دولي

منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: التجويع في غزة جريمة حرب ومجلس الأمن مطالب بالتحرك

المسار : عقد مجلس الأمن الدولي مساء الأربعاء جلسة طارئة بطلب من المملكة المتحدة وسلوفينيا واليونان والدنمارك، لبحث التدهور الإنساني في الأراضي الفلسطينية، لا سيما في قطاع غزة، تحت بند “الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية”. وحضر الجلسة كل من توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق مساعدات الطوارئ، وكاثرين راسيل المديرة التنفيذية لليونيسف، إضافة إلى ممثلي فلسطين وإسرائيل وتركيا والاتحاد الأوروبي.

فليتشر: الأوضاع كارثية وتجويع المدنيين جريمة حرب

استهل فليتشر كلمته بتأكيد التزامه بالمبادئ الإنسانية التي فوضته بها الجمعية العامة، مشددًا على أن مهمته ليست إرضاء الأطراف المتحاربة بل الدفاع عن القانون الإنساني الدولي.

ووصف الوضع في غزة بأنه “يتجاوز الوصف”، وقال إن السكان يموتون وهم يحاولون إطعام أسرهم، مشيرًا إلى أن معدلات الجوع بين الأطفال بلغت مستويات قياسية في يونيو/ حزيران، حيث شُخّص أكثر من 5800 طفل بسوء تغذية حاد.

وأوضح أن 17 مستشفى فقط من أصل 36 تعمل بشكل جزئي، وأن النساء يلدن دون رعاية طبية، والأطفال يتقاسمون الحاضنات، فيما 70% من الأدوية الأساسية غير متوفرة. كما لفت إلى أن 80% من منشآت المياه والصرف الصحي تقع ضمن مناطق عسكرية أو خاضعة لأوامر إخلاء، ما يجعلها خارج متناول السكان.

أما على صعيد الوقود، فأكد أن إسرائيل سمحت بدخول شاحنتين فقط يوميًا، لأول مرة منذ 130 يومًا، وهو ما يمثل جزءًا ضئيلًا من الاحتياج اليومي، مع استمرار حظر دخول البنزين الذي يشغّل سيارات الإسعاف.

وفي الضفة الغربية المحتلة، تحدث فليتشر عن تصاعد العنف من قبل المستوطنين، مشيرًا إلى استشهاد شابين فلسطينيين نهاية الأسبوع قرب رام الله، أحدهما ضُرب حتى الموت والآخر أُصيب بالرصاص، فيما مُنعت سيارات الإسعاف من الوصول.

وأكد فليتشر أن “إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، ملزمة قانونًا بتوفير الغذاء والإمدادات الطبية، لكن هذا لا يحدث، بل يُعرّض المدنيون للقتل والتهجير القسري”.

وشدد على أن استخدام التجويع كسلاح “يمثل جريمة حرب”، في إشارة إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين وصف فيها أحدهم إدخال المساعدات بأنه “قرار كارثي”، وآخر اعتبر التجويع “مبررًا وأخلاقيًا”.

وعن ما يُسمى بـ”المدينة الإنسانية”، قال فليتشر إن مقترح نقل الفلسطينيين قسرًا إلى منطقة قرب رفح “لا يمكن وصفه بأنه عمل إنساني”.

ودعا فليتشر في ختام إحاطته إلى وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وإطلاق سراح الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، قائلًا: “أنتم مدينون بذلك للمدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين، وللأمل الأخير في سلام مستدام، ولميثاق الأمم المتحدة”.

راسيل: 28 طفلًا يُقتلون يوميًا في غزة

من جهتها، قالت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسيل، إن الأطفال الفلسطينيين يتعرّضون لمعاناة شديدة لا توصف. وأكدت أن أكثر من 17 ألف طفل استشهدوا منذ بداية الحرب، بمعدل 28 طفلًا يوميًا، أي “فصل دراسي كامل يُقتل كل يوم”.

وسردت راسيل مشاهد مأساوية، من بينها استشهاد طفل رضيع يُدعى محمد في غارة بعد نطقه كلماته الأولى بساعات، بينما كانت أمّه ترقد مصابة في المستشفى وهي تحتضن حذاءه الصغير. كما أشارت إلى استشهاد 10 أشخاص بينهم 7 أطفال خلال جمعهم مياه الشرب، و20 آخرين في موقع توزيع مساعدات تابع لمؤسسة غزة الإنسانية.

وأكدت راسيل أن 6,000 طفل في غزة يعانون من سوء تغذية حاد، بزيادة 180% منذ فبراير/ شباط الماضي، مشيرة إلى أن 95% من العائلات لا تحصل على مياه نظيفة، ما أدى إلى تفشي الأمراض.

كما أضافت أن 12,500 مريض، بينهم آلاف الأطفال، بحاجة إلى إجلاء طبي عاجل، إلا أن المرافق الطبية تعاني من نقص حاد في الأدوية والوقود، ما يعطل عمليات الإنقاذ ويترك بعض غرف العمليات في الظلام.

الجزائر: الصمت خيانة ومجلس الأمن عاجز

اتهم نائب المندوب الجزائري، توفيق الكويدري، مجلس الأمن بالعجز والتواطؤ، معتبرًا أن جلساته أصبحت مجرد سرد متكرر للفظائع دون اتخاذ أي خطوات فعلية.

الكويدري: جلسات مجلس الأمن أصبحت مجرد سرد متكرر للفظائع دون اتخاذ أي خطوات فعلية

وقال: “كيف نصدّق من يدافع عن الجريمة، بينما تقول اليونيسف إن فصلًا دراسيًا كاملًا يُقتل يوميًا؟”، وتساءل “من نصدّق، وجوه الغزيين الشاحبة أم رواية القاتل المزورة؟”.

وأشار إلى استهداف المستشفيات وتحويل مراكز المساعدات إلى أماكن للمجازر، مشددًا على أن “ما يجري في غزة، سواء سُمّي إبادة أو تطهيرًا عرقيًا، فإن النتيجة واحدة: آلاف يموتون دون محاسبة”.

ودعا الكويدري إلى وقف فوري لإطلاق النار وإغاثة السكان، قائلًا: “الصمت خيانة، ولا يكفي الإدانة بل يجب استخدام أدوات الفعل التي يمنحها ميثاق الأمم المتحدة”.

الولايات المتحدة: دفاع عن إسرائيل وانتقاد لفليتشر

بدورها، انتقدت ممثلة الولايات المتحدة بالإنابة، دوروثي شيا، إحاطة فليتشر، معتبرة أنها “حمّلت إسرائيل وحدها المسؤولية”، مؤكدة أن الولايات المتحدة لا تزال منخرطة في جهود الوساطة وإغاثة المدنيين.

وأشارت إلى تقارير تفيد بوجود عناصر مسلحة من حماس بين المدنيين في موقع تابع لمؤسسة غزة الإنسانية في خان يونس، قائلة إن المؤسسة “صادرت أسلحة ولديها أدلة على نوايا مبيّتة لافتعال الاضطرابات”.

كما اتهمت حماس بقتل ثمانية من العاملين في مؤسسة غزة الإنسانية يوم 11 يونيو/ حزيران، وكررت دعم واشنطن لوصول المساعدات لكن “بطريقة لا تسمح لحماس بالاستفادة”.

وفيما يخص الضفة الغربية، أعربت عن تعازيها بمقتل المواطن الأمريكي سيف الله مسلّط على يد مستوطنين، وطالبت بمحاسبة مرتكبي الجريمة.

واختتمت كلمتها بانتقاد من وصفتهم بـ”المدافعين عن نظام فاشل”، داعية إلى دعم مؤسسة غزة الإنسانية باعتبارها “الجهة الوحيدة التي تقدّم مساعدات منقذة للحياة”.

السفير ماجد بامية: قادة إسرائيل يشنّون حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني

وفي كلمة مؤثرة أمام مجلس الأمن الدولي، عرض نائب المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، السفير ماجد بامية، صورًا مروعة لأطفال استشهدوا في قطاع غزة، ردًا على من يبرر استهدافهم بذريعة استخدامهم دروعًا بشرية.

وقال بامية إن إسرائيل تقتل يوميًا نحو 100 فلسطيني في غزة، مستخدمة التجويع والتعطيش كسلاح حرب ضد مليوني إنسان، بينهم مليون طفل مهددون بالجوع والتشريد والموت. وقدّر عدد الأطفال الذين استشهدوا حتى الآن بأكثر من خمسين ألفًا، مضيفًا: “الأطفال يُقتلون وهم يبحثون عن الطعام أو الماء”.

وتابع: “هل بات العالم معتادًا على قتل الفلسطينيين حتى لم يعد يرى فيهم سوى أرقام؟ الفلسطيني في غزة يُقتل إن بحث عن الطعام أو لم يبحث، إن قصد المستشفى أو لم يقصد، فكل الطرق في غزة تؤدي إلى الموت. يجب أن نفتح ممرًا للإنقاذ”.

وشدد بامية على أن إسرائيل تسعى لإجبار الفلسطيني على خيارين: الموت أو الرحيل، مضيفًا: “هذا هو الحلّ الذي تقترحه إسرائيل، ‘الحق في الرحيل’ بدلًا من ‘الحق في العودة’”.

وأكد السفير الفلسطيني أن الحقوق الأساسية مثل الغذاء والماء ليست منّة من أحد، بل هي واجب قانوني وأخلاقي، مشيرًا إلى أن قادة إسرائيليين صرّحوا علنًا بأنه “لا يوجد بريء في غزة”، واصفين الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”.

وقال: “الإسرائيليون يعملون منذ 650 يومًا على مشروع تطهير عرقي منظم”، واستشهد بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي فرّق بين “أطفال النور وأطفال الظلام”، متسائلًا: “أليس هذا تبريرًا لقتل أطفال الظلام؟”.

وفي سياق متصل، أشار بامية إلى ما يحدث في الضفة الغربية المحتلة، موضحًا أن إسرائيل قتلت أكثر من ألف فلسطيني خلال عشرين شهرًا، وأجبرت نحو 40 ألفًا من سكان مخيمات طولكرم وجنين ونور شمس على النزوح، وهدمت منازلهم.

وأكد أن ما يحدث في غزة هو “حرب إبادة”، مشيرًا إلى أن العديد من المنظمات الدولية وخبراء القانون، بمن فيهم إسرائيليون، وصفوا ما يجري بذلك. وقال: “نحمّل المسؤولية لدولة إسرائيل، وليس للمدنيين أو لليهود، فكثير منهم يدافعون عن الحقوق الفلسطينية. موقفنا لا علاقة له بمعاداة السامية، بل هو وقوف إلى جانب العدالة”.

وختم كلمته بالقول: “لا يجب أن يقتصر دورنا على نقل الأخبار، بل يجب أن نتحرك لوقف حرب الإبادة، وإعلان وقف إطلاق النار، وضمان وصول المساعدات، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، والسماح للجميع بالعيش في حرية وعدل وسلام. أنقذوا غزة… كي تنقذنا غزة”.

وزير الخارجية التركي: إسرائيل تثير الفوضى في فلسطين وسوريا ولبنان وإيران

شهدت الجلسة حضورًا مفاجئًا لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي لم يُعلن مسبقًا عن مشاركته، ما حال دون تقديم كلمته قبل غيره وفقًا للبروتوكول.

فيدان: لا يوجد قانون إنساني لم تنتهكه إسرائيل

وانتقد فيدان مجلس الأمن الدولي بشدة، قائلًا: “هناك حقيقة واضحة لا شك فيها: مجلس الأمن لم يخذل فقط شعب غزة، بل خذل أيضًا الكرامة الإنسانية والقيم والمبادئ التي تأسست عليها الأمم المتحدة”.

وأكد أن إسرائيل لا تسعى إلى السلام أو الاستقرار في الشرق الأوسط، مضيفًا: “نحن نجتمع هنا بينما تستمر حرب الإبادة في غزة، حيث يُستخدم التجويع سلاحًا. لا يوجد قانون إنساني لم تنتهكه إسرائيل”.

وتابع: “لقد أعادت إسرائيل إنشاء معسكرات اعتقال بعد 80 عامًا من اندثارها، وتواصل اليوم استهداف الفلسطينيين، أطفالًا ونساءً دون تمييز. وهذا يحدث لأن البعض اختار أن يغض الطرف”.

وشدد فيدان على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية بكميات كبيرة عبر الأمم المتحدة ومن خلال كل المعابر، مؤكدًا أن ما يحدث في غزة هو حالة طوارئ إنسانية واختبار عميق لإنسانيتنا الجماعية.

وختم كلمته بدعوة واضحة: “ما يجب فعله واضح كالشمس: أوقفوا آلة الحرب الإسرائيلية. أوقفوا الإفلات من العقاب. أعلنوا وقفًا فوريًا ومستدامًا لإطلاق النار، الآن. اسمحوا بوصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق، الآن. وأعيدوا الالتزام الجاد والعاجل بحلّ الدولتين… الآن”.