر داخلي سياسي تنظيمي، أثر على إقصاء قيادات توقف رواتبهم ومنعوا من مهامهم، وهذا أمر يتطلب نقاش وتوضيح حول السبب وليس تصريح في القمّة العربية”. مضيفًا: “باختصار شديد، لا أحد ممن فصلوا يعلم شيء عن هذا الموضوع، مجرد تصريح سمعنا فيه بالقمّة العربية”.

واعتبر الطيراوي أن المرحلة القادمة تتطلب: “أن يدرك بما فيهم رئيس حركة فتح ولجنتها المركزية ومجلسها الثوري أنه لا يمكن إلغاء إرث أحد في الحركة عبر الإقصاء، وبالتالي ضرورة فتح حوار ووضع الأمور في نصابها لإعادة البرنامج السياسي لحركة فتح كون قرارات الفصل لم تكن إلا على خلفية الاختلاف بوجهات النظر حول الأداء السياسي، وعلى الأداء الداخلي للحركة في تغييب الأطر والإقصاء، ولهذا يجب تجديد سياسة الحركة بما يلائم طبيعة المرحلة”.

وفي الحين الذي يعتبر فيها الطيراوي أن قادة فتح تعرَضوا للإقصاء، ترى الحركة في مواقفها الرسمية أنهم فصلوا على خلفية قضايا تنظيمية، أو بتهمة التجنّح. ويقول الناطق باسم فتح منذر الحايك إن “التجنّح” يشير لمن خالفوا نظام الحركة الداخلي، يشمل ذلك أعضاء في المجلس الثوري وأقاليم المناطق الذين خرجوا من الحركة بإرادتهم وساروا خلف المفصولين منها، وشكّلوا ما يعرف بتيّار الإصلاح الديمقراطي، وهم سيخضعون للجان الحركة التي ستتابع فتح الباب أمام عودتهم.

وبدأت حركة فتح بمناقشة قضية المصالحة الداخلية بشكل علني ورسمي بعد اجتماع عُقد في الخامس عشر من أكتوبر الماضي، جمع بين اللجنة المركزية لحركة فتح، والمجلس الثوري، وأمانة سر المجلس الاستشاري، وبُحثت فيه قضايا عديدة، وصدر بيان في أعقابه، جاء فيه: “قررت الحركة اتخاذ إجراءات عملية لتعزيز بنيان الحركة ودعوة أبنائها كافة إلى رصّ الصفوف والعودة إلى فتح، إذ إن الاحتلال يستهدف الكل الفلسطيني حاضرًا ومستقبلًا، وقررت حركة فتح في اجتماعها اليوم البدء بتنفيذ قرارات داخلية لوحدة العمل التنظيمي في الساحات كافة”. غير أنها لم تحدث تقدمًا ملموسًا حيث بقي الرئيس عباس يناور ويراوغ ولا يبدي موقفًا واضحًا من ذلك وفق ما يقول مصدر قيادي في تيّار دحلان.

وفي سياق آخر، ضمن إطار المصالحة مع حركة حماس، قال الحايك إن التواصل منذ فترة لم ينقطع بين حركتي حماس وفتح، حيث أبدت حماس استعدادها المتكرر بتسليم منظومة الحكم بالقطاع عبر وسائل الإعلام وفي الغرف المغلقة، غير أنّها طالبت بضمان عدم التخلي عن آلاف الموظفين الذين يعملون في العمل الحكومي بغزة. أما عن سلاح المقاومة، أجاب الحايك: “لن نقترب من سلاح المقاومة، هذا سلاح للدفاع عن الشعب الفلسطيني ولن يتم المساس به”.

المصدر: شيكة القدس الإخبارية