المسار : مع انسحاب القوات الأمنية التابعة للحكومة السورية من محافظة السويداء بناء على اتفاق بين ممثلي الحكومة والفاعليات المحلية أمس الأربعاء، استفاقت المدينة اليوم على مشاهد صادمة حول حجم الدمار الذي لحق بها جراء المعارك التي دارت فيها وعند أطرافها خلال الأيام الأربعة الماضية، وسط عودة تدريجية حذرة للأهالي إلى بيوتهم، بينما فضلت عائلات أخرى، خاصة من البدو الرحيل خشية تعرضها لعمليات انتقام.
وتنفيذا للاتفاق، انسحبت جميع قوات الأمن والجيش التابعة لوزارتي الداخلية والدفاع باتجاه أطراف مدينتي درعا والسويداء، وذلك بعد معارك عنيفة استمرت لأربعة أيام متواصلة. وأكد مصدر عسكري رفض الكشف عن اسمه لـ”العربي الجديد”، أن الأوامر جاءت بالانسحاب الفوري من السويداء إلى الثكنات العسكرية، مضيفًا “جميع الجنود والمقاتلين انسحبوا تنفيذًا لتوجيهات القيادة، بما في ذلك عناصر من حركة شيخ الكرامة، وعلى رأسهم القائد ليث البلعوس”، مشيرا إلى أن وجهتهم التالية ستكون العاصمة دمشق.
وما تزال الأوضاع في السويداء تتسم بالغموض والتوتر، وسط مخاوف من موجات انتقام أو تصعيد جديد، في ظل غياب السلطة الأمنية وانتشار حالة من الذعر في صفوف المدنيين، فيما انتشرت مجموعات مسلحة محلية في كامل قرى الريف الغربي التي انسحبت منها قوات وزارتي الدفاع والداخلية. وخلال تجوال مراسل “العربي الجديد” في مناطق الدور، المزرعة، وولغا التي تقع على طريق السويداء، لاحظ خلوّها التام من أي وجود عسكري، في حين عاد بعض الأهالي لتفقد منازلهم، ليفاجأوا بتعرضها للحرق أو الضرر الشديد نتيجة المواجهات الأخيرة.
وفي مشهد آخر، رصد “العربي الجديد” حركة نزوح كبيرة لعدد من العائلات، لا سيما من أبناء البدو. حيث قال المواطن حسام الخالد من قرية الدور: “شهدنا أيامًا قاسية من المعارك، وانعدمت أبسط مقومات الحياة، وأطفالنا في حالة من الرعب الدائم. وبعد انسحاب القوات، بتنا نجهل ما ينتظرنا، لذا نرحل بحثًا عن الأمان”، في حين قالت عائشة الأحمد “عدنا إلى منازلنا فوجدنا الحرائق والخوف، ولا نعرف ما الذي قد يحدث بعد عودة بعض الجهات المسلحة، فقررنا الرحيل لحماية أطفالنا وعائلاتنا”.
ونشرت شبكات محلية من داخل مدينة السويداء المشاهد والصور حول حجم الدمار والتخريب في المدينة بعد انسحاب قوات الحكومة، مشيرة إلى أن الكثير من الجثث وجدت في الشوارع والسيارات وداخل البيوت. ولفتت إلى أن المستشفى الوطني، أكبر مستشفيات المحافظة بات خارج الخدمة، ويغص بالجثث، وسط انقطاع الكهرباء منذ أربعة أيام في معظم مناطق المحافظة وبنيتها التحتية تعرضت للتخريب، إضافة إلى انقطاع شبه كامل للاتصالات، وتوقف الكثير من آبار المياه عن الضخ نتيجة انقطاع الكهرباء والمحروقات، كما أن محطات الوقود فارغة، المحال التجارية مقفلة مع فقدان المواد الغذائية.
ودعا ناشطون إلى إعلان السويداء منطقة منكوبة، نظراً للمأساة الإنسانية الكبيرة التي خلفتها العمليات العسكرية. وكانت الحكومة السورية قد توصلت أمس إلى اتفاق مع الفاعليات الروحية في المحافظة قضى بوقف إطلاق النار وعودة قوات الجيش إلى ثكناتها، وتشكيل لجنة مراقبة مكونة من الدولة السورية ومشايخ الطائفة، للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار، ونشر حواجز الأمن الداخلي والشرطة من الدولة ومنتسبي الشرطة من أبناء المحافظة في جميع أنحاء مدينة السويداء والمناطق المجاورة، والاستعانة بضباط وعناصر الشرطة الأكفاء من أبناء محافظة السويداء، لتولي مهام قيادية وتنفيذية في إدارة الملف الأمني في المحافظة.
كما نص الاتفاق على “التوافق على آلية لتنظيم السلاح الثقيل بالتعاون مع وزارة الداخلية والدفاع، بما يضمن إنهاء مظاهر السلاح خارج إطار الدولة بالتنسيق مع الوجهاء والقيادات المحلية والدينية، مع مراعاة الخصوصية الاجتماعية والتاريخية لمحافظة السويداء”. كما قضى بـ”الاندماج الكامل للسويداء ضمن الدولة السورية، والتأكيد على السيادة الكاملة للدولة السورية على جميع أراضي محافظة السويداء”، إضافة إلى إعادة تفعيل جميع مؤسسات الدولة في جميع مناطق السويداء.