مقالات

كتب اسماعيل جمعه الريماوي… الضفة الغربية ما بين الحصار والاعتداءات … ماذا تنتظر السلطة الفلسطينية؟

المسار …

لم تبدأ الحكاية من جنين، ولن تنتهي عند نابلس. لكن من جنين بدأت النيران بالاشتعال جهارًا، ومن طولكرم امتدت، ومن نور شمس تسرب الدخان الأسود إلى كل ما تبقى من يقين ، وفيما كانت غزة تدمر و يقتل شعبها و يجوع ، كانت مدن الضفة ومخيماتها تذبح تباعًا، فيما كانت السلطة الفلسطينية تمارس صمتها المريب كأنّها غريبة عن المشهد أو كأن الدم المسفوك لا يعنيها ، مخيم جنين دُمّر مرارًا، ثم لحقه طولكرم ونور شمس، ثم تحولت آلة الاجتياح نحو قلب المدن نفسها، في استباحة شاملة لا تفرّق بين شارع ومدرسة، ولا بين مسجد وسوق.

الاحتلال لم يكتفِ باجتياح المدن والمخيمات، بل أطلق مستوطنيه في جنون منظم لحرق ما تبقى من القرى الفلسطينية، من جنوب الضفة في مسافر يطا إلى سلفيت ورام الله، إلى بروقين ودير دبوان، حتى وصلت النيران إلى حوارة وبورين وبقية قرى نابلس ،ولم ينجُ أحد من هذا الحريق الممنهج: البيوت تُحرق، الأشجار تُقطع، الممتلكات تُنهب، والسكان يُضربون ويُطردون من أرضهم على مرأى ومسمع من العالم.

لكن كل ذلك لا يبدو كافيًا في عقل الاحتلال ، الاستيطان يتسارع ويتوغل، يقضم الأرض قطعةً قطعة، ويقطع أوصال الضفة بحواجز عسكرية تشبه المعابر بين دول متصارعة ، هذه الحواجز لا تكتفي بتقييد الحركة بل تمتهن كرامة الإنسان الفلسطيني يوميًا. فيما تُشن حرب اقتصادية موازية تستهدف المزارعين في الأغوار وتمنع العمال من الوصول إلى أماكن رزقهم داخل الخط الأخضر، كل ذلك مترافقًا مع قرصنة علنية لأموال المقاصة التي هي أصلًا فتاتٌ لا يسد رمق شعب.

في هذا الجحيم، تبدو السلطة الفلسطينية وكأنها تقف في زاوية الزمن، تتفرج على الحريق وتدير ظهرها للجمر ، فلا هي قادرة على حماية الناس، ولا هي راغبة في تغيير المعادلة، ولا حتى في الاعتراف بفشل مسارها السياسي الذي لم يثمر إلا التنسيق الأمني وحكمًا ذاتيًا بلا سيادة ، سنوات طويلة من الرهان على التفاوض والشرعية الدولية ، و اللهاث وراء الاحتلال بقمع اي فعل مقاوم او رافض للمحتل ، الى ان الاحتلال يدير ظهره ولا يعترف إلا بالقوة ولا يفهم إلا منطق السيطرة.

فماذا تنتظر السلطة الفلسطينية إذًا؟ أن تُباد الضفة بالكامل؟ أن يُهجّر الناس قسرًا في نسخة جديدة من النكبة؟ أن تعود إسرائيل إلى تقسيم الضفة كما تشاء، وتحويلها إلى كانتونات بلا اتصال، بلا مقاومة، بلا مستقبل؟

السؤال لم يعد أخلاقيًا فقط، بل سياسي من الدرجة الأولى: إن كانت السلطة عاجزة عن حماية الأرض والإنسان، وإن كانت لا تملك الإرادة أو القرار للانتقال إلى استراتيجية وطنية شاملة، فما هو مبرر وجودها؟ وهل يجوز أن تبقى قائمة بوظيفتها الإدارية والأمنية بينما تنهار فلسطين قطعة قطعة؟

ان ما يجري ليس فقط احتلالًا، بل مشروع اجتثاث جذري، يستهدف الهوية والوجود ، والمطلوب ليس بيانات إدانة ولا خطبًا جوفاء، او استجداء الآخرين ، بل قرارات مصيرية تبدأ بوقف التنسيق الأمني، وإعلان انهيار اتفاق أوسلو، والدعوة إلى مؤتمر وطني يعيد صياغة المشروع الفلسطيني برمته، مشروعًا تحرريًا لا يقبل التعايش مع الاحتلال ولا يسكت عن مجازره.