المسار : اتهم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أوروبا بأنها فشلت في الرد على حرب غزة. وحذّر، في مقابلة مع صحيفة “الغارديان”، من تراجع الموقف الأوروبي العالمي بسبب ما قال إنها “معايير مزدوجة” بين أوكرانيا وغزة.
ووصف، محذّرًا، أن الرد الأوروبي على حرب إسرائيل في غزة هو واحدة من أسود الحلقات في العلاقات الدولية بالقرن الحادي والعشرين.
وكان سانشيز يتحدث، قبل لقائه مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اليوم الأربعاء في لندن. وأضاف أن الولايات المتحدة، في ظل الرئيس الحالي دونالد ترامب، تحاول إنهاء قواعد ما بعد الحرب العالمية الثانية التي قام عليها النظام الدولي، وساعدت أمريكا على كتابتها.
سانشيز: لا يمكننا الصمود لفترة أطول إذا أردنا تعزيز مصداقيتنا في أزمات أخرى، مثل الأزمة التي نواجهها في أوكرانيا
كما دافع عن فوائد الهجرة، وألقى باللوم على الأحزاب اليمينية التقليدية لخرقها الإجماع حول الرد على حالة الطوارئ المناخية بتقليد سياسات منافسيها الشعبويين. وأعرب سانشيز، وهو أول زعيم أوروبي بارز يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، عن سروره لأن دولًا أوروبية أخرى تحذو حذو إسبانيا في الاعتراف بدولة فلسطينية، لكنه أقر بأن استجابة أوروبا كانت ضعيفة.
وقال عن غزة: “إنه فشل”، و”بالتأكيد، فإن دول الاتحاد الأوروبي منقسمة بشأن كيفية التأثير على إسرائيل. لكن برأيي، هذا غير مقبول، ولا يمكننا الصمود لفترة أطول إذا أردنا تعزيز مصداقيتنا في أزمات أخرى، مثل الأزمة التي نواجهها في أوكرانيا”.
وأضاف: “جذور هذه الحروب مختلفة تمامًا، وفي نهاية المطاف، ينظر العالم إلى الاتحاد الأوروبي، وكذلك إلى المجتمع الغربي، ويتساءل: لماذا تطبقون معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا وغزة؟”.
ويواجه سانشيز سلسلة من مزاعم الفساد المدمّرة التي أضرت بحكومته، وزادت الدعوات لإجراء انتخابات عامة مبكرة، إلا أن سانشيز حثّ أوروبا على بذل المزيد من الجهود، بما في ذلك معاقبة إسرائيل ماليًا، وقال: “ما نشهده الآن في غزة ربما يكون من أسود فترات العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين، وفي هذا الصدد، ما يجب أن أقوله هو أن إسبانيا كانت صريحة جدًا داخل الاتحاد الأوروبي، وكذلك داخل المجتمع الدولي”. وأضاف: “ما قمنا به داخل الاتحاد الأوروبي حتى الآن هو الدعوة إلى تعليق الشراكة الإستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل”.
ودافع سانشيز عن العلاقات الإسبانية- الأمريكية، رغم خلافه مع ترامب بشأن رفض بلاده الاستجابة لمطالب الرئيس الأمريكي بتخصيص 5% من الناتج المحلي العام للدفاع، قائلًا إن إسبانيا “شريك موثوق” في حلف الناتو. وأكد التزامه بالحفاظ على “أفضل علاقة مع الولايات المتحدة”، بغض النظر عمّن يتولى الرئاسة، ورغم سياسات ترامب الانعزالية.
وقال: “مع كامل الاحترام، لدينا نهج عملي في علاقتنا مع الولايات المتحدة”، و”في الوقت نفسه، أعتقد أن لدينا رؤية مختلفة حول كيفية مواجهة التحديات التي يواجهها العالم ومجتمعاتنا، وأعتقد أن الانسحاب من اتفاقية باريس وخفض المساهمات في برامج المساعدة ومنظمة الصحة العالمية خطأ فادح. ولكن في نهاية المطاف، تواجه مجتمعاتنا تحديات عالمية لا تعرف الحدود، ونحن بحاجة إلى تعزيز تعاوننا وتضافر جهودنا”.
وحذّر رئيس الوزراء الإسباني من أن انسحاب الولايات المتحدة من المؤسسات الدولية سيفتح المجال للآخرين بلعب دور دولي أكبر، قائلًا: “الحقيقة الأكثر إثارة للصدمة التي نواجهها هي أن المهندس الرئيسي للنظام الدولي، وهو الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، يضعف هذا النظام الدولي الآن، وهذا أمر لن يكون إيجابيًا للمجتمع الأمريكي أو لبقية العالم، وخاصة الدول الغربية”. وأضاف: “لهذا السبب أعتقد أن هناك فرصة للاتحاد الأوروبي وكذلك للمملكة المتحدة”.
وأضاف أنه مع استمرار الدول الأوروبية في الولاء “للرابطة عبر الأطلنطي”، فإنها يمكن أن تعزز قوتها ونفوذها إذا تصرفت بشكل أخلاقي ومتسق.
وتساءل قائلًا: “ماذا يعني ذلك؟ يعني أننا بحاجة إلى تجنب هذه المعايير المزدوجة، ويعني أننا بحاجة إلى تعزيز التزامنا في ما يتعلق بالميثاق الأخضر، ويعني أننا بحاجة إلى رؤية إنسانية وأخلاقية ورؤية براغماتية أيضًا، في ما يتعلق بالهجرة”.
وأضاف: “في السياسة، كما في الحياة، عندما تترك فجوة، هناك دائمًا من سيملؤها. وأعتقد أن هذا ما نشهده أيضًا عندما يتعلق الأمر ببعض دول شرق آسيا”.
سانشيز: ما نشهده الآن في غزة ربما يكون من أسود فترات العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين
وأشارت الصحيفة إلى أن اجتماع الأربعاء في لندن هو أول قمة ثنائية مهمة بين زعيمي البلدين منذ أكثر من عقد. وقد أصبح ذلك ممكنًا بفضل توصل المملكة المتحدة وإسبانيا إلى اتفاق بشأن مستقبل جبل طارق، ما أنهى النزاع الطويل الأمد حول الإقليم بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسمح بتسهيل حركة الأشخاص والبضائع عبر الحدود.
وفي الوقت الذي اتخذ فيه ستارمر وحكومته العمالية موقفًا متشددًا بشأن الهجرة، كان سانشيز صريحًا بشأن الفوائد التي يمكن أن تجلبها. وقال: “المعضلة التي تواجهها المجتمعات الغربية هي: هل نختار أن نكون مجتمعًا منفتحًا ومتناميًا، أم مجتمعًا منغلقًا ومتقلصًا؟”. وأضاف: “حتى الآن، أعتقد أن الغالبية العظمى من المواطنين في إسبانيا يدركون جيدًا أن الهجرة فرصة وليست مجرد واجب أخلاقي. إنها فرصة للاستجابة بفعالية للتحديات التي نواجهها في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي وسوق العمل أو المساهمة في تمويل دولة الرفاه لدينا في الحاضر والمستقبل”.
وكان سانشيز قد أعلن، في وقت سابق، عن خطة من 10 نقاط لمواجهة التحديات والطوارئ المناخية لمساعدة إسبانيا، لكنه حذّر أيضًا من أن جهود معالجة الأزمة تُقوَّض من قبل أحزاب اليمين التي تتبنى خطابات اليمين المتطرف، وقال: “بالطبع، هناك يمين متطرف ينكر حقيقة حالة الطوارئ المناخية”. وأضاف: “المشكلة التي نواجهها الآن هي وجود أحزاب يمينية تقليدية ربما لا تنكر الواقع العلمي، لكنها تتصرف كما لو أن تغير المناخ غير موجود، وهذه هي المشكلة الأكبر. كما أعتقد أن محاولة أحزاب اليمين التقليدية- وليس اليمين المتطرف- تحويل الأدلة العلمية حول تغير المناخ إلى صراعات أيديولوجية وسياسية هي أكبر خطأ ترتكبه أحزاب اليمين. وهذا أمر نواجهه في إسبانيا”.