المسار : اختتمت زيارة مسعد بولس، المستشار الرفيع للرئيس الأمريكي لشؤون أفريقيا والعالم العربي والشرق الأوسط، إلى الجزائر، بتأكيد الطرفين عزمهما على تقوية العلاقات الثنائية والارتقاء بها إلى مستويات أعلى، في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وفي تصريح للصحافة عقب استقباله من قبل الرئيس عبد المجيد تبون، شدد بولس وهو صهر الرئيس ترمب أيضا، على أن الولايات المتحدة الأمريكية تولي أهمية بالغة لعلاقاتها مع الجزائر، وتتطلع إلى تعزيز التعاون المشترك، لا سيما فيما يتعلق بتحقيق السلام والاستقرار في أفريقيا، ومحاربة الإرهاب وتأمين الحدود وتعزيز التجارة العادلة، وذلك في إطار من الاحترام المتبادل والحوار.
وأوضح أن لقائه مع الرئيس الجزائري سمح بتجديد التأكيد على الروابط الراسخة التي تجمع بين البلدين، ومناقشة رؤية الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، حول سبل التعاون لتحقيق المصالح المشتركة. كما أشار إلى أنه استمع لوجهة نظر الرئيس تبون بشأن التحديات الحاسمة التي تواجه أفريقيا والمنطقة ككل، والفرص المتاحة للتنسيق في مواجهتها، خصوصا في منطقة الساحل.
وأكد بولس أن المحادثات التي أجراها في الجزائر تناولت كذلك إمكانات تعزيز التعاون التجاري، لا سيما في قطاع الطاقة وقطاعات أخرى واعدة. وبدت الإشارة هنا إلى الرسوم الجمركية التي رفعها ترامب إلى مستوى 30 بالمائة على الجزائر، والتي قابلتها الجزائر بعدم الاعتراض من خلال تصريح الرئيس عبد المجيد تبون الأخير في لقائه التلفزيوني، والذي قال فيه إن “رفع الرسوم قرار سيادي يخصهم ولن يؤثر على الجزائر لأن حجم التجارة الخارجية معها لا يتعدى 0.5 بالمائة”.
كما التقى بولس، خلال زيارته، وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، حيث ثمّن استمرار الحوار بين الجانبين في ظل عضوية الجزائر الحالية في مجلس الأمن الدولي، مشيراً إلى أن البلدين يتقاسمان مصلحة مشتركة في إرساء عالم أكثر سلماً واستقراراً. وأضاف: “نعمل معا لمواجهة بعض من أصعب المشاكل في العالم”.
وأعرب المسؤول عن تطلعه إلى استكشاف مزيد من آفاق التعاون المشترك، بما يخدم مستقبل العلاقات الجزائرية الأمريكية.
وبدا لافتا من خلال تصريح مستشار ترامب تجنبه الحديث عن قضية الصحراء الغربية بشكل علني أمام الإعلام، وهي المسألة التي كان قد تحدث عنها شهر نيسان/ أبريل الماضي عندما أعلن بشكل رسمي زيارته للجزائر والمغرب، مبرزا في تصريحات أثارت جدلا واسعا أن “الاعتراف الأمريكي بسيادة هذا الإقليم ليس مطلقا بل مشروطا برضا الصحراويين”.
وقال بولس حينها في تصريحات لقناة العربية: “لو رجعنا إلى إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيادة المغرب على الصحراء الغربية في 2020.. صحيح أنه منح السيادة للمغرب، ولكن تضمن كلامًا مهمًا جدًا يتعلق بالحوار والتوصل لحل مرضٍ لجميع الفرقاء. لم يكن إعلانًا مطلقًا بشكل مقفل، بل تُرك الباب للحوار للتوصل لحل يرضي الطرفين”.
ولفت مستشار الرئيس الأمريكي إلى أهمية التوصل إلى حل نهائي يراعي أوضاع اللاجئين الصحراويين، مشيرا إلى أن “الصحراء الغربية ملف مهم جدًا عمره 50 سنة”. وأضاف قائلا: “يهمنا الحل النهائي للصحراويين، لا ننسى أن هناك 200 ألف صحراوي لاجئ يعيشون في الجزائر”.
ونُظر إلى تلك التصريحات في الجزائر على أنها إعادة للتوازن في النظرة الأمريكية لملف الصحراء الغربية، بالتأكيد على حق الصحراويين عبر ممثلهم جبهة البوليساريو في التفاوض كطرف أساسي في النزاع، في مقابل النظرة التي تؤيد بشكل مطلق دعم مخطط الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كحل أوحد لنزاع الصحراء الغربية، وهو ما ترفضه الجزائر المؤيدة لحق تقرير مصير الصحراويين وفق مقررات الأمم المتحدة.
وخارج خلاف الصحراء الغربية، لم تعترض علاقات الجزائر بالولايات المتحدة منذ إعادة انتخاب ترامب للرئاسة إشكالات خاصة، حيث يبدي البلدان رغبة أكبر في تعميق العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بينهما، في وقت أعلنت كبرى شركات النفط الأمريكية اقتحامها السوق الجزائرية.
وفي آخر تصريح له، شدد الرئيس تبون، على أن الجزائر صديقة لأمريكا ومن يظن العكس مخطئ، مضيفاً أن للجزائر اتفاقيات عسكرية معها، مذكرا في هذا السياق، باستقباله لرئيس الأفريكوم 3 مرات.
وفي بداية العام الجاري، أبرمت الجزائر والولايات المتحدة مذكرة تفاهم في المجال العسكري بمناسبة زيارة قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم”، الفريق أول مايكل لانغلي، والتي أكد المسؤول الأمريكي أنها “تؤسس لجميع الأهداف الأمنية المشتركة التي تم بناؤها بين البلدين منذ سنوات”، حيث ستسمح- مثلما قال- بـ”تعميق أكبر لهذه العلاقة من أجل تعزيز الأمن والسلم الإقليمي والدولي”.
وفي جانب آخر من العلاقات، أعلن في الجزائر عن توقيع كل من الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات “النفط” وشركة “شيفرون” الأمريكية، على اتفاقية لإنجاز دراسة حول إمكانات موارد المحروقات في المناطق البحرية الجزائرية. وتهدف هذه الاتفاقية، التي تمتد لمدة 24 شهرا، وفق وزارة الطاقة الجزائرية، إلى إنجاز دراسة معمقة لتقييم إمكانيات الموارد النفطية في المنطقة البحرية الجزائرية.
والشركات التي تستهدف الجزائر استقطابها بالإضافة لشفرون هي أكسيدنتال وإكسون موبيل، وهي المؤسسات النفطية الأكبر في أمريكا. وفي بداية العام الماضي، دخلت وزارة الطاقة الجزائرية في محادثات مع شركة إكسون موبيل في مجال تطوير المحروقات، لاسيما في مجال المنبع البترولي والغازي.
وخلال العهدة الأولى لترامب كانت العلاقات بين البلدين طبيعية، باستثناء الأيام الأخيرة من ولاية هذا الرئيس التي سعى فيها إلى فرض اتفاقيات أبراهام على الدول العربية من أجل التطبيع مع إسرائيل، وهو ما عارضته الجزائر التي عبّرت على لسان رئيسها عن رفض منطق الهرولة للتطبيع على حساب القضية الفلسطينية، إلى جانب استهجانها لاحقا إقحام قضية الصحراء الغربية ضمن صفقة التطبيع على حساب مبدأ “حق تقرير مصير الصحراويين” الذي تدافع عنه.