نساء غزة.. وجوه الصمود في زمن الإبادة والنزوح

Loai Loai
3 Min Read

غزة –المسار:  في قطاع غزة المحاصر، حيث لا يمرّ يوم دون فقدٍ جديد، تواصل النساء كتابة فصولٍ من الصمود في مواجهة الموت والتهجير والدمار، وسط حربٍ إسرائيلية أفرغت البيوت من ساكنيها، وحوّلت المدارس إلى ملاجئ مكتظة بالألم والذكريات.

وخلال جولة ميدانية لمراسل المسار داخل عدد من مراكز الإيواء شمال ووسط غزة، رُصدت شهادات ثلاث نساء تختزل معاناة آلاف العائلات النازحة، بين أرامل ومعتقلات وأمهات لشهداء، في مشهد إنساني يختصر حجم الكارثة التي يعيشها القطاع.

في مدرسة الرافدين بحي الشيخ رضوان، تجلس إيمان الجراح وسط فوضى النزوح، تحمل في قلبها وجع الفقد بعد أن استُشهد زوجها في موقع “زيكيم”. لم ترَ إيمان جثمانه، ولم تحظَ بوداعه أو حتى قبر تقف عنده. تقول بصوتٍ متعب:

> “لم أرَ زوجي شهيدًا، ولم أودّعه، حتى قبر أزوره لا يوجد. فقط كلمات صديقه التي أكدت رحيله وتركتني معلقة بين الصدمة والانتظار. أبنائي يسألون عن أبيهم، وأنا عاجزة عن إجابة تُبرد قلوبهم الصغيرة”.

وتحاول إيمان أن تمنح أطفالها شعورًا بالحياة رغم قسوة المكان، تخفي دموعها بابتسامةٍ مصطنعة، وتحمل في قلبها خوفًا لا ينطفئ من غدٍ مجهول.

أما مروة عسلية، فتعيش ألمًا من نوعٍ آخر؛ إذ اعتقل الاحتلال زوجها أثناء نزوحهم جنوبًا بعد اجتياح خانيونس، ولم يصلها أي خبر عنه منذ ذلك اليوم. في مدرسة حسن البصري، تجلس مروة محاطة بأربعة أطفال، وحماتها، وابنتها المقعدة. تقول وهي تحاول تماسك صوتها:

> “كل ليلة يسألني أبنائي: متى يعود أبي؟ لا أعرف ماذا أقول لهم.. أحاول أن أزرع فيهم الأمل، لكن قلبي يعرف أن السجون ظالمة، وأن الغياب طويل. أصعب ما في الأمر أن أرى دموعهم دون أن أستطيع مسحها”.

وسط النزوح والقصف المستمر، أصبحت مروة الأم والأب والسند، تحاول أن تحمي عائلتها بما بقي لها من قوة، في وقتٍ تتلاشى فيه مقومات الحياة.

وفي مدرسة أخرى، تقف نعمة أبو خوصة أمام فرنٍ صغير، تُعدّ أرغفة خبز لأطفالها الأربعة بعد أن فقدت زوجها شهيدًا. انضمت نعمة إلى مشروع نسوي لإنتاج الخبز، محاولةً تأمين قوت يومهم والحفاظ على شعورٍ بالاستقرار وسط الانهيار العام. تقول وهي تخرج الأرغفة الساخنة:

> “أولادي لا يعرفون معنى أن يكون لهم أب رحل ولن يعود.. أحاول أن أطعمهم من عرقي، أن أجعلهم يشعرون أن الحياة لم تنتهِ بعد. الخبز الذي أعدّه كل يوم ليس مجرد طعام، إنه رسالتي لهم: نحن باقون”.

في مراكز الإيواء، تختلط مشاعر النساء بين الغضب والحزن واليأس والإصرار، لكنهن ينسجن خيوط الأمل وسط الركام. قصص إيمان ومروة ونعمة ليست سوى نماذج لآلاف الفلسطينيات اللواتي يكتبن، رغم الجراح والدموع، حكاية بقاءٍ أقوى من الموت والإبادة.

Loading

Share This Article