
بقلم: وسام زغبر
عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
في زحمة أصوات البنادق، وعبر ظلال الاستعمار والاحتلال، لم تكن الشعوب تُعبر فقط بالسلاح، بل غنت، وهتفت، ورددت أناشيدها كما لو كانت تقرأ بيانها الأول للعالم. من بين هذه الأناشيد الخالدة، يتصدر النشيد الوطني الفلسطيني “فدائي” والنشيد الوطني الجزائري “قسماً”، ليشكّلا معًا ملامح وجدانٍ عربيٍ مقاوم، لا يزال ينبض حتى اليوم.
في كليهما، فلسطين والجزائر، ثمة وجع طويل، ونهر دمٍ لا يجف، وصرخة حرية لا تخبو. كتب الشاعر الجزائري مفدي زكريا “قسماً” في زنزانته، ليس فقط بقلمه، بل بجرح بلاده، بينما كتب الفلسطيني سعيد المزين “فدائي” كأنما يُصيغ قسمًا أبديًا على أن الأرض لا تُحرر إلا بالتضحية.
“فدائي” ليس مجرد نشيد وطني لفلسطين، بل هو مرآة لتاريخها، صوت الفتى الذي رفع الحجر، وصورة الأم التي زغردت لابنها الشهيد. هو وعد من لا يملك سوى دمه، بأنه سيحيا فدائيًا، ويموت واقفًا. أما “قسماً”، فهو زئير شعب بأكمله، أقسم على أن لا حياة دون حرية، ولا وطن يُبنى دون تضحيات.
كلا النشيدين يجتمعان على ثلاثة مفاصل أساسية: الدم، القسم، والكرامة. ففي الجزائر، تُقدس الأرض بدم الشهداء، وفي فلسطين، لا يُصان التراب إلا بالقتال المستمر. نشيد “قسماً” يحمل بعدًا كونيًا، يرتقي بلغة القسم إلى مستوى القداسة، بينما “فدائي” يتحدث بلغة الانتماء الشخصي، حيث “أنا” الفدائي تصبح “نحن” الوطن.
ثمّة موسيقى خفية تربط النشيدين، موسيقى الثورة، لا تلك التي تُعزف بالآلات، بل تلك التي تعزفها القلوب التي لا تقبل الذل. من زنزانة مفدي زكريا إلى سجون النقب وعوفر و”ركيفت”، يتواصل لحنٌ واحد: أن الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع.
لقد علّمتنا الجزائر أن النشيد سلاح، وأن القصيدة قد تسقط مستعمرة. واليوم، تُذكّرنا فلسطين أن “فدائي” ليس نشيدًا للجنود، بل لكل من يرى في الحرية فرض عين.
في النهاية، لم يكتب الفلسطيني نشيده ليغني فقط، بل ليُبقي على جذوة الثورة مشتعلة. ولم يقسم الجزائري عبثًا، بل ليكون نشيده صدىً لسبعة أعوام من اللهب.
هكذا يلتقي نشيدان، لا على لحن فقط، بل على هوية مشتركة لشعبين لم يُكسر إرادتهما. فحين يغني الفلسطيني “فدائي”، يسمعه الجزائري وكأنه يقول “قسماً”، وحين يردد الجزائري نشيده، يشعر أن روح فلسطين ترد القسم.