مقالات

كتب : رامي منصور … حرب حزيران 2025

لا يمكن تقدير وجهة الحرب حاليًّا دون معرفة حجم الردّ الإيراني، ولكن من الواضح أن حرب حزيران 2025 قد تنتهي باندفاع إيران نحو السلاح النووي، أو الانكفاء الإقليمي والتخلّي عن الطموحات الإمبراطورية، والانخراط في مسعى أميركي لاتفاق جديد...

المسار …

يعتبر قادة الجيش الإسرائيلي أن العدوان الجاري على إيران “حربًا لا عملية عسكرية”، بزعم ضرب المشروع النووي الإيراني، وتحديدًا منشأة نطنز النووية الكبرى، بالإضافة إلى الدفاعات الجوية، وصواريخ باليستية، وتصفية القيادات العسكرية، وزعزعة استقرار النظام على أمل انهياره من الداخل.

يُعلن الجيش الإسرائيلي أن حربه ستستغرق أسبوعين على الأقل، ويبدو أنها مهلة أميركية أو بالتنسيق معها. وسبق ذلك بشهور حديث نتنياهو المتكرّر عن “النصر المطلق” وتغيير وجه الشرق الأوسط، ولم يكن يقصد قطاع غزّة، بل كان يقصد إيران.

ليس إعلان الحرب مفاجئًا كما يروّج الإعلام الإسرائيلي؛ فقد كان متوقّعًا واستعدّت له إيران، وكلّ الأحاديث عن خدع إعلامية قام بها نتنياهو مع ترامب تجاه الإيرانيين لطمأنتهم ليست جديدة. وليس مفاجئًا حجم الضرر والدمار والقتل الإسرائيلي، فالتفوّق العسكري والجوي والاستخباري الإسرائيلي واضح ومعروف، وليس مستغرَبًا حجم الاختراق، فهذه مواجهة بين دولة تنتمي إلى “العالم الأول” ومدعومة بتفوّق وتكنولوجيا الإمبراطورية الأقوى في التاريخ، وبين دولة تنتمي إلى “العالم الثالث”، تعيش يومها بيومها، متعثّرة عسكريًّا واقتصاديًّا، ولا يمكن مقارنة قدراتها الجوية بقدرات إسرائيل، سواء هجوميًّا أو دفاعيًّا.

تشبه الضربة الافتتاحية للحرب الإسرائيلية إلى حدٍّ كبير الحرب على حزب الله الأخيرة؛ اختراق أمني عميق، بشري وتقني، تحييد القدرات الصاروخية، اغتيال القيادات العسكرية من الصفّ الأول والثاني، والقيادات الميدانية، وصولًا إلى اغتيال القيادة السياسية وعلى رأسها حسن نصر الله. أي تدمير أو تحييد للأسلحة الإستراتيجية والقيادات العسكرية لمنع إمكانية الردّ، مستغلّةً التطوّر التكنولوجي والاختراق الأمني لتحقيق ضربات قاتلة تشلّ القدرة العسكرية، وحتى البشرية، على الردّ.

ليس بمقدور هذا العدوان تدمير المشروع النووي الإيراني بالكامل، ربّما تعطيله أو تأخيره، من خلال استهداف العلماء النوويين الكبار، واستهداف منشآت مثل نطنز، التي تدّعي مصادر إسرائيلية بأنّ إيران طوّرتها وأقامت فيها منشأة محصّنة في عمق الأرض، وخطّطت لنقل أجهزة التخصيب إليها، فيما اعتبرت إسرائيل أن أمامها “نافذة إستراتيجية” لتنفيذ العدوان قبل نقل هذه الأجهزة إلى المنشأة الجديدة شديدة التحصين.

في حزيران 1967، شنّت إسرائيل حربًا على ثلاث دول عربية، ودمّرت أقوى جيش عربي خلال ساعات، الجيش المصري، بفضل التفوّق الجوي، لكنها واجهت لاحقًا حرب استنزاف استمرّت حتى العام 1970، أي نحو ثلاث سنوات من الاستنزاف على جبهة سيناء.

حرب حزيران 2025 تدخلها إيران وقد فقدت محورها، وفي مقدّمته حزب الله في لبنان، بحيث فرضت إسرائيل عليها المواجهة المباشرة التي لطالما تجنّبتها، مدركة التفوّق الجوي الإسرائيلي ومنظومات الدفاع الصاروخية، الأميركية والغربية والعربية، في المنطقة التي تحمي الأجواء الإسرائيلية.

في حرب حزيران 1967، انكسر المشروع القومي العربي، أو بدأ أفوله، على وقع الشعارات الرنّانة، وسوء التخطيط والاستعداد، والانكشاف العسكري والأمني. انكسر المشروع القومي، وصعد الإسلام السياسي والسلام الساداتي.

في حزيران 2025، تضع إسرائيل الجمهورية الإسلامية أمام صراع بقاء؛ أي بقاء مشروعها السياسي ومكانتها الإقليمية، وليس على بقاء مشروعها النووي فحسب.

ليست مستغرَبة دعوة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات خلال العدوان الإسرائيلي، فمنذ الآن وصاعدًا، التفاوض بالنسبة إليه ليس على اتفاق نووي فقط، بل على مكانة إيران بعد هذه الحرب، إذا لم تردّ بالقوة التي وعدت بها – الوعد الصادق.

في حرب حزيران 1967، ردّت مصر بحرب استنزاف طويلة، وصولًا إلى مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، ومصير حرب حزيران 2025 يتعلّق بحجم الردّ الإيراني، ومدى تضرّر المشروع النووي الإيراني، وعرض “وقف إطلاق النار” الأميركي. فإذا صمد المشروع النووي الإيراني في وجه العدوان الإسرائيلي، رغم الضربات المتكرّرة، وتمكّنت إيران من إطلاق مئات الصواريخ تجاه إسرائيل، فبالإمكان التقدير بأنّ إيران ستتمسّك أكثر بمشروعها النووي، وصولًا إلى إنتاج سلاح نووي أو تحسين شروط التفاوض؛ وإذا قرّرت تجاوز العدوان والاكتفاء بردّ رمزي على العدوان، فهذا يعني تسليمًا بالتفوّق الإسرائيلي.

لا يمكن تقدير وجهة الحرب حاليًّا دون معرفة حجم الردّ الإيراني، ولكن من الواضح أن حرب حزيران 2025 قد تنتهي باندفاع إيران نحو السلاح النووي، أو الانكفاء الإقليمي والتخلّي عن الطموحات الإمبراطورية، والانخراط في مسعى أميركي لاتفاق جديد. أي أن الخيار بين اندفاع إيران إلى الأمام أو الانكفاء. كلّ ذلك يتعلّق بحجم الضرر للمشروع النووي، والردّ الإيراني، والمبادرة الأميركية لإنهاء الأزمة.